وهم الإنتاجية

ترجمة بتصرف لمقال (The illusion of productivity)

مصدر الصورة: Unsplash

كتابة: آن لوري كونف

ترجمة: كفاية نزال
تدقيق ومراجعة: ريم الجدعان

منذ أن تعلمنا الكتابة، أدركنا كبشر مدى تميزنا واختلافنا عن الحيوانات، كما أن الخيال والثقافة هي سمات يُعتقد أنها موجودة فقط في البشر،  وهناك أيضاً جانب إنساني آخر يبدو أنه فريد وهو الحاجة إلى الانشغال.                                        

        معظم الحيوانات ستكون سعيدة إذا تم تلبية احتياجاتها الأساسية من الطعام والمأوى والراحة، في المقابل نحن البشر لا نحب أن نبقى مكتوفي الأيدي، حتى لو كان ذلك يعني الوقوع في وهم الإنتاجية.

في دراسة بحثية حول الانشغال والفراغ، طلب العلماء من المشاركين الذهاب لتقديم استطلاع في واحد من موقعين يمكنهم الاختيار من بينهما. كان الخيار الأول موقعا قريبًا، مما يسمح للأشخاص بإكمال المهمة بشكل أسرع، والعودة إلى مركز الأبحاث، والانتظار دون القيام بأي شيء (خيار الخمول)، في حين كان الخيار الثاني بعيدًا مع القليل من الوقت للانتظار بمجرد عودتهم (خيار الانشغال).

فأي خيار اختاره المشاركين؟ تبين أنه يعتمد على عنصر صغير: سواء كان لديهم مبرر أم لا – حتى لو كان خادعًا – لاختيار خيار الانشغال”.   فقد قيل للمشاركين إنهم سيحصلون على قطعة شوكولاتة كمكافأة. فعندما  قيل لهم أن الشوكولاتة ستكون نفس النوع  بغض النظر عما سيختارون ، 32٪ فقط اختار الموقع البعيد، ولما قيل لهم إنهم سيحصلون على شوكولاتة بالحليب في أحد المواقع والشوكولاتة الداكنة في المكان الآخر ، 59٪  اختاروا  الانشغال.

قد لا يبدوا ذلك ريادياً في البداية لكن آثاره عميقة، فنحن البشر سنفعل أي شيء، و سنستخدم أي مبرر لنبقى منشغلين، حتى لو كانت مهمة صغيرة.  

على حد تعبير العلماء خلف هذه الدراسة: “يشير بحثنا إلى أن العديد من الأهداف المزعومة التي يسعى الناس لتحقيقها قد تكون مجرد مبررات لإبقاء أنفسهم مشغولين.”

الانشغال ووهم الإنتاجية

في كتابها “Daring Greatly“، تقول الدكتورة برين براون ـ الأستاذة البحثية في جامعة هيوستن ـ أن تكون “مشغولاً للغاية” هي استراتيجية مخدرة تسمح لنا بتجنب مواجهة حقيقة حياتنا.                                                                                   “كثيرا ما أقول إنهم عندما يبدأون في عقد اجتماعات من 12 خطوة للأشخاص مدمني الانشغال سيحتاجون إلى استئجار ملاعب كرة القدم” وتوضح أننا نفضل ملء الوقت بالأنشطة – أي نوع من الأنشطة – بدلاً من المخاطرة بأن نجد أنفسنا وحيدين مع أفكارنا.  كما أن مجتمعنا يشجع على هذا السلوك: فغالبًا ما يُعتبر الخمول، أو أن يكون لديك الكثير من وقت الفراغ علامة على الكسل.

علاوة على ذلك ، فإن كونك “مشغولاً للغاية” يبرر ويعزز العيش مفرطاً بالالتزام،  فبدلاً من التوقف لبضع دقائق لسؤال أنفسنا عن سبب قيامنا بشيء ما، فإننا نستمر في عمل متخبط بلا تفكير، قد يؤدي أو لا يؤدي إلى هدف نهتم به أصلاً، إنه أيضًا أحد الأعذار الوحيدة المقبولة اجتماعيًا لعدم القيام بالأشياء المهمة.                                                                                                     هل تأخذ وقتاً لنفسك؟ تشعر بالغضب؟ هل نسيت أن تفعل شيئًا مهمًا لصديق؟ يمكنك إلقاء اللوم على كونك مشغولاً للغاية.

أن تكون مشغولاً لا يعني أن تكون منتجًا،  عندما يتشتت انتباهي بإشعارات البريد الإلكتروني، أو عندما أتحقق من وسائل التواصل الإجتماعي في منتصف كتابة مقال، فقد تعطيني المقاطعة الوهم بأنني مشغول،  سوف يستغرق الأمر وقتًا أطول لكتابة المقالة لأنني أواصل كسر حالة التدفق ، حينها سأشعر وكأنني عملت طوال فترة بعد الظهر على شيء ما، بينما في الواقع لم أتمكن من التركيز بما يكفي لإنجازه بشكل أسرع.                                                                                                                        من خلال شعوري الدائم بالانشغال، لا أترك مجالًا للتفكير الإبداعي الخالص بدلًا من ذلك، فإني أملأ عقلي بالمحفزات الخارجية لأعطيه شيئًا ليفعله، كما تشير الدراسة المذكورة سابقًا، نحن نحب أن نكون مشغولين لأن ذلك يعطينا شعورًا  مطمئنًا، لكنه ليس صحيحًا بالضرورة. 

الخروج من دائرة الانشغال

كسر إدماننا للانشغال يتطلب تغييرًا واعيًا للعقلية، مع أنه يمنحنا حرية التصرف إلا أنه يتعارض مع خوفنا العميق من البقاء وحيدين مع أفكارنا ومواجهة الواقع.

بالخطوات التالية يمكن أن نخرج من عجلة الانشغال اللانهائي:

  1. غيّر وجهة نظرك: توقف عن قول “ليس لدي وقت”، بدلًا من ذلك قل “إنها ليست أولوية”، يوجد وقت كافٍ في اليوم للقيام بالأشياء المهمة.
  2. عمل أقل ، إنجاز أكثر: لا تقيس الإنتاجية من حيث عدد الأشياء التي تنجزها، بل من حيث القيام بالأشياء المهمة، وتنظيف قائمة مهامك. حوّل تركيزك من المهام إلى النتائج.
  3. دقق بانشغالك:تتبع وقتك وقم بتسجيل الأشياء التي تقضي فيها هذا الوقت، ثم صنفها من حيث الأولوية، بعدها قم بحذف كل ماليس له أولوية قدر استطاعتك.
  4. ابدأ بقول لا: لا تأخذ على عاتقك أشياء لمجرد أن شخصًا ما طلب منك ذلك، تساءل عما إذا كانت هذه المهمة الجديدة ستُترجم إلى نتائج ذات مغزى.                                                                                                        قد يكون الأمر غريبًا في البداية (يمكنك أن تقول “ليس الآن” بدلًا من “لا” إذا كان ذلك أسهل) ولكنه سيساعدك على إدارة وقتك بشكل أفضل.
  5. تصالح مع القيام باللاشيء: لمساعدتك على الشعور بالراحة من عدم القيام بأي شيء، حدد وقتًا مع نفسك للتوقف عن العمل، واجعله للتفكّر، أو المشي لمسافة قصيرة. 

تخصيص وقت للتركيز على ما يهم قد يكون له تأثيرٌ على المكان الذي ستكون فيه بعد عام من الآن، فإن كل الأوقات التي تقضيها في مهام لا معنى لها يمكن استغلالها في التفكير، أو القيام بعمل له قيمة، أو قضائها مع أشخاص مهمين، فإن نتائج التخلص من وهم الإنتاجية تستحق الانزعاج الأولي من مواجهة أفكارنا.

المصدر 

تمت الترجمة والنشر بإذن الكاتب 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *