وسائل الاكتئاب في متناول الفتيات

الترجمة: مها الشمري
التدقيق: هديل بنت مساعد
المراجعة: أسامة خان.
أشارت الأبحاث أن الرابط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأعراض الاكتئاب كانت أقوى بالنسبة للفتيات مقارنةً بالأولاد.
وجدت الدراسة أن الفتيات أكثر عرضة لظهور علامات الاكتئاب المرتبطة بتفاعلهن مع برامج التواصل الاجتماعي مثل: انستقرام، والواتساب، والفيسبوك. الصورة: صورة آلامي ستوك Alamy Stock
كشفت دراسة جديدة أن معدل الاكتئاب أعلى لدى الفتيات مقارنة بالأولاد، حيث يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوقت الطويل الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يُعد التنمر وقلّة النوم سببين رئيسيين في سوء أمزجتهن، وأن ما يصل إلى ثلاثة أرباع الفتيات في عمر ١٤ عام اللواتي يعانين من الاكتئاب يقل لديهن احترام الذات، ولا يشعرن بالرضا عن مظهرهن الخارجي وينامون لمدة سبع ساعات أو أقل.
وقالت البروفيسورة إيفون كيلي (Yvonne Kelly) من كلية لندن الجامعية المسؤولة عن هذه الدراسة «يبدو أن الفتيات يعانين بهذه الجوانب من حياتهن أكثر من الأولاد».
وأدت النتائج إلى تجدد المخاوف بشأن الأدلة المتراكمة بسرعة والتي تشير إلى أن العديد من الفتيات والشابات يبدو عليهن مجموعة من مشاكل الصحة النفسية أكثر من الأولاد والشباب، وعن الضرر الذي يمكن أن يسببه ذلك من إيذاء النفس والأفكار الانتحارية، وتستند هذه الدراسة إلى مقابلات مع ما يقارب ١١,٠٠٠ طفل في الرابعة عشر من عمرهم يشاركون في دراسة ميلينيوم كوهورت Millennium Cohort وهو مشروع بحثي كبير يدرس حياة الأطفال. ووجدت الدراسة أن الكثير من الفتيات يقضين وقت أطول بكثير من الأولاد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهن أكثر عرضة لظهور علامات الاكتئاب المرتبطة بتفاعلهن على البرامج مثل: انستقرام، والواتساب، والفيسبوك.
حوالي ٤٠% من الفتيات اللاتي يقضين في اليوم الواحد اكثر من خمس ساعات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر عليهن أعراض الاكتئاب
فتيات مصابات بالاكتئاب
أولاد مصابون بالاكتئاب
وأيضًا وجدت الدراسة أن فتاتين من بين كل خمس فتيات على وسائل التواصل الاجتماعي يقضين في اليوم ثلاث ساعات على الأقل مقارنةً بخمس أقرانهن من الذكور، في حين أن واحد من كل ١٠ أولاد لا يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق إلّا أن ٤% فقط من الفتيات قلن نفس الشيء.
وذكرت البروفيسورة كيلي «أن الارتباط بين وسائل التواصل الاجتماعي وأعراض الاكتئاب أقوى لدى الفتيات مقارنة بالأولاد، حيث أنه بالنسبة للفتيات فإن زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تتوافق مع الزيادة التدريجية في أعراض الاكتئاب» وعلى سبيل المثال: ٧.٥% من الفتيات في الرابعة عشر من عمرهن و٤.٣% من الأولاد في الرابعة عشر من عمرهم قد وقعوا ضحية للتحرش عبر الانترنت، وأن ٣٥.٦% من الفتيات المصابات بالاكتئاب قد عانين من ذلك، أي ضعف نسبة ١٧.٤% من الأولاد الذين فعلوا ذلك. فيما بين المراهقين الذين ارتكبوا التنمر على الإنترنت فإن ٣٢.٨% من الفتيات و٧.٩% من الأولاد كانوا يعانون من الاكتئاب.
كما لاحظ فريق البروفيسورة كيلي هذا النمط من الاختلافات الجليّة بين الجنسين عندما سُئِل الشباب بشأن الجوانب الرئيسة الأخرى لمشاعرهم وسلوكهم.
وترتبط وسائل التواصل الاجتماعي ارتباطًا وثيقًا بعادات النوم السيئة، خصوصًا بين الأطفال الذين يبلغون من العمر ١٤ عامًا والذين تظهر عليهم علامات الاكتئاب فقد ذكر نصف الفتيات وربع الأولاد المصابون بالاكتئاب إنهم يعانون من اضطراب النوم في معظم الأحيان، كما أن ما نسبته ٤٨.٤% من الفتيات و١٩.٨% من الأولاد أصحاب الأمزجة السيئة ينامون أقل من سبع ساعات يوميًا، في حين ذكرت ٥.٤% من الفتيات و٢.٧% من الأولاد عمومًا ينامون لمدة سبع ساعات أو أقل يوميًا.
وذكر القائمون على الدراسة أن اضطراب النوم يرجع إلى أن الشباب يسهرون لوقتٍ متأخر لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستيقاظهم بسبب التنبيهات القادمة إلى هواتفهم بجانب أسرّتهم.
وتصعب الإجابة على سؤال هل قلّة الأصدقاء وعدم الرضا عن المظهر لدى الأطفال هي السبب في إفراطهم في استخدام مواقع التواصل الإجتماعي، أم أن الإفراط في استخدام هذه المواقع هو السبب في عدم الرضا عن الذات والانعزال؟ إضافة إلى ذلك، ذكر البروفيسور ستيفن سكوت (Stephen Scott) -مدير الأكاديمية الوطنية لأبحاث الأمومة والأبوة في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في جامعة كينجز كوليدج في لندن- أنه من المرجح أن يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى ضعف الصحة النفسية والثقة بالنفس وقال البروفيسور سايمون ويسلي (Simon Wessely) -الرئيس السابق للكلية الملكية للأطباء النفسيين-: أن الباحثين لايزالون غير قادرين على القول بأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تسبب سوء الصحة النفسية رغم أن الدليل بدأ يشير إلى هذا الاتجاه.
معظم الفتيات المصابات بالاكتئاب غير راضيات عن مظهرهن وضعف عدد الأولاد غير الراضين عن أوزانهم
دعا وزراء الحكومة وسيمون ستيفنز (Simon Stevens) -الرئيس التنفيذي لشركة (NHS -(England شركات التواصل الاجتماعي الى بذل المزيد من الجهد للحد من الوقت الذي يقضيه الشباب في استخدام برامجهم، واقترح ستيفنز فرض الضرائب على الشركات لمساعدة هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) على تغطية تكاليف علاج الأعداد المتزايدة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ١٨ سنة والذين يعانون من مشاكل صحية مثل: القلق، والاكتئاب، واضطرابات الأكل، والذهان، الأمر الذي جعلته تيريزا ماي (Theresa Ma) أولوية جدية.
كما حذّرت آن لونغفيلد (Anne Longfield) مفوضة الأطفال في إنجلترا، من أن بعض الأطفال في سن التاسعة قد صاروا مدمنين على «الإعجابات» كشكل من أشكال التحقق الاجتماعي الذي يجعلهم سعداء، ومواكبة المظاهر جعلت العديد منهم قلقين بشكل كبير بشأن صورهم على الإنترنت، وأضافت أن استخدامهم للبرامج مثل: انستقرام وسناب تشات تمنحهم شعورًا بعدم أهميتهم مقارنةً بمن يتابعون على هذه المنصات.
وقالت باربارا كيلي (Barbara Keeley) وزيرة الصحة النفسية: أن شركات التواصل الاجتماعي يجب أن تُجبر على رعاية وحماية الشباب المستخدمين.
ولكن الدكتورة نيهارا كراوزه (Nihara Krause) وهي استشارية نفسية متخصصة في الصحة النفسية للمراهقين، حذّرت من إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الارتفاع الكبير الذي حدث مؤخرًا في اعتلال الصحة النفسية بين الأطفال دون سن ١٨ عامًا، وقالت: إن الاكتئاب وكافة حالات الصحة النفسية تنشأ نتيجة لمجموعة من العوامل المعقدة وعادةً ما تكون مزيجًا بيولوجيًا ونفسيًا واجتماعيًا.
وقال متحدث باسم (NHS England): أضافت هذه النتائج إلى سابقها من الأدلة الكثيرة والتي توضح مخاوفنا الجادة حول أضرار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للشباب، ويجب على الجميع البدء في تحمل المسؤولية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة لمساعدة الشباب على التطوير والحفاظ على الصحة العقلية الجيدة بدلًا من ترك المشاكل تتراكم لتصل لدرجة حاجتهم إلى مساعدة متخصصة من خدمات الصحة الوطنية.
«لقد أثّرَت على الطريقة التي نظرت فيها إلى جسدي» هكذا عبّرت شانون ماكلولين (Shannon McLaughlin) البالغة من العمر ١٨ عام، من بلدة بلاكبيرن كيف أضرت وسائل التواصل الإجتماعي بصحتها النفسية.
«منذ أن شخصني الطبيب في بداية سن المراهقة بالاكتئاب والقلق وأنا أعلم بأن صحتي النفسية تأثرت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، والحقيقة المرّة هي أن معظم الناس على وسائل التواصل الاجتماعي يشاركون الجانب الإيجابي فقط دون إظهار الجانب السلبي، ولقد أثّر هذا عليّ عندما كنت أعاني من صحتي النفسية حيث أني كنت باستمرار أتصفح الفيسبوك والانستقرام، رؤية أن الجميع كانوا سعداء ويستمتعون بالحياة جعلني أشعر بشعورٍ سيء للغاية، في الواقع جعلني أشعر وكأني أقوم بشيءٍ خاطئ، لماذا كان شعوري مختلفًا جدًا عن الآخرين؟ لم يؤثر فقط على شعوري على نفسي من الناحية النفسية فقط ولكن أيضًا جسديًا، كنت أقارن نفسي باستمرار مع نساء يمتلكن أجسادًا نحيفة بطرق غير طبيعية ويتم الإشادة بهن باستمرار، وقد أثّر ذلك في نظرتي لجسدي حتى بالرغم من أن مقاسي ١٠، ولم يتفاقم هذا الوضع إلا من خلال كثرة الأنظمة الغذائية وثقافة الجسد النحيف التي يروّج لها «المؤثرون» الذين يتم بث مشاركاتهم إلى آلاف الأشخاص يوميًا».
وكوسيلةٍ للتخلص من ذلك التحقت ماكلولين (McLaughlin) بمنظمة خدمة المواطن التطوعية، وعملت على مساعدة المكفوفين والعمل على برامج لتحسين أوضاعهم في ألمانيا والمملكة المتحدة، وأضافت: «عندما كنت أبلغ من العمر ١٦ عام، قررت أن أقضي الوقت مع أصدقاءٍ جدد وأشخاصٍ يشعرونني بالإيجابية في الحياة الواقعية، وحينها قررت الذهاب إلى منظمة خدمة المواطن الوطني (NCS)، وكانت هذه نقطة التحول في حياتي، بدأت بالتواصل مع الأشخاص على أرض الواقع بدلًا من الاختباء خلف الرسائل النصية أو خلف مشاركة سعيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه من السهل نسيان أهمية التواصل الحقيقي عندما يكون لدينا مئات الأشخاص الذين نحاول إقناعهم بتصرفاتنا، أعتقد أنه من المهم أن يرفع الشباب رؤوسهم عن هواتفهم وأن يبدؤوا بالتركيز أكثر على العالم من حولهم، وعلى التواصل الرائع الذي يمكنهم القيام به هناك».
أحدث التعليقات