أمور ستتمنى لو أنك عرفتها

ترجمة: فاطمة الإبراهيم
تدقيق: عهود خوج
مراجعة: جيهان بوخمسين
(كتبتُ هذا الخطاب لمدرسة ثانوية، في الحقيقة لم أقم بإلقائه نظرًا لمعارضة الإدارة المدرسية استضافتي.)
عندما أخبرت أصدقائي بأنني سألقي خطابًا في مدرسة ثانوية تسائلوا بفضول ما الذي ستقوله لطلاب المرحلة الثانوية؟
فسألتهم: ما الذي تمنيتم أن يقال لكم عندما كُنتم في المرحلة الثانوية؟ كانت إجابتهم متشابهة على نحو لافت للنظر، لذلك سأخبرك عما تمنينا جميعًا أن يقال لنا.
سوف أبدأ أولًا بإخبارك أمرًا لا يجب عليك معرفته في المرحلة الثانوية وهو ماذا تريد أن تفعل في حياتك؟ دائمًا ما يسألك الناس هذا السؤال، وأنت تعتقد بأن عليك إجابته، ولكن البالغين يسألون هذا السؤال لبدء حديثٍ يريدون من خلاله معرفة أي نوع من الأشخاص أنت، وهذا السؤال من أجل دفعك للحديث فقط، فهم يطرحون هذا السؤال لمعرفة ماذا تفعل كما لو أنهم يلقون حصاة في بركة ماء.
لو عدت بالزمن إلى المرحلة الثانوية وتم سؤالي عن خطتي المستقبلية، فإنني سأقول بأن أول أولوياتي معرفة ما هي الخيارات المتاحة. فلا يجب أن تكون في عجلة لاختيار مجال عملك وما عليك فعله أولًا هو اكتشاف ما تحب، ثم العلم في مجال تحبه إذا أردت أن تكون جيدًا فيما تقوم به.
قد يبدو بأنه لا شيء أسهل من تحديد ماذا تحب، ولكن يتضح بأنه أمر صعب إلى حد ما وصعوبة ذلك تكمن في عدم الحصول على صورة واضحة لأغلب الوظائف، كأن تكون طبيبًا فعلًا مغاير للصورة التي يعرضها التلفاز للأطباء مثلًا. ولحسن الحظ يمكنك مشاهدة الأطباء الحقيقين من خلال التطوع في المستشفيات. [١]
ولكن توجد بعض الوظائف التي لا يمكن التعرف عليها وذلك لأنها لم تمارس بعد، فأغلب الأعمال التي قمتُ بممارستها خلال العشر سنوات السابقة لم تكن موجودة عندما كنت في المرحلة الثانوية -العالم يتغير بسرعة ومعدل التغير ذاته يتسارع- فكرة غير جيدة أن تكون لديك خطط ثابتة في عالم كهذا.
ومع ذلك ففي شهر مايو/ أيار من كل سنة، المتحدثون في جميع أنحاء البلاد يشعلون خطاب التخرّج بموضوع تكون فكرته الرئيسية «لا تتخلى عن أحلامك». أنا أعلم ماذا يقصدون بذلك، لكن هذه طريقة خاطئة لصياغة الأمر حيث يجب عليك أن تكون مرتبطًا ببعض الخطط التي قمت بوضعها مسبقًا -يسمى ذلك في عالم الحاسوب «تحسين سابق لأوانه» “Premature optimization”، وهو مرادف للكارثة- سيكون من الأفضل لو قال المتحدثون ببساطة «لا تستسلم».
ما يعنونه في الحقيقة هو أن لا تحبط، وأن لاتعتقد بأنك لا يمكنك فعل مايفعله الآخرون، وأنا أتفق بأنه يجب عليك أن لا تقلل من إمكانياتك، فالأشخاص الذين أنجزوا أمورًا جيدة يُنظر إليهم كمتقدمين في السباق، ومعظم السير الذاتية تضخم هذه الصورة الوهمية، ويرجع ذلك جزئيًا لموقف كتاب السيرة الذاتية السائد حيث حيث يغرقون في التبجيل بالإضافة إلى أنهم يعرفون نهاية القصة لذا فهم يحشونها بحبكة تبعدها عن أن يكون الأمر كما في الحياة بل مسألة قدر وعبقرية فطرية. في الواقع أعتقد لو كان شكسبير أو آينشتاين بعمر السادسة عشرر في مدرستك، رغم أنهما مثيران للإعجاب، إلا أنهما لن يكونا مختلفين تمامًا عن بقية أصدقائك.
تعتبر فكرة مزعجة، إذا كانوا مشابهين لنا فلابد أنهم عملوا بجد للقيام بذلك. وهذا يجعلنا نرغب في الإيمان بالعبقرية لتمنحنا ذريعة لكوننا كسالى، فإذا كان هؤلاء الأشخاص قادرون على فعل مافعلوه بسبب بعض ما يملكونه من سحر شكسبيري أو أنشتايني فقط، فعندها لن يكون خطأنا أن لا نملك القدرة على القيام بشيء جيد.
أنا لا أقول بأنه لا يوجد شيء يدعى العبقرية ولكن إذا كنت تحاول الاختيار ما بين نظريتين إحداهما تمنحك العذر لتكون كسولًا، فإن الأخرى على الأرجح هي الصحيحة.
حتى الأن قمنا بتجزئة خطاب التخرّج المعتاد من «لا تتخلى عن أحلامك» إلى «يمكنك فعل ما يفعله الآخرون.» والذي يحتاج إلى مزيد من التجزئة. حيث توجد بعض الفروقات في القدرات الطبيعية، ومعظم الناس يبالغون في تقدير دور هذه القدرات، ولكنها موجودة حقًا. فإذا كنت أتحدث إلى شاب طوله يبلغ ٤ أقدام وطموحه أن يلعب في الرابطة الوطنية لكرة السلة “NBA”، فسأشعر بالغباء حين أقول له: يمكنك القيام بأي شيء لو حاولت بجد. [٢]
لذا نحتاج إلى تجزئة خطاب التخرّج المعتاد ليصبح: «يمكنك فعل ما يستطيع فعله شخص أخر لديه نفس قدراتك؛ فلا تقلل من قدراتك». ولكن كما يحدث في كثير من الأحيان، كلما اقتربت من الحقيقة، كلما أصبح حكمك مشوشًا. لقد تناولنا شعارًا لطيفًا وأنيقًا (لكنه خاطئ) وما خُضناه كزَبَد بِركة الوحل. وهذا يجعله خطابًا سيئًا بعد الآن، ولكن الأسوأ من ذلك أن لا يخبرك أيضًا بما يجب عليك القيام به بعد الآن. فشخص ما لديه مثل قدراتك، ما هي قدراتك؟!
عكس الريح
أعتقد بأن الحل يكمن بالعمل في الاتجاه المعاكس، فبدلا من العمل استنادًا على هدف ما، ابدأ بالعمل انطلاقا من المواقف المبشرة، وهذا في الحقيقة ما يفعله أكثر الناس نجاحًا. على أيّة حال، أنت تقرر في نهج خطاب التخرّج أين تريد أن تكون خلال العشرين سنة القادمة، وبعد ذلك اطرح سؤالًا: ماذا يجب عليّ فعله الآن للوصول؟ أقترح عوضًا عن ذلك عدم الالتزام بوعود مستقبلية، ولكن ألقِ نظرة فقط على الخيارات المتاحة الآن، وقم باختيار تلك التي ستمنحك مجموعة من الخيارات الواعدة بعد ذلك.
ليس مهما ما ستعمل عليه طالما أنك لا تضيع الوقت، اعمل على الأشياء التي تهمك وتزيد من خياراتك وأجّل القلق لحين الاختيار.
لنفترض بأنك طالب جامعي في السنة الأولى وعليك الاختيار ما بين تخصص الرياضيات والاقتصاد، باختيارك لتخصص الرياضيات ستحصل على خيارات أكثر كالعمل تقريبًا بأي من القطاعات وسيكون من السهل الحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد، بينما من الصعب عليك الحصول على درجة الماجستير في الرياضيات إذا اخترت تخصص الاقتصاد.
الطيران بطائرة شراعية هو أفضل تعبير هنا، بما أنّ الطائرة الشراعية لا محرّك لها، لن تستطيع التحليق في الرّياح دون فقدان الارتفاع، وإذا قررت الهبوط في مكانٍ جيدٍ بعيدًا عن الرياح، فإن خياراتك ستضيق. كقاعدة: يجب عليك أن تبقى عكس التيّار، ولذلك فإنني أقترح استبدال «لا تتخلى عن أحلامك» بـ «ابق عكس التيار».
فكيف يمكنك القيام بذلك؟ إذا كانت الرياضيات في الاتجاه المعاكس للاقتصاد، كيف من المفترض أن تعرف هذا وأنت طالب في المرحلة الثانوية؟
لاينبغي عليك ذلك بل كل ماعليك فعله هو البحث عن أشخاص أذكياء ومشكلات صعبة، حيث يميل الأشخاص الأذكياء إلى التجمع معًا، وإذا استطعت إيجادهم فإنه من المفيد الانضمام إليهم، ولكن ليس من السهل العثور عليهم، بسبب تظاهر البعض بذلك.
إلى المستجدين من طلاب الجامعة اعلموا أن جميع أقسام الجامعة تبدو متشابهة، ويبدو على جميع الأساتذة بأنهم مثقفون بدون شك، فقد نشروا العديد من المقالات العلمية والتي تبدو مبهمة للغرباء، وقد تكون المقالات العلمية مبهمة في بعض المجالات لأنها مملوءة بأفكار عسيرة على الفهم، في حين أن البعض منها يكون مكتوب عن عمد بأسلوب غامض لتبدو وكأنها تحتوي على أمرٍ هام، قد يبدو ذلك افتراضًا مشينًا ولكن تم التحقق منه تجريبيًا، ففي قضية النص الاجتماعي “Social Text affair” الشهيرة، كان الاشتباه بأن المقالات التي نشرت من قبل علماء النظريات الأدبية في الغالب مجرد هراء فكري، وكتب عالم فيزيائي عن عمد مقالة مليئة بالهراء الفكري، وتم تقديمها لمجلة نظريات علمية وتم نشرها.
العمل على المسائل الصعبة تشكل أفضل حماية لك دائمًا، فكتابة رواية أمر صعب بينما قراءتها ليس كذلك، وأقصد بالصعب مايشعرك بالقلق، فإذا كنت لست قلقًا على أمرٍ قد عملت عليه بشأن خروجه بصورة سيئة، أو لست قلقًا حول قدرتك على فهم مسألة تدرسها، فهذا يعني بأنها ليست صعبة بما فيه الكفاية، فعنصر التشويق يجب أن يكون حاضرًا.
قد تظن بأن ذلك يبدو كنظرة محبطة عن العالم، وما أريد قوله لك، عليك أن تقلق؟ أجل، ولكن هذا ليس سيئًا كما يبدو. فمن المبهج تغلبك على القلق، فلن ترى وجوهًا أكثر سعادة من وجوه الأشخاص الذين فازوا بالميداليات الذهبية، وأنت تعلم لما هم سعداء جدًا؟ الارتياح.
أنا لا أقول أنها الطريقة الوحيدة لتكون سعيدًا، إنما قليلٌ من القلق ليس بالأمر السيئ كما يبدو.
الطموح
من الناحية العملية «سر باتجاه الريح» تختصر إلى «اعمل على المسائل الصعبة»، ويمكنك البدء من اليوم. كم أتمنى لو أنني أدركت ذلك في المدرسة الثانوية.
أغلب الناس يفضلون أن يكونوا جيدين في مايفعلون، وفي العالم الواقعي يحتاج هذا الأمر لقوة هائلة، لكن طلاب المرحلة الثانوية نادرًا ما يستفيدون من ذلك، نظرًا لإعطائهم أمورًا غير حقيقية للقيام بها، فعندما كنت في المرحلة الثانوية، سمحت لنفسي أن أؤمن بأن عملي هو أن أكون طالب في المرحلة الثانوية، لذا فقد قمت بإشباع حاجتي للرضا عن ذاتي من خلال عن طريق تحقيق أداء جيد في دراستي.
إذا سألتني وأنا طالب في المرحلة الثانوية: ما هو الفرق بين طلاب المرحلة الثانوية والبالغين؟ فسأقول: بأن على البالغين كسب لقمة العيش.أما الآن فأدرك أن ذلك خطأ، فالبالغون يتحملون مسؤولية أنفسهم، وكسب لقمة العيش ما هو إلا جزء صغير من تلك المسؤولية، والأهم من ذلك هو تحمل المسؤولية الفكرية تجاه أنفسهم.
لو عُدت للمرحلة الثانوية مجددًا، فسوف أتعامل معها على أنها وظيفة يومية، ولا أقصد الإهمال في المدرسة بل القيام بالأمر وكأنه وظيفة يومية، وهذا لا يعني بأن أقوم به بشكل سيئ، بل يعني بأن لا يتم تعريفي به فقط، فما أعنيه هو أنني لن أفكر في تعريف نفسي كطالب مرحلة ثانوية، تمامًا كما يفعل الموسيقي في يوم وظيفته، والنادل الذي لا يرى نفسه نادلًا فقط. [٣] وكنت أحاول العمل على أمر حقيقي في الأيام التي لم يكن لدي فيها عمل يومي.
عندما أسأل الناس عمّا ندموا عليه في المدرسة الثانوية، يقول الجميع تقريبًا الأمر ذاته: أنهم ضيعوا وقتًا كثيرا، فإذا كنت تتساءل عن ما تقوم بفعله الآن وستندم عليه لاحقًا، سيكون تقريبا نفس السبب. [٤]
يقول بعض الناس إنه أمر ٌحتمي –أن طلاب المرحلة الثانوية غير قادرين بعد على إنجاز أي شيء، لكني لا أعتقد بأن ذلك صحيح، والدليل على ذلك ضجرك، ربما لم تكن تشعر بالملل عندما كُنتَ في سن الثامنة، حيث ما كان يسمى «اللعب» عوضًا عنه يسمى في الثانوية «التسكع»، لكنه الأمر ذاته. فنادرًا ما كنت أشعر بالملل في عمر الثامنة، وبقائي في فناء مع مجموعة صغيرة من الأطفال كفيلٌ بتسليتي طوال اليوم، وأدركت الآن أنني كنت مستعدًا لأمرٍ آخر في ذلك الوقت مما يجعل التسكع واللعب أمرًا سخيفًا في المرحلة الإعدادية والثانوية، فالطفولة تلاشت .
أنا لا أقول بأن عليك ترك التسكع مع أصدقائك، وأنه يجب عليكم جميعًا أن تصبحوا قليليّ الدعابة كالإنسان الآلي الصغير الذي لا يفعل شيئا سوى العمل، إنما التسكع مع الأصدقاء مثل كعكة الشوكولاتة، فأنت تستمتع بها أكثر إذا تناولتها في مناسبة، عوضًا عن تناولها طوال اليوم وفي كل وجبة، وبغض النظر عن مدى حبك لكعكة الشوكولاتة، فستشعر بغثيان بالغ بعد تناول الوجبة الثالثة منها، وهذا هو شعور الضيق الذي يشعر به الشخص في المرحلة الثانوية: الغثيان العقلي. [٥]
لربما تفكر، بأنه يجب علينا فعل المزيد كممارسة الانشطة اللاصفية عوضًا عن التركيز على تحقيق درجات جيدة، لكنك تعلم جيدًا أن معظم هذه الأمور وهمية، وفي المقابل جمع التبرعات لجمعية خيرية أمر مثير للإعجاب، لكنه ليس صعبا ولن تحصل منه إنجاز، ما أقصده بالحصول على الإنجاز هو تعلم أمرٍ ما كتعلم الكتابة بشكل جيد، أو تعلم برمجة الحاسوب، أو كيف كانت الحياة في المجتمعات ما قبل الثورة الصناعية، أو كيفية رسم وجه إنسان من الحياة. هذه الأمور نادرًا ما تطلب عند الالتحاق بالجامعة.
الفساد
إنه لمن الخطر أن تتمحور حياتك حول دخول الجامعة، وذلك لأن الأشخاص الذين يجب عليك إثارة دهشتهم للالتحاق بالجامعة ليسوا جمهورًا مميزًا حقًا، فمن يقرر استحقاقك للالتحاق في معظم الجامعات هم موظفوا مكاتب التسجيل وليس الأساتذة، وهم متوسطوا الذكاء. يوجد هناك ضباط الصف “NCOs” للعالم الفكري. لا يستطيعون إخبارك بمقدار ذكاءك. مجرد دخولك المدرسة التحضيرية هو دليل على ذلك.
القليل من أولياء الأمور سيدفعون الكثير لأبنائهم لإدخالهم مدرسةً لا تحسّن فرص قبولهم، فالمدرسة التحضيرية تقول بشكل واضح أن ذلك أحد أهدافها. وإذا توقفت للتفكير في الأمر فإنه يعني بأن باستطاعتهم قرصنة نظام القبول مما يمكنهم من جعل طالبٍ ما يبدو مرشحًا أكثر جاذبية مما هو عليه في حال لو تخرج من مدرسة حكومية محلية. [٦]
معظمكم حاليًا يشعر بأن وظيفته في الحياة هو أن يكون مرشح جامعي واعد، ولكن هذا يعني أن تصمم حياتك لإتمام عملية القبول والتي لا معنى لها حيث هناك صناعة كاملة مكرسة لتخريبها، فلا عجب بأن تصبح متشائمًا، فأنت تشعر بالمثابرة كما لو أنك منتج برامج تلفزيون الواقع، أو مسؤول تنفيذي في صناعة التبغ، دون أن تتقاضى المال الكثير بالمقابل.
إذن ماذا تفعل؟ ما لا يجب عليك فعله هو التمرد. وهذا ما فعلته وكان خطأً، فلم أكن أتوقع تحديدًا ما كان يحدث لنا، إلا أنني شككت في الأمر، ولذلك استسلمت. فمن الواضح أن العالم سيئ، فلماذا تزعج نفسك؟
عندما اكتشفت أن أحد أساتذتنا يستخدم ملاحظات كِليف، بدا الأمر وكأنه جزء من المقرر، فمن المؤكد أن الحصول على درجة جيدة في هذا الفصل لا تعني شيئا.
في وقت لاحق أدركت كم كان الأمر غبيًا كما لو أن أحدهم تعرض لغدر في لعبة كرة القدم، قائلًا: «لقد غدرت بي، وهذا يتعارض مع القواعد، ثم يخرج اللاعب من الملعب غاضبًا». الأخطاء تحدث و عليك أن لا تفقد أعصابك عندما يُغدر بك، فقط استمر في اللعب.
وضعك في هذا الموقف يشعرك بأن المجتمع غدر بك. وهذا ما حدث فعلًا، فالعديد من الأمور التي تعلمتها في دروسك مجرد هراء وكذلك الأمر بالنسبة لعملية التسجيل في الجامعة هي بشكل كبير عبارة عن تمثيلية هزلية، ولكن مثل كثير من الأخطاء، انظر له كخطأ غير مقصود واستمر في اللعب.[٧]
فالتمرد يكاد يكون غباءً مثل الطاعة، ففي كلتا الحالتين تجعل نفسك محددًا بما يملى عليك، لذا أعتقد أن أفضل خطة هي أن تتحرك في اتجاهين متعامدين، فلا تكتفي بفعل ما يملى عليك، ولا تكتفي برفضه. بل عامل المدرسة كوظيفة يومية، ومع بدء يوم العمل استمتع به كيوم لطيف جدًا، وسينتهي عند الساعة الثالثة، ويمكنك إنجاز أمورك الخاصة أثناء ذلك.
الفضول
إذن ما المفترض أن تكون وظيفتك الحقيقية؟ إن لم تكن موزارت (Mozart) فمهمتك الأولى هي معرفة ذلك. ما هو الشيء العظيم الذي ينبغي عليك عمله؟ أين هم الأشخاص المبدعون؟ والأهم من ذلك، ما الذي تهتم به؟ فكلمة «موهبة» مضلِّلة لأنها تعني حالةً فطرية، بينما أقوى أنواع الموهبة ناجم عن اهتمام المستهلك لقضية ما، وغالبًا ما تكون ذائقة هذه الاهتمامات مكتسبة.
تم تصفية نسخة مشوهة عن هذه الفكرة في الثقافة الشعبية تحت اسم «الشغف»، ولقد شاهدت مؤخرًا إعلانًا لنوادل يقولون: نبحث عن أشخاص لديهم «شغف الخدمة»، بينما الأمر الحقيقي أنهم يبحثون عن أشخاص لديهم فضول لرؤية ما سيقدم على الطاولات. الشغف كلمة غير مناسبة لذلك، والمسمى الأنسب «الفضول».
الأطفال فضوليون، ولكن الفضول الذي أعنيه مختلف عن فضول الأطفال، ففضول الطفل واسع وسطحي يسألون عن كل شيء بشكل عشوائي، بينما ينضب الفضول تمامًا لدى العديد من البالغين، فلن تكون لديك القدرة على الانجاز، إذا كنت تسأل عن كل شيء باستمرار، ولكن البالغين الطموحين يصبح فضولهم ضيقًا وعميقًا بدلًا من النضوب، بِركة وَحل إلى بئر.
فيحول الفضول العمل إلى لعبة، بالنسبة لأينشتاين، فلم تكن النظرية النسبية لأنشتاين كتابًا محشوًا بالأمور الصعبة التي كان عليه دراستها ليجتاز الاختبار المدرسي بل كان لغزًا يحاول إيجاد جوابٍ له، لذا ربما شعرت أن اكتشاف النظرية بالنسبة لأينشتاين لم يتطلب المجهود الذي تبذله وأنت تتعلمها في الفصل.
وواحدة من أخطر الأوهام التي تحصل عليها من المدرسة هي فكرة أن عمل أمور جيدة تتطلب الكثير من الانضباط، ومعظم المقررات الدراسية يتم تدريسها بطريقة مملة بحيث لا يمكنك دفع نفسك للنجاح إلا من خلال الانضباط فيها . لقد فاجأني اقتباس لفيتغنشتاين (Wittgenstein) قرأته في باكورة دراستي الجامعية، حيث تقول: أنه لم يكن يضبط نفسه، ولم يمنعها من أي شيء، ولا حتى فنجان قهوة.
حاليًا أعرف عددًا من الأشخاص الذين يعملون بشكل رائع، ومتشابهون في نقص الانضباط، وجميعهم مسوفون ومن المستحيل أن يجبروا أنفسهم على فعل ما لا يهتمون لأمره، فأحدهم لم يرسل رسائل شكر لمن حضر حفل زفافه منذ أربع سنوات، ولدى آخر ٢٦,٠٠٠ بريد إلكتروني في صندوق الوارد.
أنا لا أقول أنه عليك التخلص من الانضباط الذاتي كليًا، فربما تحتاج إلى قدرٍ منه لممارسة الجري. فأنا غالبًا اعاني من نفور من الجري، لكن بمجرد أن أبدأ به أشعر بالمتعة، وإذا لم أجري لعدة أيام فإنني أشعر بالمرض. هذا الشعور ذاته ما يشعر به الأشخاص الذين ينجزون أمورًا عظيمة، وهم على علم بأنهم سيشعرون بالسوء ما لم يعملوا، ولديهم ما يكفي من الانضباط لإيصال أنفسهم إلى مكاتبهم لبدء العمل، فبمجرد أن تبدأ العمل الاستمتاع هو ما يقودك، ولا يصبح الانضباط ضروريًا.
فهل تعتقد بأن شكسبير كان يصر أسنانه محاولًا بجد كتابة أدب عظيم؟ بالطبع لا. كان يستمتع وهذا هو السبب في كون ما كتبه جيد.
إذا كنت تريد العمل بشكل جيد، فما تحتاجه هو الفضول حول أسئلة واعدة، فاللحظة الحاسمة لآينشتاين عندما نظر إلى معادلات ماكسويل (Maxwell)، تساؤُله: ما الذي يحدث هنا؟
وقد يستغرق الأمر عدة سنوات حتى يستقر رأيك على سؤال مثمر، وقد تستغرق عدة سنوات أخرى لإيجاد إجابة عليه. لنأخذ مثالًا متطرفًا: يعتقد معظم الناس أنهم يكرهون الرياضيات، لكن الأشياء المملة التي تقوم بها في المدرسة تحت مسمى «الرياضيات» ليست على الإطلاق مماثلة لما يفعله علماء الرياضيات.
قال عالم الرياضيات العظيم هاردي (Hardy) بأنه لم يكن يحب الرياضيات في المدرسة الثانوية أيضًا. لقد درسها فقط لأنه كان أفضل من الطلاب الآخرين، وفي وقت لاحق فقط أدرك أن الرياضيات كانت مثيرة للاهتمام – وفي وقت تأخر بدأ في طرح الأسئلة بدلًا من مجرد الإجابة عليها بشكل صحيح.
عندما اعتاد أحد أصدقائي أن يتذمر لأنه كان عليه أن يكتب بحثًا للمدرسة، كانت والدته تخبره: ابحث عن طريقة تجعله مثيرًا للاهتمام. وهذا ما يجب عليك فعله: العثور على سؤال يجعل العالم ممتعًا، فالناس الذين يفعلون أشياء عظيمة ينظرون إلى العالم ذاته الذي نظر إليه الأشخاص الأخرين، لكنهم لاحظوا بعض التفاصيل الغريبة الغامضة قطعيًا.
ليس في المسائل الفكرية فقط، فلقد كان سؤال هنري فورد (Henry Ford) العظيم: لماذا يجب أن تكون السيارات مقتنيات فاخرة؟ ماذا سيحدث إذا تمت معاملتهم كسلعة؟ وفرانز بيكنباور (Franz Beckenbauer) قال: لماذا يجب على جميع اللاعبين البقاء في أماكنهم؟ لماذا لا يستطيع المدافعون تسجيل الأهداف أيضًا؟
الآن
صياغة أسئلة عظيمة يستغرق عدة سنوات، فما الذي يجب عليك القيام به الآن في سن السادسة عشرة؟ أوجِد سؤالًا، فالأسئلة العظيمة لا تظهر فجأة، إنما تتخثر تدريجيًا في رأسك، وما يجعلها جامدة هو التجربة. لذا فإن طريقة إيجاد أسئلة عظيمة لا تتمثل في البحث عنها -لا ترهق تفكيرك في التساؤل عن ماهية الاكتشاف العظيم الذي ستقوم به فلا يمكنك الإجابة عن ذلك. لو أنك استطعت لفعلت.
إن طريقة الحصول على فكرة كبيرة وظهورها في ذهنك لا يكون بملاحقتها، بل عبر استغراق الكثير من الوقت في العمل الذي يثير اهتمامك، وفي هذه العملية يجب أن تبقي عقلك مفتوحًا بما يكفي لأن يأتي بفكرة كبيرة. لقد استخدم كل من أينشتاين وفورد وبيكنباور هذه الطريقة وكل منهم عرف عمله، مثل معرفة عازف البيانو بالمفاتيح، لذلك عندما يبدو شيئًا ما خاطئا لهم، كانت لديهم الثقة لملاحظة ذلك.
خصص وقتًا لتسأل كيف وعلى ماذا؟ اختر مشروعا يبدو مثيرًا للاهتمام؛ يدفعك لإنجاز عناصره بإتقان أو ابتكار أمرٍ ما أو الإجابة عن بعض الأسئلة. اختر مشروعًا يستغرق أقل من شهر، وامتلك الإمكانية لإنهائه، افعل شيئًا صعبًا بما فيه الكفاية لتقويتك، لكن فقط في البداية. وإذا أردت أن تقرر ما بين مشروعين، اختر مايبدو أكثر متعة، وإذا فشلت فيه، ابدأ بشيء آخر. كرر حتى تصبح العملية مستدامة ذاتيًا مثل محرك الاحتراق الداخلي، وسيولد كل مشروع مشروعًا تاليًا. (قد يستغرق ذلك سنوات.)
قد يكون الأمر كذلك ولكن ليس كالقيام بمشروع «للمدرسة»، إذا كان ذلك سيقيدك أو سيجعله يبدو كعمل قم بإشراك أصدقائك إذا أردت، ولكن ليس بالعدد الكثير ولا تختر الضعفاء منهم فالأصدقاء يقدمون الدعم المعنوي (عدد من الشركات الناشئة أنشأت من قبل شخص واحد)، ولكن السرية أيضا لها مزاياها، فهناك شيء مرضي حول سرية المشروع، حيث يمكنك أن تأخذ المزيد من المجازفة، لأنه لا أحد سيعرف إذا فشلت.
لا تقلق إذا كان المشروع لا يسير في طريق الهدف الذي رسم له، فمن الممكن أن تنحني المسارات أكثر مما تعتقد، لذا دع المسار ينمي مشروعك، والشيء الأكثر أهمية هو أن تكون متحمسًا لذلك لأنك ستتعلم من خلاله .
لا تتجاهل الدوافع الغير ملائمة، فأحد أقوى الرغبات، أن تكون أفضل من الآخرين في شيء ما. قال هاردي هذا ما جعله يبدأ، وأعتقد أن الشيء الوحيد الاستثنائي عنه هو اعترافه بذلك. فالدافع الآخر القوي هو الرغبة في إنجاز أمرٍ ما أو معرفة الأمور التي ليس من المفترض أن تقوم بها، لذا ترتبط الرغبة ارتباطًا وثيقًا بالقيام بأمرٍ متهور، فلا يُفترض أن يكتب صبي ذو ستة عشر عامًا روايات، فإن حاولت وأنجزت فهذا مكسب؛ وإن فشلت تماما، فهذا أسوأ ما يمكن أن يحصل. [٨]
احذر من النماذج السيئة خصوصًا الذين يتعذرون بالكسل، فعندما كنت في المدرسة الثانوية كنت أكتب القصص القصيرة «الوجودية» كالتي كنت أقرأها للكتّاب المشهورين، ولم تكن قصصي محبوكة جيدًا، ولكنها كانت عميقة للغاية، فقد كان العمل عليها سهلًا ولكن لم يكن مسلٍ كما ينبغي، وكان عليّ أن أعلم بأن ذلك مكمن الخطر، وفي الحقيقة وجدت قصصي مملة جدًا، وما كان يثيرني هو فكرة كتابة أمور فكرية جادة مثل الكتاب المشهورين.
لدي الآن الخبرة الكافية لأدرك بأن أولئك الكتاب المشهورين في الحقيقة سيئين، فالكثير من الناس المشهورين فعلًا كذلك، فعلى المدى القصير جودة عمل المرء ليست سوى عنصر صغير من الشهرة، فكان يجب عليّ أن أكون أقل قلقًا حول القيام بأمرٍ يبدو رائعًا، وقيامي بما أحب حقًا، هو الطريق الفعلي إلى المتعة على أي حال.
إن العثور على كتب جيدة يعد أحد المكونات الرئيسية في العديد من المشاريع، وتقريبًا المشاريع القائمة بذاتها. فمعظم الكتب سيئة، بل جميع الكتب المدرسية تقريبًا سيئة، [٩] لذا لا تفترض أن أحد الموضوعات يمكن تعلمه من أي كتاب، إنما عليك البحث بنشاط لتحصل على عدد صغير من الكتب الجيدة.
الأمر المهم هو خروجك وقيامك بأنشطة عوضًا عن انتظارك لتتعلم، اخرج وتعلم.
فلا يجب تشكيل حياتك من قبل موظفي القبول، بل عليك تشكيلها بفضولك الخاص وهذا لجميع البالغين الطموحين، وليس عليك الانتظار للبدء. في الواقع، ليس عليك الانتظار حتى تصبح بالغًا، فلا يوجد مفتاح بداخلك ينقلب بطريقة سحرية عندما تصل لعمر معين أو عندما تتخرج من بعض الجامعات، فأنت تصبح شخصًا بالغًا عندما تقرر تحمل مسؤولية حياتك، ويمكنك فعل ذلك في أي عمر. [١٠]
قد يبدو ذلك وكأنه هراء، وقد تفكر وتقول: «أنا مجرد قاصر، ليس لدي مال، يجب أن أعيش في المنزل، يجب أن أفعل ما يقوله لي الكبار طوال اليوم». حسنًا، معظم البالغين يعملون تحت قيود مثقلة للغاية، و يتمكنوا من إنجاز الأمور، فإذا كنت تعتقد أنك مقيد لأنك طفل، فتخيل أن يصبح لديك أطفال.
الفرق الحقيقي الوحيد بين البالغين وطلاب المدارس الثانوية هو أن البالغين يدركون حاجتهم إلى إنجاز الأمور، وأن طلاب المدارس الثانوية لا يفعلون ذلك. فهذا الإدراك يأتي لمعظم الناس في عمر الثالثة والعشرين، لكنني بحت لكم بالسر في وقت مبكر، فاحصل على عمل، وربما الجيل الأول من المدرسة الثانوية الذي لا يندم على مقدار الوقت الذي تم إضاعته.
ملاحظات
[١] صديقي الطبيب يحذر مما يلي: بالرغم من أنه يعطي صورة غير دقيقة. «من كان يعرف مقدار الوقت الذي سيستغرقه الاستيعاب، وكم من الاستقلال الذي سيحققه التدريب اللامنتهي، ومدى الإزعاج الذي لا يمكن تصديقه من حمل جهاز استدعاء؟»
[٢] من المحتمل أن يكون أفضل رهان له هو أن يصبح دكتاتورًا ويخيف الرابطة الوطنية لكرة السلة “NBA” ليسمح له باللعب، وحتى الآن، فإن أقرب شخص قد آتى هو وزير العمل.
[٣] العملٍ اليوميّ هو الذي تعمل به لتسديد الفواتير حتى تتمكن من القيام بما تريده حقًا، مثل اللعب في فرقة موسيقية، أو ابتكار النظرية النسبية.
معاملة المرحلة الثانوية على أنها عمل يومي يمكن في الحقيقة أن يسهل على بعض الطلاب الحصول على درجات جيدة، فإذا كُنتَ تعامل حصصك على أنها لعبة، فلن تحبط نفسك لو كانت الحصص عديمة الجدوى .
على الرغم من سوء حصصك، فأنت بحاجة إلى الحصول على درجات جيدة للدخول إلى كلية محترمة، وهذا يستحق القيام به لأن الجامعات هذه الأيام هي المكان الذي يتجمع فيه مجموعات الأشخاص الأذكياء.
[٤] ثاني أكبر سبب تندم عليه هو الاهتمام الكثير بالأشياء الغير المهمة، وخاصة بما يفكر به الناس الآخرون.
أعتقد حقًا ما كانوا يعنونه، في الحالة الأخيرة، هو الاهتمام بما يفكر به أناس عشوائيين تجاههم. البالغون يهتمون بما يفكر به الناس، ولكنهم يكونون انتقائيين تجاههم.
لدي حوالي ثلاثين صديق يهمني رأيهم، ورأي بقية العالم بالكاد يؤثر فيّ. لذا تكمن المشكلة في المدرسة الثانوية أنه يتم اختيار نظرائك مصادفة بالنسبة للعمر و المنطقة، وليس باختيارك الشخصي احترامًا لحكمهم.
[٥] مفتاح إهدار الوقت هو المُلهيات والتشتت، وبدون تشتت يكون من الواضح جدًا لدماغك أنك لا تقوم بعمل أي شيء، وتبدأ تشعر بعدم الارتياح، فإذا كنت ترغب في قياس مدى اعتمادك على المُلهيات، فجرّب هذه التجربة: خصص جزء من الوقت في عطلة نهاية الأسبوع واجلس لوحدك وفكر. ويمكنك استخدام دفتر ملاحظات لتدوين أفكارك، ولكن لا شيء آخر لا أصدقاء أو تلفزيون أو موسيقى أو هاتف أو رسائل فورية أو بريد إلكتروني أو ويب أو ألعاب أو كتب أو صحف أو مجلات في غضون ساعة سيشعر معظم الناس برغبة شديدة لوجود شيء يلهيهم.
[٦] لا أقصد الإشارة إلى أن الوظيفة الوحيدة للمدارس التحضيرية هي خداع موظفي القبول، كما أنها توفر بشكل عام تعليمًا جيدًا. ولكن قم بتجربة فكرية: افترض أن المدارس التحضيرية وفرت نفس مستوى التعليم المتميز ولكن كان لها تأثير ضئيل (٠.٠٠١) سلبي على قبول الجامعة، فكم من أولياء الأمور سيرسلون أولادهم إليها؟
قد يُقال أيضًا أن الطلاب الذين ذهبوا إلى المدارس التحضيرية هم أفضل المرشحين إلى دخول الجامعة لحصولهم على تعليم أكثر، ولكن هذا يبدو خاطئًا من الناحية التجريبية، فما تتعلمه في أفضل مدرسة ثانوية فيه خطأ مقارب مقارنة بما تتعلمه في الجامعة. وطلاب المدارس الحكومية يصلون إلى الكلية مع عيب طفيف، لكنهم يبدؤون بالتقدم في السنة الثانية.
(أنا لا أعنى بأن طلاب المدرسة الحكومية أذكى من طلاب المدرسة التحضيرية فقط لانضمامهم لجامعة معينة، يتبع ذلك بالضرورة إذا كنت توافق على أن المدارس التحضيرية تحسن آفاق قبول الطلاب.)
[٧] لماذا يخدعك المجتمع؟ اللامبالاة على الأغلب. ببساطة لا توجد قوى خارجية تدفع بالمدرسة الثانوية لتكون جيدة، ويعمل نظام مراقبة الحركة الجوية لأن الطائرات ستتحطم لولاه. لذايجب على الشركات أن تتقدم لأن المنافسين سيأخذون زبائنهم، ولكن لا تتحطم أي طائرة إذا كانت مدرستك سيئة، ولا يوجد هناك أي منافسين، فالمدرسة الثانوية ليست شريرة بل عشوائية؛ والعشوائية أمر سيء جدًا.
[٨] ثم بالطبع هناك المال، إنه ليس بالعامل الكبير في المدرسة الثانوية، لأنك لا تستطيع أن تفعل الكثير مما يرغب به أي شخص، ولكن تم إنشاء الكثير من الأشياء العظيمة أساسًا لكسب المال، صموئيل جونسون (Samuel Johnson) قال: «لا يوجد رجل، بل شخص أحمق، يكتب فقط من أجل المال». (يعتقد الكثيرون أنه كان مبالغًا بعض الشيء).
[٩] حتى الكتب الجامعية سيئة، عندما تصل إلى الكلية، ستجد (مع بعض الاستثناءات الممتازة) بأن الكتب لم يقم بتأليفها العلماء الرائدون في مجال اختصاصهم، فكتابة الكتب الجامعية هي عمل مزعج، يقوم به في الغالب أناس يحتاجون إلى المال، فهو أمر مزعج لأن الناشرين يمارسون الكثير من السيطرة، وأسوأ من ذلك هو الإشراف من قبل شخص لا يفهم فحوى العمل، ويبدو أن هذه الظاهرة أسوأ في إنتاج الكتب المدرسية للمرحلة الثانوية.
[١٠] يخبرك معلموك دائمًا أن عليك التصرف مثل البالغين، وأتساءل إذا كانوا حقًا يرغبون منك ذلك فقد يكون صوتك مرتفعًا وغير منظم، لكنك مطيع جدًا مقارنة بالبالغين. بينما لو بدأت بالفعل بالتصرف مثل البالغين سيكون الأمر كما لو أن مجموعة من البالغين قد تم نقلهم إلى أجسامك، فتخيل رد فعل عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” أو سائق سيارة أجرة أو مراسل تخبره بأنه عليه أن يطلب الإذن للذهاب إلى الحمام، ويمكن فقط لشخص واحد الذهاب في كل مرة، ناهيك عن الأمور التي تدرسها. وجد مجموعة من البالغين أنفسهم محاصرين فجأة في المدرسة الثانوية، فإن أول ما يفعلونه هو تشكيل اتحاد وإعادة التفاوض على جميع القواعد مع الإدارة.
شكرًا لـــ Ingrid Bassett و Trevor Blackwell و Rich Draves و Dan Giffin و Sarah Harlin و Jessica Livingston و Jackie McDonough و Robert Morris و Mark Nitzberg و Lisa Randall و Aaron Swartz لقراءة مسودات هذا الخطاب، وللعديد من الأشخاص الذين تحدثوا معي عن المدرسة الثانوية.
أحدث التعليقات