متلازمة المُحتال: الخوف من انكشاف الحقيقة

ترجمة بتصرّف لمقال: (Impostor syndrome: the fear of being exposed as a fraud by Anne-Laure Le Cunff)
مصدر الصورة: Unsplash

كتابة: آن لور لو كانف (Anne-Laure Le Cunff)

ترجمة: فرح الاحمري @FarahTranslator

 تدقيق ومراجعة: ريم ريحان @reemrayhan

المراجعة النهائية: أسامة خان  @QalamOsamah 

 

 

«أنا لست كاتبًا، لقد كنت أخدع نفسي والآخرين».

– جون شتاينبيك (John Steinbeck)، مؤلف موهوب وناجح للغاية فاز بجائزة نوبل في الأدب عام ١٩٦٢.

 أطلقت بالأمس نشرتي البريدية على موقع (Product Hunt) ونجح الإطلاق بشكل رائع إذ انضم ألف وثلاثمئة مشترك جديد إلى النشرة وهناك تعليقات لطيفة وحصلت على المركز الثاني في التصنيف اليومي. ولكن عندما استيقظت اليوم شعرت بقلق غريب، لأنني في غضون أيام قليلة سأحتاج إلى إرسال نشرتي البريدية الأسبوعية إلى جميع هؤلاء الأشخاص الجدد الذين أعطوني عنوان بريدهم الإلكتروني الثمين، ماذا لو شعروا بخيبة أمل من المحتوى؟ ماذا لو ندموا على الاشتراك؟ ماذا لو كانوا يعتقدون أنني لست كاتبة جيدة؟

 

شعرت بشيءٍ مماثل عندما كنت أعمل في شركة جوجل، فبالتأكيد سيكتشف شخص ما عاجلًا أم آجلًا أنني لا أرقى ولا أستحق هذه المكانة، حيث بدا الجميع من حولي أكثر ذكاءً ويديرون أمورهم بشكل أجود. ولكن في يوم من الأيام اكتشفتُ مجموعةً داخلية في جوجل-بلس (نعم كان ذلك منذ زمن طويل) تسمى «مجموعة المحتالين» وتحتوي على الكثير من منشورات مجهولة الكاتب كتبها الزملاء حول خوفهم من الانكشاف كمُحتالين وطردهم من الشركة، وشعرت بالارتياح عندما عرفت أنني لم أكن الوحيدة.

إن متلازمة المحتال حقيقية وقد وثّقت بشكل جيد. إنّها متلازمة نفسية يشك فيها الناس باستحقاقهم لإنجازاتهم. وعلى الرغم من وجود أدلة واضحة على كفاءتهم فإن الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة مقتنعون بأنهم لا يستحقون نجاحهم ويعزون وصولهم للحظ أو يعتقدون أنهم خدعوا الآخرين بطريقة ما لجعلهم يعتقدون أنهم أكثر ذكاءً مما هم عليه في الواقع.

 

هناك خمسُ أنواع من متلازمة المحتال

بينما ركزت معظم الدراسات المبكرة حول متلازمة المحتال على النساء ذوات الإنجازات العالية، إلا أن الأبحاث تظهر أنها يمكنها أن تؤثر على الرجال والنساء على حد سواء. وقد صيغ مصطلح متلازمة المحتال من قبل الدكتورتين بولين كلانس (Pauline Clance) وسوزان إيميس  في عام ١٩٧٨، حيث عرَّفْنَها: شعور الفرد بزيف قُدراته.

وحددت الدكتورة فاليري يونغ (Valerie Young) التي تعتبر اليوم الخبيرة الرائدة في متلازمة المحتال خمس فئات رئيسية يمكن تصنيفهم بالإصابة بمتلازمة المحتال:

 

  1. المهووس بالكمال: يعد الكثير من الناس الذين يعانون من متلازمة المحتال مهووسين بالكمال حيث يضعون أهدافًا عالية غير واقعية لأنفسهم وعندما يفشلون في الوصول إلى أهدافهم فإنهم يعانون من الشك الضار بذواتهم. وإذا كنت في كثير من الأحيان غير راضٍ عن أدائك وتفكر مليًا حول كيفية تنفيذ الأشياء بمستوى أفضل فقد يؤدي هوسك بالكمال إلى الإصابة بمتلازمة المحتال.
  2. العبقري بالفطرة: كثيرًا ما يُقال لهؤلاء الناس أنهم أذكياء منذ سن الطفولة حيث أنهم اعتادوا على إتقان الأداء بشكل جيد بسهولة نسبية ولهذا رفعوا أيضًا معاييرهم الداخلية للنجاح بشكل مبالغ فيه، فعندما لا يتمكنون من فعل شيء بسرعة وسهولة فإنهم يصابون بالقلق. إن الذين ينتمون إلى فئة العبقرية الفطرية في بيئة متطلبة ذات عمل معقد وصعب هم عرضة للإصابة بمتلازمة المحتال.
  3. المنفرد: يمكن للاستقلال أن يكون شيئًا جيدًا إلا أن المنفردين يأخذون الأمر بجدية زائدة ويرون أن طلب المساعدة نقطة ضعف فيحاولون القيام بكل شيء بمفردهم، ويخشون من طرح سؤال على زميل مثلًا، لأنه قد يكتشف حقيقة أنهم لا يرقون إلى مستوى الوظيفة. فإذا كنت تواجه صعوبة في طلب المساعدة وتحاول القيام بكل شيء بنفسك فقد تكون منفردًا يعاني من متلازمة المحتال.
  4. المرأة الخارقة / الرجل الخارق: يميل الناس في هذه الفئة إلى العمل بجد أكثر من أي شخص آخر في محاولة لإخفاء ما يعتقدون أنه مستوى أقل من الكفاءة، حيث أنهم سيعملون لساعات أطول دون إخبار زملائهم بذلك ويقبلون أي مشروع يأتي في طريقهم ويواجهون صعوبة أثناء تعطل العمل وغالبًا ما يضحون بحياتهم الشخصية لإنجاز المزيد من العمل.
  5. الخبير: أخيرًا وليس آخرًا، إنّ الخبراء هم الأشخاص الذين يقيسون كفاءتهم بناءً على مدى معرفتهم بالأمور ويعتقدون أنهم لا يعرفون ما يكفي ولن يعرفوا أبدًا ما يكفي ويخشون من افتضاح عدم اطلاعهم أو خبرتهم. وقد يبحث البعض باستمرار عن تدريبات أو شهادات للتعويض عن افتقارهم إلى المعرفة أو محاولة جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عند بدء مشروع مما يؤدي بهم إلى التسويف الّانهائي.

 

وكما تتخيل، فكثيرٌ من السلوكيات المعروضة في هذه الفئات الخمس يمكن أن تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي. وغالبًا ما يؤثر القلق المستمر الذي يحدث مع متلازمة المحتال على صحة الناس النفسية ويضرهم بشدّة. وأهم قاعدة عندهم هي السرية. إذ أنّ متلازمة المحتال تدور بالأساس حول الحرص على عدم انكشافك. لحسن الحظ هناك عدة طرق للتعامل معها.

 

 

 كيفية التعامل مع متلازمة المحتال

لا يوجد حل سحري للتغلب على متلازمة المحتال ولكن هناك بعض الخطط التي يمكنك تطبيقها لإدارة القلق بشكل أفضل وتقبل أنك مثل مجموعة الأشخاص الأذكياء والموهوبين الذين تعمل معهم ولست بينهم خطأً.

  • عُدَّ نفسك مشروعًا يتقدَّم: تقبل أن نموك يتضمن الخطأ، حيث يستغرق التعلم وبناء المهارات وقتًا بالتجربة والخطأ. وإذا كنت لا ترتكب أخطاءً فمحتمل أنك في ركود وهو على المدى البعيد غالبًا أسوأ من أن يدرك زملائك بطريقة ما أنك لا تستحق مكانك.

 

  • تدرب على التعلم في الوقت المناسب: فبدلاً من محاولة أن تكون خبيرًا في كل شيء وتخزين المعلومات من أجل راحة زائفة اكتسب المهارات المطلوبة لإنهاء مهمة معينة، وسيجعلك ذلك أكثر إنتاجية ومسيطرًا على أمورك بشكل أفضل.

 

  • إدراك أنه لا عيب في طلب المساعدة: فإذا كنت لا تعرف كيفية شيء مّا أو تواجه صعوبة في حل مشكلة فاسأل زميلك. إن طرح الأسئلة الجيدة هو في الواقع مهارة رائعة تتطلب الممارسة.

 

  • تدرب على تقدير نفسك: لا ينبغي لأحد أن يكون لديه قوة أكبر لجعلك تشعر بالرضا عن نفسك أكثر منك، وبدلاً من البحث عن التقدير الخارجي، غذِّ ثقتك الداخلية بتوكيدات إيجابية. نعم، يمكن أن تشعر بسخافة التحدُّث مع نفسك ولكن تظهر الأبحاث أن هذا النوع من التوكيدات الذاتية ينشط أنظمة الدماغ المرتبطة بالمكافأة، ويقلل الإجهاد ويزيد الصحة ويحسِّن الأداء ويجعل الناس أكثر انفتاحًا لتغيير السلوك. لا ضير من المحاولة!

 

  • احتفل بإنجازاتك: اقتطع وقتاً للاحتفال بعملك الدؤوب في كل مرة تحقق فيها انجازًا مهمًا، من الرائع أن تكون متطلعًا للمستقبل، وبالطبع ليست هناك حاجة لقضاء الكثير من الوقت في التفكير في الماضي ولكن امنح نفسك بعض التشجيع قبل الانتقال إلى الهدف التالي.

 

  • افشل مثل عالِم: انظر للفشل أنه جزء من تجربة أكبر وهي حياتك، وغالبًا ما يضطر العلماء إلى تكرار التجارب آلاف المرات للحصول على إجابة صحيحة. وفي أغلب الأحيان فإن الإجابة التي يحصلون عليها هي أن فرضيتهم الأولية خاطئة وإن عدم إجراء التجربة كان سيبقيهم في منطقة مريحة من عدم ارتكاب الأخطاء ولكن هل هذا ما يفضله العالِم؟ طبق هذا المبدأ لتنمية فضولك وتقليل خوفك من الفشل.

 

ويمكن أن تحدث متلازمة المحتال وتزول على حسب الوظيفة والأشخاص الذين تعمل معهم وحالتك النفسية. إن التعرف على العلامات وبذل جهد لمحاربة الأعراض هي الخطوة الأولى في التعامل معها.

 

المحتالون الحقيقيون لا يعانون من متلازمة المحتال

وختاماً فمن الجيد أن تعلم أن الأشخاص الذين لا يعانون من متلازمة المحتال قد يكون لديهم سبب للتشكيك في كفاءتهم ويرجع ذلك إلى تأثير دانينغ كروقر (Dunning-Kruger effect) وهو تحيز معرفي يضخم الناس فيه قدرتهم المعرفية بشكلٍ خاطئ ويعني ذلك أن تكون جاهلًا بجهلك (الجهل المركب).

يقول ديفيد دانينغ (David Dunning) عالم النفس الاجتماعي وأستاذ علم النفس:

«باختصار الأشخاص غير الأكفاء -بسبب عدم وجود مصطلح أفضل- ينبغي أن يكون لديهم قليل من الفطنة بعدم كفاءتهم، وهو أمر مُثبت أصبح يعرف باسم تأثير دانينغ كروقر»

هناك أدلة تشير إلى أن متلازمة المحتال ترتبط بالنجاح وأن المستويات العالية من الثقة بالنفس قد لا ترتبط بالقدرات الفعلية. وتقول جيسيكا كوليت (Jessica Collett) -أستاذة علم الاجتماع-: «إنهم لا يشعرون على الإطلاق أنهم محتالون، بل يشعرون أنهم يعرفون بالضبط ما يفعلونه ويظنون أنه لا يمكن للآخرين ألا يعرفوا ما يفعلونه. ولكن يتضح أنهم لا يعرفون معرفةً يدركون بها قلة معرفتهم».

 وهناك بعض المشاهير الذين عانوا من متلازمة المحتال مثل ميشيل أوباما ونيل أرمسترونغ  وتوم هانكس وإيما واتسون، ولذلك إذا كنت تعاني منها فاعلم على الأقل أن كثيرًا يعانون مثلك.

 

المصدر

إذن الكاتبة بترجمة ونشر المقال 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *