كيف يتغير النشاط العقلي مع الخبرة؟

ترجمة بتصرف لمقال: (How the Brain Changes with Expertise. By Scott young)

ترجمة: شريفة العتيبي

مراجعة: لولوه العيسى

كيف يمكن للعقل أن يكون قادراً على إعادة تركيب نفسه عندما نتعلم شيئاً جديداً؟ قرأت مؤخراً بحثاً مثيراً للانتباه حيث استخدم البحث تقنية تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي لإظهار كيفية تغير تركيبة العقل عند تعلم شيء جديد.

و كانت المعلومة الأولى التي أثارت انتباهي في هذا البحث هي أن النشاط العقلي ينخفض كلما تعلمنا أكثر، فكلما أصبح الشخص أفضل في مهارة ما، قل استخدام النشاط العقلي لديه.

قد تتفاجأ في بداية الامر من هذه المعلومة ولكن فكر بتلك الأسطورة القديمة حول استخدام البشر 10% فقط من قدرات عقولهم، حتى إذا لم تصدق هذه الأسطورة ربما ستظل تميل إلى فكرة أفضلية استخدام قدرات العقل بمستويات عالية إلا أن العكس هنا هو الأفضل فهؤلاء الذين يتميزون بأداء مهارة ما يكون استخدامهم لقدراتهم العقلية قليل.

ولكن وبعد التفكير في هذا الامر قليلاً ينبغي أن يكون انخفاض مستوى النشاط العقلي منطقي، فعندما تتعلم شيئاً جديداً يقوم عقلك بصنع دوائر عصبية مخصصة لأداء هذه المهارة وبمجهود أقل على العقل، فهنا يكون انخفاض النشاط العقلي ميزة حيث يدل هذا على فعالية الفرد في أداء هذه المهارة.

كما يفسر هذا أهمية التركيز عند التعلم، حيث يرتفع نشاط القشرة الجدارية والقشرة الأمامية -المسؤولتين عن التحكم بالانتباه والتخطيط – بشكل ملحوظ عندما يبدأ الفرد بتعلم مهارة جديدة ثم ينخفض هذا النشاط انخفاضاً كبيراً عندما يتقن الفرد هذه المهارة.

التعلم يغير الاستراتيجيات العقلية:

لقد كانت المعلومة الثانية المثيرة للانتباه في هذا البحث عن كيفية تغيير التعلم للاستراتيجيات العقلية وذلك لحل المشكلات التي تواجه الفرد أثناء التعلم، و بمعنى آخر يختلف أسلوب الفرد المبتدئ بتعلم مهارة ما اختلافاً جذرياً عن أسلوب أداء الفرد المُتقِن لهذه المهارة.

وكان المثال الذي استخدم في هذا البحث يتضمن تعليم الأفراد القراءة العكسية:

” تتضمن الممارسة المبكرة للقراءة العكسية  التدوير العقلي للحروف بينما تضمنت الممارسة المتأخرة  التعرف على الكلمات المنعكسة وتذكر معانيها دون حدوث أي بطء في تدوير الحروف “

تعمل القشرة الدماغية البصرية بنشاط عند مبتدئي القراءة العكسية أثناء التدوير البصري للكلمة وذلك من أجل إدراكها ضمن نظام التعرف على نمط القراءة العادية لديهم، وبعد إتقان القراءة العكسية يصبح نظام التعرف على النمط لديهم قادراً على التعرف على الكلمات العكسية دون الحاجة لتدويرها أولاً في الذاكرة.

عادة يواجه دارسو اللغات حالة مماثلة فعندما يبدأ الفرد بتعلم لغة جديدة يفكر بالكلمة الأجنبية وما يقابلها في لغته الأم أولاً وذلك بعد أن يبحث عن الترجمة الصحيحة للكلمة.

الآن لدينا تأكيد على حدوث تغيير الاستراتيجيات العقلية في العقل.

استراتيجيات التعلم في المرحلة المبكرة والمتأخرة:

يطلق الباحثون على هذا التحول في النشاط العصبي الذي يسببه تغيير الاستراتيجيات العقلية اسم (إعادة التنظيم الوظيفي)، وهو مفهوم نافع في جعل الكثير من حالات التعلم منطقية.

لننظر إلى تعلم اللغة مرة أخرى، في البداية عند تعلم كلمات جديدة وجدت أنه من المهم استخدام أدوات متخصصة؛ كالتعلم بنظام التكرار المتباعد أو استخدام الأدوات المساعدة للذاكرة كالكلمات التذكيرية، فذلك يساعد مبتدئي الاستراتيجيات العقلية لحل مشكلة المفردات الجديدة.

عندما أستخدم الكلمات التذكيرية أفترض أن القشرة الدماغية المسؤولة عن النظر لدي ستنشط وذلك لفك شفرة الترجمة للكلمة لوجود صور مخزنة في الذاكرة يسهل تذكرها، و بالمقابل فعندما أكون أكثر طلاقة في استخدام تلك الكلمة سأتوقف عن استخدام الأدوات المساعدة للذاكرة و سيكون الرابط فقط بين الكلمة في لغتي و ترجمتها، و كلما استخدمتها أكثر فهذا الرابط لن يكون ضرورياً أيضاً فسأسترجع الكلمة الأجنبية مباشرة عند الحاجة لاستخدامها.

و ذلك يعني أن الاستراتيجيات العقلية للتحدث بلغة ما قد تغيرت مرتين على الأقل أثناء تعلمي لتلك الكلمة؛ بداية باستخدام الأدوات المساعدة للذاكرة، ثم استخدام الترجمة المقابلة للكلمة، و أخيراً استخدام الكلمة الأجنبية مباشرة، و كل مرحلة من تلك المراحل تتضمن نشاطاً عقلياً أقل من سابقتها و ذلك بنمو الدوائر العصبية المتخصصة في ذلك و تطورها.

هل تكمن فعالية التعلم في إيجاد سلسلة الاستراتيجيات العقلية الصحيحة للتعلم؟

لقد حلت الاستراتيجيات العقلية التي يكون مجهودها أقل وتطورها تدريجي على المدى الطويل محل تلك القصيرة المدى والتي يمكن استخدامها بسرعة وبمجهود عال وذلك بشكل تدريجي.

ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية من عملية التعلم الفعال وذلك بإيجاد الفجوة التي مازالت تعيق عملية التعلم أي عندما لا يكون هناك استراتيجية عقلية مناسبة للمتعلم المبتدئ أو المتوسط للحصول على الإجابات الصحيحة قبل إمكانية تطور استراتيجية المتعلم المتقن.
جميع تلك المعلومات مجرد تخمينات لكن أنا متأكد تماماً أن التفكير حول استراتيجيات التعلم من ناحية إعادة التنظيم الوظيفي ابتداء من المبتدئين إلى المتقنين سوف يؤثر كثيراً على البحث عن الطرق التي يمكن أن تحسن من استراتيجيات التعلم لمشاريعي القادمة.

المصدر

تمت الموافقة على ترجمة ونشر المقالات بإذن من الكاتب

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *