معضلة السجين: أي قرار ستتخذ؟

ترجمة بتصرّف لمقال:(Prisoner’s Dilemma: What Game Are you Playing by Farmen street)
مصدر الصورة:(Unsplash)

ترجمة: ندى محمد @nadatranslates

تدقيق ومراجعة: ريم الجدعان

المراجعة النهائية: أسامة خان

 

في هذه التجربة القديمة لنظرية الألعاب لابد أن تقرر هل تشي بالطرف الآخر لأجل مصالحك الشخصية أو تتعاون؟ قد تكون الإجابة معقدة أكثر مما تتصور.

                                                                     ***

ما المطلوب لجعل الآخرين يتعاونون مع أن الدوافع التي تصُب في مصلحة الشخص وحده دون الجماعة غالبًا مغرية؟

معضلة السجين هي تجربة ذهنية استُحدثت من نظرية الألعاب وصممت من أجل تحليل طرق التعاون فهي تُبعد الاختلافات في مواقف معينة حيث يُطلب من الآخرين التغلب على الرغبة في التصرف بأنانية، وقد أرسى العالم السياسي روبرت اكسلرود (Robert Axelrod) قواعد هذه النظرية في كتابه تطور التعاون:

في عالم تسوده الأنانية وبلا سلطة مركزية، تحت أي ظرف سيصير التعاون خيارًا سليمًا؟ لمدة طويلة خدع هذا السؤال الكثيرين ولسبب وجيه محدَّد، فكلنا نعلم أن البشر ليسوا ملائكة، فهم يميلون لرعاية مصالحهم الشخصية وجعلها أولوية لكن بالرغم من هذا كله نعلم كذلك أن التعاون ممكن حيث أن أساس الحضارات ونشأتها كان بسببه؛ لكن في الحالات التي يكون فيها دافع يدفع الأفراد للتصرف بأنانية،كيف للتعاون أن يحدث؟

         لنحرز تقدمًا في فهم مجموعة كبيرة من الحالات المعينة التي تتمتع بهذه الخاصية هناك حاجة إلى طريقة لتبيان ما هو مشترك بين هذه الحالات دون التورط بالدخول في التفاصيل الفريدة لكل منها مثال: لعبة معضلة السجين الشهيرة.

تسير التجربة الذهنية على النحو التالي: يوضع مجرِمانِ في زنزانتين منفصلتين ولا يسمح لهما بالتواصل فيما بينهما، وهما متهمان بجريمة شاركا فيها وليس لدى الشرطة أدلة كافية للحكم عليهما دون وجود أدلة إضافية مساندة، لكنّ القرائن قوية ضدهما، لذا يعرضون عليهما صفقة تتضمن أن يقومَ كلا الطرفين باِتَّهام الآخر مع مراعاة الشروط التالية:

  • إذا اتّهم كل منهما الآخر بارتكاب الجريمة، فسَيقضيان سنتين في السجن.
  • إذا اتّهم أحدهما الآخر بارتكاب الجريمة والتزم الآخرُ الصمتَ، فإن الأول سيطلَق، أما الآخرُ المتَّهم فسيسجن ثلاث سنوات.
  • إذا التزم كل منهما الصمت، فسيقضيان سنةً في السجن.

في نظرية الألعاب يسمى سلوك الإيثار (التزام الصمت) «بالتعاون» بينما يُسمى اتهام الآخر «بالتخلي».

ما عليهما أن يفعلا؟

إذا كانا قادرين على التواصل مع بعضهما ووثِقا ببعضهما، فسيكون الخيار المنطقي هو التزام الصمت، فسيقضيان مدة أقصر في السجن بخلاف الخيارين الآخرَين. لكن كيف يضمن كل واحد منهما أنّ الآخرَ لن يشيَ به؟ لأنه في نهاية المطاف يسعى الناس لمصلحتهم، فتكلفة أن تكون الوحيد الذي يلتزم الصمت باهظة جدًا، النتيجة المتوقعة عند ممارسة هذه اللعبة هي أن يتّهم كل منهما الآخر ويقضيا سنتين في السجن معًا(في الحياة الواقعية نستبعد بقائهما على وِفاق، فبعد أن يقضي كلًا منها محكوميته لن يكون من المستغرب ألّا يزالا مستائين من بعضهما، فالمدة كافية لتسوء العلاقة بينهما، ولربما يقضيان ما تبقى من حياتهما في تدمير بعضهما)

معضلة السجين المتكررة

النوع الأكثر تعقيدًا لهذه التجربة الذهنية هو معضلة السجين المتكررة والتي تُكرر فيها التجربة لنفس السجينين مرة أخرى في هذه المرة يستطيعان تعديل استراتيجيتهما بناءً على النتائج السابقة.

إذا كررنا الأحداث قد نتوقع أن السجينين سيتعاونان، ولكن هذا الاحتمال لا يبدو منطقيًا نظرًا لشروط نظرية الألعاب، فعندما يعرفان عدد المرات التي ستتكرر فيها التجربة سيكون لدى كليهما دافع لاتهام الآخر في الجولة الأخيرة ومع ضمان تطبيق سياسة عدم الانتقام ومعرفة بأن الآخر سيوجه الاتهام بالتأكيد في الجولة الأخيرة سيكون لدى كل منهما الدافع لاتهام الآخر في الجولة قبل الأخيرة وهكذا دواليك حتى نعود لنقطة البداية.

يلخص غريغوري مانكيو (Gregory Mankiw) مدى صعوبة نموذج التعاون في اقتصاديات الأعمال على النحو التالي:

لتصور مدى صعوبة الالتزام بالتعاون، تخيل الآتي: قبل أن تقبض الشرطة على المجرمين يقطعان عهدًا بألّا يعترفا بكل بساطة، في حال التزامهما بالاتفاقية سيكونان على ما يرام لأن كلًا منهما سيقضي عامًا واحدًا فقط في السجن لكن هل سيلتزمان بالصمت لمجرد أنهما قطعا عهدًا بذلك؟ مجرد أن يتم استجوابهما على حدة يتولى منطق المصلحة الشخصية زمام الأمور ويقودهما إلى الاعتراف حيث يصعب الحفاظ على التعاون بين السجينين لأن التعاون الفردي غير منطقي.

بيد أنه يمكن للاستراتيجيات التعاونية أن تتطور إذا قمنا بتصميم اللعبة وجعلناها تحتوي على تكرارات عشوائية أو لانهائية فإذا علم كلٌ من السجينين أنه يوجد في المستقبل احتمالية أن يتواصلا مع بعضهما البعض فبدون معرفة أو توقع أن علاقتهما سيكون لها نهاية حتمية أكيدة يصبح التعاون مرجحًا أكثر، إذا تصورنا أن السجناء سيقضيان محكوميتهما في نفس السجن أو يتشاركان ذات الدائرة الإجتماعية بمجرد إطلاق سراحهما سيمكننا أن نفهم كيف يمكن لحافز التعاون أن يزداد أما إذا تخليت عن شريكك ووشيت به فمصادفته لاحقًا ستكون محرجة في أفضل الاحتمالات أما في أسوأها فقد تجعلك عرضة للقتل.

تطبيق نظرية معضلة السجين على أرض الواقع

يمكننا استخدام نظرية معضلة السجينِ وسيلةً لفهم كثيرٍ من الحالات التي تتضمن استراتيجية التعاون والثقة في الحياة الواقعية، إن ميلنا للتصرف بأنانية أفرادًا قد يفيدنا في المدى القصير على الأقل لكن عندما نتصرف كلنا بأنانية طيلة الوقت فإن تبعات هذا التصرف ستطالنا جميعًا.

طلب مارتن بيترسون (Martin Peterson) من القراء في كتابه معضلة السجين تخيل اثنين من مصنعي السيارات الأول Row للسيارات والثاني Col للسيارات وبصفتهما البائعان الوحيدان في السوق فإن السعر الذي سيبيع به كل منهما للسيارات له صلة وتأثير مباشر على السعر الذي سيبيع به الآخر، فإذا اختار أحدهما البيع بسعر أعلى من الثاني فسيبيع عددًا أقل من السيارات بسبب اتجاه الزبائن للبائع الأقل سعرًا، وإذا باع أحدهم بسعر أقل فسيبيع المزيد من السيارات بهامش ربح أقل ويكسب عملاء من الآخر، في مثال بيترسون إذا قاما برفع الأسعار سيحقق كليهما مئة مليون دولار سنويًا أما إذا قرر أحدهما خفض أسعاره فسوف يربح مئة وخمسين مليون دولار بينما الآخر لا يجني شيئًا، أما إذا حدد كلاهما أسعارًا منخفضة فسيجني كل منهما عشرين مليون دولار.

وعلَّق بيترسون:

تخيل أنك تعمل في مجلس إدارة Row للسيارات في اجتماع مجلس الإدارة أشرت إلى أنه بغض النظر عما تقرره شركة Col للسيارات سيكون من الأفضل لشركتك اختيار الأسعار المنخفضة لأنه إذا خفضت شركة  Col للسيارات أسعارها فإن ربح عشرين مليون دولار يكون أفضل من لاشيء وإذا حددت Col للسيارات سعرًا مرتفعًا فإن ربح مئة وخمسين مليون دولار سيكون أفضل من مئة مليون دولار.  




أمثلة أخرى تنطبق عليها نظرية معضلة السجين: سباق التسلح والإعلانات والموارد المشتركة (راجع هنا مأساة المُشاعات)، إنَّ فهم معضلة السجين مكوِّنٌ مهمٌ لفهم ديناميكيات التعاون وهو أيضًا نموذج ذهني نافع للغاية.

عَدُّ الحياة لعبةً تتكرر نتائجها يُغيِّر من طريقة تفكيرك وتفاعلك مع الأمور، فضمان مكانك في المستقبل خير من انتصار لحظيّ.

 

المصدر

تمت الترجمة بموافقة الموقع

 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *