إدارة الوقت أكثر من مجرد أساليب سريعة لتحسين حياتك

ترجمة بتصرّف لمقال: (Time Management Is About More Than (Life Hacks, By Erich C. Dierdorff

بقلم: إيرك ديردورف
ترجمة: أماني الهوساوي @amani0wishes
تدقيق ومراجعة: ليلى عامر @_la_yla
مراجعة نهائية: أسامة خان


متطلبات المشروع في ازدياد، وتأخرٌ عن المواعيد النهائية، وقائمة مهام يبدو أنها لم ولن تنتهي، هذه المواقف شائعة جدًا في الحياة والعمل. مع حلول موسم اتخاذ القرارات للسنة الجديدة، يحاول العديد من الناس بجسارة تحقيق أهداف تتضمن إدارة جيدة للوقت، وزيادة الإنتاجية، والتركيز على الأمور المهمة، ولا شك أن من المهم تنمية مهارات كهذه لتحقيق النجاح الوظيفي. ويكفينا الاطلاع على الاستبيانات واسعة النطاق التي دائمًا ما تستنتج أن مهارات إدارة الوقت توجد بين أكثر مهارات القوى العاملة طلبًا، بل وفي الوقت ذاته من بين أندر المهارات التي قد توجد.

لذا كيف ندير وقتنا بفعالية أكبر؟ من المؤكد بأن النصائح كافيةٌ ووافية في الكتب والمدونات والتطبيقات وجميعها وضعت لتعزيز إدارة الوقت بمجموعةٍ من الأدوات الجاهزة للتطبيق. إلا أن الواقع الأشد إحباطًا للأشخاص الذين يسعون إلى تحسين إدارة وقتهم هو أنه بغض النظر عن مدى فعالية تصميم هذه الأدوات إلا أن تطبيقها أمرٌ مستبعد. فهذه الأدوات ببساطة تحسب مجموعة المهارات الأساسية التي يجيدها الشخص، ولكن المهارات التي تتضمن إدارة الوقت تفوق كفاءة أي أداةٍ أو تطبيق. فمثلًا هل يتوقع أي شخص منا أن شراء مجموعة جيدة من السكاكين ومعدات المطبخ المتطورة والمكونات الطازجة من شأنه أن يجعل أحدهم طاهٍ محترف؟ قطعًا لا. كذلك فإن استخدام تطبيق تنظيم المهام بدون إجادة المهارات الأساسية لإدارة الوقت مستبعدٌ أن يؤتي ثماره.

لحسن الحظ يوجد ثراءٌ في الأبحاث التي تتعمق في المهارات الداعمة لإدارة الوقت. وهنا تُعرَّف إدارة الوقت بأنها عملية اتخاذ القرارات التي تنظم وتصحح وتحفظ وقت الإنسان في الظروف البيئية المتغيرة. إليك ثلاث مهارات محددة فاصلة بين النجاح والفشل في إدارة الوقت:

  • الوعي: التفكير بوقتك عمليًا إدراكُ محدوديَّته.
  • التنظيم: خطط ورتب أهدافك وخُططك وجدولك ومهامك كي تستفيد من وقتك بفعالية.
  • التكيف: راقب قضائك لوقتك أثناء أدائك أنشطتك، ومنها مقاومة التشتت أو تغيير الأولويات.

التنظيم هو الأكثر شيوعًا من ضمن العوامل الثلاثة، لا سيما أن أغلب التطبيقات والنصائح تستعرض الجداول الزمنية والتخطيط، إلا أنه لا يوجد نفس الإدراك الشائع بمهارات الوعي والتكيف. وذلك يثير تساؤلاتٍ مهمة حول مكانة هذه المهارات من منظور تنموي: ألهم نفس الأهمية؟ هل إتقان بعض المهارات أكثر صعوبة من الأخرى؟ وهل بعضها أكثر ندرة؟

قياس مهارات إدارة الوقت

للإجابة على هذه التساؤلات، حللت نتائج أكثر من ١,٢٠٠ شخص شاركوا في محاكاة صغيرة مدتها ٣٠دقيقة، والتي صممت لتقييم مهارات إدارة الوقت موضوعيًا. كُلف المشتركون بعمل حر كمصممين، وكان عليهم تنظيم مهامهم وعلاقاتهم مع العملاء والزملاء، ضمن منصة اتصال كاملة مزودة برسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية والملفات الموجودة على شبكة الإنترنت وغيرها. ومن المشكلات التي واجهتهم هي التعامل مع تعارض المواعيد وترتيب مطالب العميل في أولويات وكذلك اختيار كيفية قضاء أوقاتهم.

وقد أظهرت البيانات عدة نتائج مقنعة. أولًا، جميع المهارات الثلاثة لها نفس الأهمية بالتساوي في مجمل تحقيق إدارة الوقت. بناءً على ذلك فإن الاعتماد فقط على تطوير التخطيط وجدولة المهام -أي مهارات التنظيم- يفرط في ثلثي الكفاءة اللازمة لتنظيم الوقت بنجاح. وهذا قد يفسر إحساسنا بالإحباط الشديد عند تجربة وسيلة جديدة ومن ثم نشعر بعدها وكأننا لم نحرز أي تقدم لنصبح قادرين على إدارة الوقت إدارةً مثلى.

ثانيًا، أكثر ما يعانيه الناس هي مهارات الوعي والتكيف، حيث كان معدل التقييم أقل بـ ٢٤٪؜ من مهارات التنظيم. وقد أفادت البيانات أن مهارات الوعي والتكيف ليست مهارات نادرة فحسب بل أيضًا يصعب تطورها طبيعيًا دون تدخلات مباشرة. علاوة على ذلك، فإن مهارات الوعي كانت الدافع الأساسي لتجنب الناس المماطلة وكانت مهارات التكيف الدافع الأساسي لمدى ترتيب أنشطتهم حسب الأولوية.

ثالثًا، تتعارض النتائج مع التنبيهات الشائعة المتعلقة بمحاسن أو مساوئ تعدد المهام. فإثر تجربة المحاكاة، تناول استبيان آراء المشاركين عن تعدد المهام. وأظهرت البيانات أن تحبيذ المشتركين لتعدد المهام «ما يسمى أكادميًا: تعدد الأزمنة polychronicity» لا يتعلق في الحقيقة بمهارات إدارة الوقت. فمدى إتقان الناس أو عدم إتقانهم لتنظيم وقتهم لا علاقة له بتفضيلهم لتعدد المهام، وعليهِ فإن الاهتمام الكبير بتعدد المهام من قِبل من يقدمون نصائح عن إدارة الوقت مستبعدٌ أن يسفر عن أي نجاحٍ فعلي.

رابعًا، كان جليًا وواضحًا تمام الوضوح من البيانات أن الناس ليسوا دقيقين في تقييمهم الذاتي لإدارة وقتهم. فمثلًا: إذا قارنّا تقييمهم الذاتي بدرجاتهم الحقيقية فإن صحّة تقييمهم ١% فقط. ناهيك أن التقييم الذاتي يعادل تقريبًا ٢٪؜ من الفوارق في المهارات الفعلية لإدارة الوقت. وتؤكد هذه النتائج ما قيل عن افتقار الناس للوعي الذاتي الدقيق فيما يتعلق بقدرتهم أو كفاءتهم وكيف أن ذلك يعيق التغيير وتطوير المهارات القيادية.

كيف تطور مهاراتك لإدارة الوقت

إذن، كيف يستعد الناس حق الاستعداد ليصيروا قادرين على إدارة وقتهم بطريقة أفضل؟ يتطلب القيام بذلك أولًا معرفة ما نركز عليه. التعمق في مهاراتك الحالية هو الطريقة الحقيقية الوحيدة للإجابة على هذا السؤال. يوجد ثلاث خطوات تتخذها لتبدأ التحسين:

١. تشكيل وعي ذاتي دقيق لمهاراتك في إدارة الوقت: ويمكن تحقيق ذلك باستخدام تقييمٍ موضوعي كالمحاكاة، وطلب آراء الآخرين كأن تطلب رأي صديقك أو رئيسك، وتحديد السلوكيات الأساسية التي تقاس على أساسها التطورات.

٢. الإدراك بأن المهم هو ما تفضله وليس طريقة تفكيرك: بمقدور الوعي الذاتي بميولك ورغباتك المتعلقة بإدارة الوقت كتعدد المهام أو المبادرة، بمقدوره أن يقوي معرفتك بالأمور التي تتطلب منك جهدًا أكبر، كأن تسعى لتغيير أمر ما يتعاكس مع عاداتك الحالية. ولكن تذكر أن المهارات -وليس الشخصية-، هي أكثر الخصال مرونةً وهي التي تمنح أكبر عائد على الاستثمار في الجهود المبذولة لتطوير الذات.

٣. أدرك وحدد المهارات التي يجدر بك تطويرها حسب الأولوية: مع أن الأمر يبدو جليًا، فإن النقطة الرئيسية هنا تجنب التطوير الذاتي السطحي الموزع على جوانب عدة. بل يجدر بك تطوير مهاراتك حسب الأولوية بالتركيز أولًا على المهارة التي تحتاج إليها حاجةً ماسة ومن ثم تنتقل للمهارة التي تليها.

يوجد عددٌ من الأساليب المستندة إلى أدلة لتقوية مهارات إدارة الوقت -وسيأتي ذكر بعض الأمثلة على ذلك- أكرر مجددًا أنه من بالغ الأهمية إدراكك بأن الأساليب هي من أجل تطوير مهاراتك الأساسية والتي بدورها ستطور من إدارتك لوقتك. لذا تطبيق هذه الأساليب فحسب ليس الغاية.

تطوير مهارات الوعي

الفعالية والكفاءة ليسوا سواء، فالفعالية هي إتقان العمل بينما الكفاءة هي إنجاز الأمور بسرعة، ولكن كلاهما أساسي. ولذلك يؤدي السعي لتحقيق الكفاءة وحدها إلى نتائج عكسية.

  • جد الوقت الأمثل الذي يسعك فيه تقديم أفضل ما لديك: قم بتقسيم وقتك على مدار أسبوع إلى ثلاث لأربع فترات زمنية ورتبها على حسب إنتاجيتك.
  • تعامل مع وقتك كأنه مالك: ضع ميزانية لوقتك تفصل فيها كيف تقضي وقتك في الأسبوع. صنف وقتك إلى وقت ثابت «الأمور التي يجب فِعلها» وإلى وقت اختياري «الأمور التي ترغب بفعلها».
  • جرب سِجِلّ التوقيت: دَوِّن كم قضيت في أداءِ مهامك وحَدد لها موعدًا نهائيًا واضحًا بدلًا من حساب ما تبقى لك من وقت.
  • قيِّم مدى واقعية حسابك للوقت: بعد الانتهاء من أداء مشروعٍ ما، قدر المدة التي توقعت أنك ستستغرقها والمدة الفعلية التي استغرقتها.
  • ضع رؤية مستقبلية: فكر إن كانت المهام التي تقوم بها في الوقت الراهن ستعينك في المستقبل أم ستضرك، مثلًا: كيف ستؤثر مهام مشروع اليوم على مهام الأسبوع المقبل؟
  • تجنب هدر الجهد والاستمرار في أمرٍ لا طائل منه: عندما تعتقد أنك قد تقضي جُل وقتك لأداء عملٍ ما، تريث وقيّم مدى أهميته، مثلًا: مدى أهمية وقيمة النتيجة التي ستنجم عنه وعلى من سيؤثر إنجاز الأمر من عدمه.

تطوير مهارات التنظيم

 المهام المهمة التي لم نألفها، لها غالبًا منحنى تعلم حاد ولا يمكن تحديد الوقت المتطلب لأدائها. لا يتعلق تطوير مهارات التنظيم بتنظيم عملك لكي تتحكم بحياتك بطريقةٍ أفضل بل هو أن تتحكم بحياتك ومن ثم ترتب عملك على أساسها.

  • ترتيب الالتزامات والأنشطة حسب الأولوية: لا تكتفي بتحديد مهامك واجتماعاتك وقائمة الأعمال التي عليك فعلها فقط.
  • تجنب التأثُّر من الأمور العاجلة لكونها عاجلة فحسب: العجلة والأهمية مفهومان متعلقان ولكن في الوقت ذاته مختلفان، فالمهام العاجلة تحتاج إلى تصرف فوري، أما المهام المهمة لها أهمية أكبر وعواقب على المدى البعيد. فيجب تأديةُ المهام العاجلة والمهمة في الوقت ذاته أولًا.
  • استخدم تطبيق التقويم: سجل تواريخ المهام والمواعيد وافعل ذلك فورًا بمجرد أن تُطلب منك أو تخطط لها. صنف المهام أو صنف الكلمات حسب اللون مثلًا: العمل – المدرسة – الحياة… إلخ.
  • الجداول الزمنية تحفظ لك الوقت: ضع جدول لمواعيدك لتحصل على وقت متواصل تكرس فيه نفسك لإنجاز أهم مشاريعك.
  • قلل من التقدير الخاطئ: اطلب من طرفٍ محايد رأيه عن الوقت المتوقع الذي تحتاج إليه.
  • جرب تحقيق نصف الأهداف: عندما تعاني من تحقيق هدف يبدو أنه في غاية الصعوبة حققه ولكن بطريقةٍ أبسط.
  • تطوير مهارات التكيف: تُقاس وتُطور هذه المهارات في المواقف الطبيعية العصيبة المليئة بالضغوطات، والتحدي هو التعامل مع هذه المواقف دون غضبٍ أو قلقٍ أو تشتت.
  • جرب الاستمرار على عادة معينة: اربط سلوكياتك لإدارة الوقت مع عاداتك التي تقوم بها مسبقًا مثلًا: راقب تحسنك في إدارة الوقت كل مساء عند مائدة العشاء.
  • قسم جهدك إلى فترات صغيرة: عندما تكون المهام شاقة، ضع للجهد الذي تبذله حدًا أقصى من ١٥ إلى ٣٠ دقيقة كي يساعدك ذلك على أن لا تسوف العمل.
  • جرب تطبيقات تتبع الوقت أو بها قائمة تحقق: تذكر أن الفائدة يجب أن تتجاوز التكلفة عند استخدام هذه الأدوات. فيجب أن تفوق النتائج الوقت الذي تقضيه في استخدام التطبيق.
  • لا تبخل في كتابة رسالة التذكير: يجب أن تحتوي المذكرة على توضيحات ووصف مفصل وليس مجرد كلمة أو اثنتان لا تكفي لأن تصف أهمية المهام والجودة المنشودة وما إلى ذلك.
  • ضع خطط طوارئ: فكر في أفضل أو أسوء الاحتمالات التي قد تحدث عندما تحدد النتائج المحتملة لخطتك.
  • اسع لتقليل ما يهدر وقتك: وضع قائمة لأوقات لا تسمح فيها بإزعاجك واحظر مواقع التواصل الاجتماعي أثناء أوقات العمل الحرجة.

وأخيرًا، لماذا يظل تطوير إدارة الوقت هدفًا ثابتًا ودائمًا لدى الكثير منا في موسم التأمل الذاتي؟ الأمر الجوهري هنا هو أننا نريد أن ندير وقتنا بشكل أفضل جاهدين لتطوير إدارة الوقت وإعطاء الأولوية لجهودنا التنموية. يبدأ هذا الدرب بالابتعاد عن الحلول السريعة المغرية والتوجه نحو تقييم وبناء مهاراتنا الأساسية لإدارة الوقت قبل أن يحل أجل قراراتنا التي اتخذنها لهذا العام بحلول عامٍ آخر.

المصدر

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *