هل نحن منشغلون عن الاستمتاع بالحياة؟
ترجمة بتصرّف لمقال:(Are we too busy to enjoy life? By Anne-Laure Le Cunff)
مصدر الصورة:(Unsplash, @martinirc)
كتابة:Anne-Laure Le Cunff
ترجمة: نوف القحطاني.
تدقيق ومراجعة: ريم ريحان reemrayhan@
المراجعة النهائية: أسامة خان.
يسألك صديق: «كيف تسير أمورك؟»، فتجيب: «مشغول جدًا وسآخذ قسطًا من الراحة عندما تستقر الأمور».
اكتشفت مؤخرًا أنني في كل مرة أُسأل عن حالي أُلقي أنواعًا مختلفة من هذه الأعذار، «لدي أعمال كثيرة، وآمل أن يكون الأسبوع القادم أفضل»، قد يمنحنا الانشغال طيلة الوقت وهمًا بالإنتاجية وهذا قد يُشعرنا بالاطمئنان، ولكن أليس هنالك خطر بكوننا منشغلون عن الاستمتاع بالحياة؟
من المؤسف أن الانشغال عند البعض ليس باختيارهم، كالطلاب الذين يعملون في دوام جزئي كي يدفعوا تكاليف دراستهم، والآباء الذين يضطرون للعمل بوظيفتين لسدّ حاجتهم، أيضًا لا يتمتع الكل بحرية إدارة وقته بالطريقة التي يراها مناسبة، وفي المقابل هنالك العديد من الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة، ومع ذلك يهرعون من مهمة إلى أخرى دون أن يتوقفوا ليسألوا أنفسهم هذا السؤال: هل أستمتع حقًّا؟ أم أن هذه المهام فقط تُشغلني عن الاستمتاع بالحياة؟
تُظهر بعض الأبحاث أن البشر يميلون إلى الانخراط فيما يشغلهم حتى وإن شعروا بأنه بلا معنى، يصف د.برين براون من جامعة هيوستن أن كونك «مشغولًا بالعمل» هي مجرد طريقة مُخدّرة نستخدمها لتفادي واقعنا.
نحن نخشى البطالة لأن التوقف سيعني ضرورة التفكير فيما نريده حقًا وما نملكه حالًا، فتبدو الفجوة أحيانًا واسعة جدًا، لذلك نُفضل البقاء في عجلة الهامستر.
أن تنشغل يعني أن تتخذ آلية دفاع، وهي طريقة لتفادي تفكيرك بالحاضر عن طريق تحميل نفسك الكثير من المسؤوليات ومواعيد التسليم وقائمة مهام طويلة… إذ أن إثقال كاهلنا بما لا طاقة لنا به قد يجعلنا نعتقد أننا نسير في المسار الصحيح أو على الأقل في مسارٍ ما، ومع ذلك عادة ما تجعلنا الدورة المستمرة بالمهام التي ننفذها من دون تفكير في حالة من الركود، من منا حقّا ينظر إلى قائمة مهامه في آخر السنة ويقول بفخر: «أوه! لقد أنجزت العديد من المهام هذه السنة»؟
علينا أن نأخذ جودة عملنا في عين الاعتبار بدلًا من قياس تقدمنا بمقدار إنتاجيتنا، وليست فقط جودة المخرجات -التي عادة ما تُقاس بمقاييس مُعدّة خارجيًا- ولكن جودة تأثيرها على صحتنا العقلية والجسدية، «هل أحسست أن العمل محفز فكريًا؟ هل تعلمت أمرًا جديدًا؟ هل ساعدني في تنمية فضولي؟ هل منحني فرصة التواصل مع أشخاص رائعين؟» هذه أسئلة منطقية نطرحها عندما يُمثل العمل جزءًا كبيرًا من حياتنا.
قال هرقليطس: «لا يمكنك أن تقف على نفس مياه النهر مرتين مادامت المياه مستمرة في تدفقها» والوقت مثل النهر، فإن كنت مشغولًا جدًا عن الاستمتاع بالحياة أو مشغولًا عن قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء أو مشغولًا جدًا عن تعلم الرسم أو مشغولًا جدًا عن الذهاب في رحلة سير على الأقدام أو مشغولًا عن طهي طبق لذيذ لنفسك، ستنقضي هذه اللحظات ولن تستعيد ذلك الوقت مجددًا.
ربما تعتقد أن الأوان قد فات ولكنه ما فات بعد، وأنا شخصيًا أعاني من قلق الوقت مثل العديد من الأشخاص -الفكرة المتكررة بأن الوقت قد فات لبدء أو إنجاز ما هو جديد- ولكن قد يكون في الواقع مازال أمامك العمر المديد، أيضًا أن تعرف ماذا يعني لك «قضاء الوقت فيما هو مفيد» وأن تعير هذه اللحظات اهتمامك، هي من أعظم الهدايا التي تقدمها لمستقبلك.
في المرة القادمة عندما تفكر في تعلّم أمرٍ جديد أو عندما يسألك أحد الأصدقاء فيما إذا كنت ترغب في أن تعملا معًا شيئًا ما أو أن تتحدثا معًا وتكون إجابتك التلقائية هي: «أنا مشغول جدًا»، تمهل قليلًا وفكّر فيما إذا كنت مشغولًا بالفعل أم لا، وإن كنت كذلك فهل قيمة هذا الانشغال على المدى الطويل أكبر من تعلم ما هو جديد أو من قضاء الوقت مع صديقك؟
قد تكون في الواقع تمر بمرحلة مؤقتة من العمل في مشروع ممتع ولكنه مُهلك تمامًا ولا بأس بذلك، فمثل هذه الأنشطة التي تشعر فيها بالشغف هي ما يجعلك تنمو وتتطور، ولكن إن كانت إجابتك «أنا مشغول جدًا» تتكرر كثيرًا فقد تحتاج إلى النظر فيما إذا كنت ستستمر على هذا النحو لفترةٍ طويلةٍ من الزمن أم لا.
مرة أخرى إن كان هذا هو حالك فأنت محظوظ، لأن المشكلة تكمن في أننا عادة لا نستغرق وقتًا كافيًا للتفكير إن كان لدينا خيار آخر، مما يعني أننا نُخدّر عقولنا بالعمل، أن تكون مشغولًا في عملٍ ممتع هذا أمرٌ محمود، ولكن أن تنشغل عن الاستمتاع بالحياة وقضاء الوقت مع من تُحب واستكشاف كامل إمكانياتك فهذا أمرٌ لا تحمد عواقبه، وإن كنت من الأشخاص الذين يتمتعون بحرية الاختيار فأعد النظر بالأمر لتُحقق الاستفادة القصوى من هذه الحرية.
أحدث التعليقات