كنت أتداعى

ترجمة بتصرّف لمقال: (I Was Dilapidated by Mary-Kay Wilmers)

الترجمة: يحيى الشريف 

التدقيق: رهف الفرج 

المراجعة: أسامة خان

«ماذا أنجبت؟»

«صبي».

«تهانينا».

إذا كان طفلك الأول فتاة قيل لي أن الناس يقولون: «كم هي رائعة!، كم هي رائعة!» بالطبع طفلي رائع ولكنني أيضًا -بِحَرَجْ- فخورة إلى حدٍ مَّا أنه صبيّ. تكتنف الولادةَ أخطارٌ غير متوقعة، حيث تهيمن رغبة تلقّي التبريكات على التفكير السليم. لم أجد فكرة (الزوجة الجيدة) المعتادة مغريةً، ولكن الضغط الموجود لأكون «أُمًا جيدة» وفقًا للتعاريف، لا يمكن مقاومته عمليًّا. بإمكاني إشغال نفسي بتحذير ديفيد هولبروك (David Holbrook)* في ثورته الأخيرة ضد «الفن، والاعتقاد والحياة في أوقاتنا»، أن الفشل في الأمومة قد يُنتج مفكرين وآخرين منحرفين: ليس من السهل سُلُوكُ مسارٍ واضِح عبر قيود المحللين النفسيين المتنوِّعة. والأسوء من ذلك أنهُ لا يكفي محاولةُ التصرف كأمٍ جيدة، لأن ذلك يتطلب إرادة؛ لابّد للطيبة أن تنبعث من نفسها. عليكِ قبل بولبي** أن تُبقي أطفالكِ نظيفين وأن تكوني قدوةً أخلاقيةً جيدة. ويعتقد أن الأنانية المألوفة تُطرَد في لحظة الولادة أو قبلها: إنها الأنانية، سيقول لك الأطباء المحتشدين حولك: إذا لم تستطيعي الولادة دون تدخل جراحي، فالأمهات الجيدات لسن بحاجتهِ.

إن الأمر منطقي بصورة كافية . بما أن إنجاب الأطفال مسألة اختيارية أو كما يقول البعض انه انغماس ذاتي متعمد، هناك التزام واضح بفِعل أفضل ما يمكن لهم. ما يُقلقني أن الاِستشهاد بالمنطق نادر جدًا: فالطبيعية والعفوية كلمتان تأتيان دومًا معًا. إلا أنهما نادرًا ما تؤخذان بالحسبان، فتشعر إحداهن بالغضب عندما يُرغي الرضيع ليَرضع، رغم رغبتها في إرضاعه لو هدأ. ومن ناحية أخرى، وجدت قليلًا من المواساة بمعرفتي أنه إذا تصرفت بطبيعتي وضربت طفلي، قد يحكم علي القانون بنقص المسؤولية ولن أُسجن؛ حتى إذا كنت أفضِّل السجن. ولكن لماذا تُعد «الطبيعة» مرادفًا لـ«الجيد»؟

أتقبل أن تقريبًا كل ما سأقوله سينسب إلى الذهان النفاسي مع شرط أن الذهان يشتق من السلوكيات الحالية. ووفقًا إلى مجلة المجتمع الجديد (New Society) قيام الأب بتغيير حفاضة طفله أمر نادر، حتى يبلغ الأطفال عمرًا يمكنهم من التفاهم.

فالملاحظات الوحيدة التي يحصلون عليها الآباء هي ملاحظات جيدة. أحب تغيير حفاظات ابني -إنه لغباء من فرويد بعدم إلقاء الضوء أكثر على جزئية جوكاستا *** في العلاقة-. لكنني أتساءل في بعض الأحيان عن سبب اعتقادي بأن لديّ قدرة على البذاءة. يسألونني الناس بشغف إذا كنت أستمتع بإرضاعه، عن نفسي: لم أستمتع.

كانت الأسابيع الأولى من الرضاعة عادة مهينة جدًا (لم أشعر قط بالتعاطف مع مخاوف الرجال من الضعف الجنسي)، لا سيّما عندما كانت الإهانة تتكرر كل ثلاث ساعات. الآن أنا فخورة بكوني مكتفية ذاتيًا -فأنا المزارع، و تاجر الجملة، والمطعم، والنادل- ولكن مبدئيًا شعرتُ كما لو كنتُ مثبتة على حزام ناقل أخدم طفلًا مهووسًا بنفسه ومنعزلًا. متلهفةً لحشو فمي بدأت بالتدخين، بينما صديقتي بدأت بقضم أظافرها.

لقد قرأت مقالات كثيرة عن حزن الأمهات عندما يصل أبنائهن سن البلوغ و يغادرون المنزل، ولكن أن استاء من خروجه من الرحم ذلك أمرٌ مبالغ فيه، ومع ذلك، كان هو كل حياتي من قبل والآن أصبحت سجينته. لم أستطع النوم دون إذنه وكنت أكل من أجله وأشعرُ بالذنب إذا تناولت الأسبرين، وإذا تأخرت في العودة إلى المنزل فكأني منعته اعتباطًا من وسيلة بقاءه على الحياة. وإذا شعرتُ بالقلق قل غذاؤه وإذا قل غذاؤه شعرتُ بالقلق. وبالإضافة إلى ذلك، كان هو موضع الإعجاب فيما كنت أنا أتداعى. تتضمن كتُيبات تربية الطفل على قسم يتحدث عن أهمية دور الأم في إشعار الأب بأن لديه علاقة مع طفله أيضًا، ولكن مضت ستة أسابيع قبل شعوري بأن لدي علاقة مع الطفل. كان زوجي مشرفًا، ذلك المنصب منحه متعة قضاء الوقت مع الطفل. ذكرني ذلك بقصيدة الشاعر فيليب لاركن «صبي، من أجل دوكري» (For Dockery a son) مع ذكريات غير متسامحة.

باختصار، لم أشعر بالإكتئاب لأنني لم أتأقلم، كما قيل في الكتب: مالم تكن الأمور سيئة جدًا، بإمكانك أن تصّر أسنانك وتتأقلم، شعرتُ بالإكتئاب لأنه بدلًا من تدفق طيبة الأمومة في داخلي تدفقت في داخلي مشاعر جديدة كلها سيئة. على الأرجح أن أطباء الأطفال يؤمنون في قوة التفكير الإيجابي: لطالما وجدته مؤذيًا. قد تبدو علاقة الأم بطفلها سحرية ولكنها مثل معظم العلاقات الآخرى تتطلب اثنان لنجاح العلاقة، حالما يبدأ الطفل بالاستمتاع بالرضاعة، ويستجيب إلى المواقف بطريقة تستطيع أن تفهمها و يبتسم كثيرًا ويلعب و«يتحدث» ويشاهد؛ حينها يساورك ذلك الشعور بالوهج الدافئ. في السابق كنت مسؤولًاعن نفسك فقط، ومن غير الطبيعي أن تتغير شخصيتك فجأة.

شاركت ماري-كاي ويلمرز في تأسيس مجلة the London Review of Books عام ١٩٧٩ م، وتعتبر محررها الوحيد منذ ١٩٩٢م. بعدما أمضت ويلمرز طفولتها في الولايات المتحدة، وبلجيكا، وإنجلترا، ذهبت إلى أوكسفورد (Oxford) لدراسة الفرنسية والروسية. خططت مبدئيًا كمترجمة فورية، وجدت بدلًا عن ذلك العمل كسكرتيرة في Faber & Faber in the time of T. S. Eliot، ثم انتقلت إلى The Listener and the Times Literary Supplement, and contributed to the New Statesman, قبل المشاركة في تأسيس the LRB. قامت بتأليف كتاب The Eitingons: A Twentieth-Century Family، يحكي عن حياتها وحياة أسرتها و حربهم الباردة وأفعالهم وآثامهم، والتي وصفتها صحيفة التلغراف بـ «كتاب مشوق يشدك إلى قراءته».

مقتطفات من مقالات؛ العلاقات الإنسانية والصعوبات الأخرى لـ ماري- كاي ويلمرز. نشرت بواسطة (Farrar, Straus and Giroux).

جميع الحقوق محفوظة. ٢٠١٨ ماري- كاي ويلمرز. نُشرَ الأصل في The Listener في ٤ مايو، ١٩٧٢م.

* ديفيد هولبروك شاعر وأكاديمي بريطاني، «الفن، والاعتقاد والحياة في أوقاتنا» ضمن عنوان كتابه النقدي Sex and Dehumanization

** جون بولبي (بالإنجليزية: John Bowlby) طبيب ومحلل نفسي بريطاني عاش بين عامي ١٩٠٧م-١٩٩٠م. مهتم بنمو الأطفال على وجه التحديد.

*** جوكاستا: كانت ملكة إغريقية وزوجة وأمّ لـ(إِيْدِبِس) من لَايُوْس -استخدم فرويد الاسم وسمّى (عقدة إِيْدِبِسْ): عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويغير عليها من أبيه فيكرهه)

 

المصدر

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *