لماذا فصل الرياضيات ممل؟ وماذا نفعل حيال ذلك؟

ترجمة بتصرّف لمقال:(Why Math Class Is Boring—and What to Do About It By Farnam Street)
مصدر الصورة:(Unsplash)

ترجمة: شهد المهناء Tnj_8@

تدقيق: سلمى عبدالله @salma1abdullah

مراجعة نهائية: أسامة خان @QalamOsamah 

 

 

     هناك نوعان من الناس في العالم: أولئك الذين استمتعوا بفصل الرياضيات في المدرسة، وبقية الـ ٩٨% من السكان.

 

     لا توجد مادةٌ أخرى مرتبطة بمثل هذا الخوف والارتباك وحتى الكراهية الصريحة، أو كثيرًا ما يصّرح عنها الأطفال والبالغون على حدٍّ سواء على أنها شيء لا يمكنهم التعامل معه كالرياضيات؛ لافتقارهم إلى الكفاءة الفطرية في ذلك.

 

     تُصوّر الرياضيات على أنها شيءٌ إما أن تفهمه أو لا تفهمه، ويجلس معظمنا في الفصل شاعرًا بأنه لا يقدر على التعامل معها، لكن ماذا لو لم يكن هذا خطأ الرياضيات نفسها، بل خطأ الطريقة التي نشرحه بها؟ ماذا لو كان المنهج النموذجي عبارة عن تحريف فادح للموضوع؟ ماذا لو كان من الممكن تدريس الرياضيات بطريقة تدمج بشكل طبيعي أنواع الأنشطة التي تروق للأطفال والمتعلمين من جميع الأعمار؟ 

 

     كل هذه الأمور صحيحة كما يقول بول لوكهارت عالم الرياضيات الذي اختار الانتقال من التدريس في أفضل الجامعات إلى  تدريس طلاب المرحلة الابتدائية الملهمين، في عام ٢٠٠٢ كتب «رثاء عالِم رياضيات» ، وهو مقال من ٢٥ صفحة طُوِّر لاحقًا إلى كتاب.

 

    صرح لوكهارت في المقال أن الطلاب الذين يقولون إن فصول الرياضيات غبية ومملة  محقون في ذلك – مع أن المادة نفسها ليست كذلك– المشكلة هي أن ثقافتنا لا تدرك أن الطبيعة الحقيقية للرياضيات هي الفن؛ لذلك نقوم بتعليمها بطريقة من شأنها أن تدمر بسهولة أي فنٍّ آخر.

 

 

     ولتوضيح أضرار منهج الرياضيات النموذجي، يتصور لوكهارت كيف سيبدو الأمر إذا تعاملنا مع الموسيقى أو الرسم بنفس الطريقة التعسفية المملة: 

     

    ماذا لو كان تعليم الموسيقى يدور حول الرموز والنظريات، مع إتاحة الاستماع أو العزف فقط لأولئك الذين ثابروا بطريقة ما حتى الكلية؟ 

 

     «بما أن الموسيقيون معروفون بإعداد أفكارهم على شكل ورقة موسيقية، فيجب على هذه النقاط والخطوط السوداء الغريبة أن تشكّل لغة الموسيقى. من الضروري أن يتقن الطلاب هذه اللغة إذا أرادوا تحقيق أي درجة من الكفاءة الموسيقية، في الواقع سيكون من السخف أن نتوقع من طفل ما أن يغنّي أغنية أو يعزف على آلة موسيقية دون أن يكون له معرفة شاملة  في رموز الموسيقى ونظرياتها.

    يُعدّ عزف الموسيقى والاستماع إليها -ناهيك عن تأليف مقطوعة أصلية- من المستويات المتقدمة جدًا وتُؤجّل عادةََ إلى الكلية، وفي كثير من الأحيان إلى المدرسة العليا ».

 

وماذا لو أمضى طلاب الفنون سنوات في دراسة الألوان والفرش، دون أن يطلقوا العنان لمخيلتهم على لوحة فارغة؟ 

 

 «بعد انتهاء الحصة تحدثتُ مع المعلم وسألته: إذن طلابك لا يرسمون أي لوحات؟»

 «حسنًا، سيدرسون في العام المقبل التلوين المسبق بالأرقام، ومن شأن هذا أن  يعدّهم لتسلسل التلوين الأساسي بالأرقام في المدرسة الثانوية؛ لذلك سيتعين عليهم استخدام ما تعلموه هنا وتطبيقه في حالات الرسم الواقعية -غمس الفرشاة في الطلاء، ومسحها، وأشياء من هذا القبيل- وبالطبع نحن نتتبع طلابنا حسب قدراتهم، فالرسامون المتفوقون حقًا -أولئك الذين يعرفون إدارة ألوانهم وفرشهم للخلف وللأمام- يصلون إلى المستوى المطلوب في وقت أبكر، وبعضهم يأخذ دروس الانتساب المتقدمة للحصول على المنح الجامعية، لكننا في الغالب نحاول فقط أن نمنح هؤلاء الأطفال أساسًا جيدًا لماهية الرسم، لذلك عندما يخرجون إلى العالم الحقيقي ويطلون مطبخهم لن يتسببوا  في إحداث الفوضى».

 

بقدر ما قد نجد هذه المقالات القصيرة مثيرةً للضحك، فإن لوكهارت يعدّها أمرًا مماثلًا لكيفية تعليمنا الرياضيات شيئًا خاليًا من التعبير أو الاستكشاف أو الاستنتاج.

قلة ممن أمضوا ساعات لا حصر لها فيما يعادل التلوين بالأرقام في فصل الرياضيات النموذجي يمكنهم فهم أنه «لا يوجد شيء حالم وشاعري، ولا يوجد شيء جذري وتدميري وتخديري كالرياضيات»، فالفنون الأخرى هدفها خلق الأنماط، ومع ذلك فإن الأنماط الرياضية المادية ليست مكونةً من رسومات أو نوتات موسيقية، بل من الأفكار.

 

مع أننا قد نستخدم عناصر الرياضيات في مجالات عملية مثل الهندسة، فإن الهدف من المجال نفسه ليس شيئًا عمليًا، فقبل كل شيء يسعى علماء الرياضيات إلى تقديم الأفكار بأبسط شكل ممكن، مما يعني العيش في عالم الخيال.

 

    يوضّح لوكهارت أن في الرياضيات لا توجد حقيقة بإمكانها اعتراض طريقك، يمكنك تخيّل شكلٍ هندسيٍّ بحواف مثالية، إلا أن مثل هذا الشيء لا يمكن أن يوجد أبدًا في العالم المادي ثلاثي الأبعاد، ثم يمكنك طرح أسئلة عليه واكتشاف أشياء جديدة من خلال التجريب مع الخيال. هذه العملية –  «طرح أسئلة بسيطة وأنيقة حول إبداعاتنا التخيلية، وصياغة تفسيرات مُرضية وجميلة» – هي الرياضيات نفسها، فما نتعلمه في المدرسة ما هو إلا المنتج النهائي.

 

    نحن لا نشرح عملية تكوين الرياضيات، نحن نشرح فقط الخطوات لتكرار ما اخترعه شخص آخر، دون استكشاف كيفية وصوله إليه – أو لماذا.

 

     يقارن لوكهارت ما ندرسه في فصل الرياضيات بالقول «إن مايكل أنجلو صنع تمثالًا جميلًا، دون السماح لي برؤيته» ، من الصعب تخيل وصف إحدى منحوتات مايكل أنجلو فقط من خلال الخطوات التي سار عليها لصنعها، ويبدو من المستحيل أن يتمكن المرء من تدريس النحت دون الكشف عن وجود فنٍّ فيه، ومع ذلك هذا ما نفعله بالرياضيات طوال الوقت.

 

    إذا كانت المناهج المدرسية تحرف الرياضيات بشكل أساسي، فمن أين يأتي هذا التحريف؟ ينظر إليه لوكهارت على أنه خلل ثقافي دائم.

 

    على عكس الفنون الأخرى، نحن لا نحتفل عادةً بالأعمال العظيمة للرياضيات ولا نكشف عنها، كما أنها لم تصِر عمليًا مُدمجة في وعينا. من الصعب تغيير حلقات التغذية الراجعة اللا نهائية في التعليم؛ لأن «الطلاب يتعلمون الرياضيات من معلميهم، ويتعلم المعلمون عنها من معلميهم، فإن هذا النقص في الفهم والتقدير للرياضيات في ثقافتنا سيتكرر بلا توقف».

 

     تُعامَل الرياضيات في المدارس على أنها شيءٌ مطلق لا يحتاج إلى سياق، كجسم ثابت من المعرفة يصعد سلّمًا محددًا من التعقيد. لا يمكن أن يكون هناك نقد أو تجريب أو تطورات أخرى؛ فكل شيء معروف بالفعل. تُقدَّم أفكارها دون أي إشارة إلى أنها قد تكون مرتبطة بشخص أو وقت معين، كتب لوكهارت: 

 

 «ما هي المادة الأخرى التي تُدرَّس بشكل نمطيّ دون أي ذكر لتاريخها وفلسفتها وتطورها الموضوعي والمعايير الجمالية ووضعها الحالي؟ ما هي المادة الأخرى التي تتجنب مصادرها الأساسية -الأعمال الفنية الجميلة من قبل بعض أكثر العقول إبداعًا في التاريخ- لصالح الكتب المدرسية الرديئة والمفسدة؟» 

 

     غالبًا ما تكون الجهود المبذولة لإشراك الطلاب في الرياضيات محاولةً لجعلها ذات صلة بحياتهم اليومية أو تقديم المشكلات في قالب قصصي جذاب. مرة أخرى، لا يعتقد لوكهارت أن هذا سيكون مشكلة إذا اضطر الطلاب للانخراط في العملية الإبداعية الفعلية: «لسنا بحاجة للعودة إلى الوراء لإعطاء الأهمية للرياضيات، فهي مهمة بنفس أهمية أي نوع آخر من الفن: كونها تجربة إنسانية ذات مغزى» . الهروب من الحياة اليومية أكثر جاذبية عموما من التركيز عليها، سيستمتع الأطفال باللعب بالرموز بقدر ما يستمتعون باللعب بالطلاء.

 

     أولئك الذين أخبروهم مدرسو الرياضيات أن المادة مهمة لأنك «لن تحمل آلة حاسبة في جيبك في جميع الأوقات حالما تكون بالغًا» لديهم سبب وجيه للشعور بأنهم ضيعوا الكثير من الوقت في تعلم الحساب الآن بعد أن أصبحنا جميعًا نمتلك هواتف ذكية، لكن بإمكاننا تخيل أولئك الذين يتعلمون الرياضيات لأنها مسلية خارجين إلى العالم وهم يرون أنماطًا رياضية جميلة في كلّ مكان ويستمتعون بحياتهم أكثر بسببها.

 

 إذا كان الشكل الحالي لتعليم الرياضيات كله متخلفًا، فما الذي يمكننا فعله لتحسينه؟ كيف يمكننا تعليمه وتعلمه فنًا؟ 

 

     يقر لوكهارت بأن طرق التدريس التي يقترحها غير واقعية في النظام التعليمي الحالي، حيث لا يتحكم المعلمون في عملهم ويحتاج الطلاب إلى تعلم المحتوى نفسه في نفس الوقت لاجتياز الاختبارات، إلا أن أساليبه يمكنها أن تعطينا أفكارًا لاستكشاف الموضوع بأنفسنا.

 

     إن تعليم فن الرياضيات هو قبل كل شيء عملية اكتشاف شخصي، تتطلب معالجة نوع المشاكل التي تخاطبنا في تلك النقطة الزمنية المحددة، وليس وفقًا لمنهج دراسي محدد مسبقًا. إذا كان هناك اتجاه جديد يثير الاهتمام، فليكن.  

    يتطلب الأمر مساحة تسمح لنا الاستكشاف والانفتاح على إصدار الأحكام لماذا يجب أن تكون الرياضيات منيعة ضد النقد؟ هذا بعيد كل البعد عن استيفاء المتطلبات: 

 

 «المشكلة هي أن الرياضيات -مثل الرسم أو الشعر- عملٌ إبداعيٌ شاق، وهذا ما يجعل عملية تدريسها صعبة، إذ أنها عملية تأملية بطيئة، فموضوع إنتاج عمل فني يستغرق وقتًا، ويتطلب الأمر أيضا معلمًا ماهرًا للتعرف عليه. بالطبع من الأسهل نشر مجموعة من القواعد بدلاً من توجيه الفنانين الشباب الطموحين، كما أنه من الأسهل كتابة دليل استخدام جهاز مرئي بدلاً من كتابة كتاب حقيقي حول وجهة نظر ما».

 

ربما يجب أن نتخلى عن فكرة أن التعامل مع الرياضيات يتعلق بالحصول على الإجابة الصحيحة، فأن تكون مبدعًا لا يتعلق أبدًا بالوصول إلى وجهةٍ ما.

 

    قبل كل شيء، يجب أن تكون الرياضيات شيئًا نتعامل معه لأننا نجدها عملية ممتعة وصعبة قادرة على تعليمنا طرقًا جديدة للتفكير أو السماح لنا بالتعبير عن أنفسنا، فكلما كانت المنفعة العملية أو الملاءمة العملية أقل لبقية حياتنا، زاد تفاعلنا معها فنيَّا.




المصدر

تمت الترجمة بموافقة الموقع

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *