هل تعاني من الشعور الوهمي بالذنب؟

كتابة: نيك ويقنال.
ترجمة: هاجر الهطالية.
تدقيق: ريم ريحان. @reemrayhan
مراجعة نهائية: ياسمين القحطاني. @selva1999
تعاني آشلي من مشكلة العجز عن التخلص من الشعور بالذنب!
كان لقائي الأول بآشلي عندما جاءت للعلاج وأخبرتني بأن أكبر أهدافها في الحياة هو الانفصال عن صديقها، ولكن سرعان ما عقّبت موضحةً: «إنه رجل رائع، ولكنني لا أعتقد بأن لنا مستقبلاً واعدًا» فسألتها: «كم من الوقت مضى على هذا الشعور» وأجابتني بخوف: «ثلاث سنوات ونصف!» فذُهلت!
وقبل أن أنبس ببنت شَفَة، أضافت على حديثها قائلةً: «نعم، إني أعلم جيدًا ما ستقولين، فالجميع ببساطة ينصحني بإنهاء هذه العلاقة، ولكنني أعتقد بأن الأمر عسير عليّ، وكلما هممت وتشجعت لإنهائها، أتراجع وأُحجم لخوفي على مشاعره، أنا حقًا ضائعة ومشتتة!».
استفسرت عن شعورها حينما تخبر صديقها عن إنهاء العلاقة، توقفتْ وفكرتْ لدقيقة ثم أجابت: «أعتقد بأنني سأشعر بالذنب».
بالحديث عن وضع صديق آشلي وهو أشد الجوانب إلحاحًا ومأساوية في شعورها بالذنب، تبيّن لي أن هذا الشعور يهيمن على جميع جوانب حياتها، فهي تشعر بالذنب كلما استغرقت وقتًا طويلًا في إفراغ عربة التسوق عند المحاسب، وعند رفضها للخروج مع صديق ما الليلة، وكذلك عندما تحول مكالمة والدتها للبريد الصوتي عوضًا عن الرد الفوري لاتصالها.
عانت آشلي من حالة شائعة جدًا أُسميها بـ «الشعور الوهمي بالذنب» والتي نادرًا ما شُخصت به آشلي من قبل.
– ما هي هذه الحالة بالضبط؟
لقد سمعنا جميعًا عن الأخبار المُفبركة في الآونة الأخيرة، فالفكرة الأساسية في ذلك هو أن الأشخاص ينشرون الإشاعات على وسائل الإعلام المختلفة فيقرؤها الجمهور ويراها، و يفترضون أنها صحيحة ويشعرون تباعًا بالغضب أو الرعب أو الاكتئاب ونحو ذلك، فيؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة كقول: «لمن التصويت؟».
يكون الشعور الوهمي بالذنب على نفس الوتيرة، فينتهي بنا المطاف إلى اتخاذ قرارات مبنية على أدلة ناقصة وسطحية، ونشعر بهذا الشعور عندما ينتابنا الإحساس بالذنب على شيء فعلناه رغم أنه لم يكن خاطئ أو مُنافٍ للأخلاق.
في المثال أعلاه، تشعر آشلي بالذنب عنوة تجاه أمر تعلم أنه غير خاطئ، إذًا ما الذي يحدث معها؟ الذنب هو إحساس نشعر به عندما نقوم بفعلٍ خاطئ، فلماذا إذًا تشعر آشلي بالذنب رغم أنها لم تفعل ولم تخطط لفعل شيء سيء؟ ما الذي يجعلها تعاني من «الشعور الوهمي بالذنب»؟
-الحزن والعجز من أسباب الشعور الوهمي بالذنب:
من تجربتي كوني طبيبة نفسية وبغض النظر عن مدى غرابة سلوك الشخص الخارجي أو تجربته، فعادةً ما يكون هناك سبب لذلك، وليس بالضروري أن يكون السبب منطقي بالنسبة لي، ولكن يكفي أنه كذلك بالنسبة لهم، سواء أكانوا على علم به أم لا، لذا فإنني عند تعاملي مع أشخاص مثل آشلي يخبرونني بأنهم يشعرون بالذنب مع علمهم بأنهم لم يقترفوا أي خطأ فأتقبل كلامهم، فهؤلاء الأشخاص مشوشون ومرتبكون مثل أي شخص آخر ومن واجبي مد يد العون لهم ومعرفة أسباب وجود النوع الخفي من المنطق الذي يُشعرهم بالذنب رغم انعدام منطقيته بالنسبة لنا.
بعد استماعي لقصص متتالية من هذا النوع لمراجعين مختلفين، إليكم تشخيصي للحالة: سبب ظهور ما يسمى بـ «الشعور الوهمي بالذنب» واستمراره لفترة طويلة هو خوفنا من الحزن.
-كيف أدى خوف آشلي من الحزن والعجز إلى استمرار شعورها الزائف بالذنب؟
عندما تركتُ آشلي تتخيل بتريث تفاصيل ما سيشعر به صديقها حينما تعلن عن انتهاء علاقتهما، أدركت أنها تعاني من مشاعر عاطفية أخرى غير الشعور بالذنب، فكان الشعور بالخوف يعتليها في البداية، وخشيَت على صديقها من الأذى والألم، وعندما سألتها عن ماهية الألم والأذى الذي تخيلت احتمالية معاناة صديقها منه قالت: «ربما يصبح مُحطمًا» فحثثتها على اعطائي تفسيرًا أعمق لكلمة «محطم»، دمعت عيناها وأجابت: «سيكون حزينًا جدًا». أيدتُ ما قالته بأن صديقها سيشعر حتمًا بالحزن فهذا حالنا عندما نفقد ما نحب أو ما نُقدِّر.
سألتني ودموع عينيها تذرف: «ولكن ماذا أفعل حيال ذلك؟» فأجبتها: «أعلم أنه لا يمكن القيام بأي شيء، فالأمر محزن وربما يبقى كذلك على الأقل لفترة من الزمن» فأردفت قائلة: «لا يمكنني تحمل فكرة عجزي بينما هو يعاني من الألم والحزن الشديدين». سألتها عن الشعور الذي بثت هذه الفكرة بداخلها، فقالت: « إنهما الحزن والعجز، ويؤسفني كثيرًا عجزي عن جعل الشخص يشعر بتحسن، فأنا حقًا أصبح حزينة مثله».
الشعور بالذنب ليس خيارًا جيدًا، ولكنه أفضل من الشعور بالعجز!
كانت فرضيتي في العمل مع آشلي هو أن إحساسها بالمسؤولية تجاه مشاعر صديقها زادت لأن ذلك ساعدها على تجنب مشاعر الحزن والعجز، فشعورها بالمسؤولية تجاه ما يعانيه صديقها جعلها ترغب بالتحكم أكثر بالموقف.
كلٌ منا لديه مشاعر مؤلمة جدًا نحاول جاهدين أن نلقي بها بعيدًا، وهو ما اسميه «بالكريبتونايت (اقتباسًا من نقطة ضعف سوبرمان) العاطفي»، وبالنسبة لآشلي، فإن الحزن والعجز وما يرافقهما من فقدان السيطرة هو الكريبتونايت العاطفي لها، وهو أكثر ما ارتعبت منه آشلي في حياتها، وبقدر ما كان شعورها الوهمي بالذنب مؤلمًا، فإن إحساسها به هو أمر منطقي بالنسبة لها لأنه جنبها وخفف عنها مشاعر أسوأ من الشعور بالذنب نفسه.
على كل حال، لم تعلم آشلي بكل هذا ولكن إحلالها العاطفي لمشاعر الحزن والعجز بالشعور الوهمي بالذنب هي عادة اكتسبتها منذ الصغر، فمن الطبيعي أنها لم تعي ذلك تمامًا في السابق؛ كونها عادة، ولكن أدركتها شيئًا فشيئًا، وبمجرد حدوث ذلك لاحظَت بالتأكيد مدى ضرر هذه العادة في حياتها الحالية.
أُجريَت العديد من النقاشات حول كيف أن عادة القيام بأي شيء من أجل الابتعاد عن العجز خدمت آشلي في صغرها جيدًا وسط ظروف كانت عصيبة وأحيانًا خطرة، وكان ذلك أشبه بتطبيق قديم في هواتفنا مضت فترة على تحديثه الأخير، فإن تلك العادة قد لا تكون فعالة للغاية في حياتها الحالية بل قد تعيقها.
بمرور الوقت، جربت آشلي طرقًا صغيرة بفلسفة جديدة للتعامل مع الحزن والعجز، وهي أنهما ليسا بخطرين وبالتالي لا ضير في تجربتهما وتقبلهما بدلًا من تجنبهما على الفور.
عندما أصبحت آشلي تتقبل الحزن والعجز أكثر، سواء في قرارة نفسها أو فيمن حولها، وجدت أنه يسهل عليها اتخاذ قرارات صعبة دون الشعور بالضغط المستمر الناتج عن الشعور الوهمي بالذنب ذاك الذي كان يخيّم عليها في حياتها، فقد كانت قادرة على التوقف عن الشعور المزمن بالذنب؛ لاستطاعتها أن تتخلى عن الحاجة للسيطرة على الحزن وتعلمت كيف تتعايش معه بدلًا من ذلك.
كيف تتغلب على الشعور الوهمي بالذنب؟
إن كنت تعاني من معضلة الشعور الوهمي بالذنب مثل آشلي، فآمل أن تكون هذه القصة سببًا للتفاؤل بإيجاد حلٍ ما، ويمكنك بالتأكيد التغلب على هذا الشعور، ولكن الأمر يتطلب منك بعض الجهد و بالتحديد التهيؤ الكامل لمواجهة المشاعر والأحاسيس غير المريحة مع القدرة على تحمّلها.
فيما يلي بعض الحلول التي ستمكنك من مقاومة الشعور الوهمي بالذنب أو أي عاطفة أخرى مؤلمة:
١- اليقظة الذهنية:
اليقظة الذهنية أو الوعي هي ببساطة القدرة على إدراك تجربتنا دون التفكير فيها أو التصدي لها، ويشمل ذلك مشاعرك، وتساعد تنمية اليقظة الذهنية على ملاحظة مشاعرك -بما في ذلك الشعور الزائف بالذنب- بواقعية دون انتقاد، فإن تمكنت من ذلك ستستطيع بالتأكيد إعداد وتهيئة نفسك لفهمها وإدارتها بفعالية أكبر.
٢- الشعور المجدول بالحزن:
الشعور المنتظم بالحزن هو أسلوب غير مألوف لتحجير عواطف وألم الحزن بداخلك، فيشعر معظمنا بحزن مضاعف عندما نمر بخسارة، لأن عادتنا هي الهروب دائمًا من الشعور بالحزن أو محاولة التخلص منه وهذا ما يبرمج عقولنا على الخوف من الحزن والتفاعل معه، ولكن التعود على التعامل مع حزننا والاقتراب منهجيًا منه يدرّب أدمغتنا على تقبل الحزن أكثر ويقلل من حدة حساسيتنا تجاهه.
٣- التحليل الوظيفي:
يبدو مصطلح التحليل الوظيفي تقنيًا بسبب فكرة بسيطة وهي أنه بدل الحكم على مشاعرنا وردود أفعالنا تجاه الأشياء من منظور أخلاقي، فقد يكون من المفيد النظر إليها من منظور ميكانيكي، فعلى سبيل المثال بدلًا من القول: «أنا أكره شعوري المستمر بالذنب» فإن التحليل الوظيفي يعني بسؤال نفسك: «ما الوظيفة التي يؤديها الشعور بالذنب طوال الوقت؟ وفي ماذا يخدمني؟» فعندما تتعلم التعامل مع نفسيتك كالمحقق وتبحث فيما وراء الشعور وتترك الحكم عليها فقط كهيئة محلفين في المحكمة، ستبدأ بالتحسن حتمًا.
٤- الإقرار بالمشاعر:
ماذا لو اعترفنا بمشاعرنا على حقيقتها بدلًا من التعامل معها على أنها مشاكل يجدر بنا حلها أو تهديدات يجب تجنبها؟ فنعترف مثلًا بأنها جزء طبيعي وهي تجربة إنسانية وإن كانت مؤلمة أحيانًا، فإن مصداقية المشاعر عمليًا هي الاعتراف بمشاعرنا وتذكير أنفسنا بأن ما نشعر به صحيح وحقيقي بغض النظر عن مدى الانزعاج النفسي أو الألم، وبعد ذلك سنكون مستعدين تمامًا للاستمرار في الحياة كما نشعر بالضبط عوضًا عن الانغماس في سلبيتنا أو محاولة التخلص منها.
٥- العلاج وطلب الاستشارة:
كما يقال فإن كل شيء سيبدو لك مسمارًا إن لم تكن تملك سوى مطرقة في يدك، وهو كذلك بالنسبة للمعالج، فحل أي مشكلة هو العلاج، وبصرف النظر عن كوني معالجة نفسانية، أعتقد أن العلاج النفسي أو الاستشارة يمكن أن يكون أسلوباً قيّمًا حقًا لاستكشاف أي جانب من جوانب علم النفس أو السلوك -بما في ذلك الشعور الوهمي بالذنب- يزعجك بطريقة داعمة ومنظمة.
– كل ما تحتاج معرفته:
يحدث الشعور الوهمي بالذنب عندما تشعر بالذنب نتيجة لشيء فعلته أو قد تفعله، على الرغم من أنه لم يكن بأي حال من الأحوال خطأً أو فعل غير أخلاقي، فيعمل الشعور الزائف بالذنب كبديل لمشاعر أخرى وغالبًا ما يكون نتيجة لعادة يحاول فيها الشخص تخفيف أو تجنب الحزن والعجز وما يصاحبهما من انعدام السيطرة، فمن أجل الانتقال من الشعور الوهمي بالذنب، يجب تستعد تمامًا لمواجهة وتقبّل المشاعر الصعبة كالحزن والعجز باستخدام تقنيات مثل اليقظة الذهنية أو الحزن المجدول أو العلاج النفسي، ويمكنك البدء في تعزيز تحملك لأي عاطفة مؤلمة وبالتالي تأسيس أفعالك على تقبّل مبادئك وقيمك بدلًا من الهروب من مخاوفك.
أحدث التعليقات