فن ترك القرارات

بقلم: هنري ستيوارت
ترجمة: ليان العودة
تدقيق ومراجعة: أحمد موسى
مراجعة نهائية: ندى محمد
لقد كانت شركتي هابي [Happy: أي سعيدة] في حالٍ غير سعيدة! مبيعات ثابتة لأكثر من خمس سنوات، ونتكبد خسائر فادحة. كانت مدخراتنا في البنك تكفينا فقط ستة أشهر، وكنا أيضًا قد أنهينا الشراكة مع مدير إدارة أكبر الأقسام لدينا.
لم أتدخل، وأنا مؤسس الشركة، لحل الأمور، بل قررت التنحي وأخذ خطوة للوراء، وكذلك لم نستبدل مدير الإدارة. قررت أن يجري اتخاذ القرارات قريبًا بقدر الإمكان من الصف الأمامي. وكانت نتيجة ذلك أن تحولت الشركة، زادت المبيعات بنسبة 25% في السنة للسنوات الثلاث التالية، وعادت الأرباح لشركتنا قبل الأشهر الست بوقت غير قصير.
كيف ذلك؟ عن طريق تغيير كيفية اتخاذ القرارات، فقد تبنينا عملية المشورة، وهي سمة شائعة في المنظمات ذاتية الإدارة.
المشورة
قرر الزميلان (جون) و(بين) أن طريقة تسعيرنا قد عفا عليها الزمن. قاما بتحليل السوق واكتشفا أسعار المنافسين، ثم استشارا زملاءهما، إلا أن القرار لم يُتخذ لا بالإجماع ولا بالتراضي.
بعد طلب المشورة، استقر جون وبين على نموذج التسعير الجديد، وفيه زيادات ضخمة (قلت لهما أني غير موافق، لكن القرار ليس قراري). ثم وُضع النموذج الجديد قيد التنفيذ.
عليّ الاعتراف أني كنت على الأرجح مخطئًا، فقد مر أربعة وثلاثون عامًا على تأسيس هابي، وقد كنت متمسكًا بشدة بنموذجنا القديم. بالفعل، لولا تلك الزيادة وتأثيرها على رصيدنا البنكيّ، ربما ما كنا لننجو من الجائحة.
يشعر الموظفون الآن أن بأيديهم موافقة مسبقة على اتخاذ القرارات اللازمة لتلبية احتياجات العملاء، وفعلًا يتخذون تلك الإجراءات على الفور.
ويذكر جون أحد الموظفين: ((عندما بدأت العمل في هابي كنت أراسل المؤسس هنري عن كل ذرة في النفقات، وسرعان ما رد قائلا: ((جون، إن كانت تكلفته أقل من 400 جنيه وترانا نحتاجه، فاشتره. وإن كانت أكثر، فراجع شخصًا آخر لكن لا حاجة لمراجعتي)).)).
قد جعلتنا خطوة تركي للقرارات منظمة ذاتية الإدارة، وهو أسلوب قد يصلح كذلك مع المنظمات الأكثر تقليدية.
إحدى شركات افعلها بنفسك [DIY] البريطانية أجرت تجربة في اثنين من المتاجر الضخمة، امتنع فيها المديران عن أي قرارت لثلاثة أشهر، فتحسنت جميع مؤشرات الأداء الرئيسية!
أعرب الموظفون عن استمتاعهم بالمجيء للعمل وقدرتهم على حل الشكاوى بأنفسهم بدل رفعها للمدير، لقد زادت سعادة العملاء وسعادتهم هم أيضًا. لكن هل عمموا الفكرة على الشركة؟
لا للأسف، فعندما رأى الرؤساء جودة أداء هذين الفرعين، افترضوا أن ذلك بسبب القيادة الفذة. وهكذا، بدلًا من تبني فكرة اللاقرار، كلفوا هذين القائدين بإصلاح مشكلات الفروع الأسوأ أداءً.
إلهام من البحرية الأمريكية
كان (ديفيد ماركيوت) مصدر إلهامي نحو ترك القرارات. قابلته عندما تحدث كلانا في مؤتمر ووهو [WooHoo] في كوبنهاغن عام 2016. لقد كان سابقًا قائد الغواصة (سانتا في) التابعة للبحرية الأمريكية.
قادة البحرية الأمريكية يُتوقع منهم أن يتخذوا كل القرارات الهامة ثم يملوا على الباقين ما يفعلونه. يشبّه ديفيد الأمر بأن لديك عقلًا واحدًا و135 إنسانًا يفعلون ما يؤمرون، ثم أردف عن امتناعه عن اتخاذ أي قرار باستثناء واحد، فأبقى على مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ. أما ما عدا ذلك، فقد درّب الناس على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم حسب النية، كما يشرح في هذا الفيديو التحريكي.
انقلب حال سانتا في من مركبة ضعيفة الأداء إلى أفضل الغواصات أداءً في تاريخ البحرية الأمريكية، وصار أحد عشر فردًا من طاقمها قادة بدورهم فيما بعد.
تحمل المسؤولية والملكية
والآن لدي اعتراف، في بداية الجائحة، أخدت أتخذ قرارات، فذاك واجب القادة في الأزمات، أليس كذلك؟ انخفض الدخل بنسبة 95%، لا بد من فعل شيء، نحن في كارثة!
لكن معرفتي عن العملاء واحتياجاتهم كانت أقل بمراحل من موظفي الصفوف الأمامية. لقد رجعت عن قراري بعد أسبوعين وتركت أناسنا يقررون، وقد استجابوا لي، فصار العملاء أسعد، وعادت هابي تُدِر الربح من جديد.
أفضل ما في تركي للقرارات ليس فقط أن أناسنا صاروا سعداء، بل قد قل التوتر الملقى على عاتقي. صار بمقدوري فعل أمور أستمتع بها كالتحدث في المؤتمرات وتجهيز برامج ماجستير هابي في إدارة الأعمال هذا العام. في برامجنا القيادية، وضعت تحديًا للذين يحضرون، حيث أطلب منهم عدم اتخاذ أي قرار لثلاثة أشهر، ويسمح لهم باستثناء مثل ديفيد ماركيوت.
كل من جربوا الأمر وجدوه ناجحًا. فوجيء (كيفن روجرز)، مدير بايكير [Paycare] (خطة رعاية صحية غير ربحية) بمدى سهولة الأمر. ((لقد تحركوا وفعلوها. سأتم المهمة. هذه مسؤوليتي. أنا المالك. يفتخرون بكون المهمة بأكملها تحت تصرفهم)). هل تجاوز الأمر ثلاثة أشهر؟ ((بكل تأكيد. والآن حين يعتري وجهيَ الارتباكُ المعهود في يناير، صاروا يجيبون قائلين: ((دع الأمر لي. هذا عظيم، أنا في غاية السعادة لكوني المالك)).)).
والسؤال: هل بوسعك كقائد أن تقرر ترك اتخاذ القرارات؟
أحدث التعليقات