تأطير عقلية التفكير: إطار تنموي للفرد

ترجمة بتصرّف لمقال: Mindframing: a personal growth framework)
مصدر الصورة: Pixelpay

بقلم: آن لور لي كنف

ترجمة: محمد بدرالدين عمر

تدقيق: ليلى عامر

 

يقول مارتي ماكفلاي في الفيلم الكلاسيكي «العودة إلى المستقبل» عام 1985م «يمكنك تحقيق أي شيء إن وضعت الأمر نُصب عينيك».

والآن بما أننا نعيش في ذلك المستقبل، في عالمٍ حيث المعلومة في متناول يدك بشكل يفوق بكثير قدرتك على الاستيعاب، في عصرٍ يمكنك فيه بنقرة بسيطة الحصول على خلاصة عقول أكثر الخبراء إبداعًا في عصرنا، قد تشعر حينها بأنّ أي شي يمكن تحقيقه بالفعل، فكل ما يحتاجه المرء هو القليل من الخيال والعزيمة.

لماذا إذًا نعاني الكثير لتحقيق أهدافنا؟ لماذا نبدأ الكثير من المشاريع لكننا لا نكمل إلاّ القليل منها؟ أو نفشل في جميعها؟ لماذا نمضي الكثير من الوقت في التسويف والمماطلة بدلاً من التعلم والإنتاج؟

ولماذا يفشل 92% من الذين عقدوا العزم على تحقيق أهداف السنة الجديدة التي وضعوها لأنفسهم؟ بينما يبدو الآخرين قادرين بسهولة بالغة على ضبط أنفسهم للالتزام بالخطط التي وضعوها لأنفسهم؟

البعض قد يُسجل في دورة على الإنترنت ويكملها في غضون أشهر بسيطة، ومن ثمّ يبدؤون في بناء أول تطبيقاتهم على الإنترنت، بينما يُعلن الآخرون في كل ستة أشهر أنهم سيبدؤون دراسة اللغة الإسبانية من جديد.

البعض قد يأخذ بعض دروس الطبخ ويدعوك كل أسبوع لتجربة وصفاتهم الجديدة والمحسنة، بينما الآخرون يشتركون في الأندية الرياضية ويتوقفون عن الذهاب مضي أسبوع واحد فقط من اشتراكهم.

تتلخص نظريتي في هذا الأمر أن كل ذلك له علاقة بامتلاك إطار الأفكار السليم أو المعطوب (mind frame) – البعض يضعها في كلمة واحدة (mindframe) أو في كلمتين (frame of mind) – للعمل المطلوب، قد تمتلك أفضل الأدوات والاستراتيجيات لكن إن لم تمتلك إطار الأفكار المناسب فالأمور لن تمضي على ما يرام.

وفقًا لقاموس«Merriam-Webster» : إطار الأفكار هو سلوك أو مظهر عقلي، إنه أكثر من مجرد حالة مزاجية، فهو ينطوي على الطريقة المحددة التي يفكر أو يشعر بها المرء بخصوص شيء ما، مؤثرًا بشكل عميق في سلوكه.

ما أجده مثيرًا للاهتمام هو أنّ إطارات الأفكار دائمًا ما تُقدم على أنها حالات يكون الفرد مقيدًا داخلها، إلاّ أنّ إطار الأفكار يبدو كحالة خاملة.

إنه يُؤثر على كيفية تفكير المرء وتصرفاته، لكننا نادرًا ما نناقش كيف يمكن للأفراد التأثير على الإطارات التي تحكم تفكيرهم.

 

ويبدو أنّ هذا هو الخطأ الذي نقع فيه أثناء محاولتنا لوضع وإدارة وتحقيق أهدافنا؛ فبدلاً من تشكيل إطار أفكارنا بشكل يصب في مصالحنا ويُسهل علينا التطور والشعور بالإنجاز، ننظر إلى الإطارات الإيجابية للأفكار على أنها ضروب من الحظ، وإلى الإطارات السلبية منها على أنها عراقيل لا مناص منها.

الوصول إلى النهاية

كما هو الحال مع معظم الناس، هناك الكثير من المجالات في حياتي التي أود أن أطور نفسي فيها، لكن هناك شيء واحد نجحت في أن أصبح أفضل فيه: إكمال ما أبدئه من أعمال.

تأطير عقلية التفكير هي كلمة اخترعتها لوصف العملية التي أستخدمها في الكثير من جوانب حياتي من أجل إنجاز الأعمال حتى إكمالها، الأمر كله يعتمد على قدرتي على تشكيل إطارات أفكاري لتحقيق أهدافي.

بالرغم من أنه يمكنك تطبيق ذلك حرفيًا على أي جانب من جوانب حياتك التي تود أن تتطور فيها -حتى الجوانب الشخصية-، أجد شخصيًا أنها مفيدة في مجالي التعلم والإنتاج.

ما يزال الأمر قيد التطوير لدراسة كيفية التطور كفرد، وإن وجدت هذا التأطير مفيدًا فستجد أنه أداة سهلة التشكيل للأشخاص المبدعين الذين يأملون في النمو من خلال العمل والتعلم.

إنه يتطور على الدوام كلما أستخدمه كل يوم، لكن قد تجد أنه منهجية راسخة لتحقيق المزيد وإكمال ما بدأته من أعمال.

(ملحوظة سريعة: من الواضح أنّ هذا التأطير لا يمكن اعتباره علاجًا سلوكيًا من شأنه معالجة أي مشكلات كامنة قد تعاني منها تتعلق بالصحة النفسية)

هناك ثلاث إطارات رئيسية لابد من أخذها بعين الاعتبار لكي تصبح «مؤطرًا عقليًا محترفًا»:

  •  العقلية المتجددة
  • الوعي بالأفكار
  • سلطة الذات على الأفكار

«العقلية المتجددة» هي في الواقع تعبير مستهلك لكننا سنلجأ إليها حتى يتمكن أحدهم من ابتكار تعبير جديد. المقصود من الحصول على عقلية متجددة في هذه الحالة على الخصوص هو امتلاكك لاعتقاد راسخ بأن النمو يحدث من خلال خطوات صغيرة وتدريجية بدلاً من حدوثه بانتصارات كبيرة تطرأ بين ليلة وضحاها. هناك مقال رائع كتبته ستيف سميث – صانعة محتوى زميله – عن “تسلسل الأحداث التي تبدو صغيرة في كل مرحلة لكنها مكاسب كبيرة عند جمعها مع بعضها البعض”.

كارول دويك – باحثة رائدة في جامعة ستانفورد – هي من اكتشفت آثار العقلية المتحجرة والعقلية المتجددة. تقول كارول «في العقلية المتحجرة؛ يعتقد الناس أن مؤهلاتهم الأساسية مثل موهبتهم أو ذكاءهم هي هبات ثابتة، إنهم يقضون وقتهم في تدوين ومتابعة ذكائهم أو موهبتهم بدلاً عن تنميتها.

كما أنهم يعتقدون بأن الموهبة وحدها تصنع النجاح بدون أي عمل. أما في العقلية المتجددة؛ يعتقد الناس أن قدراتهم الأساسية يمكن تنميتها من خلال التفاني والعمل الدؤوب، فالعقل والموهبة ليسا سوى نقطة الانطلاق فحسب. وجهة النظر هذه تخلق حب التعلم والمرونة اللازمة لتحقيق الإنجازات العظيمة».

الجزء المتعلق بالمرونة مهم للغاية، فهو يعني أنه بالرغم لتعرضك للإخفاق وبالرغم من أنّ تعلم شيءٍ جديد أو صنع منتج ما يأخذ وقتًا أطول من المتوقع في بعض الأحيان، فأنت ما تزال قادرًا على الثقة بالمنظومة وتواصل العمل كل يوم مُضيفًا القطع إلى قصر الليغو الذي تقوم ببنائه.

الإطار الثاني هو الوعي بالأفكار، وقد تبدو كلمةً مخيفةً بعض الشيء لكنها ليست كذلك في الواقع. يعني الوعي بالأفكار ببساطة تعني «إدراك الإدراك» أو بعبارة أبسط «التفكير في التفكير»، إنها مهارة ذات مستوى أعلى تسمح لك بأن تكون مدركًا بوعيك. الوعي بالأفكار هو معرفتك عما تعرفه وما لا تعرفه، بالإضافة إلى كل الاستراتيجيات التي تستخدمها للتعلم وحل المشكلات. تقنيات الاستذكار أو خطط التعلم أو حيل الإنتاجية بل حتى تصورك لصعوبة مهمة ما، كلها جزء من الوعي بالأفكار.

يعني إطار الوعي بالأفكار أنك تبذل الجهد لتبقى مدركًا لما تفهمه وتستدرك وتعيد استخدام المعلومات الجديدة، يعني كذلك أنك قادر على استخدام هذا الوعي لتحسين طريقة تعلمك وتنميتها عن طريق إصلاح أو تحسين طريقتك في العمل.

وأخيراً، سلطة الذات على الأفكار هي القدرة على تحديد سلطتك على ذاتك والتعبير عنها، يعني ذلك أنك لا تعتمد على سلطة خارجة عنك لتحدد معتقداتك وقيمك وعلاقاتك الاجتماعية، بل بدلًا عن الاتكاء على الحلول الخارجية فأنت قادر على الاعتماد صوتك الداخلي لاتخاذ القرارات بشكل يومي.

على مستوى أعمق، تعني سلطة الذات على الأفكار أنه بالرغم من أن الواقع خارج عن نطاق تحكمك فأنت تعلم أنك تستطيع التحكم في تفاعلك مع هذا الواقع وأنك قادر على صقل إطار أفكارك والتفاعلات مع الحوادث الخارجية. وفي رحلتك للتطور وتعلم شيء جديد، من المهم التمسك بخطتك بغض النظر عما ستحمله لك الحياة بطبيعة الحال.

تسلحك بالعقلية المتجددة والوعي بالأفكار وسلطة الذات ضروري في عملية تأطير عقلية التفكير حتى تتمكن من إكمال مشاريعك للنهاية. يمكنني كتابة المزيد من أطنان الكلمات عن إطارات الأفكار هذه في هذا المقال، لكنني سأحاول الاختصار ما أمكن.

إطار تنموي للأفراد المنتجين

تعلم إطارات العمل هو أمر رائع يمكن أن يصبح معقدًا للغاية، ما أقصده قد يتضح بإلقائك نظرة على بوصلة التعلم لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي «تُعرف المعرفة والمهارات والسلوك والقيم التي يحتاجها المتعلمون لتحقيق إمكانياتهم والمساهمة في ازدهار الكوكب ومجتمعاتهم». وفي الواقع لا يمكننا انتقادهم؛ فهناك الكثير عن التعليم وتطوير الذات، ومن العسير الإحاطة بكل شيء في إطار عمل وحيد.

ما يعجبني في تأطير عقلية التفكير مقارنةً بإطارات التعلم الأخرى التي جربتها من قلب هو أنه يشجعك بالفعل على العمل لإنتاج المحتوى وبناء التطبيقات، وباختصار يُمكّنُك من تطبيق ما تعلمته في أقرب فرصة ممكنة لترسيخ التعلم، إنه أقرب إلى كونه إطار عمل عملي.

أولاً، لنلق نظرة على الأدوات التي ستحتاجها. الكثير من إطارات العمل «تتطلب» أن تشتري تلك المذكرة الخاصة أو أي أداة أخرى ستساعدك لتكون أكثر إنتاجية، أمّا تأطير عقلية التفكير فكل ما تحتاج إليه هو شيء للكتابة فحسب، أنا أستخدم مذكرة وتطبيق الكتابة الخاص بي فقط.

تشتمل عملية تأطير عقلية التفكير على أربع خطوات:

  1.   العهد (Pact)
  2.   الفعل (Act)
  3.   ردة الفعل (React)
  4.   التأثير (Impact)

والتي يطلق عليها اختصارًا– كما قد تكون لاحظت – (PARI)، وتعني “حيوان أليف” بالفرنسية، كم هذا جميل للغاية.

هيا لنتعمق أكثر في كل منها على حدة.

أولاً، ستقوم بقطع عهد سواء مع نفسك أو مع الآخرين، أنا شخصيًا من المؤيدين بشدة للتعلم والبناء على الملأ، لكن إن كنت تشعر بأنك تمتلك المرونة النفسية والقوة العاطفية لمحاسبة نفسك بدون مشاركة أهدافك مع الآخرين، فهذا حسن كذلك. هناك أيضًا بعض الحالات التي لا تود فيه صناعة منتجك على الملأ لأسباب أخرى تطبيقية.

يعني العهد – والذي كان من الممكن أن أسميه عقدًا (contract)، إلاّ أن اختصار CARI لا معنى له بالفرنسية – في هذه الحالة أنك تلتزم بقضاء الوقت بشكل منتظم في العمل على هدفك، لا يحدد ذلك أساسيات ما ستقوم به أو الوقت الذي تستغرقه كل جلسة عمل، فقط التزامك بتخصيص وقت بشكل دوري لأنشطة تساعدك في التقدم نحو هدفك.

 

مثال رائع على ذلك هو وَسم 100 يوم من البرمجة (#100daysofcode)، فالمبرمجون المبتدؤون يقومون بتعهد علني بأن يقوموا بالبرمجة كل يوم لمدة 100 يوم متصلة، لا يهم كم ساعة في اليوم أو ما سيقومون بالعمل عليه، قد يكون ذلك تابعًا لتدريب ما، أو بناء شيء ما صغير، أو قراءة بعض المستندات، أو التواصل مع أحد المرشدين ببعض الأسئلة، لكن عليهم القيام بشيء واحد على الأقل كل يوم يساهم في الوصول إلى هدفهم لتعلم البرمجة.

ثانيًا، أنت تحتاج إلى الفعل. غالبًا ما يكون هذا هو الجزء الأصعب في معظم إطارات التعلم، فهي معقدة وتحتاج منك إلى الاطلاع على الكثير من المحتوى بترتيب معين، ثم الدراسة لفترة محددة مسبقًا من الساعات كل أسبوع، ثم إنهاء بعض الواجبات المعينة، مما يسهل عليك الشعور بالإحباط.

في تأطير عقلية التفكير، أنت هو من يتحكم في عملية التعلم. الشيء الوحيد الذي قد تفسد الأمر به هو عمل لا شيء، فتح كتاب ما وقراءة صفحة واحدة فقط؟ هذا تطور، مشاهدة مقطع فيديو تدريبي؟ هذا رائع، الاستماع لصديق يشارك أفكاره عن حدث للبرمجة قام بحضوره؟ يمكنك اعتماد ذلك أيضًا. لا توجد مساهمات صغيرة نحو هدفك، فكل خطوة تقوم بها ستجعلك أقرب إلى الشخص الذي تود أن تُصبحه.

ثالثًا، أنت تحتاج إلى ردة الفعل. في هذه المرحلة ستبدأ بالفعل في استيعاب المفاهيم التي سبق وأن تفاعلت معها عن طريق صناعة محتواك الخاص بك، أنا أعلم أن البدء بإنتاج المحتوى يبدو شاقًا في هذه المرحلة، فأنت تشعر بأنك مبتدئ فحسب، من تظن نفسك لتشارك الآخرين بأفكارك عن موضوع أنت ما زلت جديدًا عليه؟

لكن هذه هي أحد أهم الوسائل للتعلم، بالإضافة إلى ميزة مساعدتك على التواصل مع الآخرين الذين لديهم نفس الاهتمام بموضوعك. قد يأخذ ذلك أشكالاً عدة: منشور على مدونة، بودكاست قصير، بث مباشر، أو خيط على تويتر، أو رسالة بريد إلكترونية على قائمتك. هذا المقال في الواقع هو محاولة لتوطيد الكثير من الأشياء التي تعلمتها في السنوات القليلة الماضية، شرح أفكارك وإعادة صياغتها لشخص آخر هي وسيلة رائعة لترسيخ أفكارك.

وفي النهاية، أنت تحتاج إلى العمل على مشروع ذو تأثير. بمجرد شعورك بأنك متمكن بما فيه الكفاية – أي أنك قادر على استيعاب المفاهيم وتفصيلها لكنك ما تزال لا تشعر بالأريحية عند استخدامك لها – عليك البدء بالعمل على شيء أكبر. إن كنت تتعلم البرمجة، فقد حان الوقت لبناء تطبيقك المعقد الأول. إن كنت تتعلم التاريخ القديم، فقد حان الوقت لكتابة مقالات طويلة عن موضوع تعرض للقليل من الدراسة وتقديمه لدور النشر. إن كنت تتعلم الموسيقى، فقد حان الوقت لإنتاج مجموعة من مقطوعاتك الموسيقية التي ألفتها بنفسك.

في الغالب لن تكون هذه الخطوات جيدة جدًا في بادئ الأمر، لكنك ستتعلم الكثير بالضغط على نفسك ليس فقط لمجرد أن تكون قادرًا على شرح المفاهيم بل باكتساب فهم عميق كافٍ لصناعة منتوجك الخاص بك.

العهد والفعل وردة الفعل والتأثير، هي كل ما في الأمر. هذه الخطوات الأربع هي التي يمكنها نقلك من نقطة «أنا لا أمتلك فكرة عما أفعل» إلى نقطة «أنا أقوم بعمل شيء معتمدًا على ما تعلمته»، وهذا شيء رائع بالفعل.

لكل خطوة أنت تحتاج إلى مزيج من العقلية المتجددة والوعي بالأفكار وسلطة الذات.

 

هذا هو إطار التعلم الخاص بي، لقد ساعدني كثيرًا في تعلم البرمجة ودراسة علم الأعصاب أثناء إدارة عملي التجاري بدون أن أصاب بالجنون، لكنه قد لا ينجح مع الجميع. في النهاية، يعتمد الأمر على إيجاد الاستراتيجيات التي تسمح لك بالنمو والشعور بالإنجاز.

تذكر بأنّ سلطة الذات على الأفكار هي المفتاح!

 

 

المصدر

إذن الترجمة والنشر على موقعنا

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *