عليك نسيان فكرة التقاعد السائدة

ترجمة بتصرّف لمقال: (Forget The Idea of Retirement, You Should by Arthur Kroisel)

مقال لـآرثر كرويسل (Dr. Arthur Kroisel)

ترجمة:حوراء الصفواني

تدقيق: داليا شافعي 

مراجعة: أسامة خان



«عليك نِسيَان ما تعلمته»- يودا

تبدو فكرة العمل بجد حتى الوصول إلى عمر الـ٦٥ وقضاء «عمرنا الذهبي» في السفر وإمضاء الوقت مع العائلة مما يعني الاستمتاع بثمار جهودنا فكرة جيدة. ولكن هذه الفكرة السائدة قد لا تحدث وتعد احتمالية حدوثها ضعيفة . 

وستجد في هذا المقال الأسباب وراء عدم وجوب قضاء حياتك في انتظار ذلك العصر الذهبي وبعض الإحصاءات المملة وما يجب عليك فعله عوضًا عن ذلك.

. . . 

كيف بدأ كل شيء.

 أعلن أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck)، المستشار الألماني، في القرن التاسع عشر أن أي شخص يزيد عمره عن الـ٦٥ عامًا يُحَال إلى التقاعد الإجباري وأن الدولة ستعتني به الآن.

وعلى الرغم من تواجد هذه المفاهيم قبل مدة طويلة في الإمبراطورية الرومانية، حيث زُوِّدَ جنود الجيش بالمعاشات التقاعدية، ولكن كانت هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها برنامج للتقاعد العام.

 واقترح فرانكلين روزفلت (Franklin D. Roosevelt)، نتيجة للكساد الكبير، قانون الضمان الاجتماعي في عام ١٩٣٥، وكان العمر المتوقع حينذاك ٦١ – ٦٧ سنة.

. . .

لنعُد إلى الأمام.

تغيرت هذه الأمور بشكل جذري في عصرنا الحالي ومع إنجازات الطب الحديث أصبح السكان يتقدمون في السن بشكل أكبر. فنحن نعيش أطول من أي وقتٍ مضى ونصل إلى أعمار أعلى وفي حالة صحية أفضل ممن سبقونا حيث يبلغ متوسط ​​عمر المرأة الأوروبية ٨٢ عامًا ومتوسط ​​عمر الرجل الأوروبي ٧٨ عامًا، ويعد متوسط عمر الرجل والمراة الأمريكيين مقاربًا لهما.

و تأتي هذه الإحصائيات المملة لتوضح المقصود :

يسهل ملاحظة نسبة السكان المتزايدة لمن تزيد أعمارهم عن عمر ٧٥ بشكل مستمر مما يعني أيضًا أن الجزء المتقلص من العاملين يتولى رعاية عدد أكبر من المتقاعدين.

. . . 

اسْتُخْدِمَ التقاعد بشكل جيد في الماضي ولكنه لم يعد ينفع.

عندما قُدِّم برنامج التقاعد لمن يبلغون ٦٥ عامًا كان الشخص العادي لا يصل أبدًا إلى سن التقاعد ولذلك كان نظام يسهل المحافظة عليه.

ولكن الزمن اختلف، فهذا النظام الذي أدى جيدًا في الماضي لن ينجح عندما يصل معظمنا إلى سن التقاعد.

التضخم هو عدوك .

أعيش في سويسرا ولكن أصولي نمساوية، حيث يبلغ متوسط معاش الشخص الواحد شهريًا ١٢٠٠ يورو هناك أي حوالي ١٣٣٠ دولار في وقت كتابة هذا المقال كمرجع.

وبحلول الوقت الذي أصل فيه إلى سن التقاعد، سيكون التضخم قد أكل نصف القوة الشرائية لهذه الـ ١٢٠٠ يورو.

وهذه ليست حقيقة مؤكدة، فمتوسط ​​التضخم ربما يكون أعلى من المعدل الرسمي البالغ ٢٪.

مما يعني أن السبب يعتمد على ما يمكن أن يشتريه المال في ذلك الوقت، سيكون الأمر كما لو كان علي العيش على ٦٠٠ يورو / ٦٦٥ دولارًا في الشهر؛ لذا سيكون الحفاظ على نفس مستوى المعيشة بكل بساطة مستحيلًا.

 ولنتعمق في هذه الفكرة أكثر، إذا كان هناك المزيد من المتقاعدين، فسيكون هنالك أموالًا أقل للشخص الواحد. وربما لن تحصل على ما يعادل ٦٠٠ يورو أي حوالي ٤٠٠ يورو في ذلك الحين و هذا هو متوسط ​​إيجار شقة تبلغ مساحتها ثلاثين مترًا مربعًا في المدينة التي ولدت فيها ولا يتبقى أي مال لشراء طعام أو ملابس أو أي شيء آخر.

وتزداد الأمور سوءًا عندما تملك منزلًا أو سيارة أو أي شيء قد يزيد من مصاريفك الشهرية بشكل أساسي، حيث تحتاج السيارة والمنزل إلى صيانة وغيره.

أوه، وفيما يخص الطعام … نعم، فعندما لا يتوفر لديك شيء لتأكله من وقتٍ لآخر فهذا ليس أسوأ شيء في العالم.

لذا إذا كنا نعزم العيش على تقاعد دولتنا، فإننا هالكون ولكن هذا ما يفعله الغالبية.

٦٩ بالمئة من الأميركيين كان لديهم أقل من ١٠٠٠ دولار في حساب التوفير الخاص بهم في عام ٢٠١٦ وهذا أكثر من الثلثين. هل يبدو الوضع سيئًا؟ لنتعمق أكثر في هذا: كان الأمريكي العادي مديون بحوالي ٣٨٠٠٠ دولار مستثنيًا بذلك الرهون العقارية للمنزل في عام ٢٠١٨.

هل ما زلت تعتقد أن شخصًا ما سيدفع لك المال للتقاعد وسيكون بمقدورك المحافظة على مستوى معيشتك؟

. . .

يجب أن نتخلص مما تعلمناه.

من السهل أن نظن أن التقاعد هو الملاذ الآمن الذي وصلنا إليه في نهاية حياتنا العملية. فقد أفاد أجدادنا الذين تقاعدوا بالفعل.

وهناك احتمالية أن مبلغ المال الذي يحصلون عليه، يمكنهم من البقاء بخير حال.

حيثُ نراهم في وضعٍ جيد ونعتقد أن الدولة ستعتني بنا بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع كبارنا الآن.

لكنها لن تفعل ذلك. لأنه لا يمكنها.

فماذا يمكننا أن نفعل؟

علينا نسيانُ ما تعلمناه من آبائنا وأجدادنا حول كيفية هيكلة الحياة.

الحياة ليست هذا الخط المستقيم الذي كانت عليه في الماضي، فعندما حصل أجدادنا على وظيفة كان ذلك من أجل لقمة العيش، فيمكنك التوقف عند التقاعد أو عند الموت. بينما من المرجح في الوقت الحاضر أن يكون لديك العديد من الوظائف في عدة مهن مختلفة وربما في عدة مجالات.

وتتغير الحياة بشكلٍ مستمر ولهذا علينا مواكبة التغيير إذا كنا لا نريد أن نصبح في طي النسيان مما يعني أيضًا أنه يجب علينا التوقف عن الاعتماد على نظام عمل صُمِّمَّ قبل مائة عام.

لقد تغير الاقتصاد والطب والعديد من المهن بشكل كبير في القرن الماضي، والتقاعد أمره لا يختلف.

. . . 

إعادة النظر في التقاعد.

«كثيرٌ من الحقائق التي نتشبث بها تعتمد على وجهة نظرنا». – يودا

بالنسبة لآبائنا وأجدادنا فحقيقة أنهم كانوا يتقاعدون دون العديد من الأفكار التي تهدد وجودهم صحيحة.

وبالنسبة لنا يمكننا التمسك بهذه الحقيقة والعيش على أمل أن شخصًا ما سوف يكتشف شيئًا ما، أو يمكننا بكل بساطة تغيير وجهة نظرنا وإعادة النظر في مفهوم التقاعد.

فإذا كنت أملك حديقة وأريد مكانًا مظللًا لآخذ فيه قيلولة، فلن أزرع شجرة فقط وانتظر عقودًا حتى تنمو بما فيه الكفاية، ولكن سأقوم بزراعة عددٍ قليل منها عوضًا عن ذلك.

وهذه هي الطريقة التي يجب أن نتقاعد بها في القرن الحادي والعشرين.

لماذا يجب أن ننتظر حتى نبلغ من العمر ٦٥ لنبدأ في فعل ما نستمتع به حقًا؟ لماذا لا نستطيع تقسيم التقاعد إلى أجزاء أصغر ونتقاعد عدة مرات (خلال) حياتنا العملية؟

نحن نركض في تلك الأسابيع القليلة من العطلة كل عام، ونعمل على تأجيل السفر حول العالم حتى نمتلك «الوقت الكافي».

ولكن وقت كلّ شيءٍ هو ما نكرسه له، فلا توجد قوة خارجية تخبرك متى يمكنك أو لا يمكنك فعل شيء ما فالأمر كله متروكٌ للتخطيط وعملية صنع القرار. ويحدث التخطيط في عقولنا وليس في مكانٍ آخر.

ولهذا المفهوم كثيرٌ من الفوائد:

  • سيكون عملك أكثر إنتاجية عندما تعود من التقاعد الجزئي.
  • يمكنك تحقيق أهداف مدخراتك وتنفق أموالك على الأشياء التي تهمك فعلا بدلًا من شراء أشياء لا تحتاجها.
  • ستتمكن من فعل الأشياء التي تريدها مبكرًا.
  • والأهم من ذلك:
    عليك أن تفعل كل الأشياء التي ترغب بالقيام بها .
    علينا أن نواجه حقيقة أن البعض منا لن يعيش ليصل إلى عمر٦٦ سنة. إذا أخرت فعل ما ترغب به دائمًا لتقوم به حين التقاعد، ولم تصل إلى هناك على الإطلاق… حسنًا … سيفوتك ذلك. وليس هناك ما هو أسوأ في الحياة، من فقدان الحياة التي تسمو إليها.

. . . 

تخطيط وتنفيذ.

فكر فيما تريد القيام به عندما تتقاعد وخطط الآن لتنفيذه في العام المقبل. و إذا كنت بحاجة إلى مزيد من الوقت للتحضير أو مزيد من المال، فخطط له العام الذي يليه، ولكن لا تؤجله لبعد ١٠ أو ٢٠ أو ٣٠ سنة.

يقضي الكثير من الناس حياتهم يعملون ويعملون، وعندما يصلون أخيرًا إلى سن التقاعد، يفاجؤون بكمية الوقت التي حصلوا عليها فجأةً ولا يعرفون ماذا يفعلون بها.

حيث يعد الملل واحدًا من أكثر القوى المدمرة لصحتنا ولهذا السبب يمرض الكثير من الناس بعد فترة وجيزة من التقاعد، فعملهم كان المغزى الوحيد لحياتهم. والآن بعد أن ذهب هذا المغزى بشكل مفاجئ، صاروا في هذه الحلقة المفرغة من انعدام الأهمية ولم يعد لديهم ما يعطي معنى لوجودهم ولذلك تمرض أجسادهم.

خطط مُسبقًا ولا تعتقد أن الدولة ستعتني بك لأنها لا تستطيع ذلك. ولذلك استثمر أموالك بحكمة حتى يكون لديك بعض الدخل عندما تتقدم في السن. اشترِ الأسهم التي تدر عليك الأرباح أو الشقق التي يمكن تأجيرها. أنفق المال الذي تجنيه على الأشياء التي تُدِر دخلًا أكبر لك ولا تنفقه على الأشياء التي لا تحتاج إليها، لإن الأشياء التي لا تحتاج إليها ستزيد نفقاتك أكثر .

يمكن لكل دولار أو يورو أو فرانك سويسري تملكه أن يكون إما صديقًا أو عدوًا لك، وهذا يتوقف على طريقة إنفاقك.

لذا امضِ بحكمة وتمتع بحياتك ولا تنتظر حتى تتقدم في السن وتصبح مريضًا لتتأمل الأشياء التي لم تجرؤ على القيام بها.

 

المصدر

 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *