بقلم: آن-لورى ليكونف

ترجمة: مرام الدوسري

تدقيق ومراجعة: أحمد موسى

شيء نتمكن منه بعد الحادية عشرة، يساعدنا على حل المشاكل المعقّدة وكتابة الشعر ولكن يتطلب الحذر، فما هو يا ترى؟ إنه التفكير المجرد، أداة قوية للإبداع والابتكار، أداة بمقدور أي أحد أن يطور من استخدامه لها.

الفرق بين التفكير الحسي والتفكير المجرّد

يرتبط التفكير الحسي ارتباطًا وثيقًا بالملاحظة المباشرة، فيشمل الأشياء المادية الملموسة في حياتنا اليومية. وفي المقابل، فإن التفكير المجرد مهارة استدلال عُليا تتعامل مع الأفكار والأنماط والنظريات التصورية.

التفكير في تمثال الحرية مثلًا فكرة حسية، بينما التفكير فيما يمثله – أي مفهوم الحرية – فكرة مجرّدة. ذكر أسماء أعضاء فريق العاملين بالمشروع تفكير حسي بينما التساؤل عمّا إذا ما كانوا أفضل فريق يقوم بالمشروع تفكير مجرّد.

وبصيغة أخرى فإن التفكير الحسي يسأل عن الكيّف والمجرّد يسأل عن السبب. بعبارة الباحثين: ((التركيز على الوسائل اللازمة لتحقيق هدف معيّن يتضمن في النهاية تحويل فكرة مجرّدة إلى فعل محسوس، فيُهييء ذلك لعقلية حسية؛ وبالمثل، فإن التركيز على الغاية من الفعل يهييء لعقلية تجريدية)).

وفقًا لعالم النفس الشهير جان بياجيه، لا يقدر الطفل على التفكير تجريديًا، واستخدام التفكير ما وراء المعرفي إلا عندما يبلغ من العمر حوالي أحد عشر عامًا. أما قبل ذلك، فإننا لا نقدر على التفكير منطقيًا إلا في الأشياء المادية التي يمكننا التلاعب بها. تتوسع قدرتنا على التفكير تجريديًا كلما كبرنا ولكن معظم الناس يتخذونها أمرًا مسلمًا به، وقليلون هم من ينشَطون في ممارسة مهارة الاستدلال المُجرّد.

ثلاث طرق محسوسة للتدريب على التفكير المُجرّد

بإمكانك تنمية مهارات الاستدلال المجرد لديك.

1–    أعد صياغة السؤال. غيّر الكيف إلى لماذا حتى تسمح لنفسك بأخذ خطوة للخلف والدخول إلى مهاراتك الاستدلالية المجردة. على سبيل المثال، إذا وجدت نفسك عالقًا وأنت تحاول كتابة تدوينة، فاسأل نفسك: لماذا أكتب هذا؟ ولمن أكتبه؟ وما الذي أحاول تحقيقه بالضبط؟ هذه النظرة العلوية قد تساعدك على رؤية مشروعك من زاوية جديدة.

2–    ابحث عن الأنماط.  بدلًا من تناول كل عنصر محسوس بمعزل عن غيره، استخدم التفكير الشبكي للكشف عن الأنماط المجردة والديناميكا التي تخفيها علاقة تلك العناصر ببعضها. لا تخف من استخدام خيالك. بعض الأنماط قد يصعب كشفها، لكن عملية البحث البسيطة تلك ستساعدك لتحسين مهارات الاستدلال المجرد لديك.

3–    سِر على خطى المفكرين التجريديين. الفلاسفة والفنانون والعلماء هم عظماء التفكير المجرّد. افحص طبيعة الأفكار كالفيلسوف، مثل النجاح والواقع والمجتمع. انطلق كالشاعر من التفكير الحسي إلى المُجرّد باستخدام الاستعارات والتشبيهات والمجازات والرمزيات. انتقل من الخاص إلى العام كالعالم لتصيغ نظرية. هل ما ترصده حاليًا حدثٌ ضمن ظاهرة أوسع؟ هل يمكنك اختبار فرضيتك؟

التفكير المجرّد ضرورة لحل المشاكل المعقدة، والإتيان بأفكار مبتكرة، والتعاون مع الآخرين. إنه يسمح لنا بتحليل الأوضاع وفهم المصطلحات الجديدة ووضع الأمور في نصابها.

لولا التفكير المجرد لما تمكّنا من استيعاب مفاهيم مثل الصداقة، أو الأمل، أو الديمقراطية، أو الخيال، أو النجاح، أو الحكمة، أو السعادة، أو حتى الحب. لكن رغم قوته كأداة تضاف إلى صندوق أدواتك الفكرية، إياك أن تجعل منه أداتك الوحيدة واستخدمه بحكمة. 

لعبة الموازنة

كأي أداة قوية، قد يكون التفكير المجرد سلاحًا ذا حدين. فأولًا، يُفضي التفكير المجرّد دون الحسي إلى خيال بلا تنفيذ، حيث يتطلب الإبداع عقلية ضَبْطَاء توازن بين الاستكشاف والاستغلال. ما إن تصل لجواب عن السبب الذي يوجب أن ترى فكرتك النور، ينبغي أن تفكر فورًا في كيفية تحقيق ذلك. بعبارة أخرى، عليك الانتقال من التفكير المجرد إلى التفكير الحسي.

قد يكون خطرًا كذلك على صحتك النفسية أن تجعل التفكير المجرد وضعك الافتراضي، خصوصًا عند التفكير في أحداث الماضي، حيث يوضح باحثو علم النفس أن ((الاجترار المجرّد سمة تميز المصابين بالاكتئاب ومعها كذلك نزعة الندم بعد اتخاذ القرار)). وينطبق هذا بصفة خاصة عند التفكير في الصدمات، حيث وُجد أن التفكير الحسي أكثر فائدة بكثير من المجرّد.

ورغم التحذيرات، يبقى لمهارات التفكير المجرد فائدة خاصة في المواقف التي تتطلب التفكير خارج الصندوق، والكشف عن الأنماط المخبأة، وتوليد أفكار مبتكرة. فقط احرص على موازنته بالتفكير الحسي ومراقبة أنماط تفكيرك، لئلا يتحول التفكير المجرد إلى اجترار مجرّد.

المصدر
تمت الترجمة و النشر بإذن الكاتب