كيف تغيّر التعلّم الذاتي من المنتديات وحتى الاكاديميات؟
كتابة: راكان الشمري
مراجعة: فريق عُلّمنا
من أعجب الشخصيات التي مرت عليّ في مدينتي الصغيرة، والتي كانت بالكاد تحتفي بأساسيات المعيشة في التسعينات وما قبلها، هم الذين كانوا مثقفين ثقافة كتب وتعلم حقيقي في بيئة لا توفّر لهم ما يكفي ولا ما يحتفي بموارد الثقافة، ومنابع الفكر.
إن شخصيةً اهتمت بـ (التعلّم الذاتيّ) في زمن لا يحتفي بهذا المصطلح ولا معناه، لهي شخصيةٌ مُلهمة، حتى وإن اختفت بين زحام زماننا الحافل بهذه النماذج نتيجة ما نعيشه من تطور التقنيات، وسهولة الوصول للمعلومة، بل ويسرُ عرضها بشكل مُنظم، وانتشار الإنترنت، حتى رأينا معلمًا يدرّس طلابه في جبال تهامة، وطالبًا يستمع لدروسه وهو في فياض وسهول الشمال، بين عشب الربيع ومراعي الضأن.
كيف ساعدت المنتديات على انتشار الوعي!
كنت أقول قديمًا عن المنتديات، أنها ورشات عمل نقلت العقل العربي من حالٍ إلى حال، لم أكن أعرف شيئًا عن مصطلح التعلّم الذاتي، ولكن كان ذلك تعليمًا ذاتيًا، إن الجيل الفتيّ في مجتمعي قبل انتشار الانترنت في عام 2000م مختلف عن الجيل الفتي عام 2004م.
رأينا نقلةً عظيمة قامت بها أدواتٌ بسيطة، رغم قلة السرعات وقتها، وارتفاع سعر الاتصال بشبكة الإنترنت، إلا أن بعض المهارات الأساسية تطورت وأخرى ظهرت من العدم في الجيل مثل: أساسيات التصميم، واكتساب مهارات البحث، ومهارات الحوار التي انتشرت كما لم تنتشر في التاريخ بسبب أجواء المنتديات الحوارية، كانت ورشة عمل (عفوية)، أنتجت الكثير من القيادات اليوم في مجالاتها، بلا مبالغة، فكثير من قصص النجاح اليوم في عالم المال والثقافة والتقنية وغيرها، بدأت من تلك المنتديات المنزوية في كل مدينة وقرية.
الأمر بسيط، لا يوجد فيه تعقيدات الواقع ولا تكاليفه. شبكة، واتصال، وشاشة حاسب، افتح الشاشة، وتضيء لك عالمًا يحتوي قرابة المليارين موقع، وحوالي 4 مليارات إنسان متصل، فيهم دهاة وعباقرة، وفيهم متخصصون في علوم شتى، فهم خبراء، لا تجدهم حولك في حيّك ولا مدينتك، ولا في دراستك الرسمية، إنهم دهاة، من الشرف أن تتواصل معهم، إن تلك الشاشة المضيئة كمصباح سحريّ فيه عدد لا يًحصى من علومٍ، ومعارفٍ، ومفاهيمٍ، واتجاهاتٍ، ومهاراتٍ، إنها جارية في نهرٍ عذب بارد ينتظر من يغرف منه إلى وعائه، إنها -كما يعبر الأسلاف- (صيد)، وكانوا يقولون أن الكتابة (قَيْده)، وفي الحقيقة، مع زماننا الحالي: التعلّم الذاتي (قَيْد) هذه الأمور.
التعلّم الذاتي: السلاح الأول
كل هذا لا يعني شيئًا إذا لم تنظم نفسك منذ البداية، إن السلاح الأول للتعليم الذاتي هو تحديد المصادر والتطبيقات التي ستتعلم منها التخصصات والقدرات التي تميل إليها، وتوفير أدوات تعلمها، من القلم، للبرامج المطلوبة، ومفضلة تحفظ فيها المواقع التي تحتفي بالمهارات المطلوبة في زماننا، وليست لغزًا، فنحن في زمن يحتفي أيما احتفاء بمهارات: كتابة المحتوى، التصميم، البرمجة، التسويق، ريادة الأعمال، العمل الحر، المبيعات، البرامج والتطبيقات.. وغيرها، وحينما أقول إنها مطلوبة في زماننا، أي أنها أهداف ستحقق لك الأمان المالي والوظيفي.
كنا نقول قديمًا أن الطبيب لا يتورط، فكل العالم يطلب مهارته، واليوم صارت العديد من المهارات مشابهة لهذه الميزة، إن العالم جائعٌ ونهمٌ لكتّاب المحتوى، والمصممين، والمبرمجين، والمسوقين.. وغيرهم
كيف غيّرت الأكاديميات التعليمية طريقتنا في التعلّم؟
ثم إن الأمر اليوم أكثر ترتيبًا عمّا كان عليه قبل 15 عام، حيث توفرت منتديات متخصصة، لكن تنظيم المعلومة داخلها لم يكن جيدًا، إن زماننا زمان الأكاديميات والمنصات التعليمية عن بُعد، فإذا أردتُ أن أقرأ أو أدخل دورة في مجال أميل إليه شخصيًا كفنّ وجمال، وهو التصميم، فسأفتح مفضلتي في المتصفح وأجد على سبيل المثال أكاديمية حسوب التعليمية، وسأدخل صفحتها الرئيسية وفيها عدة عناوين واضحة مثل ريادة الأعمال، العمل الحر، التسويق والمبيعات، البرمجة، التصميم وغيرها من المجالات التقنية.
ومن المعلوم أن أحد سلبيات التعلّم الذاتي قديمًا، الشعور بالوحدة، ومن المعلوم كذلك أن التواصل مع المتخصصين والخبراء في مجالاتهم ركيزة من ركائز التعلّم الذاتي، وأعتقد أن وجود وسيلة للتواصل بين الجميع في ذات الأكاديمية التي تتعلم فيها خيرٌ من الأكاديميات والمنصات التي تقدم لك المعلومة بلا نقاش ولا تواصل، فتضطر للبحث عنه في مكان آخر لا يعرف سياقك في التعلم، لذلك أحمدُ لأكاديمية حسوب التعليمية هذه الخدمة، وهي كنزٌ في فكرتها الأساسية والتي تُصنف الأسئلة بذات التصنيفات الأساسية أعلاه، وتدور حول نقاشات المتخصصين، وأجوبتهم الواضحة، واستبيان الجواب، والاستدراك عليه، وهي كذلك كنزٌ في أرشيف الإجابات والأسئلة والتي تكاد تكون عالمًا موازيًا للمواد الأساسية في الموقع، بذات النفع، مع توسع يفرضه طبيعة النشاط.
خير المواقع لكَ ما تُوفِّرُ ركائز التعلّم الذاتي في مكان واحد، فهذا أبعد عن التشتت في التعلم، ومن أعظم مزايا هذه المواقع أنها اختصرت طريق الوسائل والمصادر في مكان واحد، فتضعك أمام نفسك، لترى جديتك في البدء فورًا، بدلًا من الهروب من هذا البدء بالغرق في جمع الوسائل، والتيه في الانترنت، بلا بدء، غارقًا في أحلام اليقظة، كما يصنع كثيرٌ من الناس.. للأسف.
أحدث التعليقات