هل الحياة أفضل حينما تكون منشغلًا؟

ترجمة: عهد عبدالله
تدقيق ومراجعة: جواهر القحطاني
مراجعة نهائية: ندى محمد
لماذا انشغل الجميع؟ قبل قرابة قرن قام الاقتصادي جون ماينرد كينيس بالتنبؤ أننا سوف نعمل خمسة عشر ساعة في الأسبوع فقط، على اعتبار أن الدخل سيرتفع ووقت الفراغ أيضًًا. ولكن ذلك لم يحدث. فقد ارتفع الدخل ولكن لازلنا نعمل لساعات طويلة، لماذا؟ هناك إجابة واحدة فقط وهي أن الأشخاص يفضلون أن يبقوا منشغلين. تناقش هذه الورقة أن الأشخاص يخافون من العطالة وأنهم غالبًا ما يصبحون سعداء حين انشغالهم مقارنًة بعدم وجود شيئًا للقيام به. لكن الأهم أنك تحتاج لسبب يجعلك منشغلًا. فمع انعدام المبرر للعمل سيختار الناس العطالة حتى وإن كانوا يفضلون العمل. إذا استمررنا بكوننا منشغلين واحتجنا لسبب فإن ذلك يعني أن أغلب أسباب انشغالنا تم فرضها ذاتيًا.
أسباب انشغالنا المشترك:
إننا نشعر بأننا مشغولين ولكن هناك دليل أن بعض ما يشغلنا ليس ضروريًا. ما الذي يوضح هذه الفجوة؟ لدي بعضًا من النظريات:
١- الانشغال كإشارة: إن الأشخاص المشغولين مهمون. فإن التشكي بالانشغال يعد كالتشكي من دفع الكثير للضرائب وهو أمرًا يسمح لك أن تخبر عن مكانتك الاجتماعية بشكل مهذب.
٢- الانشغال كوسيلة لتجنب الالتزامات: التظاهر بالانشغال يعد طريقة مقبولة اجتماعيًا لرفض الالتزامات الاجتماعية. فإن قول<< أود المجيء ولكن لا استطيع لانشغالي>> يعد أكثر لطفا من << لا يمكنني، فإن عزف ابن أخيك لا يهمني كثيرًا>>.
٣- الانشغال كوسيلة لخداع الذات: حين تعمل على الكثير من الأشياء فإن هدفك هو الوصول إلى تقليلها. بما إن وجود مهام عالقة أقل يكون أفضل داخل محيط أهدافك فمن المحتمل أن تقوم بتمديد ذلك على نحو خاطئ وتعتقد أن عدم وجود مهام عالقة في الحياة هو الأمثل.
يوجد هناك تفسير منطقي آخر وهو أن الانشغال يكون على شكل سلسلة. فإننا قد نمقت العطالة ولكن الانشغال الزائد قد يجعلنا منهكين. فهناك منطقة مريحة بالمنتصف قد تناسبنا. وإن ضبط هذه الكمية يعد أمرًا صعبًا.
إيجاد المنطقة المريحة في الانشغال
أشعر بسعادة أكبر حين أكون منشغلًا جدًا ولكن بشكل قليل. حيث أنني لست منشغلا لدرجة الشعور بالتعب ولا لدرجة الشعور بأن ليس هناك وقتًا كافيًا لإنهاء كل شيء. أعتقد أن بالنسبة لأغلب الناس فإن هناك مقياس من الملل التام إلى الإرهاق مع تواجد مستوى الانشغال المثالي في المنتصف.
من الملاحظ أن بعض الأشخاص يبدون أكثر سعادة حين يكونوا أقرب لنهاية السلسة وهي الاسترخاء. وعلى العكس، يحتاج البعض لنشاطات أكثر ليكونوا سعداء. قد يكون لهذا الاختلاف أصلًا بيولوجيًًا. فإن بعض الأشخاص تكون مؤشراتهم وضعت بشكل مختلف لأجل المستوى الأمثل من التحفيز. بالإضافة الى ذلك، من الممكن أن تجد نفسك خارج هذه السلسلة موقتًا. فإنك دائمًا تستطيع أن تأخذ المزيد من الالتزامات ثم تدرك أنك شعرت بالانشغال وأقرب للمثالية. كما أن من المحتمل أيضًا أن يكون لديك بعضًا من وسائل التنفيس السريعة لتقوم بها وتشعر فيها بالملل وأنك بلا هدف في الحياة.
من الواضح أن هناك خيارين مختلفين في حسبة الانشغال والسعادة. الأولى ماهي النقطة المحددة المثالية لديك والثانية ما إذا كان وضعك المؤقت أعلى أو أسفل تلك النقطة.
ماهي الأسباب الجيدة لتكون منشغلًا؟
كما لاحظ مؤلفو الدراسة المذكورة أعلاه؛ إننا نحتاج سبب لنكون مشغولين. حتى لو كنا نفضل الانشغال فإننا لا نقوم بفعل الاشياء لمجرد فعلها. إن نوع السبب يحدث تغيرًا كبيرًا. فإذا كان السبب إجباري فسيؤدي ذلك إلى زيادة الالتزامات إن لم تكن حذرًا. ولكن إن لم يكن لديك سبب مناسب للعمل فإنه من الصعب أن تجد ما يمكنك فعله لتصل للمستوى المثالي. كنت أميل للتردد بين وجود مشروع للعمل عليه (والذي يرهقني أحيانا) وبين عدم وجود أي مشروع والشعور بأنني بلا هدف. إن البحث عن مشروع لتعمل عليه قد يكون أمرًا صعبًا. فإن الرغبة لملء الوقت لا يمكن أن يكون عذرًا مناسبًا. إن وضع الأهداف والتخطيط أساسيان لأنهما وسائل يتم استخدامها لإيجاد أنشطة محفزة. حيث أن صنع تحسينات واقعيه لحياتك قد يكون أمرًا إضافيًا لدافع السعادة لوجود سببًا مثاليًا للانشغال.
هل تملك وقتا قليلا حقا؟
حين نتحدث بدقة فإن جميعنا نملك المدة الزمنية ذاتها كل يوم. لا أحد يملك أقل أو أكثر. ما قد يبدو أنه ضيقًا للوقت هو بالواقع تعارض أولويات. هناك نوع صعب من الانشغال يظهر حين يكون عملك يفتقر لعامل المتعة. فإذا كنت مضطرًًا للعمل لساعات طويلة بوظيفة لا تحبها فإنك تحتاج بطريقة ما أن تلبي احتياجاتك النفسية في الوقت القصير الذي تملكه. وقد يكون ذلك صعبا كما أن التوقعات تعد مشكلة اخرى.
إذا كنت ترغب بالعمل بشكل كامل والمحافظة على لياقتك وقضاء وقتٍ مع أطفالك والتواصل مع أصدقائك وهواياتك فإنك من المحتمل لن تجد وقتًا كافيًا لفعل كل ذلك في المستوى الذي ترغب به. إن النتيجة ستكون محبطة حتى وإن لم تتقلص ساعات اليوم. كل ذلك قد يجعل الانشغال المفرط تجربة مرهقة حتى لو كنت تعمل بنفس الأربع والعشرين ساعة كالآخرين.
استراتيجيات غير تقليدية لتحسين الانشغال
١- صحح توقعاتك
كما ذكرت مسبقا إن توقع الكثير من نفسك أو القليل يعد وسيلة للإرهاق. فإن من المهم أحيانًا أن تأخذ خطوة للوراء وتسأل نفسك ما الذي يبدو واقعيًا؟ إذا كنت بالفعل في الحدود القصوى للإنتاجية فربما تحتاج أن تسمح لنفسك بالتساهل. نادرًا ما نشعر أنه من الواجب أن نكون مشغولين. عوضًا عن ذلك، يظهر ذلك وكأننا نشعر أنه ليس لدينا أي أمر هادف لنعمل من أجله. إن وضع أهداف مثيرة للاهتمام قد يرفع التوقعات ويُرغمك أن تنشغل بالحياة بطرق تجعلك أكثر سعادة.
٢- اعثر على عمل وأصدقاء وهوايات مُرضية أكثر
إذا كنت تقضي الكثير من الوقت بالقيام بأشياء لا ترضيك نفسيًا فقد تشعر أن لديك قليل من الوقت. وقد يكون العمل أمرًا مؤذيًا. أما إذا كنت تشعر أنك غير راض عن عملك، فإن كتاب كال نيوبورت يعد من أفضل الكتب عن الرضا المهني. قد يكون السعي وراء الأصدقاء والرفاهية أمرًا منهكًا أيضًا. هل تشعر أنك مشغول بشكل كبير ولكن مع ذلك تقضي ساعات تشاهد فيها نتفلكس أو تتصفح هاتفك كل ليلة؟ لعل المشكلة ليست في ضيق الوقت بل في الافتقار إلى أنشطة تناسب احتياجاتك.
٣- اصنع قيودًا أكثر
الشعور المؤقت بالانشغال أو الملل غالبًا ما يكون بسبب مشكلة التوازن بين الفرص الجديدة والالتزامات الحالية. إن كان تدفق الفرص الجديدة بطيئا فقد تشعر بالملل والتوتر. أما إذا أصبح تدفقها كالسيل فستشعر بالإرهاق. إن تنظيم هذا التدفق قد يحل بعضا من مشاكل الانشغال. فإذا كنت تشعر بالإرهاق فقم بتشديد قيودك حتى تعود الفرص الجديدة إلى وضع الرفض. أما إذا كنت تشعر بالفراغ فقم بإرخاء تلك القيود والموافقة على المزيد من الفرص. إن المصادر المختلفة للالتزامات قد تحتاج للتنظيم بشكل مختلف فعلى سبيل المثال عندما أقوم برفض طلبات التحدث فغالبًا ما أقوم بالموافقة على نشر المقابلات حيث أن الالتزام الزمني يعد أقل من خطاب جاهز. حين نكون مشغولين جدًا فغالبًا بسبب أن أحد مصادر الالتزام ليس منظمًا بشكل صحيح.
هذه الإستراتيجيات تصبح أكثر فعالية خلال مدة زمنية طويلة. وتطبيق المبادئ المذكورة أعلاه بشكل مستمر سيساعدك أن تعمل لأجل حياة من الانشغال الأمثل لمدة أشهر وسنوات من الآن. ولكن لايزال هناك القليل من التدابير للشعور بالانشغال. في نهاية المطاف، إن إيجاد التوازن المناسب لعمل مشوق وهادف يعد من أفضل الطرق التي تساعدنا للعيش بشكل أفضل.
إذن الكاتب بترجمة ونشر المقال على موقعنا
أحدث التعليقات