التميز بصفة بسيطة ومحددة أفضل من التميز بكل شيء

ترجمة بتصرّف لمقال:(Why Finding a Niche and Simplifying Is Better Than Being a Generalist By John P. Weiss)
مصدر الصورة:(Unsplash)
فوائد الإيجاز: محدودية خياراتك تزيد من فرص نجاحك.
الكاتب: جون ويس.
ترجمة: ريم ريحان. reemrayhan@
تدقيق: نورة العيسى.
المراجعة النهائية: ياسمين القحطاني. @selva1999
إذا كنت تعرف أنسل آدمز فستعرف بأنه مصور مناظر طبيعية أمريكي ومناصر للبيئة اشتهر بصورِه بالأبيض والأسود للغرب الأمريكي، وما قد لا تعرفه هو أنه يصوّر بالألوان أيضًا، فلديه صور ملونة تقريبًا بعدد صوره بالأبيض والأسود (أكثر من ٣٥٠ صورة) ولكنه يفضل صوره بالأبيض والأسود.
«أشعر بأنني أصِل بالإعداد الجيد لصورة أصورها بالأبيض والأسود أفضل بكثير من أي صورة ملونة أصورها»
– أنسل آدمز.
ويذكر مقال في مجلة ذا نيويوركر عن تصويره الملون بأنه يبدو متمكّنًا من استخدام الألوان لأعماله التجارية.
«كان متمكنًّا من عمله بالصور الملونة لأعماله التجارية، فقد صوّر حقلًا برتقاليًّا محمرًا عُرِض على شاشة كوداك كولوراما، والنباتات الحمراء الجذّابة لمجلة الحياة، لكنه صرّح بأن التحكم الدقيق في درجات الألوان مُنهك ومُحبط، وأردف قائلًا: «لم أرضَ عن أي درجات ألوان صوّرتها لمدة ٣٠ عامًا، لطالما أربكتني فلم أستطع إيجاد حل لمشكلة التحكم بها، وبينما أصور بالأبيض والأسود فأشعر بالحرية أكثر والرضا بنتيجة عملي».
فضّل آدم محدودية النتائج عند التصوير بالأبيض والأسود فوجد فيها مساحة أكبر للتعبير عن أحاسيسه وبالتالي أصبح الأكثر شهرة في مجاله.
بالرغم من التطور الهائل في التصوير بالألوان ومدى انتشار كاميرا الجوالات، ما زال معظم الفنانين الصاعدين والمحترفين يستخدمون الأبيض والأسود فقط، ففي عالم يفيض بالألوان والأصوات، اختار هؤلاء الفنانين أمثال آلان سكالر وأند فتشز وأولغا كارلوفاك تقييد أنفسهم بالأبيض والأسود ومع ذلك اكتسبوا شهرة والآلاف من المتابعين الذين يقدّرون أفكارهم وتصاميمهم وتباين اللونين واللمسة الفنية لصورهم.
عند اختيار المصورين حصر تصويرهم بالأبيض والأسود فإنّهم يختارون التميز بهذه الصفة، صحيح أنّ من يختار هذا النهج عدد محدود من المصورين، ولكن متابعيهم شديدي الولاء لهم ،وعلّقت أماندا ريتشي في مدونة للوندولوزي قائلة:
«أرى ميزة في الأسود والأبيض تفتقرها الألوان، وباختيارك تجريد صورة من الألوان، فأنت تجبر العين على النظر لما وراء الصورة والغوص في معناها أو إزاحة الستار عن سر تخفيه الألوان عادة».
– نهج الأبيض والأسود:
كوّنت عادة سيئة عندما بدأت رسم المناظر الطبيعية، وهي شراء الكثير من لوازم الرسم، خصوصًا صناديق الطلاء المعروفة باسم صناديق بوشاد (Pochade).
بعض علب ألواني القديمة.
اشتريت أحدث الإصدارات حتى أنني صنعت بعضها، ولكن كلما هممت بالخروج لرسم منظر طبيعي جديد تصيبني الحيرة لكثرة الخيارات فلا أستطيع اختيار علبة الطلاء المناسبة.
علاوة على ذلك، إنّ امتلاك أغلى الأدوات لا يعني أنّ لوحاتك ستصبح أفضل، الأدوات العظيمة تساعد الرسام على إبراز مواهبه، لكن يجب عليه أن يمتلك مواهبًا أولاً.
«تجبرك الميزانية المحدودة على الابتكار، فأحيانًا وفرة المال والوقت والأدوات تقيّدك في اختيارك، واتبّع حدسك عوضًا عن ذلك».
– روبرت رودريجيز.
قررت في النهاية أن أبيع كل علب ألواني ما عدا اثنتين، واكتشفت مفهوم الزهد وتعلّمت مفهوم البساطة والتحرر من ممتلكاتي المادية، وأصبحت أركز على الرسم بدل الأدوات عند تقيدي بصندوقي للرسم فقط مما حسّن من مهاراتي في الرسم.
أثناء رسمي في كندا مع صندوقي الصغير للرسم
كان حصر الرسم باللونين الأبيض والأسود خطوتي الثانية في تبسيط خياراتي، كوني نشأت منبهرًا بالرسومات الكرتونية التي كانت تُنشَر في الجريدة اليومية باللونين الأبيض والأسود، وأثارت إعجابي طريقة التظليل ومدى التباين بين اللونين.
عندما أضيف الألوان للوحاتي فإنني أضطر لتقليل التظليل وكمية التفاصيل الدقيقة، وسرعان ما تصبح الألوان كعكازة تسند الرسومات فتصبح الرسومات أقل قيمة، وهذا سبب تفضيلي الرسم بالأبيض والأسود.
رسوماتي بالأبيض والأسود على مرسمي.
أصبحتُ أرى هذه الظاهرة في رسومات اليوم بكثرة، فتفيض الرسمة بالألوان المبهرجة لكنها تفتقر التفاصيل، وقد يرى البعض أنه قرار شخصي للرسام ولكنّي أُفضّل أن تمتلئ الرسمة بالتفاصيل الغنية.
«العالم كله ملوّن، لذا عليك أن ترسم بالأبيض والأسود».
– أندرو ماكلين.
التقيد بالرسم باللونين الأبيض والأسود قد يبدو أنّه يحدّ من خياراتي ولكنه على العكس تمامًا، فيجبرني على إضافة المزيد من التفاصيل لرسمتي، وهذا يستغرق وقتًا أكثر مما لو قررت تلوينها فقط ولكنني أحب نتيجتي النهائية أكثر.
أحتاج قلم رصاص أو قلمًا جافًا فقط لأرسم.
تساعدني التفاصيل والخطوط والاستغناء عن الألوان في رسوماتي على تميزها أكثر، حيث صنعت أسلوبي المميز، وبالتالي قلّ منافسيّ وركزّت في عملي على أسلوبي ورسوماتي.
لم أتخلّ عن الألوان تمامًا، مازلت أستخدم بعض الألوان الغامقة لإتمام بعض رسوماتي، ولكن أناقة الصور بالأبيض والأسود وبساطتها بنظري هي أساس معنى الجمال.
– بهجة القلب:
قمت بتطبيق فكرتي على صوري بالتركيز حصرًا على اللونين الأبيض والأسود وإزالة الألوان، حيث أحب ما يضيفان على الصور من حسٍّ بالأناقة والتميز والتباين مقارنة بالصور الملونة.
تجذب الألوان النظر أكثر خصوصًا على الإنترنت، لذلك فإن اختيار الأبيض والأسود يجعل العمل متفردًا ويخلق ميزة جمالية، وقد يبدو للوهلة الأولى أنه عائق ويحدّ من إبداعك، لكنه حقًا يعطيك حرية أكثر للإبداع.
«قد تخلق الألوان متعة بصرية لكن الأبيض والأسود يخلقان بهجة للقلب».
– أندري كالدويل.
أضع بين يديك نماذج من صوري بالأبيض والأسود التقطتها في منزلي:
كلاريس (حارسة حديقتنا).
مونكي (قطتنا المدللة).
تمثال الأب والابن (هدية من زوجتي).
كلما قلّصت خياراتك، وَسِعَت حيلتك.
إنّ وجود الألوان ليس خاطئًا بحد ذاته ولكنها موجودة في كل مكان، فنجدها على كل الصفحات على الإنترنت حيث يتنافس الكل على لفت الانتباه.
وكلما صادفتَ مصورًا أو رسّامًا يعمل بالأبيض والأسود أو أحاديّ اللون فإنّه يلفت انتباهك، فهو مثير للاهتمام وبسيط وأنيق وعمله متميز لأنه خلاف السائد فيلفت انتباهك بهدوئه لا بصخبه، فمثلًا أعمال الفنان تشارلي هنتر الذي يرسم على أنغام الألوان الأحادية، رأيت عمله أول مرة في مجلة رسم ولفت انتباهي فورًا لخلوه من الألوان خلاف باقي اللوحات.
وهذا جزء من تصريح الفنان هنتر على موقعه:
«إنّ هدفي هو الوصول للجمال الذي لا تدركه العين من أول مرة، كنسخة محسّنة من أعمال أنسيلم كييفر تقريبًا».
اختار هنتر العمل على مناظر طبيعية غير تقليدية، حيث رسم مباني قديمة وكنائس وسيارات وشاحنات نقل وطرق معزولة، وبسبب اختيار تقييد نفسه بالألوان الأحادية واختياره مناظر غير مألوفة لرسوماته، فإنّ هذا ميّز عمله عن بقية الأعمال، هكذا صنع طرازه المميز، والذي أدّى لزيادة مبيعاته وذيوع صيته بين الناس.
لقطة شاشة من موقع تشارلي هنتر.
وقرر الفنان روبرت كيلي تقييد نفسه بألوان معينة أيضًا، حيث يرسم باستخدام الفحم كطريقة أساسية، فأضاف أسلوبه السلس والمؤثر وزنًا وتباينًا على الرسمة دون الحاجة لأي لون آخر.
لقطة شاشة من موقع روبرت كيلي.
تميزت صفحة روبرت كيلي على تطبيق الإنستجرام بسبب ألوانها الأحادية وتصاميمها الجريئة وفنّه التجريدي وخلوّها من الألوان، ويرسم كيلي أحيانًا بالألوان لكنّ اعتماده الأساسي على الأبيض والأسود، وكسب بفضل أسلوبه المميز إعجاب العديد من الناس وانتباههم وزيادة حضورهم على ورش رسوماته.
«كلما قلّصت خياراتك، وَسِعَت حيلتك». – سورين كييركيجارد.
– قيّد نفسك لتبدع أكثر:
قد لا نختار غالبًا قيودنا وحدودنا، فقد تقيّدنا أحيانًا ظروف الحياة أو المصادر المحدودة أو قلة مهاراتنا، وحينها تصبح الحاجة أم الإختراع، وعلى سبيل المثال فقد بدأ جستن جولد مؤسس شركة جستن عمله في صنع زُبَد المكسرات في مطبخه مستخدمًا محضرة الطعام، وتواصل مع عدّة مصنعي زبدة المكسرات لتطوير فكرته، وأخبرهم بخطته بإضافة العسل أو الشراب المحلّى أو مكونات أخرى لوصفته، لكنّهم لم يبدو اهتمامهم بأفكاره، ونشر مقال على Entrepreneur.com يتضمن ما قرر جستن فعله بعد ذلك يقول فيها:
«بدلاً من شراء آلة بقيمة ٥٠,٠٠٠ دولار يمتلكها أي مصنع، حاولت التفكير بأساسيات تحضير زُبَد المكسرات وبحثت عن أقدم محضرة طعام فوجدتها أرخص بكثير من أي مطحنة زبدة فول سوداني وأصلحتها، والنتيجة النهائية هي زبدة فول سوداني لا تشوبها شائبة. إنّ الأمر لا يتعلق بوفرة مصادرك، ومن المدهش كمية الإبداع التي تظهر عندما تضطر إليها فمنحنا التفكير خارج الصندوق منتجًا فريدًا تمامًا لا يمكن لمنافسينا تقليده … مع كل ما قامت به شركتنا حتى اليوم، أحرص على ألا نفرط في الإنفاق».
التزم جستن بمبدئه في استخدام الموارد البسيطة عند صناعة زبدة المكسرات وكؤوسها وألواحها البروتينية وها هو يملك صناعة مزدهرة.
وقال الكاتب جيمس كلير: «يمكنك استغلال القيود لتزيد من إبداعك»، وعلّق في مدونته على كتاب «عادات الكتابة المثيرة للتساؤلات لجورج ر. ر. مارتن».
أمضى مارتن عدة سنوات ككاتب ولكنّ كتاباته لم تلقى نجاحًا، فأخفقت كتبه وألغيت مسلسلاته التليفزيونية لكنه لم يستسلم، وفسّر جيمس ذلك في مدونته قائلًا:
«إنّ مارتن الآن مؤلف سلسلة أغنية الجليد والنار أكثر الروايات الخيالية مبيعًا، وتحوّل أول كتاب في السلسلة صراع العروش إلى مسلسل تلفزيوني ناجح بجدارة على منصة HBO. كما ترشّح أول موسم من المسلسل إلى ١٣ جائزة إيمي، السلسلة الملحمية المكونة من سبعة أجزاء لم تنتهِ بعد (يكتب مارتن الجزء السادس حاليًا) لكن مع ذلك بيع أكثر من ٢٥ مليون نسخة».
وأغرب ما في الأمر أنّ مارتن يكتب رواياته على حاسوب من نوع ووردستار ٤.٠ عتيق يعمل بنظام دوس لا يمكنه حتى إرسال بريد إلكتروني باستخدام نظامه.
ركّز على القيمة الأفضل والإتيان بجودة عالية بدلاً من اللهث وراء آخر الإصدارات والوقوع في فخ الإعلانات.
يذهلني كيف تُنتج الكتابة على جهاز محدود الوظائف روايات تُباع منها ملايين النسخ وأُنتِج منها مسلسل تلفزيوني اكتسح أرجاء المعمورة، حيث انشغل مارتن بالكتابة بدلاً من مشاهدة الفيديوهات المضحكة على اليوتيوب.
يعلّق جيمس على اعتقاد الناس واحتياجهم للمزيد من المصادر لينجحوا، والمزيد من العلاقات والمعدّات وأحدث الإصدارات، لكن هل يحتاجونها فعلًا؟ يلخص كلير الموضوع قائلًا:
«ما يحتاجونه فعلًا هو تقليل المشتتات وزيادة التركيز، ما نحتاجه فعلاً هو عدد من القيود المُختارة بعناية لتوجيه طاقتنا نحو المهم حقًا بدلاً من تجميع عدد كبير من المصادر التي تستنفذ طاقتنا. ويمكنك أن تزيد من تدفق إبداعك بالتخلص من المشتتات بدلاً من تجميع المصادر، إذًا ما هو أقل قدر تحتاجه لتنجح؟».
– جِد ميزتك ونمّها:
يحاول بعض الناس أن يفعلوا كل شيء، يوسعون شركتهم و يتطورون ويوظفون المزيد من الموظفين ويتفرعون إلى منتجات جديدة، فالبعض ينجح ولكن معظمهم يفشل، فصاحب السبع صنائع بخته ضائع.
يحاول بعض المدونين الكتابة عن كل شيء لكن لا أحد يقرأ أعمالهم لأنها مشتتة، لذا يريد القراء معرفة المتوقع منك، كما أن هناك بعض الشواذ لهذه القاعدة ولكن عمومًا إيجاد ميزتك يؤدي لنجاحك.
«جِد ميزتك ونمّها، وعندما أقول نمّها أعني بذلك أن تعمل بجد أكثر من عمل أي شخص آخر عليها».
– نايت باركر.
فكر فيما تتميز به ثم استكشف أفضل طريقة لمشاركته مع العالم، قيّد مصادرك الإبداعية و/أو التجارية لتصل لطريقة تميزك، وبهذا أنت ستنجح غالبًا.
اختر الميزة التي تدعم مواهبك وقدراتك!
لا تغفل عن أهمية القيود الشخصية أيضًا، مثل تقييد وقت مشاهدة التلفاز أو الجلوس على منصات التواصل الاجتماعي لتركز على أعمالك الهامة.
قيّد أنسل آدمز تصويره بالأبيض والأسود، وأنا قيّدت نفسي لرسمي الكرتوني بالأبيض والأسود، فالبركة بالقليل.
يعرض تشارلي هنتر وروبرت كيلي رسومات مقيّدة بألوان أحادية، بالتالي تفرّد عملهم بالتباين الحاد والتصاميم الجريئة والملمس اللافت والتجريد الجميل.
يبيع جورج ر. ر. مارتن ملايين النسخ المكتوبة على نظام تشغيل عتيق، وباختصار فإن تقييد خياراتك يؤدي إلى نجاحك؛ لأنه ينمي تركيزك وإبداعك وابتكارك.
جِد ميزتك وحافظ على بساطتها، وقيّد الخيارات لتحافظ على تركيزك، واعرف ما هو الحد الأدنى لاحتياجاتك لتنجح، واتخذ هذه الخطوات فربما تكون أنت قصة النجاح التالية التي يكتب عنها المدونون.
أحدث التعليقات