كيف تتذكر ما قرأته؟

ترجمة: زينب نايف
تدقيق ومراجعة نهائية: سلمى عبدالله @salma1abdullah
يحدثُ كثيرًا أن تقرأ كتابًا ممتازًا وحالما تلتقط حكمة يتبادر إلى ذهنك أنها صيدة ثمينة ستغير حياتك تغيرًا جذريًا، ومن ثم تذهب تلك المصيدة في مهب الريح.
لماذا؟ لأنك عندما تكون أخيرًا في حدثٍ يستدعي استخدام تلك الحكمة تكون قد نسيتها نسيانًا تامًا. الوقت ثروة لا تقدر بثمن، ولزامًا علينا عدم إضاعته والتفريط فيه، ذاك الاستثمار الذي نجنيه جراء قراءتنا لابد أن يكون إيجابيًا ودائم التأثير في حياتنا.
استقطاب المعرفة ليس موازيًا لاكتساب المعرفة، التعلم هو القدرة على الاستفادة من المعلومات الجديدة، والمراجعة وتعزيزها هما الحجر الأساس في العملية التعليمية المركّبة تركيبًا معقدًا، نحن نتعلّم الحقائق والمفاهيم من خلال انعكاسها على تجاربنا وتجارب الآخرين. إذا قرأت موضوعًا ما ولا تفسح من وقتك للتفكير فيما قرأت فلن تكون قادرًا على الاستفادة من أي حكمةٍ استنتجتها.
أحد أسباب قراءتنا هو أنّ الكتب زاخرةٌ بالمعرفة ومفصلة تفصيلًا دقيقًا وتتيح لنا الاطلاع عن كثب لعالم الكتّاب والترحال معهم، أدمغتنا لن تكتفي فقط بتعلم أفكار الكاتب وإنما استنباط بُنياتِ أفكاره حول كيفية العيش في حال الإنتاجية أو عندما نكون على شفير من الانهيار (الشكر موصول لذاك الكم الهائل من الكتّاب الذين شاركونا تفاصيل تجاربهم وخلاصة أفكارهم التي صارعوا بها الحياة).
هناك حقائق هامة حول القراءة يجب أن تتذكرها بعد الانتهاء من هذا المقال:
١. الجودة أهم من الكم: إذا كنت تقرأ كتابًا واحدًا في الشهر مستوعبًا إياه بشكل جيد فأنت أفضل من شخص يحوم في المكتبة يتفحص نصفها دون أن يأسره أي كتاب.
٢. القراءة السريعة خرافة: أخذ لبّ الدرس واستيعابه هما أمران مختلفان والخلط بينهما يقع على عاتقك.
٣. ملخصات الكتب تُفقد الكتب جوهرها: كثير من الشركات تفرض سعرًا رخيصًا للحصول على ملخصات مبهمة تحتوي على القليل من محتوى الكتاب نفسه، ستجني من ملخصات الكتب فقط إشباع غريزة فضولك ولن تتعلم منها كما تتعلم من النسخة الكاملة.
٤. التطبيقات البارعة والأدوات الباهظة غير ضرورية: مذكرة بطاقات فهرسة وقلم ستفي بالغرض.
٥. لا يجب عليك إكمال الكتاب إذا وجدته مملًا، فالحياة قصيرة.
٦. إنهاء الكتاب خيار، اقرأ الكثير من الكتب وأنهِ القليل منهم.
في هذا المقال، سنكشف عن استراتيجيات للاستفادة مما قرأت، لا تحتاج لتلك التقنيات لاستخدامها لكل كتاب، سواء كنت تحاول تعلم فلسفة جديدة أو قراءة عمل خيالي، بإمكانها مساعدتك بالاحتفاظ بأكثر قدر ممكن أو وصل المعلومات بعضها ببعض برباطٍ وثيق.
ما من قراءة ستطلعك على معرفة لم تحكى لك من قبل، لكن كيفية القراءة ستغير مجرى حياتك.
- القراءة الفعالة:
- اختر كتابًا جيدًا.
- التقط بعضًا من السياق.
- اعرف أسبابك.
- تصفح بذكاء.
- طابق كتابك مع بيئتك.
- تذكر ماذا قرأت.
- دوّن الملاحظات.
- ركّز.
- ضع علامةً على الكتاب.
- ارسم خططًا عقلية.
- أنهِ الكتاب.
- السؤال الحالي هو ماذا؟
- طبق ما تعلمته.
- اجعل ملاحظاتك قابلة للبحث.
- أعد القراءة.
أولًا: القراءة الفعالة
«كل مرة أشرع في قراءة كتاب رائع أشعر بأنني أقرأ خريطةً لكنز ما، وما الكنز إلا هو ذاتي، لكن كل خريطة ينقصها مفتاح. فقط عندما أقرأ الكثير من الكتب سأبصر الطريق إلى الكنز، فتلك عملية إيجاد النسخة الأفضل مني وذلك سعي لا حدود له. والكتب تعكس هذة الفكرة التي من شأنها تلخيص حبكة الكتاب إلى ما يطلق عليه شخص ما يبحث عن شيء ما» مات هاق، السبب للبقاء حيًا.
الآن إذا كنت تقرأ من أجل المتعة أو لا ترغب باستذكار ما تقرأه فهذا المقال لا يناسبك. أحيانًا القراءة تكون للتسلية وذلك أمر رائع، لكن إذا كنت تريد الحصول على معلومة قيمة من الكتاب فأول خطوة تخطوها هي الاستفادة القصوى مما قرأته وجعله أكثر فاعلية. إذن، ما هي القراءة النشطة؟
القراءة النشطة هي اتصال فكري مع الكتاب في كل مرحلة من مراحل القراءة، من قرار القراءة مباشرةً إلى الانعكاس الفكري بعد انتهائه.
الكتب لا تجعل حياتنا ضد رغباتنا، في كل مرة تقتني كتابًا إن كان يتفق مع المعلومات التي بحوزتك فستفسح المجال لكتاب مغاير والحكم التي تحتويه وتتساءل وتتأمل أثناء قراءتك، على سبيل المثال لعلك تسأل نفسك هذه الأسئلة:
- ماذا سيضيف هذا الكتاب لي من المعلومات مع التي أملكها؟
- ماذا عن التحديات التي يوجهها لك الكتاب؟
- ما هي تصوراتك المسبقة حول موضوع الكتاب؟ وكيف تزيحها جانبًا؟
القراءة الفعالة تساعدك في إيصال المعلومات إلى النماذج العقلية والحفاظ عليها.
أعد التفكير في الكتب التي درستها في المدرسة، ومن العجب أن العديد من البشر لديه الكثير من المعلومات منها، حتى وإن كانت التفاصيل مغبشة، على أقل تقدير نحن قادرون على استذكار الحبكات الأساسية، الشخصيات الرئيسية، والموضوعات البارزة والدوافع. من المحتمل نحن لم نقرأ تلك الكتب قراءة عابرة وإنما أجبرنا على القراءة الفعالة، وربما أكملناها بفصل نقاشي وتبادلنا الأدوار في قراءة الأجزاء بصوتٍ عال وتمثيل المشاهد أو ربما شاهدنا فيلمًا مقتبسًا، مهما طالت المدة منذ أن وطئت أقدامنا فصلًا دراسيًا العديد منا لا يزال يذكر مزرعة الحيوان.
عندما تقرأ فليس هدفك الأول استهلاك المعلومات، بل الأفضل أن تتعلم شيئًا ما وتطوير المهارة النقدية لديك. إذا كنت قد درست عند معلم ماهر فقد خضت التجربة، ولنيل الفائدة القصوى من كل كتاب تقرؤه من المهم أن تعرف كيف تدون وتتفاعل وتضع استنتاجًا قيد التنفيذ.
القراءة الناجحة تبدأ من مرحلة التحضير، ما تفعله قبل القراءة مهم أكثر مما تعتقد، هنا خمس استراتيجيات تساعدك على التخطيط وتنشيط العقل للقراءة الفعالة:
- اختر كتبًا جيدة «فكر قبل أن تتحدث، اقرأ قبل أن تفكر». فران لبوتر
ليس هناك قوانين تتعلق باختيار الكتب، ليس لزامًا علينا أن نقرأ أفضل المبيعات أو الكلاسيكية منها وليس كل كتاب يقترحه الآخرون. هذه ليست مدرسة، وليس هناك قوائم ملزمون بقراءتها، في الحقيقة هناك ميزة مكتسبة لقراءة الكتب التي لم يقرأها الآخرون والسبب يعود إلى أنك كسبت معرفة وحكمة لم يملكها أحد غيرك.
كلما كان الكتاب أكثر تشويقًا وانسجامًا زاد من احتمالية تذكر محتواه في المستقبل، أما في حال كانت الكتب قديمة أو مترجمة فتفقّد أي الإصدارات أفضل.
- أفضل طريقة للحصول على فكرة، هي بحث أولي حول الكتاب.
بعض الكتب مثل اتحاد الأبناء لجون كينيدي والجنة لتوني مورسون سيكون لها معنى أعمق إذا تعرفت قليلًا حول الكاتب ومكان الرواية وزمانها حيث تكون المعاني فيها خصبة، أما في حال الكتب العتيقة فحاول فهم السياق التاريخي، وافهم السياق الثقافي في حال كان مصدر الكتاب دولة مغمورة.
- لماذا الكاتب كتب هذا الكتاب؟ وما هي خلفيته؟ وهل له مؤلفات أخرى؟ وأين كُتبت؟ هل هناك شيء يثير الحماسة حول عملية تأليف الكتاب؟ ما الوضع الثقافي والسياسي والاقتصادي خلال مرحلة التأليف؟ هل تُرجم الكتاب أو أُعيدت صياغته؟
- هل صادف حدثًا حربيًّا أو طفرةً اقتصادية أو انقلابًا في الحكم أو اختراعًا تقنيًّا جديدًا حدث خلال تأليف الكتاب؟
- ماذا حدث للعالم أثناء إصدار الرواية؟ وهذا السؤال مفيد في حال كانت الرواية خيالية.
لا تحتاج لفعل ذلك، ولكن إذا رغبت بالاستفادة القصوى من الكتاب فتلك الخطوة بمثابة قفزةٍ كبرى.
- اعرف أسبابك
ما السبب الذي يدفعك لقراءة هذا الكتاب؟ تسلية؟ لفهم أمر ما أو شخص ما لم تملك معرفة مسبقة عنه؟ لتقديم أفضل ما لديك في مجالك الوظيفي؟ لتحسين صحتك؟ لتعلم مهارة؟ للمساعدة في بناء مشروع تجاري؟
يجب أن تملك فكرة معينة حول الفائدة المرجوة من الكتاب، إذا لم تقرأ بتركيز فلن يعلق بذهنك أي شيء، وإذا كنت تريد أن تملك فكرة تجارية فاقرأ من أجلها.
دوريًا اسأل نفسك أسئلة كالتالي: ما الذي يمكن تعلمه من هذه القصة؟ ما وجه الشبه بينه وتحدياتي الشخصية؟ ما الاختلافات؟ كيف لي أن أطبق الحكم التي التقطتها؟
- الاستطلاع الذكي:
قبل أن تبدأ بقراءة كتاب (خاصة عندما يكون واقعيًا) اطّلع على الفهرس، محتويات الصفحة، والمقدمة وما بين دفتي الكتاب للحصول على الفكرة المهمة في الموضوع. استخدم تلك المعلومات لتحديد جدوى توقعاتك وتحسين مالذي تبحث عنه عندما تقرأ. قائمة المصادر كذلك من الممكن أن تفيدك في تخمين ماهيّة الكتاب. غالبًا ما يقرأ الكتّاب مئات الكتب قبل أن يؤلفوا أي كتاب، لذلك البحث الجيد يجب أن يحتوي على العديد من المعلومات الشيقة. بعد أن تقرأ الكتاب، راجع قائمة المصادر مرة أخرى ودوّن ملاحظات لأي كتاب ترغب بقراءته في المرة القادمة.
- اختر كتابا ملائمًا لبيئتك:
مع أنها ليست طريقة عملية، دائما طابق كتبك لمحيطك أو ظروفك، المطابقة سيكون صداها أكبر لكونها جزءًا من تجربة لا مجرد تذييلٍ لها.
عند اختيار الكتب ألقِ نظرة على وضعك وقرر بناءً على التصنيف أو الكتب التي تساعدك لتخطي تحديات لحالتك الحالية أو تعطيك منظورًا جديدًا. مهما تكن حالتك فشخص ما قد مرّ بنفس الظروف أو تملّكه نفس الشعور وفكّر نفس الفكر وكتب حولها، وشخص آخر يعرض عليك أفكارًا مفيدة وجيدة لتفهم موقفك، الأمر عائدٌ إليك لتجدهم.
لو كنا أطباء وقدمنا وصفات للكتب لكان ذلك شافيًا وكافيًا.
ثانيًا: تذكر ماذا قرأت
«الأمر الذي تتطلع إليه، موجودٌ في العالم، لكن طريقة واحدة من أصل تسعٍ وتسعين بالمئة لرجل عادي يراها في الكتاب» راي برادبري، فهرنهايت.
فأما إذا ماقرأت قراءة فعالة فأنت منسجم انسجامًا عميقًا مع الكتاب، صانعًا لك اتصالًا لحياتك الخاصة، تتطلع إلى فرص واحتمالات جديدة.
الخطوة المقبلة هي أن تتأكد أن ما تتذكره مهم، حتى ذلك الجاد فينا لديه ما يشغله في الحياة. فبالتالي نفقد تلك الروابط التي بداخلنا في جو القراءة. لكن نستطيع تقديم المساعدة.
ستتذكر ما تقرؤه إذا طبقت الخطوات الخمس أثناء قراءتك:
١. دون الملاحظات:
تدوين الملاحظات هو أساسٌ مهمٌ لتأمل وربط ما تقرأ، يعرف عقلك ما هي أفضل طريقة لأخذ الملاحظات وما يعمل لصالحك ويسهل الالتزام بها. هناك الكثير من الأساليب والأنظمة على الانترنت، خذ واحدةً وأتقنها حتى تصبح جزءًا من أسلوبك.
بعض القراء يفضّلون تسجيل الملاحظات على بطاقات الفهرسة أو في مكان ظاهر من الكتاب، وآخرون يفضلون النظام الرقمي. الملاحظات لها فائدة خاصة إذا كانت تُكتب بشكل دوري فمن الممكن أن يستفيد من إنشائها الكل وليس فقط كاتبها.
في كتاب (كيف تدون الملاحظات بذكاء)، سونيك أهرنس اقترح طريقةً لأخذ ملاحظات مترابطة؛ حتى تكون الكتب التي قرأتها جزءًا دائمًا من أفكارك.
إذا لم تقم بتدوينٍ فعال فكتابه هو المكان الصحيح للبدء، لكن مهما كانت بدايتك لابد أن تبتكر أسلوبك الخاص اعتمادًا على طريقة عملك وماذا تحب أن تقرأ، مع أن تدوين الملاحظات بذكاء يُركّز على الكتب الواقعية ويعتقد الكتاب والقراء بأن الكتب الخيالية لا تحتاج إلى مدونات لكن لا تجعل هذا يثبط بحثك عن كيفية إعداد روايتك أو محاولتك لتعلم بناء القصة وأسلوبها من أعظم الروائيين فتتبنى أسلوب تدوين يناسب هدفك.
خلال سنوات قمنا بتجربة الكثير من طرق تدوين الملاحظات وأيضا أنشأنا أسلوبنا الخاص الذي نستخدمه كل يوم ونطلق عليه اسم طريقة الورقة الفارغة، فيما يلي كيفية عملها:
١- قبل أن تقرأ كتابًا جديدًا خذ ورقةً بيضاء فارغة، سجّل ما تعرفه عن الكتاب أو الموضوع الذي أنت بصدد قراءته، اصنع خريطةً ذهنية إن صح التعبير.
٢- بعد أن تنتهي من القراءة اقضِ بعض الدقائق للإضافة على خريطتك الذهنية بلونٍ مختلف.
٣- قبل أن تبدأ بالقراءة المقبلة راجع الورقة.
٤- عندما تنتهي من القراءة ضع تلك الأوراق الفارغة في ملف لتراجعها بشكل دوري. السبب الذي جعل طريقة الورقة الفارغة فعالة هو أن دماغك يختصر ويظهر لك ما لم تتعلمه عند بدايتك الأولى مع الورقة الفارغة، يجبرك على البحث في ذكرياتك، تلاحظ أن معرفتك محدودة عن الكتاب أو الموضوع. لا تُعر لذلك انتباهًا؛ ستكون قادرًا على الاقتباس من مفاهيم كل مؤلف. لتكن بدايتك عندها، راجع ورقتك الفارغة قبل أن تبدأ بجزئية القراءة ليس لاستعادة المفاهيم ومفتاح الأفكار بل لتطوير ذاكرتك وترابط أفكارك، وعندما تفرغ من الكتاب ضع الصفحة في الملف.
٥- راجع ملفك كل بضعة أشهر، تلك الخطوة مهمة لترسيخ عميق للأفكار المتشعبة وربط بعضها ببعض.
استراتيجية أخرى فعالة وهي أن تبدأ بتدوين الملاحظات بكتابة ملخص قصير لكل فصل وتنسخ أي قطعة أو جمل نافعة، إذا لم تعرف كيفية تبسيط الأفكار، تصور بأن شخص ما ربّت على كتفك وطلب منك أن تشرح الفصل الذي انتهيت للتو من قراءته علمًا بأنه لا يملك أي فكرة عن الموضوع! كيف تشرحه له؟
إذا شرعت بقراءة الكتاب اكتب ملخصًا مباشرة بعد الانتهاء من الفصل، فإذا انتهت فقرة القراءة سيساعدك هذا على تجميع ما قرأته للتو، وعندما تختار كتابًا في الغد ابدأ بمراجعة ملاحظات الفصلين التي من شأنها أن تساعدك على توجيه تفكيرك إلى النقطة التي وصلت إليها في الكتاب.
٢. حافظ على تركيزك:
قرر الوقت الذي تقرأ فيه، وركز فقط على الكتاب لا غيره. لا تفقد سريع لتويتر ولا إيميل ولا هاتف نقال ولا تلفاز ولا حتى تحديق في الفراغ. افهم ولاحظ الكتاب؛ لأنه يتطلب تركيزًا عميقًا خاصةً إذا كان الكتاب عن موضوعٍ معقد أو كثيف المعلومات. تذكر فنحن نطمح للقراءة الفعالة، وهي تتطلب تركيزًا وانغماسًا مع الكلمات والصفحات.
لنعد إلى ما قبل الإنترنت، نيكول كار كتب في كتاب الضحول: «في المساحات الهادئة التي كوّنتها القراءة المنتظمة للكتاب خلق البشر أوقاتهم الخاصة، فكّروا بعمق لأنهم يقرؤون بعمق».
عندما تبحث عن النتائج من أجل تغيير معنوي يأتي من خلال القراءة فأنت بحاجة للاتصال الكامل مع ما تقرأ وذلك يتطلب قراءة فعالة.
وإذا كنت تعاني من البقاء مركزًا على موضوع صعب أو كتاب طويل قرر قراءة ما يقارب ٢٥ صفحة ليوم واحد. قد تأخذ بضع دقائق لفهم نص صعب، الانتهاء من كتاب طويل على تلك الوتيرة قد يستغرق أشهرًا لكن على الأقل ستقرأه وأنت لا تشعر بالتعب أو الملل.
٣. علّم على كتابك:
عندما كنا أطفالًا اعتدنا أن نعامل الكتاب على أساس أنه أمر مقدّس، لا تطوِ زواية الكتاب، لا تكتب على الهوامش أبدا، لكن إذا كنتَ ترغب في تذكّر ما قرأته ها هي الوسائل لمساعدتك، انسَ أن يكون الكتاب جديدًا.
اكتب بجنون في الهوامش، كلما كتبت أكثر تنشّط عقلك أثناء القراءة. إذا لم يكن بمقدورك تعليم الكتاب استخدم ورقة ودوّن أرقام الصفحات. دوّن الروابط والأفكار العرضية وتحت الفقرات الرئيسية وحاور المؤلف. بعض القراء يوصون بعمل فهرس خاص للصفحات الرئيسية أو استخدام الاختصارات.
٤. ارسم روابط عقلية:
الكتب لم تخرج من العدم، كل فكرة أو حقيقة من الممكن ربطها بأفكار أخرى لا يمكن حصرها، وبذل مجهود لحبك روابط فكرية هي أفضل طريقة لتذكرها.
واحدة من أهم الطرق الفعالة لتذكر أي شيءٍ هي خلق تصور ذهني حي، ليس فقط لما قرأناه، فعندما نصادف قطعة مهمة أو فكرة نتوقف قليلًا ونتصورها. اجعها صورةً مميزة وبارزة قدر المستطاع عن طريق اتصالها بأفكار أخرى بُنيت سلفًا في عقلك.
إليك طريقة أخرى لبناء شبكة معلوماتية في عقلك، احصل على هيكل من المفاهيم المتمركزة فذلك يتيح لك فهمًا أفضل، واجمع الكتب لصنع روابط لكل ما تعرفه مسبقًا. المعرفة ملتصقة في ذاكرتنا، سهلة الوصول إذا ما ارتبطت بشيءٍ نفهمه مسبقا.
استخدم أمثلة خلال القراءة فمن الممكن أن تساعدك أيضًا لتنال فائدة أكبر من الكتب، هنا بعض من الأمثلة لمسارات قد تعيقك:
- تأكيد التحيز: أي جزء من الكتاب تجاهلته؟ هل الكتاب يتوافق مع آرائك؟ هل يتوافق مع اعتقاداتك أو فقط ترغب أن ترى ما تؤمن به؟ إذا لم تستطع أن تفكر في نقطة واحدة في الكتاب تتضاد مع أفكارك فالتحيز الفكري سيدمر منطقك.
- تحديث النظرية الافتراضية: ما هي الآراء التي يجب أن أغيرها في ضوء هذا الكتاب؟ كيف يمكنني أن أجدد من نظرتي للعالم باستخدام المعلومات الموجودة في الكتاب؟ احفر في ذاكرتك كلمات جون ميرنايد كاينز: «عندما تتغير الحقائق، أغير فكري. وما أنت فاعل سيدي؟»
- الحوافز: ما هي دوافع الشخصيات أو الكاتب؟ إلى ماذا يتطلعون؟ ما هي أهدافهم؟ إليك ما وصفه كورت فوتفلت في أهمية الدوافع في الكتب: «عندما كنت أدرّس الكتابة الإبداعية أطلب من طلابي أن يجعلوا من شخصياتهم تملك أمنية حالية، حتى ولو كان الأمر كوب ماء. الشخصيات الجامدة لا حياة فيها ولا معنى، لإعطائها الحياة لا بد أن تسقى بالماء من حين لآخر».
- التحيز الوجودي: هل الكتب التي قرأتها مؤخرًا تؤثر في كيفية استيعابي لهذا الكتاب؟ كيف لخبرتي السابقة أن تشكّل قراءاتي؟ وهل أعطي أهمية لا داعي لها لأجزاء من الكتاب فقط لكونها ظاهرة ولا تُنسى؟
- العقل الجمعي: كيف للعقل الجمعي أن يؤثر على توقعاتي من الكتاب؟ كم عدد النسخ التي بيعت؟ الأكثر مبيعًا وآراء الآخرين؟ هل يستخدم الكاتب الرهان الاجتماعي ليتلاعب بالقراء؟! هل يتلاعب الكاتب بالأصوات للحصول على مقعد في قائمة الأفضل مبيعًا مما يعطي سمعةً جيدةً اجتماعيًا وبالتالي ترتفع المبيعات؟ وهذه حيلة تحوّل الكتاب الوضيع إلى كتاب شعبي، وهي حيلة عتيقة تعمي الجماهير عن حقيقة الكتاب والقراء النهمون يعرفونها جيدًا.
- التحيز للناجحين: هل الكتب الواقعية تمثل الواقع أم أن الكاتب فشل في حساب المعدلات الأساسية؟ التحيز للناجحين وفيرٌ في المشاريع وتطوير الذات والسيرة الذاتية. فقط حالات معينة من المشاريع تعد مثالًا، وليس استثناءً.
- المنفعة: إذا كان الكتاب يعرض نصائح، هل لها طريقه لتطبيقها؟ وفي أي نقطة تُقلّص المنفعة؟
٥. توقف عندما تشعر بالملل:
عندما يتعلق الأمر بالقراءة، لا تحتاج أن تُنهي ما بدأت، كما تقول القاعدة العامة، القراء النهمون لا ينهون كتبًا رديئة أبدًا، كما كتب آرثر لكونور: «لا يمكن للمرء أن يقرأ سوى القليل من الكتب الرديئة أو الكثير من الكتب الجيدة، الكتب الرديئة سمٌّ فكريٌّ يدمر العقل». الحياة أقصر من أن تقضيها مع كتاب سيئ، لا تحتاج أن تكون صارمًا وحذرًا، لا تجعل التكاليف المتراكمة تُشعرك بالذنب لتضييع وقتك.
تؤيد المؤلفة وأمينة الكتب نانسي بيرل القاعدة الخمسين «اقرأ خمسين صفحة من الكتاب لتقرر ما إن كان الكتاب جديرًا بإنهائه». وهذه القاعدة تحتوي على ميزة مهمة وهي ما أن يتجاوز عمرك ٥٠ عامًا اطرح من عمرك ١٠٠ والنتيجة هو عدد الصفحات التي تقرأها لتختبر هل يستحق الكتاب القراءة أم لا.
كتب بيرل: «وإذا كنت في قلب الصفحة الخمسين وكل مايهمك عقود القران بين الشخصيات ومن القاتل، إذن توجه إلى الصفحة الأخيرة وستجد الإجابة فإذا لم تجدها فعليك بالتي قبلها أو التي تسبقها، أو لعلها تكون بعيدة فعليك تقليب الصفحات لاكتشاف ما تريد معرفته. وعندما تبلغ من العمر ٥١ عاما فاطرح من عمرك ١٠٠ والناتج هو عدد الصفحات التي يجب عليك قراءتها قبل أن تتخلى عن الكتاب من غير أسى (النتائج ستقل مع تقدم العمر)، عندما تبلغ من العمر ١٠٠ عام فأنت هنا تحكم على الكتاب من غلافه وفقًا للقاعدة ٥٠.
ثالثًا: والآن ماذا؟
أنهيت كتابًا للتو، ماذا الآن؟ يمكنك الاستفادة مما تعلمت؟ لا تكتفِ فقط بإحساس غامض (نعم يجب علي أن أطبق ما يقوله الكاتب، يجب علي أن أطبق ما أجد تطبيقًا لكل ما قاله الكاتب)، خذ وقتًا كافيًا لوضع خطة وقرر كيف تنفذ الدروس الثمينة من الكتاب.
- طبق ما تعلمته
القراءة وحدها لا تكفي، لابد أن نزن المعرفة، وأن نسيق المعرفة إلى سياقها الصحيح! متى تعمل؟ ومتى لا تعمل؟ وأين يمكن تطبيقها؟ وما هي التغييرات الجوهرية؟ والقائمة تطول! فإذا كنت قادرًا على تطبيق ما تعلّمته فورًا، فمعرفتك ستُعزز ويضاف إليها معنى ومقام.
طريقة أخرى لاكتساب المعرفة، طبّق تقنية فيمان سميث -سُمّيت تيمنًا بالعالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ريتشاد فيتمان-، يمكنك التفكير في الخوارزميات لضمان التعلم، هناك أربع خطوات بسيطة: اختر الفكرة، أخبر شخصًا ليس له دراية بالموضوع، جد الفجوات في مفهومك، وأخيرًا عد إلى مصدر المادة، راجعها ونقحها.
تعليم الآخرين طريقةٌ جبّارة لتثبيت المعلومات في عقلك، عند الانتهاء من كتاب ادع أقرب شخصٍ مستعدٍ لتخبره ما تعلمته، سيتطلب منك أن تشرح المصطلحات أو تزيلها، اشرح لماذا هذه المعلومات لها معنى، وواصل الحديث بمنطق الكاتب. يبدو الأمر سهلًا، لكن بعد أول تجربة ستدرك حينها بأنها ليست كرشفة ماء، فإن لم يكن بالجوار شخص مهتم، حاول أن تكتب مراجعةً لتشجيع الناس على التعليق والمناظرة لكي تعي من أنت، عليك أن ترى كيف لأفكارك أن تصمد أمام الانتقادات.
- اجعل ملاحظاتك قابلة للبحث
هناك طرق لا نهائية لتصنيف ملاحظاتك، منها: تصنيفها حسب الكتب، أو المؤلف، أو الموضوع أو وقت القراءة، ليس مهمًا أي نظام ستتبع طالما أنت قادرٌ على إيجادها في وقت لاحق.
صنع ملف لكل ما تعلّمته من القراءة أمرٌ لا يقدّر بثمن ويمكن الرجوع إليه متى ما احتجت لفكرة أو إلهام أو حتى تأكيد فكرةٍ ما. ومع مر السنين، سوف تبني بنكًا من الحكم للرجوع إليه في أوقات الأزمات أو الشك أو الحاجة، ومن الصعب أن نقيس مدى فائدته.
كتب الجنرال جيم ماتس «بفضل قراءاتي، لم يسبق لي أن وقعت في حيرة من أمري، في أي موقف كان. ولم أتردد في كيفية معالجة المشكلة أيًا كانت بنجاحٍ أو فشل، لم تعطيني إجابات شافية، غير أنها تضيء لي الطريق المظلم الذي ينتظرني في كثير من الأحيان.
الخيارات المتاحة لفهرسة ملاحظاتك:
- صندوق للبطاقات الفهرسية: منظم تنظيمًا مثاليًا حسب العنوان، أو الموضوع، أو المؤلف، أو توقيت القراءة، ويمكن نقل البطاقات الفهرسية.
- كتاب اعتيادي: منظمٌ تنظيمًا على نفس نمط الصندوق في النقطة آنفة الذكر.
- نظام تقني: مثل إنفرت، ون نوت، أو بلان أولد مايكروسفت وورد، فالنظام الرقمي يمتاز بإضافة مفيدة لكونه قابلًا للبحث، فيحفظ كثيرًا من الوقت إذا كنت تنظم ملاحظاتك على نمط معتاد.
- جدوِل وقتًا للقراءة ومراجعة هذه الملاحظات
أعد القراءة: إذا كنت ترغب
«اقرأ كثيرًا، توقّع شيئًا كبيرًا، كتاب ممتاز أو عميق. الكتاب الذي لا يستحق القراءة لا يستحق إعادة النظر إليه». سوزان سونتاج.
قلّب صفحات الكثير من الكتب، أكمل القليل، أعد القراءة مباشرة لأفضل كتاب، فعندما تعيدها سيبدو لك أنها إضاعة للوقت لكون أن هناك الكثير من الكتب يمكنك قراءتها وذلك أمرٌ يساء فهمه للعملية القرائية، أفضل وقت لإعادة القراءة هي بعد الانتهاء منها مباشرة. الهدف ليس بكم الكتب التي ستقرؤها بل بكسب الحكم قدر المستطاع.
إعادة قراءة كتاب جيد أمرٌ في غاية الأهمية إذا رغبنا في حفظ المعرفة في أذهاننا، فالتكرار ضروري لتخزين الذكريات.
أحدث التعليقات