تشبث بالأمل ودَعْ التوقعات

الكاتب: نيك ويغنال Nick Wignall
ترجمة: أَمجاد السعيد amjrg@
تدقيق ومراجعة: أحمد موسى
من المفيد التمييز بين التوقعات والآمال. كثيرًا ما نستعمل التوقعات بشكل لا واعٍ كآلية دفاعية لتجنب العجز وانعدام التحكم، ولكن كمعظم أشكال اجتناب المواجهة، ما يهوّن همك الآن غالبًا سيفاقم تعاستك لاحقًا.
سأذكر مثالًا لعميلة سابقة (لنسمها جَايْن).
كيف واجهت جَاين غلطة عمرها أخيرًا؟
في لحظاتها الأكثر صدقًا، كانت جَاين مذعورة لزواجها الشخص الخطأ. لم يكن زوجها مرهف الحس أو صاحب ضمير حي، ليس بالشكل الذي كانت تتمناه على أي حال.
أثناء إحدى جلساتنا، أخبرتني عن حادثة وقعت مؤخرًا بينهما، حيث توقعت جَاين أن يساعدها زوجها في التنظيف بعد العشاء. وذلك لأنها تناقشت معه طويلًا في الليلة الماضية وأوضحت حقيقة سبب حاجتها إلى المساعدة وطلبت منه أن يمد يد العون.
وشرحت لي كيف أخبرت نفسها ذلك المساء، أن هذه المرة ستكون مختلفة وسَيعاونها جون أخيرًا وسيبدأ في مساعدتها ودعمها في أداء الأعمال المنزلية، توقعت كل هذا على الرغم من أن خبرتها من معاشرته لعشرين عامًا دلت على عكسه.
عندما فشل زوجها في المساعدة مرة أخرى، خاب أملها منه. ورغم أنها لم تظهر غضبها أبدًا، إلا أنها وجدت استياءها منه يتفاقم، والذي غالبًا ما كانت تعبر عنه بالتعليقات السلبية والعدوانية وغياب الحميمية.
شعرت كذلك بخيبة الأمل والإحباط -والخزي بعض الشيء- من نفسها لأنها (لُدغت من نفس الجحر) مرة أخرى.
وبقي النمط يتكرر مدة، أولًا توقع تغيُّر زوجها، ثم بقاء زوجها على حاله، فاستيائها حيال ذلك. في حين استمرت علاقتهما بالتدهور (وبالتأكيد، لم تكن مشكلة جون وعدم مساعدته في التنظيف بعد العشاء، المصدر الوحيد لِنزاعهما الزوجي).
في النهاية، واجهت جَاين الحقيقة المرَّة وهي أنها بالفعل قد تزوجت الشخص الخطأ. كانت ثقة جون المفرطة ومَوقفه اللامبالي تجاه الحياة جذابيْن عندما التقيا لأول مرة (ثم تزوجا سريعًا)، لكن سرعان ما اختفى بريقه. وأمضت جاين أكثر من عشرين عامًا في مأساة تحاول الاقتناع بأن زوجها مختلف، بتوقع أنه سيتغير في النهاية.
في الواقع، كانت تلك التوقعات طريقتها في تجنب الحقيقة المؤلمة، أنها تزوجت الشخص الخطأ، مما يعني أنها ستضطر إما إلى قبوله (بكل عيوبه) أو الطلاق وكلا الخيارين كانا مخيفين.
أرادت جاين بشدة التحكم في شيء كان خارج تحكمها أساسًا وهو انعدام الضمير لدى زوجها. وبينما وفَّرت توقعاتها قدرًا من الراحة المؤقتة والثقة الزائفة بأن الأمور ستتغير، إلا أنها تتسبب دائمًا بتفاقم ضيقها وحزنها في النهاية.
والدرس النفسي الأساسي هنا ما يلي:
غالبًا ما يمنحنا توقع شيء ما في أذهاننا وهم التحكم.
ولكن في الغالب، كما في قصة جاين، ما يكون وهم التحكم شكلًا من أشكال خداع الذات ويهدف إلى تجنب الخيارات العصِيبَة مثل قبول ألم المواقف العويصة أو اتخاذ الخيار الجازم لتغيير حياتنا جذريًا.
عندما تروي لنفسك قصة عن كيف ينبغي أن تكون الأمور، أو كيف ينبغي أن يتصرف الآخرون، يمنحك ذلك شعورًا عابرًا بقدر أكبر من التحكم. وشعور التحكم هذا يخفف آلام العجز مؤقتًا، لكن هذا محض اجتناب للمواجهة وطريقة لتسويف قبول حقيقة مرَّة أو اتخاذ خيار شديد الصعوبة.
تذكر أن جاين حافظت على توقعات غير واقعية عن زوجها لأنها لا تريد مواجهة حقيقة وضعِها وأنها أمام خيارين، إما القبول بزوج مليئ بالعيوب أو الطلاق.
التوقعات غير المدروسة تُخَلِّف الكثير من المعاناة
إذا كنت تعاني من الصراع العاطفي أو الشخصي المتكرر، فمن المحتمل أن يكون للتوقعات غير المدروسة دور رئيسي في ذلك:
- مثلًا، ينشأ الاكتئاب في عديد من الحالاتِ نتيجةً لِلتوقعات غير الواقعية، مثل أنه لا يجب عليك الشعور بالحزن أو اللامبالاة. ونتيجة لذلك، ينتهي بك الأمر بالشعور بالغضب والخزي من نفسك لشعورك بالحزن، وهذا بدوره طبعًا يجعلك تشعر بالاستياء ويعزز الاكتئاب.
- تنشأ العديد من أنواع القلق من التوقعات غير الواقعية، مثل أنه عليك أن تكون واثقًا مثل شخص آخر أو أن ترقى إلى المعايير الخيالية التي حددتها لنفسك، أو أنه من (السخف) الخوف من الشيء الفلاني. كل هذه التوقعات الخاطئة وسيلة لتجنب مواجهة حقيقة أنك لست واثقًا بالقدر الذي تريده أو أنك تشعر بالخوف أحيانًا.
- وبالطبع، كما توضح قصة جاين، فإن الكثير من الصراعات في العلاقات الزوجية تعود أساسًا إلى التوقعات غير الواقعية، وإلى إيهام الذات بأن الآخر مطالَب بتغيير هويته، ورفض قبول أننا لا نقوى على تغيير أزواجنا.
للتوضيح، غالبًا ما تكون مسألة توظيف التوقعات غير الواقعية آلياتٍ معقدة للغاية لاجتناب المواجهة، وبالتأكيد ليست بالشيء الذي يعالَج بين عشية وضحاها. ولكن إحدى الطرق البسيطة للبدء هي تمييز الآمال عن التوقعات.
الفرق بين الآمال والتوقعات
إن الشيء العظيم في كلمة أمل كما نستخدمها عادة هو أنها تشير إلى الغياب التام للتحكم في النتيجة:
- آمل أن يفوز فريق جاينتس [العمالقة] بدورة هذا العام!
- آمل أن أكون المحظوظ الذي يربح الجائزة الكبرى.
- آمل بشدة أن يؤهلني أدائي في المقابلة لنيل الوظيفة.
الأمل يعني غياب التحكم، أما التوقع فيفترض وجوده.
جرب هذه التجربة البسيطة: حين تجد نفسك تحادث نفسك عما تتوقعه أو تعتقد حدوثه مستقبلًا، حاول إعادة صياغة أحاديث النفس تلك لتبدأ بما تأمله.
فمثلًا:
- بدلًا من: إنه رجل ناضج …كان عليه أن يحسن التصرف!، قل: إنه رجل ناضج … آمل أن يتذكر أن يحسن التصرف مستقبلًا.
- بدلًا من: لقد رحلت منذ سنوات … لا ينبغي أن أفتقدها كثيرًا، قل: لقد رحلت منذ سنوات … آمل أن يهون الحزن الذي أشعر به قريبًا.
- بدلًا من: لا أصدق أنني تخبطت في إجابتي على هذا السؤال … كان يجب أن أقول كذا، قل: لا أصدق أنني تخبطت في إجابتي على هذا السؤال … آمل أن يتحسن أدائي في المرة القادمة.
مجرد تجربة بسيطة يمكنك تجريبها لتدرك مكان التوقعات من حياتك. لأنك إن كنت تستخدمها دون وعي لتجنب الظن والعجز، فأنت على موعد مع مزيد من الألم والمعاناة على المدى البعيد.
ومن جهةٍ أخرى، إذا استطعت تعلم مواجهة وقبول افتقارك إلى التحكم واليقين – ولو في أحاديث النفس البسيطة – فَستحصد كمًا كبيرًا من الراحة العاطفية الحقيقة والثقة على المدى البعيد.
تمسك بالأمل، لكن دع لتوقعات.
تمت الترجمة والنشر بموافقة الكاتب
أحدث التعليقات