‎مرض الاستزادة

ترجمة بتصرّف لمقال The disease of more
مصدر الصورة: Unsplash

الكاتب: مارك مانسون

ترجمة: افنان الخمشي

تدقيق ومراجعة: ندى الزهراني @ciy26

 

كثيرًا ما يكون النجاح الخطوة الأولى نحو الكارثة وتكون فكرة المضي قدمًا هي العدو الفعلي للتقدم.

 

قابلت مؤخرًا رجل ناجحًا مهنيًا ولديه نمط حياة رائع وعلاقة عاطفية سعيدة ومجموعة من الأصدقاء إلا أنه أخبرني جديًا برغبته بتعيين مدرب يساعده على الوصول للمرحلة القادمة. 

 

عندما سألته ماهي المرحلة القادمة التي باعتقادك صعبة المنال هكذا؟ كان رده: لا أعلم لست أكيدًا من ماهية المرحلة القادمة لهذا السبب أريد تعيين مدرب يساعدني في إدراك ماذا تتطلب المرحلة القادمة لأصل إليها. 



“أوه” كان هذي ردي على كلامه ثم وقفت هناك على حرج مفكرًا في مدى صدقي الشديد الذي كنت أوشك أن أبوح به لشخصٍ التقيت به للتو. كان هذا الرجل في أوج حماسه مظهرًا استعداده على إنفاق مبالغ طائلة على أي مشكلة قد يخبره شخص ما أنه يعاني منها. 

 

أكملت الحديث بعدها بقولي “ماذا لو لم يكن هناك شيء لإصلاحه؟” 

 

رد بتساؤل “ماذا تقصد؟” 

 

وضحت بعدها قائلًا: “ماذا لو أن المرحلة القادمة التي تسعى للوصول لها ليس لها وجود؟ ماذا لو كانت مجرد فكرة نسجها خيالك؟ ماذا لو كنتْ في تلك المرحلة التي لا تتطلب مرحلة قادمة لكنك ترفض ليس فقط استيعاب هذا الأمر بل أيضًا بمحاولة الحصول على أكثر من هذا أنت تمنع نفسك من الإستمتاع بالمرحلة الحالية!”. 

 

انزعج قليلًا من اسئلتي هذه لكنه قال اخيرًا “أنا دائمًا ما أشعر بضرورة التحسين من ذاتي”. 

 

“ربما تكون هذه هي المشكلة يا صديقي!” 

 

يوجد مفهوم مشهور في عالم الرياضة يعرف باسم “هوس الرغبة بالمزيد” عرف أول مرة في حالة بات رايلي المدرب العالمي الذي قاد ستة فرق إلى نهائيات الدوري الأمريكي للمحترفين (وفاز بواحد كلاعب ضمن الفريق) 

 

قال رايلي أن هوس الرغبة بالمزيد يفسر سبب إبعاد الفرق التي تفوز بالبطولات في نهاية المطاف، ليس من قبل فرق أخرى بل بسبب مشكلة داخلية تصيب الفريق. 



ذكر رايلي أن فريق لوس انجلوس ليكرز لم يصل إلى نهائيات عام ١٩٨٠  لأن كل لاعب غلب عليه التفكير والتركيز المفرط على ذاته. 



اللاعبون مثل غالبية الناس دائمًا ما يطلبون المزيد في البداية هذا المزيد هو الفوز في البطولة بعد تحقيق هذا تصبح البطولة فقط ليست كافية ويتحول هذا “المزيد” لطلب أشياء أخرى.. مزيد من المال ومزيد من الإعلانات التلفزيونية والمزيد من التشجيع والأوسمة المزيد من وقت اللعب والمزيد من اهتمام وسائل الإعلام.  



نتيجةً لذلك، ما قد كان يومًا فريقًا يعرف بروابطه القوية ولاعبيه المثابرين يبدأ بالتفكك تبدأ مسألة الغرور تعقد من الأمر وتلقى زجاجات الماء إلى الأرض ويتغير تكوين وترابط الفريق النفسي.. الترابط الفكري والجسدي السابق بين اللاعبين يصبح عبارة عن ذرات مبعثرة ومتفرقة، يبدأ اللاعبون بتجاهل المهام والمهارات البسيطة التي قد تكون سببًا في فوزهم في البطولة معتدين بذاتهم معتقدين أنهم  كسبوا كل هذه المهارات سابقًا ولم يعودوا بحاجة للتدرب عليها مرة أخرى فتقودهم جميع هذه الأفعال لخسارة الموهبة ومن ثم خسارة المباراة. 



المزيد ليس دائمًا الحل الأمثل

 

لا ينصب جل اهتمام علماء النفس على دراسة السعادة بل في الواقع معظم تاريخ هذا المجال لا يركز على الجانب الإيجابي بل على الأشياء التي تغير من الحالة النفسية للناس على مسببات الأمراض النفسية والانهيارات العاطفية وكيفية تعامل الأشخاص مع هذه الآلام. 

 

كان هذا الحال حتى  ثمانينات القرن الماضي عندما اكتسب الجرأة مجموعة أكاديميين وبدؤوا بطرح الأسئلة “عملنا نوعًا ما يجلب البؤس لماذا لا ندرس ما الذي يجعل الناس سعداء عوضًا عن ذلك؟” وقد لقي هذا القرار احتفاءً كبيرًا لأن قريبًا العشرات من الكتب المتعلقة “بالسعادة” سوف تنشر وتملأ الأرفف بانتظار بيع ملايين النسخ لأفراد الطبقة الوسطى الذين يشعرون بالملل والغضب ويعانون من أزمات وجودية. 



أحد الأمور الأولية التي بدأ فيها علماء النفس دراسة السعادة كانت ورقة استبيان بسيط. وزعت على مجموعة كبيرة من الناس وقاموا بإعطائهم أيضًا أجهزة استدعاء (كانت هذه الدراسة في الثمانينات والتسعينات) كانت مهمة كل شخص عندما ينطلق جهاز الاستدعاء ان يجيب على سؤالين: 

 

  • على مقياس من ١ إلى ١٠ ، ما مدى سعادتك في هذه اللحظة؟ 
  • ما الذي يجري في حياتك وكان سببًا لتلك المشاعر؟

 

جمع العلماء العديد من التقييمات والنتائج من مئات الأشخاص في مختلف نواحي العالم. وما اكتشفوه بعد ذلك كان صادم وممل على نحو لا يصدق. 

 

الغالبية العظمى اختاروا الرقم “٧”. أحدهم في محل البقالة لشراء الحليب “سبعة” أو في مباراة كرة سلة يلعبها ابني “سبعة” وآخر قال أتحدث مع رئيسي عن صفقة شراء كبيرة أكاد أعقدها “سبعة” 

 

حتى عند تعرضهم لأشياء كارثية، أصيبت أمي بالسرطان أو فقدت سداد الرهن العقاري للمنزل أو فقد شاب ذراعه في حادثة بولينغ غريبة. كثيرًا ما تنخفض مستويات السعادة في هذه الحالات إلى ٢-٥ لفترة قصيرة وبعد مرور مدة من الزمن تعود بعد ذلك إلى نفس التقييم سبعة.

 

كان هذا الحال أيضًا في الأحداث السعيدة. الفوز في اليانصيب أو الذهاب في إجازة الأحلام  أو في حفل  زفاف تقييم الناس قد يرتفع إلى رقم محدد لفترة من الزمن وبعدها يعود ليستقر حول ذات الرقم، سبعة. 

 

أذهلت هذه الفكرة العلماء، لا أحد سعيد طوال الوقت وبالمقابل لا أحد يشعر بالتعاسة طوال الوقت أيضًا. بغض النظر عن الظروف الخارجية يبدو أننا نعيش في حالة ثابتة من السعادة معتدلة ولكن غير مرضية بشكل كلي، بعبارةٍ أخرى، الأمور دائمًا على ما يرام لكن يمكن جعلها أفضل. 



مصدر: KC grean




لكن هذا الرقم سبعة الذي كثيرًا ما نعود إليه سواءً من سيئ إلى سبعة أو من جيد إلى ذات السبعة يحتال علينا بشكل ما وغالبًا ما نعاود الوقوع في تلك الحيلة مرارًا وتكرارًا. 

 

الحيلة هي كالآتي يخبرك عقلك “فقط لو استطعنا الحصول على أكثر من هذا قليلًا سوف نصل إلى رقم ١٠ ونستقر عنده” 

 

يعيش معظمنا حياته بهذه الطريقة تحت ظل فكرة الرقم عشرة والوصول له. 

 

تعتقد أنك لتصبح سعيد أنت بحاجة إلى عمل جديد وبعد حصولك على هذا العمل تمضي عدة أشهر وتبدأ بالتفكير أنك سوف تكون أسعد لو كان لديك منزل جديد وتشتري بعدها هذا المنزل وتمضي عدة أشهر أخرى والآن تريد عطلة على الشاطئ وبينما أنت تقضي عطلتك على الشاطئ تبدأ بالتفكير هل تعلم ما أحتاج حقًا! القهوة !! لماذا لا أستطيع إيجاد قهوة على هذا الشاطئ!! وتقلق لرغبتك الشديدة في القهوة هذا معتقدًا أن عدم حصولك على القهوة هو ما سيمنع عطلتك عن الوصول لتقييم ١٠ ولكن بعد الفنجان الثاني ومن ثم الثالث من القهوة تستيقظ بعدها مصابًا بصداع إثر الكافيين وتقييم ٣ لحالتك المزاجية. 

 

لكن لا بأس لأنك تعلم قريبًا ما ستعود إلى سبعة 

 

يطلق علماء النفس على هذا المطاردة المستمرة للمتعة “حلقة مفرغة من اللحاق بالمتعة” لأن الناس الذي يسعون باستمرار للحصول على حياة أفضل ينتهي بهم الأمر بعد بذل جهد كبير في نفس المكان الذي بدؤوا منه. 

 

حسنًا اعطني مهلة لأفهم هذا: ما قصدك يا مارك! هل تعني أن كل ما أبذله من جهد بلا معنى؟ 



لا أنا أقصد أنه يجب أن يكون لدينا دافع أكبر من السعادة فقط في هذه الحياة، أن يحفزنا دافع أقوى من أنفسنا. 

 

خلاف ذلك، ستبقى تجري وتجري نحو رؤية مجدك وتطورك فقط، نحو رقم ١٠ المثالي كل هذا ومع شعورك داخليًا أنك في نفس المكان الذي بدأت منه أو ربما أسوأ كما في حالة رايلي وفريقه مع البطولات تبدأ شيئًا فشيئًا بتقويض الشيء الذي أوصلك لهذا المكان في بادئ الأمر.



رؤية تطوير الذات كهواية ممجدة 



في أوائل العشرينات من عمري عندما كنت “مهووسًا بشتى وسائل تطوير الذات” كانت أحد طقوسي المفضلة في نهاية العام أن أمضي ساعات أخطط لأهداف حياتي، رؤيتي لنفسي المستقبلية وكل الأشياء التي أريد أن أفعلها في المستقبل. أفكر برغباتي ومبادئي وينتهي بي المطاف بقائمة هائلة ومثيرة للإعجاب قائمة أن صح القول أقرب للعشوائية، مليئة بأشياء مثل أخذ دروس عبر الانترنت وكسب مبلغ معين من المال وأخيرًا الحصول على جسد رياضي لكنني تعلمت في النهاية أن الشيء المضحك المتعلق بتطوير الذات هو أن التطوير من الذات لا يعني أن بإمكانك أن تصبح أي شيء. هو فقط هواية مجيدة شيء يجعلك منشغل ويمكنك مناقشته مع الأشخاص الذي يشاركونك ذات الهواية. 

 

لقد تطلب الأمر مني وقتًا طويلًا لتقبل حقيقة أن مجرد إمكانية تحسين شيء ما في حياتي لا يعني بالضرورة أنه يجب على تحسين هذا الشيء. 



تحسين الذات ليس هو المشكلة بحد ذاته بل الدافع خلف هذا التحسين عندما يتطلع الشخص بشكل قهري للتحسين من ذاته دون وجود أي سبب حقيقي أو دافع سوى تعظيم الذات قد يقود هذا إلى حياة مليئة بالانشغال الهائل بالذات هو شكل خفيف ومفيد من النرجسية حيث يكون إهتمام الفرد وتركيزه على ذاته فقط

 

ولكن يا لها من مفارقة أن هذا الأمر من المحتمل أن يجعل حياتك أسوأ. 




أخبرني أحد اصدقائي ذات مرة “كان أفضل قرار اتخذته هو الانضمام إلى جماعة دعم وبعد ثلاث سنوات قال: كان أفضل قرار اتخذته هو التوقف عن حضور لقاءات جماعة الدعم”.  

 

أعتقد أن ذات القاعدة تنطبق على جميع أشكال تطوير الذات، تطوير الذات أداة يجب استخدامها مثل الضمادات إلصاقها على موضع الألم للمساعدة والخطوة الأخيرة إزالتها بعد الشفاء. 





الحياة ليست لعبة تتكون من مراحل لكنها مسألة مقايضات 

يرى معظم الأشخاص أن الحياة خط مستمر من التحسن وتطوير الذات هذه الفكرة صحيحة فقط عندما تكون صغيرًا. عندما تكون طفلًا تنمو معرفتك وفهمك للعالم من حولك بشكل ملحوظ  وعندما تكون شابًا تنمو فرصك ومهاراتك بسرعة كبيرة أيضًا لكن بمجرد بلوغك سن الرشد، تكون قد اكتسبت الخبرة الكافية في مجالات معينة لأنك بذلت الوقت والجهد لصقل مهاراتك عند هذه النقطة الحياة لا تعد مجرد مسألة تحسين وتطور بل مسألة مقايضة. 



قضيت عشرة أعوام في تطوير قدرتي على الكتابة لقد تمكنت من أن أصبح كاتب ناجح لو قررت على حين غرة أن أصبح منسق أغاني ربما ستفكر أني أوسع من نطاقي وأكسب مهارة جديدة لكن أن أخصص مئات الساعات حتى أصبح مؤهلًا في مجال فني جديد كليًا سيجبرني على التخلي عن بعض الفرص ككاتب المئات من الساعات التي أفكر أن أقضيها لأكون خبيرًا في مجال تنسيق الأغاني يمكنني أن استغلها لأكتب كتابًا جديدًا أو أكتب في مجلة مرموقة أو ببساطة أن أنشر منشورات أكثر في هذه المدونة. 

 

الأمر ذاته ينطبق على لاعبي الدوري الأمريكي الذين ربحوا عدة بطولات، من منظورهم أنهم كانوا فقط يتقدمون في هذه الحياة بالأمس كان أول فوز لهم بالبطولة واليوم يحصلون على إعلانات أفضل والفريق بالكامل يواصل التقدم وبعضهم يحصل على منزل جديد، ما لم يدركه الفريق هو أن ما كانوا يقايضون به كل هذا كان وقتهم وجهدهم الذي الآن يبدو مليئ بأنواع الكماليات والملهيات المختلفة لهذا لم يتمكنوا من  التركيز على الأمور الجوهرية لكرة السلة وعانوا إثر هذا. 

 

يذكرني هذا بالرجل الذي قابلته قبل أسبوعين وكان يبحث عن مدرب لمساعدته. في النهاية، نصيحتي له أن يكون حذرًا، حذرًا من دافع التحسن فقط للرغبة في التحسن الرغبة دائمًا في المزيد قد تكون مؤذية، حاذر عندما تضع أحلامًا وأهدافًا جديدة لأنها قد تضر النجاح والسعادة التي بنيتها مسبقًا لنفسك. 

 

أو كما تقول العبارة المبتذلة كن حذرًا مما تتمنى لأنه قد يتحقق. 

 

الحياة ليست عبارة عن قائمة مرجعية أو جبلًا تتسلقه أو حتى مباراة غولف أو إعلان بيرة أو أي تشبيه آخر قد ذكر سابقًا. الحياة تشبه الاقتصاد، حيث تقايض كل شيء مقابل شيء آخر وقيمة تلك الأشياء قد ترتفع أو تنخفض طبقًا للاهتمام والجهد الذي تبذله فيها، في هذا الاقتصاد على كلٍ فرد منا أن يكون حريصًا عند اختيار الشيء الذي يريد أن يقايضه وأن يعرف قيمته جيدًا، إن كنت مستعدًا على مقايضة الأشياء مقابل جرعة صغيرة من الدوبامين أو رحلة مؤقتة عند الرقم ١٠ فحينئذ قد تصبح حياتك صعبة.



المصدر

إذن الكاتب بترجمة ونشر المقال في موقعنا

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *