كيف تكون حكيماً

ترجمة بتصرّف لمقال: How to Be Wise

مصدر الصورة: Unsplash

شارك في تأليفه: بول تشيرنياك، مستشار محترف مرخّص.

الترجمة: مرام الدوسري

التدقيق والمراجعة: نورة العيسى

 

 

قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ذات مرّة أنها ثمّة ثلاث طرائق لتعلّم ماهية الحكمة: «أولًا بالتفكّر وهي الطريقة الأنبل، وثانيًا بالتقليد وهي الأسهل، وثالثًا بالتجربة وهي الأقسى». يُعد التحلّي بالحكمة، وهي أكثر القيم أهمية حول العالم، تمرينًا في تعلّم الحياة، والتحليل الدقيق، والأفعال المدروسة.

الطريقة الأولى: اكتساب الخبرة

١) تقمّص تفكير المبتدئين. هل تتذكر المرة الأولى التي رأيت فيها عظام ديناصور في متحف؟ أو المرة الأولى التي أكلت فيها حبة خوخ لذيذة؟ قد تَوَسّع حينها عالمك بمقدارٍ قليل وأصبحت أكثر حكمة. يشير المبدأ البوذي «عقل المبتدئ» إلى نهج الشخص الذي شق حديثًا طريقه في الحياة مغمورًا بعجائب تعلم الجديد ومواجهة التحديات التي تتبع ذلك مجددًا، لذا تعلّم المحافظة على إبقاء عقلك متفتحًا وفضوليًا.

  • بدلًا من استباق الحكم على موقف ما، تعلّم إبقاء عقلك متفتحًا وأخبر نفسك بالآتي: «لا أعلم ما علي توقعه»، إذ سيساعدك هذا في تعلم الحكمة واكتسابها. كما أنك عندما تمتنع عن الاحتفاظ بأفكار معينة حول الناس والأشياء والأوضاع التي تحيط بك، ستتحلى بالحكمة، إذ ستستمتع بالتغييرات والأفكار الجديدة. ولا ترفع أيضًا من مكانة أي شخص أو تقلِّل منها.

٢) اطرح الكثير من الأسئلة. فالتعلّم لا يتوقف حين تتخرج من الثانوية أو الجامعة، ولا عندما تحظى بأطفال وتكتسب الكثير من الخبرة التي تودّ نقلها إليهم، أو حتى لو حينما تصبح معلمًا ذو مستوى عالٍ أو خبيرًا في مجالك، فإنك لم تنته بعدُ من التعلم؛ حيث تشكك الشخصية الحكيمة عن دوافعها وعن المعرفة المقبولة على نطاقٍ واسع، وتتعلم حب طرح الأسئلة في الأوقات التي يسود فيها الجهل؛ لأنها تعرف الوقت المناسب للتعلّم. 

  • كما لخصت الكاتبة أناييز نين هذه الحاجة إلى مواصلة التعلم تلخيصًا ممتازًا، فقالت: «الحياة عملية تغيّر، ومجموعة من الحالات التي علينا المرور بها. لكن يفشل الناس عندما يتمنون اختيار حالة ليستقروّا بها، ويُعدّ هذا نوعًا من أنواع الموت».
  • عندما تشارك المعرفة ستتعلم أفضل؛ لأنك ستدرك حينها عملية فهمك وكيفية تنظيم المعلومات تنظيمًا أفضل.

٣) تمهّل. توقف ولو لمرّة في اليوم لتمنح نفسك وقتًا للراحة واستراحة من مسايرة سرعة هذا العالم، فعندما تُشغل نفسك دائمًا وتقلق من أن يعتبرك أحدهم غير كفؤ، قد يجعلك هذا مثلًا أعلى يُقتدى به في بيئة العمل، لكنه لن يجعلك حكيمًا. لذلك توقف، كف عن مجاراة هذا العالم، وأدرك ما يمنحه إياك منظور التأني.

املأ وقتك بالتأمل، واملأ وقت فراغك بالتعلّم عوضًا عن الملهيات، فإذا وجدت نفسك تملأ وقت فراغك بمشاهدة التلفاز أو لعب ألعاب الفيديو، جرب تبديل ساعة من مشاهدة التلفاز بساعة من القراءة أو قم بمشاهدة برنامجٍ وثائقي عن الطبيعة كنت تنوي مشاهدته، والأفضل من ذلك الذهاب إلى الخارج والتنزّه في الغابة.

٤) فكر قبل أن تتحدّث. ليس من الضروري دائمًا الإدلاء برأيك عندما تكون مع مجموعة من الناس، ولا مشاركة أمرٍ ما لمجرد قدرتك على القيام بذلك، فالحُكماء ليسوا بحاجة إلى برهنة معرفتهم على الدوام. إن كان رأيك ضروريًا، أدلِ به، كما يقول المثل القديم: «أفضل المحاربين هو من يترك سيفه ليصدأ في غمده».

 لا يعني ذلك الانسحاب من الحياة الاجتماعية أو التوقف عن الحديث، بل تقبل الآخرين والاستماع بإنصات. ولا تنتظر دورك في الحديث لمجرد شعورك بأنك الأكثر حكمة بين الآخرين في الغرفة، فهذه ليست حكمة بل غرورًا. 

الطريقة الثانية: محاكاة الحكمة

١) تعلّم من المرشدين. جد أشخاصًا تحترمهم ذوي مبادئ وقيم تمثل الحكمة، وابحث عن الأشخاص الذين يقومون بأمور تجدها مهمة ومثيرة للاهتمام، ثم اطرح عليهم أسئلة، واستمع إليهم بإنصات؛ لأنك ستتعلم الكثير من تجاربهم وتأملاتهم. وعندما تشكّ بشيءٍ ما، اطلب من مرشديك النصائح والتوجيهات، بينما ليس عليك الاتفاق مع كل ما يقولونه، ستجد بالتأكيد ما يغذي فِكرك.

  • ليس بالضرورة أن يكون المرشدين أشخاصًا ناجحين تتطلع لأن تكون مثلهم، بل يمكن لأحكم شخص تعرفه أن يكون نادلاً في مطعم لا أستاذًا في الرياضيات، تعلّم إيجاد الحكمة في الجميع.  

٢) اقرأ كل شيء. اقرأ كتابات الفلاسفة والمُعلّقين الاجتماعيين، اقرأ الكتب المصورة وروايات مغامرات لي تشايلد، اقرأ عبر الإنترنت أو الأجهزة النقّالة، احصل على بطاقة المكتبة واقرأ الشعر الإيرلندي الحديث واقرأ كتابات ملفيل. اقرأ وكأن حياتك تعتمد على القراءة، وكوِّن آراءً بشأن ما تقرأه وتحدّث مع الناس عنه.

  • اقرأ خاصةً عن المجالات التي تثير اهتمامك، سواءً كانت تتعلق بوظيفتك أم بهواياتك، واقرأ عن تجارب الآخرين وتعلّم كيفية قيام من قبلك بالتعامل مع مواقف من المحتمل أن تواجهها.

٣) شارك أفكارك مع مرشديك. من الخطأ الظنّ بأن الحُكماء فوق الكلّ، وأن مشاعرهم لا تربكهم، وأنهم فوقنا بسبب عدمية مشاعرهم، فهذا ليس صحيحًا.

  •  عندما تشعر بالحنق أو خيبة الأمل بشأن أمرٍ ما، فمن الطبيعي أن ترغب بمشاركة مشاعرك مع شخص يتفهّمك. أحط نفسك بأشخاص حُكماء متفهمين يحبون المبادرة وسيصغون إليك بلا شك، وكن منفتحًا معهم ليبادلوك ذلك. 

٤) كن متواضعًا. هل من الحكمة أن تروّج لنفسك؟ أقنعنا عالم الأعمال والمحاسبة بأن ترويج النفس ضرورة، إذ نجحنا في تحويل أنفسنا إلى سلع بغرض الترويج المقنع للمبيعات، وكثيرًا ما تعكس لغة الأعمال هذه الفكرة. ولكن هناك فرق كبير بين إقرارك لنفسك وللآخرين براعتك بالقيام بأمر ما، وبين إجهاد مجموعة من المهارات الخارجة عن نطاق راحتك لمسايرة المنافسة فحسب.

  • التواضع لا يعني تجاهل قيمتك، بل أن تكون واقعيًا وتركز على ما أنت بارع فيه وأهلٌ له؛ بالمقابل سيعلم الناس أنه يمكنهم الاعتماد على مصداقيتك في هذه المزايا.
  • من الحكمة أن تكون متواضعًا؛ لأنك ستسمح حينها بتألق شخصيتك الحقيقية، كما يبين التواضع احترامك لقدرات الآخرين بدلًا من الخوف منها: فالحكمة المطلقة تكمن في تقبّل حدودك وربطها مع نقاط قوة الآخرين لتعزيز نقاط قوتك.

٥) تواجد لمن يحتاجك. ليس على الحكماء العيش في الكهوف، أو تربية لِحىً كالسحرة في نسكهم. تبادل الحكمة مع الآخرين لإرشادهم، فبكونك مرشدًا ومعلمًا تستطيع مساعدة الناس في تعلم التفكير الناقد، وتقبّل المشاعر، وحب التعلّم مدى الحياة، والثقة بأنفسهم.

  • تجنب الإغراء الذي يحثك على استخدام العلم حاجزًا بينك وبين الآخرين، فالهدف من المعرفة تقاسمها مع الآخرين لا اكتنازها، إذ لن تنمو الحكمة إلا بالتعرض لأفكار الآخرين مهما سببت من تصادم.

الطريقة الثالثة: التفكّر

١) تعلّم إدراك أخطائك. غالبًا ما تكون أصعب رحلة تلك التي تتطلب منك النظر في داخلك، ومصارحة نفسك بشأن ما تجده، لذلك جرّب أن تستكشف ما تضمره من معتقدات وآراء وتحيّزات. فمن الصعب أن تكون حكيمًا، إلا عندما ترغب بالتعرّف على نفسك جيدًا وتتعلّم أن تتقبل كلًا من نقاط قوتك وضعفك. كما يمنحك التعرف على نفسك مساحةً يمكنك أن تنمو فيها وتغفر لنفسك بينما ترتحل في هذه الحياة.

كن حذرًا من أي نصيحة لتطوير النفس تدّعي أن للأمر أسرار، فالسرّ الوحيد لتطوير النفس هو أنه يتطلب عملًا دؤوبًا واستمرارية. علاوة على ذلك، يمكنك العبث على الحافة (والذي يشهد عليه بشكل ملحوظ نجاح مجال المساعدة الذاتية نجاحًا كبيرًا) لكنك لن تستطيع تغيير حقيقة ضرورة التأمل الداخلي الشخصي والتفكر في العالم بنفسك. 

٢) تقبّل أنك لا تستطيع معرفة كل شيء. أكثر الناس حكمةً منذ القدم هم أولئك الذين أدركوا أنهم لا يعرفون من الواقع إلا القليل، بالرغم من إمضائهم عقودًا من الزمان في التعلّم والتأمل غالبًا. فكلّما تعلمت عن الناس والأشياء والأحداث، اتضح لك وجود أشياء أكثر لتعلّمها دائمًا، وأن كلما تعرفه ما هو إلا جزء تافه من المعرفة الكليّة. كما يُعدّ تقبل حدودك المعرفيّة مفتاحًا لاكتساب الحكمة.

لا تخلط بين الخبرة والحكمة، فالخبرة تشير إلى المستوى العالي من المعرفة في مجال معيّن، بينما تشير الحكمة إلى المفهوم الواسع الذي يرى الصورة الكبرى لتلك المعرفة، وتشير أيضًا إلى العيش بهدوء واطمئنان عما اتخذته من قرارات وأفعال حسب نطاق معرفتك.

٣) كن مسؤولًا عن نفسك. أنت الوحيد الذي بإمكانه معرفة ذاتك، وأنت المسؤول عن قراراتك النهائية. فإن كنت قد قضيت سنوات من عمرك تفعل ما كان يبدو صحيحًا وفقًا لمعايير شخص آخر بدلًا من معاييرك، لم تكن مسؤولًا عن نفسك. غيّر الوظيفة التي لا يدرك فيها أحد مواهبك وابحث عن أخرى يقدر الناس فيها روحك الشجاعة والقوية. انتقل لمكان تشعر فيه بالراحة، وجد طريقة تكسب بها العيش من دون أن تتنازل عن عاطفتك أو رعايتك أو اهتمامتك. كما أن مسؤولية النفس والتي تتضمن تعلم تقبل تبِعات قراراتك الشخصية تزيد من الحكمة. 

٤) لا تعقّد حياتك. يعتقد الكثير من الناس أن من معاني الحياة الانشغال المفرط وتعقيد كل شيء، ابتداءً من الحب وحتى العمل. يمكن للتعقيد في الحياة أن يُشعر الشخص بأنه مرغوب ومُهم، لكنه لا يعدّ من الحكمة، بل يُعدّ شكلًا من أشكال التشتت عن النفس وعن التعامل مع المشاكل المهمة في الحياة، مثل التساؤل عن مُرادك وعن ما تعنيه الحياة. يمنع التعقيد التأمل ويتركك عرضةً لتصوّف الخبرة وتصعيب الأمور على نفسك أكثر مما يجب. لذلك، ابق الأمور بسيطة، وستزدهر حكمتك.

كلما أصبحت أكثر حكمةً في موضوعٍ ما، وجب أن يكون فهمه أسهل عليك، وإن وجدته لا يزال يبدو معقدًا، فإنك ببساطة لم تفهم اللبنات الأساسية له بعد.

 

المصدر

الموقع يسمح بترجمة ونشر واستخدام المحتوى

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف