تشخيص وتوقع مدة الإصابة بالارتجاج الدماغي عند الأطفال عن طريق فحص اللعاب أصبح مُمكناً

الترجمة: فريال آل حسين
التدقيق: درة سعد
المراجعة: أروى الغامدي
المعلومات البارزة في المقالة:
– ثلثي حالات الإصابة بالارتجاج الدماغي تحدث عند الأطفال والمراهقين.
– قاس الباحثون جزيئات صغيرة من مستويات اللعاب التي تؤثر على أنشطة البروتين.
– نجح فحص جزيئات اللعاب الخمسة في توقع ظهور الأعراض طويلة الأمد عند الأطفال المصابين بها بدقة تصل إلى ٨٥%.
يومًا ما قد يكون فحص اللعاب قادرًا على تشخيص الارتجاج الدماغي وتوقع مدة استمرارية ظهور الأعراض، وذلك وفقًا لدراسة نشرتها يوم الاثنين الصحيفة الإلكترونية الطبية (JAMA) في قسم طب الأطفال.
ويُعد الارتجاج الدماغي نوعًا من أنواع الإصابات الدماغية الرضّية الناتجة عن عثرة أو ضربة أو ارتجاجٍ ما، إما في الرأس أو في الجسم. وبالرغم من أن هذه الإصابات لا تشكل خطرًا على حياة المصاب إلا أنها قد تكون خطرة على الدماغ وقد تسبب ظهور أعراضٍ كالصداع (أو الضغط في الرأس) والغثيان، والتقيؤ، والشعور بالدوار، ومشاكل في التوازن، والرؤية المزدوجة أو الضبابية، والخمول، والاضطراب، ومشاكل في الذاكرة، وصعوبة في التركيز.
ووجد الباحثون خلال دراستهم في كلية ولاية بنسلفانيا للطب خمس جزيئات صغيرة في اللعاب تدعى الميكرورناس (microRNAs) تتمتع بالقدرة على تحديد الأعراض الارتجاجية عند الأطفال والمراهقين والشباب. وبناءًا على ما كتبه المؤلفون، فهذه الجزيئات تؤثر على أنشطة البروتين في جميع أنحاء الجسم، وتُقاس بسهولة عن طريق فحص سوائل الجسم الحيوية وتشمل الدم والسائل النخاعي واللعاب.
وقال الطبيب ستيف هيكس (Steve Hicks)، كبير مُحرري الدراسة أستاذ مساعد في كلية بنسلفانيا للطب: «قد يتمكن فحص جزيئات الميكرورناس الخمسة الموجودة في اللعاب من توقع ظهور الأعراض عند الأطفال المصابين بالارتجاج بعد مرور شهرٍ واحد بدقة تصل إلى ٨٥ % تقريبًا، بينما تكون مقاييس الفحص الاعتيادية والتي عادةً ما تُستخدم في العيادات دقيقة بنسبة ٦٥ % تقريبًا».
وذكر الدكتور هيكس (Hicks) أن شركة كوادرانت بيوساينسس (Quadrant Biosciences) قد موّلت الدراسة جزئيًا، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تطمح لطرح اختبار الارتجاج الدماغي عن طريق اللعاب في السوق خلال الـ ١٢-٢٤ شهرًا القادمة.
تؤثر الارتجاجات الدماغية غالبًا على الأطفال
استنادًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فقد كان هناك مايقارب ٢.٨ مليون حالة طوارئ واستشفاء ووفاة ناجمة عن إصابات الدماغ الرضية في عام ٢٠١٣ في الولايات المتحدة .
وأشار كلاً من هيكس (Hicks) وزملاؤه إلى أن ثلثي حالات الإصابة بالارتجاج الدماغي تحدث عند الأطفال والمراهقين. وعلى الرغم من أن أغلب الأعراض تختفي خلال أسبوعين، إلا أن ثلث الأطفال والمراهقين المصابين به قد يعانون من الأعراض لمدة طويلة.
وقال هيكس (Hicks)، وهو طبيب أطفال يعتني بالأطفال المصابين بالارتجاج الدماغي: «إنه لمن المحبط لكُلٍ من الوالدين والأطباء أننا لا نستطيع توقع مدة استمرارية ظهور أعراض الارتجاج الدماغي عند الطفل بدقة وموضوعية، ولا أن نعرف ما هي طبيعة تلك الأعراض، ومتى سيكون المصاب قادرًا على العودة إلى المدرسة وممارسة الرياضة».
ومن أجل الدراسة، فحص هيكس (Hicks) وزملاؤه ٥٢ مريضًا تتراوح أعمارهم ما بين ٧ و٢١ سنة، ويبلغ متوسط أعمارهم ١٤ سنة.
وقد أخذ الأطباء عينات لعاب من مرضى أصيبوا -غالباً- أثناء ممارستهم للرياضة أو بسبب حادث مروري، وطلبوا منهم أن يبصقوا في كؤوس بعد أن حضروا لمركز هيرشي (Hershey) الطبي في ولاية بنسلفانيا من أجل التحليل، ثم فحصوا الميكروناس (microRNAs) بعد ذلك. ومن أصل ٥٢ مصاب بإصابة رضّية خفيفة في الدماغ، كان ٣٠ منهم يعانون من أعراض طويلة الأمد، و٢٢ منهم يعانون من أعراض قصيرة الأمد.
وذكرت الدراسة أنهم استطاعوا معرفة المصابين الذين يعانون من الأعراض طويلة الأمد بدقة، من خلال تحديد مستويات الميكروناس الخمسة في اللعاب. وعلاوة على ذلك، كانت المؤشرات الحيوية التي اُستخدمت في قياس جزيئات اللعاب الخمسة أكثر دقة من أداة (تقييم الارتجاج القياسية ٣)، وهي عبارة عن استبيان يُستخدم في الوقت الحالي للمساعدة في تشخيص الإصابات الدماغية الرضّية.
ولا يعد هذا الاستبيان أداة مستقلة بذاته، إذ أنه يُستخدم بالتزامن مع تقييم توصل إليه طبيب محترف. وذكر أن اللاعبين الرياضيين قد يصابون بالارتجاج الدماغي حتى لو أُثبت أن نتائجهم طبيعية. وقال هيكس (Hicks): «لقد عثرنا على ثلاثة جزيئات من الميكرورناس (microRNAs) ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأعراض محددة تظهر بعد شهر واحد من الإصابة، مثل الصداع والتعب ومشاكل في الذاكرة»، وأضاف أيضًا أن إجراء اختبار فعلي كي يستخدمه الأطباء سيتطلب تعاوناً مع الباحثين.
وقال أيضًا: «لحسن الحظ أن التكنولوجيا المطلوبة لقياس الحمض النووي في اللعاب تُستخدم بالفعل في الطب، ونحن نستخدمها لفحص المرضى المصابين بفيروسات الجهاز التنفسي العلوي في المستشفيات والعيادات كل يوم» وأضاف: «إن تغيير هذا النهج فيما يخص مرضى الارتجاج الدماغي يمكن أن يوفر أداة سريعة وموضوعية لإدارة الإصابات الدماغية.»
وفي كلمة افتتاحية نُشرت جنبًا إلى جنب مع الدراسة في الصحيفة الإلكترونية الطبية (JAMA) في قسم طب الأطفال، قيل فيها: «هذا البحث الجديد يمثل تقدمًا في علم الإصابات بالارتجاج الدماغي المرتبطة بممارسة الرياضة».
ما زال الوقت مبكرًا جدًا لكي نعرف كل هذا
بالرغم من ذلك، ذكر محرّرا المقالة وهما الطبيب ويليام ب.ميهان الثالث من مركز ميشيلي للوقاية من الإصابات الرياضية في مستشفى بوسطن للأطفال في ماساتشوستس، والطبيبة ريبيكا مانيكس من مركز الإصابات الدماغية في مستشفى بوسطن للأطفال: «إن حجم العينة الصغيرة نسبيًا في هذه الدراسة تتطلب دراسات على نطاق واسع للتأكد من دقة النتائج».
وعلى سبيل المثال، أشار الأطباء أن استخدام الأدوية المضادة للالتهابات الخالية من الستيرويد شائعة بين المرضى المصابين بإصابات بالغة. وأثبتت الدراسة أن أولئك الذين استخدموا الأدوية المضادة للالتهابات هم الذين يعانون من الأعراض طويلة الأمد. وذكروا أن هذه الأدوية قد تكون عاملًا مُحيرًا قابلًا للتغير، وهذا يعني أن الدواء قد يؤثر على نتائج التحاليل والأعراض مما يضيف التباسًا للدراسة وتفسيراتها المعقولة.
ومع ذلك أضافوا: «إن هذه الاكتشافات تبشر بالخير، فهي تُعتبر المؤشرات الحيوية المحتملة لتشخيص الارتجاج الدماغي المرتبط بالإصابات الرياضية، ومعالجته، والتحليل التشخيصي للمرضى المصابين به أيضًا.»
وقال الطبيب جيفري كوتشر (Jeffrey Kutcher)، طبيب الأعصاب والمدير الوطني لعيادة الأعصاب الرياضية في معهد كور: «إن دراسةً كهذه مهمة؛ لأنها تمكنُنا من استخدام اختبارات قد تُفيد في سياق إطار العيادات».
وأضاف كوتشر (Kutcher)، الذي لم يشارك في هذا البحث الجديد: «أعتقد أن التحذير الرئيس هنا أنه ما زال الوقت مبكرًا لمعرفة ما إذا كانت هذه الأداة مناسبة لنا»، وقال أيضًا: «السبب الرئيسي يكمُنُ في أن هناك فرقًا بين تعرض الدماغ لضربة بسيطة وبين تعرضه لارتجاج دماغي». وقد تُظهر المؤشرات الحيوية للعاب أن الخلايا العصبية تعرضت لضربةٍ ما ولا تُظهر ما أذا حدث أي ارتجاج دماغي يجعل الدماغ غير قادرٍ على القيام بوظائفه الاعتيادية ضمن المعدل الطبيعي، وأضاف: «سوف أتردد في السماح باستخدام اكتشافات علمية جديدة لم تُثبت بعد».
تُفحص المؤشرات الحيوية الأخرى -بما في ذلك الدم- باعتبارها اختبارات مهمتها التحقق من وجود الارتجاج الدماغي، ومع هذا قال كوتشر (Kutcher) أيضاً: «لا يوجد شيء في هذه المرحلة أو ما بعدها».
وذكر أنه يوجد هناك أيضًا أدوات لفحص الشبكات الكهربائية التي يُنتجها الدماغ. وكشف عما يخص تقديمه المشورة لشركة تعمل على إحدى هذه التقنيات، حيث يخضع دماغ المريض لتخطيط كهربائي بينما يقوم المريض بمهام تستوجب التفكير. ويسجل التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) كيفية استجابة الدماغ.
وأضاف أيضًا: «من خلال قياس نشاط شبكة الدماغ مباشرةً، يمكنك أن تلاحظ صحة الدماغ الوظيفية».
بالإضافة إلى أن بعض العلماء يعملون على استكشاف تقنيات الرنين المغناطيسي الوظيفية لفحص عملية الأيض في مختلف أجزاء الدماغ؛ لكي يكوّنوا فكرة واضحة عن الارتجاج.
وقال هيكس (Hicks) أنه وزملاؤه يتعاونون مع آخرين من أجل فحص المؤشرات الحيوية في اللعاب للرياضيين البالغين ولأعضاء القوات المسلحة.
وأضاف: «بسبب انعدام الترابط بين العلامات التي حددناها في هذه الدراسة وعمر المريض، فإننا نأمل أنها ستُطبق أيضًا على البالغين من السكان».
أحدث التعليقات