لا تضع احتياجاتك ورغباتك جانبًا!

كتابة: ريتشارد بي جويلسون
ترجمة وتدقيق: هاجر الهطالية
المراجعة النهائية: سلمى عبدالله @salma1abdullah
احذر من ازدواجية المعايير المتمثلة في الاهتمام باحتياجات الآخرين وإهمال احتياجاتك الخاصة…
لاحظت خلال عملي في العيادة أن كثيرًا من المرضى يكترثون لاحتياجات الآخرين من حولهم ويضعون احتياجاتهم الشخصية جانبًا، فهم يتصرفون بطريقة تنم عن اهتمامهم بمن يحبون من حولهم ويتجاهلون ما يحتاجونه هم حتى لو كان مشابهًا أو ربما مطابقًا لاحتياجات الآخرين.
أتذكر عندما علّقت على الطريقة المتقنة لوضع شريط لاصق على النظارات الطبية لأحد المراجعين، بعد أن لاحظت ذلك عدة أسابيع، أجابني أنها: ” لاتزال بحالٍ يفي بالغرض، وعلى أية حال، فإن شراء نظارة جديدة سيكلفني كثيراً”. سألته ما الذي سيفعله عندما تنكسر نظارة زوجته أو أحد أطفاله، فقال: ” أوه، حسناً، سأشتري لهم نظارة جديدة!” كانت المحادثة التي تلت هذا الحدث ممتعة، لأننا تساءلنا فيها عن سبب رفضه أن يتجول أفراد عائلته بنظارات جُمعت أجزاؤها بالشريط اللاصق لفترةٍ أطول من اللازم، وكذلك استعداده التام لدفع المال لشراء نظارات جديدة لهم بينما يراها باهظة الثمن له.
أذكر أيضًا ذلك المريض الذي كان يتجول في الأرجاء وهو يعاني من ألم في ركبتيه، وأخيرًا وبعد محاولات حثيثة مني ومن الآخرين، استطعنا إقناعه بأخذ استشارة الطبيب المناسب. استمرت الاستشارة لأشهر حيث كنت أستمع لتقارير تفيد بأن الطبيب ألغى المواعيد ولم يُجِب على المكالمات الهاتفية وأيضًا نسي الموعد الذي حدده مع المريض، وقد قَبِل ذلك كله دون أي سؤال! في هذه الأثناء، وفي كل جلسة أسبوعية في مكتبي، كنت أشاهده وهو يعتصر ألمًا أثناء صعوده ونزوله من كرسيه. تكرر نفس السؤال مرةً أخرى، ولكن مع مريضٍ آخر: ماذا كنت ستفعل لو أن من يعاني من ركبتيه هو أحد أفراد عائلتك؟ فكانت نفس الإجابة: ” لم أكن لأسمح له أن يُعامل بهذه الطريقة بسبب طبيب، ولن أدعه يتجول بهذه الحالة لفترة طويلة دون أخذ قسطٍ من الراحة”.
هؤلاء المرضى، مثل غيرهم، يشعرون بالفخر الكبير عند اهتمامهم بالعائلة أو الأصدقاء، ويبذلون قصارى جهدهم لطلب المساعدة أو تقديمها للآخرين. هم، من بين جميع الأشخاص، لم يضعوا أنفسهم في تلك القائمة حتى، فكيف نتوقع منهم الاهتمام بأنفسهم قبل أي شيء آخر؟!
أحد الملاحظات التي أعتقد أن لها صلةً بهذا، هي أن بعض الأشخاص يعتقدون بأن تقديرهم واحترامهم لذاتهم يتأثر سلبيًا عندما يتعلق الأمر بمشاكلهم وظروفهم وما ينتج عنها من احتياجات، فهم يعتبرون وجود احتياجات معينة، بالأخص الطبية، ضعفًا أو قصورًا شخصيًا. أرى ذلك بوضوح عندما يناقش المريض مشاكله الصحية بدلًا من مشاكل الآخرين. بعض الأشخاص عندما يمرضون يخاطبونك معتذرين: ” أنا حقًا متأسف… فأنا لم أمرض قط”، بل ويدافعون عن أنفسهم قليلًا: ” أكره أن أكون شخصًا مريضًا، أنا حقًا لا أطيق ذلك”، حتى أن بعضهم يلوم الآخرين على ذلك، كقولهم: ” لا بد أن سكرتيرتي لم تتحكّم بجهاز التبريد جيدًا؛ ما تسبب في مرضي”.
هؤلاء الأشخاص أنفسهم يسمحون للآخرين بأن يصيبهم المرض أو العجز بطريقة ما دون إطلاق الأحكام أو النقد، ولكن لا يسمحون لأنفسهم بذلك؛ لذا فإن زيارتهم لأخصائي الرعاية الصحية، على سبيل المثال، أمر مرفوض ومقاوم حتى عندما يكون ذلك مناسبًا وضروريًا لهم.
يبدو لي أن المنطق الذي ينطبق هنا بسيطٌ ومفيد فهو كفيل بتوجيهنا للتصرف السليم عند مواجهة حالات مشابهة للحالات أعلاه. احذر من ازدواجية المعايير المتمثلة في كونك زوج أو أب أو صديق مهتم بالآخرين بينما تهمل نفسك عمدًا كما لو أنك لا تستحق نفس الدرجة من الرعاية والاهتمام. وابذل ما بوسعك حتى لا تكون كالشخصية الكرتونية القديمة: الدكتور نيويوركر، الذي كان يحذّر مريضه من مضار التدخين القاتلة وهو ينفث الدخان من إحدى سجائره.
أحدث التعليقات