سيكولوجية المهام غير المنجزة

ترجمة: محمد بدرالدين عمر
تدقيق ومراجعة: بسمة حاج يوسف
قد تُشعرك المهام غير المُنجزة بالعجز مما يؤدي بك إلى التسويف وإبطاء تقدمك. من جهة أخرى، قد يكون وجود كل تلك المهام غير المُنجزة على قائمة مهامك مصدر إزعاج لك يدفعك نحو إنجازها عندما تحين الفرصة القادمة. هاتان التجربتان المتناقضتان هما نتاج تأثيرين: تأثير زيجارنيك وتأثير أوفسيانكينا.
ضغط نفسي فعّال
في عام ١٩٢٧م ذكرت عالمة النفس بلوما زيجانريك أنّ الأشخاص يميلون إلى تذكر المهام غير المنجزة أو التي تمت مقاطعتها أكثر من المهام التي أنجزوها.
وقد راقبت زيجارنيك ومشرفها البروفيسور كيرت لوين أنّ النادل في المطعم الذي يرتادانه يمتلك ذاكرة استثنائية لكل الوجبات التي يطلبها الزبائن بالرغم من عدم تدوين شيء منها.
لكن اتضح فيما بعد أنه يتذكر معلومات الطاولة إلى أن يذهب زبائنها، بعد ذلك يتذكر شيئًا يسيرًا أو لا شيء على الإطلاق عن الزبائن والطاولات التي جلسوا فيها أو ما قاموا بطلبه من وجبات.
بعد تلك الحادثة قامت زيجارنيك بإجراء سلسلة من التجارب على العلاقة بين المهام والذاكرة، واستنتجت أنه من الممكن للذاكرة البشرية التمييز بين المهام التي تم إنجازها وتلك التي لا تزال غير منجزة، وبأننا نميل إلى تذكر المهام غير المنجزة بشكل أفضل. أصبحت تعرف هذه الظاهرة بتأثير زيجارنيك.
وبحسب بحث زيجارنيك، ستظل المهمة غير المنجزة تشغل تفكيرنا لأننا نعلم أنها لا تزال غير منجزة، وتشرح زيجانريك ذلك بأن كل مهمة نشرع في عملها تنتج شكلًا من أشكال التوتر النفسي.
إذا تمت مقاطعة عملنا على المهمة بسبب مكالمة أو لقاء ما، سيظل توتر المهمة يشغل تفكيرنا، وهذا يعني بأننا عندما نعود إلى المهمة ستظل المعلومات حاضرة في أذهاننا. هذا الاستذكار للمعلومات المهمة، إضافة إلى التوتر النفسي الناشئ عنها، سيتلاشى فقط في حال إنجازنا للمهمة.
قامت إحدى زميلات زيجارنيك وهي ماريا أوفسيانكينا بالبحث في تأثير التدخلات على الإنتاجية، وفي عام ١٩٢٨م اكتشفت أوفسيانكينا أن الأفراد لديهم حاجة أكثر إلحاحًا لإنهاء المهام غير المنجزة أو التي تمت مقاطعتها مقارنةً بتلك التي لم تبدأ بعد.
يصف تأثير أوفسيانكينا حالة ذهنية يؤدي فيها عدم إنجاز مهمة ما إلى أفكار دخيلة تخلق رغبة قوية لإنجازها. يعني ذلك أنّ بدء مشروع ما قد يزيد من رغبتك في إكماله لأنّ التسويف وتركه غير منتهيًا يترك شعورًا غير محبب.
وبناءً عليه، بيّنت أوفسيانكينا أنّه حتى وإن لم تكن على يقين بأنك تمتلك الوقت لإكمال شيء ما دفعة واحدة، فإنه من المفيد أن تبدأ فيه على الأقل، وبمجرد بدء المشروع سيزيد إصرارك على إكماله.
استخدام المهام غير المنجزة كأداة إنتاجية
يمكن للمهام غير المنجزة أن تكون مفيدة كأداة إنتاجية عن طريق دعم ذاكرتنا قصيرة المدى وتشجيع إكمال نشاط ما، لكن ذلك ينجح فقط إن كنت لا تترك المهام معلقة لفترة طويلة من الزمن.
فمثلًا، يمكن لتأثير زيجارنيك أن يجعلنا عرضةً لـ«طغيان اللوازم» كما تصفه المعالجة النفسية كارين هورني، حيث نقارن من نكون (الذات الحقيقة) بما نشعر أنه يجب أن نكون عليه (الذات المثالية). إن تركنا المهام غير منجزة لوقت طويل سيؤثر القلق الناتج أو الأفكار الناتجة عن ذلك على تقديرنا لذواتنا.
يمكن لتأثير أوفسيانكينا أيضًا أن يؤدي إلى «ما يشبه الحاجة» – الحاجة التي ليست ضرورية لكنها تجذب انتباهنا. اكتشف المختصان النفسيان أوليفر ويجيلت وكريستين سيرك أن ترك المهام دون إكمالها حتى عطلة نهاية الأسبوع يجعل الناس يطيلون التفكير في المهام غير المنجزة مما يؤدي إلى صعوبة التوقف عن العمل.
وجد الباحثون أنّ قضاء وقت قصير في عطلة نهاية الأسبوع في إنهاء المهام أو الاستعداد للأسبوع التالي قد يمنع كثرة التفكير والتوتر. وقد لاحظ الباحثون أنّ شطب مهمة ما من قائمة المهام يجعل من اليسير على الناس الاستمتاع بأوقات فراغهم وأطلقوا على هذا التكتيك اسم «الإقفال».
وبالرغم من وجود بعض العقبات المتعلقة بالمهام غير المنجزة، فمن الممكن استخدام تلك المهام لتحسين الذاكرة وتشجيع إنجاز المهام. ستساعدك الخطوات التالية على تطوير استراتيجية للاستفادة من المهام غير المنجزة:
- ابدأ حتى لو تتمكن من إنهاء المهمة: قد يبدو لك أن انتظار الوقت الكافي لإنهاء مهمة ما هو أكثر إنتاجية، لكن سيكولوجية المهام غير المنجزة تقترح أنه من الأفضل البدء بالعمل على المهمة حتى لو لم تكن قادرًا على إنهائها دفعة واحدة لأنه بمجرد شروعك في العمل ستشعر بميلك نحو إكماله في أقرب فرصة.
- اتبع قاعدة العشر دقائق: قاوم التسويف عن طريق إقناع نفسك بالبدء بقاعدة العشر دقائق. هناك احتمالية جيدة بأنك ستتجاوز هذه الدقائق العشر بمجرد شروعك في العمل، وحتى إن لم يحدث ذلك فقوة تأثيري زيجارنيك وأوفسيانكينا مجتمعين ستزيد قابلية إنجازك له لاحقاً.
- خذ فترات راحة: أخذ فترات من الراحة يساعد على استعادة تحفيزك، ويمنع إجهاد القرار، ويعزز من ذاكرتك، ويزيد من إبداعك، ويحسن الصحة العامة. كما أنّ تأثير زيجارنيك يُظهر أن عقلك سيعمل بشكل طبيعي على الاحتفاظ بالمعلومات عندما تأخذ فترات راحة بانتظام وبالتالي تعزز إنتاجيتك. وعندما تظل مهمة ما غير منتهية سيضمن تأثير أوفسيانكينا عملك على المهمة حتى إنهائها.
- قم بانتقاد عملك انتقادًا بناءً: إن لاحظت أنه بالرغم من اتباعك لهذه الاستراتيجيات أنت لا تزال تعاني من المهام غير المنجزة لفترة طويلة، فعليك أن ترتب هذه المهام حسب الأولية. استخدم مصفوفة أيزنهاور أو طريقة MoSCoW لترتيب الأولويات واحذف أو وكّل بعض هذه المهام للآخرين.
- تدرب على التعاطف مع الذات: إحدى سلبيات تأثيري زيجارنيك وأوفسيانكينا هي أنّ المهمة غير المنجزة قد تسبب توترًا وقلقًا من خلال الأفكار الدخيلة. لا تضغط على نفسك عندما يكون لديك قائمة طويلة من المهام غير المنجزة، بل كن لطيفًا مع نفسك وتدرب على الحضور الذهني من خلال كتابة يومياتك وممارسة التأمل والتمارين الرياضية.
يمكن لتأثيري زيجارنيك وأوفسيانكينا أن يكونا أدوات إنتاجية مفيدة، فبدلًا من التسويف أو ترك المهام غير منجزة تقوم هذه الظواهر بتشجيعنا على استئناف المهام غير المنجزة.
وبالرغم من ذلك، قد تؤدي هذه الظواهر النفسية إلى التنافر المعرفي والأفكار الدخيلة إذا لم يتم السيطرة عليها بشكل صحيح. انتهج نهجاً استراتيجياً على مهامك غير المنجزة، ولا تنسى التدرب على العناية بذاتك حتى تتمكن من تحقيق الاستفادة القصوى من تأثيري زيجارنيك وأوفسيانكينا دون التضحية بصحتك العقلية.
تمت الترجمة والنشر بإذن الكاتب
أحدث التعليقات