لعلاج الصدمات النفسية النابعة من الطفولة، تذكر الإهمال وسوء المعاملة

ترجمة بتصرّف لمقال: (To heal trauma from childhood, relive the neglect and abuse by Pamela Garber)
مصدر الصورة: Unsplash
الكاتب: باميلا غاربر.
ترجمة: هاجر البدوي. @hagerelbadawy5
تدقيق: ليلى عامر.
مراجعة نهائية: ياسمين القحطاني.
أولئك الذين يعانون من صدمة الطفولة التي تسببها عائلاتهم لن يشفوا أبدًا ما لم يتذكروا ويفهموا جذور الإهمال وسوء المعاملة، فلا يمكن لأي قدر من الاستشارة النفسية أو أي من آليات العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أن يساعد في تحقيق تغييرٍ دائم ما لم يتم استكشاف الذاكرة الأساسية.
بصفتي معالجة نفسية، فإني أحاول تحقيق ذلك من خلال الجمع بين العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الديناميكي النفسي، ويكمن ذلك في تحدث المرضى عن ماضيهم، فأحدد معتقدات المريض حول ظروفه ومن ثمّ مساعدته في التعرف على كيفية تأثيرها على مشاعره من خلال العلاج المعرفي السلوكي(CBT)، بينما أتعمق في ماضي المريض ثم اكتشف المشكلات التي تحدث في يومنا هذا من خلال العلاج النفسي الديناميكي، كالوالد المتحكم أو الأخ المستغل على سبيل المثال. وأخيرًا، أساعد ذلك المريض على فصل أي جزء من المعتقد سواءًا أكان عقلانيًا أم غير عقلاني، والذي عادةً ما يرتبط بأمور الحياة المزعجة أكثر من الوضع الراهن، لذا كثيرًا ما يكتشف العملاء مدخلًا للتذكر المفصل للتجارب السابقة من خلال طرح الجوانب غير العقلانية على الساحة، والتي لا تزال غير محسومة لديهم.
إن مجتمعنا منغمسٌ في مناخٍ انفعاليٍ للغاية، فغالبًا ما يصدر الناس انفعالات في جميع مناحي الحياة، والتي يمكنها أن تكون بمثابة دليلٍ إرشادي في العلاج المعرفي السلوكي القياسي(CBT)، وعندما تصل حدة عواطف المرء إلى ذروتها (أي فوق المستوى الخامس من الحدة) خلال الأحداث اليومية العادية، فهناك إجراءٌ يتعين اتخاذه. وكما قال عالم النفس الأمريكي ألبرت إليس الذي أسس العلاج المعرفي السلوكي الحديث في عام ١٩٥٧ من خلال منهجيته الفريدة، والمعروفة باسم العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي (REBT)، بأن هؤلاء الأفراد غالبًا ما «يضخمون السلبيات» ويقولون لأنفسهم أن ظروفهم مبالغ فيها من حيث الخطورة، والعواقب، وعدم القدرة على التسامح. وشخص كهذا يمكنه أن يقول: «هذا شنيع! هذا فظيع! لا يمكنني تحمل ذلك!».
كان هناك أحد العملاء المماثلين لذلك، سأدعوه باسم تيم على سبيل المثال، وقد عانى من العنف الجسدي واللفظي من والده، والإهمال والإساءة اللفظية من والدته كذلك. وعلى الرغم من أنه قد وصف طفولته بإيجاز خلال الجزء المتعلق بالحديث التمهيدي عن الماضي، إلا أن الجلسات التالية قد ركزت في نهاية المطاف على انفصاله الحالي عن زوجته، وإجراءات الطلاق القادمة، وترتيبات الحضانة. وكانت تهدف بداية العلاج إلى تحقيق الاستقرار، بمعنى أن تيم كان يكافح من أجل تقبل فكرة نهاية زواجه، وحقيقة أن ابنه البالغ من العمر أحد عشر عامًا سينشأ في منزل مفكك قد يسكن فيه حبيب زوجته، بالإضافة لمحاولاته المضنية الحالية في التكيف مع رئيسه الجديد في العمل.
ومع ذلك، عندما يعمد هؤلاء المرضى إلى معالجة الأحداث المؤلمة، فيجب على المعالج النفسي أن يفعل ذلك فقط بعد استقرار المريض على نمط ما وإتقانه فن التهدئة الذاتية كذاك؛ فوضع العلاج المكثف قبل استقرار المريض يغمره بالمحفزات التي لا يستطيع التعامل معها أو إدارتها.
بعد أن أحرز العلاج تقدمًا في الأسبوع الرابع والخامس، بدأ تيم في الإفصاح عن شعوره عندما علم لأول مرة أن زوجته كانت على علاقةٍ بأحد الجيران، وكيف كان الحال عندما رأى ذلك الرجل لأول مرة أثناء القيادة عائدًا إلى منزله الجديد بعد توصيل ابنه، مما دفعه الآن للعودة بذاكرته إلى الماضي.
كان تيم يعاني من نفاد صبره مع ابنه، ورغم أنه قد وصف بيئة منزله التي نشأ فيها وصفًا سطحيًا إلا أنه قال عنها: «إنها كالجحيم على الأرض لا يوفّيه الوصف». فقد كان يفتقر إلى الإشارة فقط التي لا تزال بحاجة إلى تحديدٍ أفضل عندما أعرب عن قلقه بشأن سخطه على ابنه وعن الحديث بالتفاصيل الحالية والخلط بينهما.
بالنسبة لبعض المرضى في ظروف تيم، كان من الممكن أن تتأثر تلك الاشارة بفهم جوانب التربية التي بدت معقدة للغاية، ومن ثم خلق خطة للتعامل بطريقة أفضل في المواقف المستقبلية مع ابنه، إلا أن عينا تيم اغرورقت بالدموع عندما نطق عبارة «طفلٌ صغيرٌ خائف»، وذلك عند وصفه لابنه بعد الصراخ عليه. وقال في النهاية أنه هو نفسه كان طفلاً صغيرًا خائفًا من قبل، فقد منحه هذا التذكر مستوى من التعاطف الوقائي تجاه ابنه ونفسه؛ لصلة الماضي بذلك، فالسلوك التعسفي الذي نشأ به داخل نظام عائلته في فترة طفولته أصبح يؤثر الآن على سلوكه تجاه ولده.
إن أهمية مراعاة وقت العلاج لتشجيع المريض على تذكر الأحداث المروعة لا تزال موضع نقاش بين المعالجين، مثلما يتجادل الآخرون في مسألة الطبيعة أم التنشئة، ولكن بعد ١٧ عامًا من العمل مع الناجين من العنف الأسري، فإنني أميل إلى ضرورة تذكر الأحداث دائمًا، خاصةً عندما تكون مبكرة وعميقة، وإلا فستُصنف كل التصرفات في النهاية إلى عُقدٍ طويلة الأمد.
تتطلب جميع العلاجات الفعالة في النهاية أن يرى المرضى أنفسهم مسؤولين عن سلوكهم، إلا أن الفرد الذي يعاني من آثار الصدمة يشعر وكأنه دمية متحركة تُحرك من قِبَل أيدٍ مجهولة. كما تشكل الصدمة قالبها الخاص الذي يؤثر على كيفية تفسير الأحداث المستقبلية. وأقارن هذه الظاهرة بآثار الإطارات في طريق من الوحل، والتي تُمكّن المركبات التالية من المرور بطريقة أسرع من خلال السير عليها، لذا يساعد تذكر الماضي الشخص على فهم نفسه وفصلها عن الحدث المحدد الذي وقع، ومن ثَمّ تتيح تلك المساحة بينهما تفسيرًا دقيقًا على المستوى الواقعي لما حدث بالضبط أولًا.
وعادة ما تُدفن الحقائق التي تم التوصل إليها أثناء العلاج، ولكن يمكن الآن إضافتها إلى مزيج من الذاكرة الكلية للحالة الأصلية، بينما يمكن تنقيح الحقائق السابقة.
لدى الشخص تلك المساحة الآن، فيمكنه التوقف لاستيعاب ما حدث، فلقد أفنى عمره تحت سيطرة ذاكرة متأثرة بالصدمة، ولكن تسمح له هذه المساحة بتولي القيادة فيما يتعلق بالخبرة والحياة نفسها. إن الأفكار المكتسبة من الإحساس الجديد بالمساحة تفتح البوابة العاطفية والمعرفية لتشكيل معتقدات أفضل.
وفي نهاية المطاف، فمن الضروري أن يشعر المريض بالحزن عند تعرضه للأذى؛ لأن الطبيعة المتحررة للحزن تتجاوز آلية التكرار القهري الدفاعية التي يتبعها سيغموند فرويد، فيخلق المرء عادةً تجارب حالية ما هي إلا تكرار للتجارب السابقة كوسيلة للتصرف، وذلك من خلال تجارب الماضي التي لم تُحسم بعد. كما يمكن للحزن أن يكون علاجًا قويًا، وذلك عندما يشعرالشخص بالحزن، فإنه لن يحاول استرجاع الماضي مجددًا وإصلاحه، بل سيحزن على الخسائر بكامل إرادته ووعيه، والذي من الممكن تركها بعد الحزن.
مدوّن في المقال مسموح باستخدام وترجمة المحتوى
أحدث التعليقات