سيكولوجيا الندم: كيف يؤثر التقاعس على رؤيتنا لذاتنا؟

ترجمة بتصرّف لمقال: (The psychology of regret: how inaction affects our sense of self
by Anne-Laure Le Cunff)
مصدر الصورة: Unsplash

ترجمة: عبير الخالدي @translatorab 

تدقيق ومراجعة: جمانة السوادي Jumana_writes 

 

جميعنا سبقَ أن جرب الإحساس بالندم، ربما كان ذلك بعد الإدلاء بتعليق قاسٍ  أو التصرف بطريقة اتضح لاحقًا أنها مؤذية. الندم هو شعور بالحزن والأسف وخيبة الأمل تجاه شيء فعلته، أو تجاه شيء فشلت في أدائه. درس عالما النفس شاي دافيداي وتوم جيلوفيتش سيكولوجيا الندم وتوصّلا إلى استنتاج مدهش وعميق.

إن من أكثر ما يسبب لنا الانزعاج ليس الندم على الأخطاء أو الهفوات التي ارتكبناها، بل على العكس، إنها تلك الأفعال التي لم نبادر إليها. تبحث دراستهم عن سيكولوجية الذات المثالية وعلاقتها بأشد ما نندم عليه وكيف يمكننا أن نحول ذلك الندم إلى شيء إيجابي.

 

الكسل والذات المثالية

 

يفترض عالما النفس وجود ثلاث مجالات رئيسية تشكل تصور الذات: “ذاتك الفعلية” وهي ما أنت عليه في الوقت الحاضر، و”ذاتك المحتملة” وهي ما تعتقد أنه أنت بناءً على مسؤولياتك والتزاماتك، و”ذاتك المثالية” وهي ما يُحتمل أن تكونه أو ما تحلم بأن تكونه.

أوضح دافيداي وجيلوفيتش في بحثهما أننا نطوّر الذات المثالية بما يتوافق مع آمالنا وأحلامنا ورغباتنا فيما نريد أن نصبح عليه في المستقبل. قد تطمح إلى النجاح من الناحية المالية أو أن يُحبك أصدقاؤك أو أن تحظى باحترام الأشخاص في دائرتك المهنية، ومع ذلك إذا لم تتحقق هذه التطلعات فالمحصلة أن مشاعر الندم قد تدوم لأمدٍ طويل، وفي بعض الحالات قد تدوم مدى الحياة.

أظهرت الدراسة أن 24% من المشاركين نادمون على الأشياء التي كان ينبغي عليهم إنجازها، بينما 76% منهم نادمون على الأشياء التي كان يمكنهم إنجازها لكنهم لم يفعلوا ذلك. يمكن أن يكون السبب وراء هذا الاختلاف أن الأفعال المرتبطة بالأسف يسهُل التعلُم منها، وبالتالي تتحول إلى فرصة للنمو.

وتدعم هذه النظرية دراسة يرأسها الدكتور جورجيو كوريتشلي من مركز علم الأعصاب المعرفي في مدينة ليون في فرنسا، حيث توصل فريق الدراسة إلى أن تجربة الندم لكلٍ منا بمثابة أداة تعليمية تدفعنا للتصرف على نحوٍ مغاير وتحسين أفعالنا في المستقبل. على سبيل المثال: إذا خسر مشروعك الناشئ، فيمكنك تحليل أخطائك وإعادة تقييم الأمور وأدائها بطريقة مختلفة، هذه العملية تحسن من إدراك الذات.

مع ذلك، فإن الأسف على مافاتنا القيام به، لا يمنحنا دافعية التقدم ذاتها؛ إذا قررت أنك لن تقدم طلبًا لدراسة الطب البيطري خلال فترة المراهقة فربما تقضي سن الرُشد مليئًا بالندم والأسف على عدم عملك في مهنة الطبيب البيطري، يصبح تخطي الندم مهمة صعبة عندما لا يكون لديك أي تجربة سابقة لتتعلم منها. وفي الواقع، كشفت دراسة أن الندم على مافعلناه يقل بمرور الوقت بينما يستمر الندم على ما لم نفعله وقد يزداد.

 

كيف تتعامل مع الندم

 

ربما يكون الندم صعب التحمل، ولكن ما يطمئن هو أن علماء النفس كشفوا أن تجربة الندم يمكن أن تؤدي إلى مخرجات إيجابية. يشير البحث إلى إمكانية المساعدة على فهم التجارب السابقة وتسهيل السلوكيات المستقبلية ويساعد على التبصّر بالذات كما يساعد في الحفاظ على الانسجام الاجتماعي. قد تساعدك الاستراتيجيات التالية في تهذيب مشاعر الندم ودعمك إيجابيًا لإدراك الذات:

 

  1. افهم خياراتك

الخطوة الأولى لتهذيب الندم هي التعرف على نوع الشخص الذي أنت عليه، إذا كانت ذاتك المثالية مليئة بالأحلام العظيمة أو التطلعات فعليك التفكير بما يمنعك من المخاطرة؛ فربما ميلك لأن تبقى بالقرب من عائلتك يحول بينك وبين الحصول على وظيفة تتطلب السفر بعيدًا، أو قد تكون أولوية البقاء آمنًا ماديًا حجر عثرة يمنعك من المخاطرة والبدء كرائد أعمال.  

إذا كان الابتعاد عن عائلتك أو المخاطرة بمدخراتك يؤدي إلى ندم عميق، فهذا قد يفسر السبب وراء عدم تحقيق أهداف ذاتك المثالية. أن يكون لديك فهم أفضل لما ترغب – والأهم ما لا ترغب – في المخاطرة به يمكن أن يفيدك في تخفيف الندم على الكسل والتراخي. إن معرفتك بأن التنازلات التي قمت بها أكثر انسجامًا مع مجالاتك الثلاثة لإدراك الذات يمكن أن يرفع عبء الندم على التكاسل أو التقاعس. 

 

.2 أعد صياغة ندمك

 

في دراسة عام 2018 اكتشف العالمان دافيداي وجيلوفيتش أنه بالمقارنة مع الفشل في الارتقاء إلى مستوى الذات المحتملة فإن الفشل في الارتقاء إلى مستوى الذات المثالية من المحتمل أن يظهر على شكل شعور بالندم. 

على عكس القلق الحالي وشعور الذنب الذي يحدث بعد تصرف غير مرغوب فيه، تتطور خيبة الأمل تدريجيًا عندما لا تتحقق أهدافنا وتطلعاتنا؛ ربما لا ينشأ شعور الندم لعدم ذهابك إلى كلية التمثيل إلا لاحقًا بعد عدة سنوات عندما تجد نفسك عالقًا في وظيفة لا تستمتع بها.

وفي الغالب يُترك الفشل في الارتقاء إلى الذات المثالية بلا حل، ولكن يمكن لإعادة الصياغة أن تساعدك  في تغيير عبء الشعور بالندم.  إن الندم شعورٌ صعب، ولكنه أداة فعالة للتعلم. المهم هو أن تجد طريقة للتعلم من مشاعر الندم والأسف دون أي كراهية لنفسك على القرارات السابقة، فمثلًا تستطيع البحث عن الأشياء التي يمكنك تغييرها في دورك الحالي لكي تخطو نحو ذاتك المثالية.

 

  1. اختر سلوكًا

 

التشبّث بالندم يمكن أن يكون مؤلمًا بشكل لا يصدق. الشعور بالندم على تصرف يمكن أن يظهر فورًا، ولكنه يخلق رغبةً في عدم تكرار السلوك. التقاعس لا يؤدي إلى نفس الندم الفوري، بل بدلًا من ذلك يسبب خيبة أمل طويلة المدى وفكرة “ماذا لو”. 

إذا قادك خوفك إلى درجة رفضك للوظائف التي تحلم بها أو منعك من خوض الحب فعليك التعلم من مشاعر الندم التي نتجت عن هذه القرارات.  تشير سيكولوجية الندم إلى أنك عرضة للشعور بالندم على الأشياء التي لم تفعلها أكثر من تلك الأشياء التي فعلتها.

إن كنت غير متأكد بشأن خيارٍ ما فقد يكون من الأفضل أن تتصرف بطريقة نشطة بدلا من غير النشطة، إن شعرت بالندم لاحقًا تجاه تصرفك فيُحتمل أن يكون الندم أقل حدة من لو أنك لم تفعل شيئًا إطلاقًا.

على الرغم من كون الندم شعورًا قاسيًا إلا أن له قيمة في تحفيزك لتصحيح تصرفاتك، يمكن الاستفادة من وجود الندم في حثك على التصرف بطريقة تعوّض القرارات السابقة. وإذا فقدت فرصة ما، فيمكن أن تجد السلام لاحقًا خلال حياتك من خلال فهم سيكولوجية اختياراتك والمبادرة لتحقيق رغباتك بطريقة جديدة، ولكنها مرضية.

 

المصدر

إذن الكاتبة بترجمة ونشر المقال 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *