كيف يذيب القائد الحقيقي جبل الجهل الجليدي «بتواضعه»؟

ترجمة بتصرّف لمقال: How Real Leaders Melt The Iceberg of Ignorance With Humility by Joost)
مصدر الصورة: Unsplash
كتابة: جوست مينار (Joost Minnaar)
ترجمة: أثير
مراجعة وتدقيق: عبدالرحمن نصرالدين @abdonasr77
المراجعة النهائية: أسامة خان @QalamOsamah
توجد صور مماثلة لـ «جبل الجهل» منذ عقود. تنتشر اليوم كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما صارت منتشرة في الثقافة الشائعة للإدارة.
حسب ما يقال فقد نشأ كل شيء في عام ١٩٨٩ عندما نشر المستشار سيدني يوشيدا (Sidney Yoshida) دراسته بعنوان «جبل الجهل الجليدي». (للأسف، لم نتمكن من الحصول على النسخة الأصلية.) إذ يُزعم فيها، أن يوشيدا قد كشف عما رآه من عادات العمل والقيادة في شركة صناعة السيارات اليابانية كالسونيك (Calsonic).
قمة الجبلِ الجليدي
كشف يوشيدا النقاب عن سوء العلاقة ما بين السلطة ومدى معرفتها بالمعلومات داخل البناء الهرمي. على وجه التحديد، فالعلم بالمشاكل الأولية يتلاشى كلما صعدنا هرم المنشأة الإداري. وجد يوشيدا أن قيادة الشركة لم تكن على دراية بأي مشاكل حقيقية تواجهها المنظمة، فعلى حد تعبيره هم لا يرون إلا قمة الجبل.
كما وجد يوشيدا أنه مع أن موظفي الخطوط الأمامية يعرفون ١٠٠٪ من المشاكل الأولية، فإن قادة الفريق لديهم علمٌ بـ ٧٤٪ فقط من المشاكل، و الإدارة الوسطى ٩٪ والإدارة العليا ٤٪ فقط!
وسواء كانت أرقام يوشيدا دقيقة وقائمة حتى اليوم أو لم تكن، فهي قابلة للنقاش. فمن ناحية؛ قد يقول الأكاديميون بأن أسطورة الجبل الجليدي «فكرة رديئة» لدرجة يصعب تصديقها، أو ربما تستند جزئيًا فقط على الحقائق (كما نعتقد ذلك). ومن ناحية أخرى، فما دام هناك سلوك لا يمكن تفسيره في مكان العمل، فسيكون هناك مجال لهذا النوع من الأساطير في الثقافة الشائعة للإدارة.
على أي حال، ليس محور الأهمية دقة أرقام يوشيدا من عدمها، المهم هو اكتشاف الرسالة الهادفة التي تحملها والتفكير فيها.
مشكلة الجبل الجليدي
لهذا السبب فإن «جبل الجهل» قصة جيدة للغاية. إنها تقدم نظرة ثاقبة وقوية ولكن مؤلمة عن الحالة البائسة لبيئة العمل الحديثة. ففي أوقات الرخاء قد لا يؤدي جبل الجهل الجليدي إلى مشاكل ملحوظة. لكن في الأوقات العصيبة يحتاج القادة حقًا إلى معلومات عاجلة ودقيقة من موظفي الخطوط الأمامية ليتخطوا تلك الأزمات.
أما عندما تكون الأدوار معكوسة فإن الأمر سينتهي بالقادة ذوي المكانة المنخفضة والأقل ثقة مثل يوليوس قيصر المغتال في إديس مارس [1]. حيث تُرِك ليحل مشاكله بنفسه. من الواضح إذا أنه حتى أعتى القيادات قوةً يستحيل أن تحل جميع مشاكل المنظمة، خاصة إذا كانت معرفتهم مقتصرة على «قمة الجبل الجليدي».
إذن، ما الذي بيد القادة فعله لمعالجة هذه المشكلة؟
وماذا يمكنهم تعلمه من الأكاديميين والقادة الأكثر إلهامًا؟
التواضع هو مفتاح إذابة جبل الجليد
من حسن حظ القادة أن هناك قوة فعالة للغاية يستطيعون تنميتها لحل هذه المشكلة، ألا وهي: التواضع. فالتعامل باستمرار مع موظفي الخطوط الأمامية يعد أحد مفاتيح النجاح المهملة من جانب القادة، رغم وضوحه وضوح الشمس. القادة، أي قادةٍ كانوا، الذين يظهرون مثل ذلك التواضع سيحطمون جبل الجليد قبل أن تصطدم به سفينة التيتانيك.
القادة الذين يظهرون التواضع باختلاطهم مع موظفي الخطوط الأمامية يكتسبون مكانة وتأثيرًا أكبر من أقرانهم الذين يفضلون البقاء في مكاتبهم. علاوة على ذلك، يمكن للقادة تعزيز مكانتهم من خلال أداء عملٍ «أقل رتبة من مستواهم». إليكم مثالين ملهمين للقيادة المتواضعة والاستثنائية يمكن الاحتذاء بها.
الطباخ المالك الذي يكنس الشارع
تحدثت فرانشِسكا جِنو (Francesca Gino) -الأستاذة بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد (مؤلفة كتاب Rebel Talent)- مؤخرًا عن مشروع بحث أجرت فيه استطلاعًا لأكثر من ٧٠٠ موظف حول الرؤساء وسلوكهم. وجدت أن المديرين الذين يحظون بأقل مستويات الاحترام هم أيضًا أولئك المعروفين بانغلاقهم على أنفسهم في مكاتبهم.
والأهم من ذلك، وجدت أيضًا أن «القادة الأكثر احترامًا هم أولئك الأكثر استعدادًا لتلطيخ أيديهم». غالبًا ما تتحدث فرانشِسكا عن عادات العمل والقيادة لماسيمو بوتورا (Massimo Bottura)، الطاهي صاحب مطعم Osteria Francescana الإيطالي الحائز على ثلاث نجمات ميشلان.
ويُصنيف المطعم كأحد أفضل المطاعم في العالم. لكن الطاهي صاحب المطعم لا يخجل من كنس الشارع أمام المطعم كل صباح. علاوة على ذلك، فهو يساعد موظفيه على تفريغ شحنات التوصيل وإعداد وجبات الموظفين، حتى أنه يجد وقتًا للعب كرة القدم مع الموظفين. «عندما يمسك بوتورا بالمكنسة كل صباح، يظهر لموظفيه أنه لا يوجد عمل متدنٍ حتى بالنسبة له – وبذلك يكسب احترامهم» .
صاحب المطعم الذي يسقي الماء
في موقع Corporate Rebels لدينا قصة مماثلة. يتعلق الأمر بعادات أري وينزويج (Ari Weinzweig) الشريك المؤسس لزنجرمان (Zingerman)، المتخصصة في العمل الغذائي في آن أربور بولاية ميشيغان. على الرغم أن آري يقود شركة بملايين الدولارات، إلا أنه لا يزال يسقي الماء الضيوف كل مساء. قد تعتقد أن لديه أشياء أكثر أهمية للقيام بها، لكن يجب ألا تنصحه بذلك أبدًا. لأنه يعلم أن المشاركة النشطة (من المالك) هي الأفضل للعمل.
عندما يرى الموظفون آري يتجول مع إبريق يقدم الماء للعملاء، يعرفون أن وظائفهم مهمة بنفس القدر. تنفيذ الأمور الصغيرة لضمان سير العمل بسلاسة، أهمّ من المنصب أو الدور.
التواضع العنصر الخفي
بحث عدد من الأكاديميين في الموضوع. يدرس البروفيسور آدم جرانت (Adam Grant) من كلية وارتون (Wharton) و (مؤلف كتاب Originals) كيفية جعل العمل غير رديء، ويتحدث عن التواضع باعتباره المكون السري.
«التواضع هو التحلي بالوعي الذاتي لتدرك ما تجيده وما لا تجيده. الدراسات تظهر أنه عندما يحضر التواضع في فريقك، فمن المرجح أن يقود الناس لاستغلال نقاط قوتهم واللعب بها».
ويدعو جرانت القادة إلى تولي الأدوار التي تساعد فريقهم على الفوز بدلًا من السعي خلف الأضواء. وذلك لا يعني أن التواضع هو التقييم المتدني لنفسك، بل الثبات والوقوف الصحيح في الوقت المناسب. «التواضع لا يتطلب منك القيام بالأعمال الشاقة فقط. بل بإدراك أنك لست أعلى من القيام بما يحتاجه
الفريق».
يتفق هو والأستاذ بكلية لندن للأعمال دان كيبل ومؤلف كتاب (Alive at Work) على ذلك، ويدافعان عن القادة المتواضعين الذين يساعدون الموظفين على الشعور بالهدف والدافع والحيوية حتى يتمكنوا من تقديم أفضل ما لديهم في العمل «هؤلاء القادة يمتلكون التواضع والشجاعة والبصيرة للاعتراف بأنه يمكنهم الاستفادة من خبرة الآخرين الأقل قوة منهم».
علاوة على ذلك، فإن القادة المتواضعين يزيدون مستوى مسؤولية التابعين لهم وشعورهم بالملكية والاستقلالية، وذلك يشجعهم على التفكير وتجربة أفكارهم الخاصة. نستطيع القول: إن الموظفين الذين يقومون بالعمل الفعلي لمؤسستك غالبًا ما تفوق معرفتهم معرفتك في أداء العمل الرائع.
لذا، هل ألهمناك لتعبر معهم هذا الطريق؟ لنكن واضحين: إن خلق ثقافة التواضع لا يرتبط فقط بتجنيد مجموعة من الناس المتواضعين. بل يرتبط الأمر بجعل التواضع جزءًا أساسيًا من جميع ممارساتك وأدوارك وعملياتك!
[١] إديس مارس هو يوم في التقويم الروماني والذي يوافق ١٥ مارس. تميز بالعديد من الاحتفالات الدينية وكان معروفا بالنسبة للرومان كموعد نهائي لتسوية الديون. في عام ٤٤ ق. م، اشتهر بتاريخ اغتيال يوليوس قيصر الذي جعل من إديس مارس نقطة تحول في التاريخ الروماني
أحدث التعليقات