كيف تفكر بتفرُّد – كيف تنتج أفكارًا أصيلة
الكاتب: بول جراهام.
ترجمة: الهنوف سلمان العصيمي وشهد بن محارب.
تدقيق ومراجعة: ريم ريحان reemrayhan@
المراجعة النهائية: أسامة خان.
هناك بعض الأعمال التي تتطلب منك التفكير خارج الصندوق لإتمامها على أكمل وجه، فعلى سبيل المثال لتصبح عالمًا ناجحًا لا يكفي أن تنشر نظريات علمية مثبتة، بل يجب أن تكون نظرياتك مثبتة وأصيلة لم يسبق لأحد ملاحظتها.
ينطبق ذات الأمر على الاستثمارات فلا يكفي أن يتنبأ المستثمر بمدى نجاح الشركة وذلك لأن طرح المستثمرين الآخرين لذات التنبؤ يؤدي لانخفاض سعر السهم، لذلك يجب أن يكون المستثمر ذو نظرة ثاقبة في السوق ويرى ما لا يراه الآخرون.
هذا هو نهج أصحاب الشركات الناشئة، إذ لا تريد أن تنشئ شركةً بفكرة متفق عليها مسبقًا في السوق بأنها فكرة جيدة أو فكرة مستهلكة من قبل الكثير، لذلك عليك بالقيام بما يراه الآخر فكرة جنونية فاشلة لكنك على دراية بأنها ليست كذلك فمثلًا كتابة برنامج صغير لجهاز حاسوب يستخدمه بعض الهواة أو إنشاء موقع يسمح للمستخدمين باستئجار سرير في بيوت الغرباء.
وينطبق ذات الشيء على كتاب المقالات فمن أجل جذب انتباه القارئ عليك كتابة مقال يطرح فكرة جديدة.
لكن هذه الفكرة لا تعمم، وفي الواقع لا تنطبق على كثير من مجالات العمل، مثلًا من أجل أن تعمل مديرًا كل ما يجب عليك فعله هو فقط أن تكون على حق وليس من الضروري أن يكون الآخرون كلهم مخطئون والصورة النمطية هذه تتكرر في أغلب الأعمال.
هناك دائمًا مجال بسيط للتفرّد في معظم المجالات ولكن إذا جد الجد هناك شعرة بين المجالات التي يعد التفكير المتميز والمتفرد فيها أساسيًا، والمجالات التي لا تتطلب ذلك.
أتمنى لو أخبرني أحدٌ ذلك الفرق في صِغري لأنه من الأمور الضرورية التي يجب أن نفكر فيها عندما نقرر أي مجال نريد العمل فيه، هل لديك رغبة في الحصول على منصب يلمع فيه اسمك من خلال أفكارك المتميزة عن الجميع؟ أظن بأن العقل الباطن لديكم أجاب على ذلك السؤال قبل العقل الواعي وذلك لأن هذا ما حدث لي!
التفكير المتميز خارج الصندوق هو أمر فطري وليست أمر مكتسب ومن أجل ذلك عليك اختيار العمل المناسب لك لتسعد، إذا كنت صاحب فكر متفرّد سيصعب عليك أن تكون مدير عاديًا، وإذا كنت صاحب فكر تقليدي سيصعب عليك تبني أفكار جديدة ويكاد يستحيل عليك أن تقوم بالبحث في أفكار أصيلة.
غالبًا مايخطئ البعض في تصنيف طريقة تفكيرهم فلا يعرف إن كان صاحب فكر متفرّد أم تقليدي، إن أصحاب التفكير التقليدي لا يعترفون بكونهم كذلك ومؤمنين بأنهم أصحاب القرار الأول والأخير بكل مايخص حياتهم ورغم تطابق أفكارهم مع غيرهم إلا أنهم يرونها صدفة! وهنا تكمن المشكلة لأن من يفكر بطريقة مستقلة وفريدة لا يدرك ذلك حتى ينشر أفكاره وتتجلّى الاختلافات. (١)
مع مرور الوقت ووصولهم لسن الرشد يعرف معظم الناس تقريبًا مدى ذكائهم (من باب المفهوم الضيق لقدرتهم على حل المشكلات) وذلك حسب الاختبارات والتقييمات التي أخذوها، للأسف تتجاهل المدارس أصحاب العقول المتفرّدة، والشيء الوحيد الذي يفعلونه هو محاولة إحباطهم وكبتهم، ولذلك لا يوجد أي تقييمات أو اختبارات لقياس مدى أصالة تفكيرنا.
ظاهرة الـ دنينغ كروجر (الانحياز المعرفي) موجودة في بيئة العمل وهي مبالغة أصحاب التفكير التقليدي بأصالة أفكارهم في حين أصحاب التفكير المتفرّد يشكّون إن كانو حقًّا أصيلين في أفكارهم أم لا.
…
هل يمكنك أن تحوّل تفكيرك من تفكير تقليدي إلى تفكير متفرّد بأفكاره؟ أظن أنه يمكنك ذلك، على الرغم من أن هذا الأمر فطري إلى حد كبير ولكن يبدو من الممكن تنميتها أو على الأقل عدم كبتها.
عدم إدراك المعتقدات التقليدية من الأساس هي واحدة من الأساليب الفعالة التي يمارسها معظم المتفرّدين، إذ من الصعب عليك التعلق بشيء تجهله، لذلك من يتبع هذا الأسلوب بلا وعي منه يمتلك تفكير مبتكر والعكس تمامًا بالنسبة لأصحاب التفكير التقليدي حيث أنهم يشعرون بالقلق عندما يجهلون ما يدور بأذهان الآخرين وهذا يدفعهم لبذل جهد أكبر ليعرفوا ذلك.
بيئتك مهمة جدًا لذلك يجب أن تكون على دراية بمن هم حولك، إذا كنت محاطًا بأشخاص ذوي تفكير تقليدي فإنهم سيحدّون من انطلاقك ويقيّدون تعبيرك عن أفكارك لكن عندما تكون محاطًا بأصحاب يفكرون بطريقة متميزة ومتفرّدة فإنك ستلاحظ العكس تمامًا بسبب تعرضك المستمر لأفكار مبتكرة ستفاجئك وتحفّز إبداعك.
أصحاب التفكير المتفرّد ينزعجون عندما يكونوا محاطين بأصحاب التفكير التقليدي وتجدهم يستغلون أي فرصة للانفصال عنهم، وهنا تتضح لنا مشكلة المدارس كونها لا تتيح لهم هذه الفرصة وذلك لأن المدرسة تميل إلى تكوين محيط منغلق يقلل من اعتداد الطلاب بأنفسهم، وهذا يعزز التفكير التقليدي، وللأسف فإن أصحاب التفكير الإبداعي يعتبرون المدرسة فترة سيئة في حياتهم، من المؤكد وجود جوانب إيجابية فيها مثل تعلم ما عليك تجنبه بالمستقبل! فإذا جعلك موقفٌ ما تشعر كما لو أنّك عدت لأيام الدراسة تأكد أن تَخرُج منه بأقرب فرصة. (٢)
تعدّ الشركات الناشئة المقر الذي يجمع كلًا من أصحاب التفكير المتفرّد والتقليدي، ودائمًا ما يكون المؤسسون والموظفون القدامى ذوي عقلية متفرّدة وهذا هو سبب نجاح الشركة، ولكن عدد الأشخاص ذوي التفكير التقليدي في الشركة يفوق عددهم، وكل ما كبرت الشركة ازداد عدد الأشخاص ذوي التفكير التقليدي وهذه أحد المشاكل التي يواجهها مدراء الشركات، إذ من الأشياء الغريبة يجد المؤسسون أنفسهم يتحدثون بطلاقة مع مدراء الشركات الأخرى أكثر من قدرتهم على التحدث مع موظفيهم. (٣)
لا يجب عليك أن تقضي معظم وقتك مع أشخاص ذوي تفكير مُتفرّد يكفي أن تمتلك من شخص إلى شخصين تستطيع التحدث معهم بشكل دوري، وكلما تقابلتم ستجدهم مثلك متحمسين وتواقين للحديث، تعتبر الجامعات مكانًا مناسبًا للقاء أصحاب التفكير المُتفرّد، وذلك لأنها لا تكرر تجربة الإنغلاق التي في المدارس، صحيح أن السواد الأعظم من أصحاب التفكير التقليدي لكن على الأقل أصحاب التفكير المتفرّد متواجدون.
ومن الممكن أيضًا استغلال فترة الجامعة لتكوين مجموعة صغيرة من الأصدقاء ذوي تفكير متفرّد لتقابل أكبر عدد من الأشخاص ذوي التفكير المتفرّد، ونتيجة ذلك سيقل تأثرك ببيئتك ذات التفكير التقليدي وأيضًا ستكون قادرًا على طرح أفكار جديدة باستمرار.
السفر لمناطق جغرافية مختلفة فكرة جيدة للتعرف على أشخاص ذوي تفكير متفرّد، لكن أيضًا من الممكن العثور عليهم بالقرب منك، لكن المقصود ليس السفر بحد ذاته بل البحث عن عقول متميزة في التفكير والإبداع، عندما أقابل شخصًا متبحرًا في علمٍ ما (وإذا عرفت كيف تبحث ستجد الجميع متميزًا بطريقة أو بأخرى) وأحاول أن أتعلم منه خفايا ذلك العلم مما يجهله كثيرٌ من الناس، التحدث مع الغرباء ممتع للغاية حيث يحمل الحديث الكثير من المفاجآت لذلك فأنا أحاورهم من أجل التعلم وليس تضييعًا للوقت.
يمكنك الاستفادة من السفر عبر الأزمنة كما هو السفر عبر الدول، من خلال قراءتك للتاريخ، عند قراءتي للتاريخ فإن هدفي ليس معرفة ما قد حدث فقط بل سبر أغوار عقول من عاشوا في تلك الحقبة الزمنية، كيف عاشوا؟ وكيف بدت لهم الأمور! ذلك ليس سهلًا ولكن النتيجة تستحق كل مجهودٍ أبذله فيها.
يوجد طرق أخرى تعزز من التفكير المتفرّد، على سبيل المثال عندما يطرح شخصٍ فكرة ما توقف واسأل نفسك «هل هذا صحيح؟» لا تقلها بصوتٍ مرتفع، إذ أنني لا أعني أن على الآخرين إثبات كل ما يقولونه لك ولكن عليك أنت أن تَزِنَ كلامهم قبل الاقتناع به.
حاول اعتبارها لوحةَ تركيب، حيث لا تتضح لك صحة الأفكار من خطأها إلا بمرور الوقت لذلك حاول تخمين أيّها صحيح بنفسك، يجب أن تدرك أن الهدف ليس العثور على الأخطاء في كل ما يُقال لك لكن العثور على أفكار جديدة من خلال هذه الأقوال المكررة، استمتع في ذلك لأنها رحلة تبحث فيها عن أصالة الأفكار وليس تصيّد الأخطاء، وستدرك خلال التجربة أن إجابتك بنعم على سؤال «هل هذا صحيح؟» ليس بالسهولة التي توقعتها، ولو استعنت بمخيلتك سيكون بحوزتك الكثير من الطرق لتجد الإجابة.
بشكل عام يجب أن يكون هدفك عدم أخذ الأفكار كحقائق مثبتة بدون دراستها وتمحيصها، ذلك لأن التأثيرات الضمنية تأثيرها أقوى، ولتستطيع ملاحظة تأثيرها راقب كيف يستقي الناس أفكارهم.
ستتمكن من ملاحظة كيفية انتشار الأفكار بين الناس على شكل موجات، خذ كمثال كيفية انتشار الموضة -كونها أحد أوضح الأمثلة- إذ يبدأ بارتداء بعض الناس نوعًا معينًا من القمصان ثم يزداد العدد أكثر فأكثر حتى تجد جميع من حولك يرتدون ذات القميص، قد لا يكون أكبر همك ما ترتديه، لكن هذا يثبت وجود موضة «فكرية» أيضًا، وبالطبع أنت لا تريد أن تكون جزءًا من هذا الطوفان ليس فقط لأنك تريد الحفاظ على أصالة أفكارك، ولكن لأن الأفكار غير التقليدية هي التي تؤدي لأمور مميزة، فلتعثر على أكثر الأمور تميزًا عليك النظر من زاوية مختلفة عن الآخرين. (٤)
…
لتستفيد من النصيحة، انظر في طريقة تفكير ذوي العقول المتفرّدة وأي من الصفات المحددة عليك تطويرها، وبالنسبة لي هناك ثلاث صفات رئيسية: السعي لمعرفة الحقيقة ورفض الانصياع للقوالب الفكرية التقليدية والفضول.
إن السعي تجاه الحقيقة ليس مجرد رفض الأفكار الخاطئة، بل أيضًا التشكيك بصحّة كل شيء، وتحري الدقة في أخذ الأمور كمسلمات، ويندفع معظم الناس لوضع الأشياء في قوالب متطرفة: فيصبح المستبعد غالبًا مستحيلًا أو الممكن مؤكدًا (٥)، وذلك ما يزعج أصحاب العقول المتفرّدة ويرونه أمرًا لا يغتفر كونهم يتقبلون تحليل كل الأفكار ووضع فرضيات لجميع الأمور، ولكن من المهم لهم أيضًا تحرّي الدقة في تصديق أي شيء. (٦)
وعليه فإن أصحاب التفكير المتفرّد ترعبهم فكرة المعتقدات الجمعية وذلك كونها تتطلب تقبل أكثر من فكرة في آن واحد ومعاملتها على أنها مسلمات لا شك فيها، وهذا هو سبب شعور الأشخاص ذوي التفكير المتفرّد بالنفور منها تمامًا مثل نفور شخص لديه حساسية من الطعام من أكل شطيرة مليئة بمكونات لا يعرف لها فصلًا ولا أصلًا.
تحري الدقة في البحث عن الحقيقة هو صلب التفكير المبدع، إذ لا يكفي رفض الانصياع لقوالب التفكير التقليدية، ويميل بعض الأشخاص الذي يرفضون الأفكار التقليدية باستبدالها بنظريات المؤامرة العشوائية، إذ وُجدت نظريات المؤامرة لتقنع أمثالهم، وبالتالي يصبحون أقل استقلالية في تفكيرهم من الأشخاص ذوي التفكير التقليدي، لأنهم انتهوا تابعين لفكرة أكثر سطوة من قوالب الفكر التقليدي. (٧)
هل يمكنك أن تكون أكثر سعيًّا في معرفة الحقيقة؟ من واقع خبرتي نعم! مجرد التفكير بمدى صحة فكرةٍ ما يجعل فضولك لمعرفة الحقيقة يزداد، وهذه أحد الصفات التي تجعل الفضول يتعزز فينا تقريبًا بدون سعي منّا، ولكنها كإتقان أي أمر ما، يمكننا تعزيزها قصدًا في أطفالنا، إذ اكتسبتها أنا بفضل والدي. (٨ )
إن الصفة الثانية للعقلية المتفرّدة هي رفض الانصياع للقوالب الفكرية وهو أكثر الصفاتِ وضوحًا، رغم ذلك يساء فهمها غالبًا وأكبر فكرة مغلوطة عنها أنها صفة سلبية، وهذا بسبب اللغة التي نستخدمها على سبيل المثال «أنت لست تقليديًا» و« أنت لا تهتم بما يعتقده الآخرون عنك»، ولكن هذه الصفة ليست فقط مضادة للأفكار التقليدية، بل يعتبرها الأشخاص ذوي التفكير المتفرّد قوة إيجابية، إذ أنهّا ليست مجرد تشكيكًا في الأفكار، بل متعة مستمرة في هدم القوالب التقليدية.
بدت أكثر الأفكار أصالة وإبداعًا مزحةً سخيفة في بداياتها، فكّر كم مرة ضحكت على فكرة جديدة مختلفة، لا أظن أن السبب هو طرافة الأفكار الأصيلة، ولكن لأن الأفكار الأصيلة والنكت كلاهما يفاجئك، وبالرغم من اختلاف الصفتين إلا أنه هناك ترابطًا واضحًا بينهما، إذ من يملك حسًا فكاهيًا يكون عادة صاحب تفكير فريد، وأصحاب التفكير التقليدي غالبًا جديين. (٩)
لا أعتقد أن بإمكاننا تغيير قابليتنا لرفض القوالب التقليدية للأفكار، إذ أنها أكثر صفة تأتي بشكل فطري للشخص، وعادة يبدأ ظهور هذه الصفات منذ الطفولة، لكن مازال بإمكاننا اكتسابها بإحاطة أنفسنا بأشخاص آخرين ذوي فكر متفرّد.
الفضول وهو الصفة الثالث في صاحب التفكير المتفرّد وأكثرهم إمتاعًا، وللإجابة على سؤال «من أين تأتي الأفكار الأصيلة؟» فالجواب هو من الفضول، كونها الصفة التي تعزز إيجاد هذه الأفكار.
من خلال خبرتي فإن كلًا من العقل المتفرد والفضول يكملان بعضهما بعضًا، كل الذين أعرفهم من أصحاب التفكير المستقل فضوليين جدًا، أما أصحاب التفكير التقليدي فلا، باستثناء الأطفال كونهم جميعًا فضوليين، ربما السبب أنه حتى لو كبرت لتتبنى الفكر التقليدي، عليك أن تكون فضوليًا لتعرف ما هو الفكر التقليدي بدايةً، أما أصحاب التفكير المتفرّد فهم كالمصابين بنهم الأكل إذ يستمرون بفضولهم حتى بعد الشبع. (١٠)
تعمل الصفات الثلاث للتفكير المستقل بتناغم معًا إذ أن السعي لمعرفة الحقيقة ورفض قوالب التفكير التقليدية يفسحان مساحة في عقلك ويأتي الفضول بدوره لملء هذه المساحة بأفكار أصيلة.
تعوّض الصفات الثلاثة بشكل مثير للاهتمام عن غياب أحدها الآخر كما هو الحال في عمل عضلاتك، وإن كنت تسعى بشدّة لمعرفة الحقيقة حينها لن تحتاج بأن تقاوم قوالب التفكير التقليدية، لأن سعيك وحده سيخلق فجوات في معرفتك سترغب بملئها، كما يمكن لأي من الصفتين الأوليتين التعويض عن الفضول لأنك حين تخلق مساحة بدماغك سينتج عن ذلك شعورك بالانزعاج من هذا الفراغ وبذلك سيزيد مستوى الفضول لديك أو ربما يستطيع الفضول التعويض عن بقية الصفات فحين تكون فضوليًا كفاية فلن تحتاج لإخلاء مساحة في عقلك لأن الأفكار المبتكرة التي تكتشفها ستطرد الأفكار التقليدية التي اكتسبتها سابقًا وتحل محلها.
ولأن صفات الفكر المتفرّد متبادِلة فإن بإمكانك الوصول لنفس النتيجة على الرغم من وجود الصفات بدرجات متفاوتة في شخصيتك، ونستنتج من ذلك أنه لا وجود لنموذجٍ واحدٍ للتفكير المتفرد، حيث يتسم بعض أصحاب التفكير المتفّرد بالتمرد العلني، فإن البعض الآخر فضولي بهدوء، وعلى الرغم من ذلك فجميعهم ينتمون لنفس جماعة التفكير المتفرّد.
هل هناك طريقة لصقل الفضول؟ لتبدأ بذلك عليك تجنب المواقف التي تكبح الفضول، ما مقدار تعزيز عملك الحالي لفضولك؟ إن كانت إجابتك «قليلًا» إذًا ربما عليك البدء بالتغيير.
وعلى الأرجح أن أهم خطوة فعّالة عليك اتخاذها لصقل فضولك هي أن تبحث عن المواضيع التي تثيره، حيث أن قلة قليلة من الأشخاص يمتلكون فضولًا تجاه كل شيء، ولايمكنك تَصنّع الانجذاب لأي موضوع، لذلك عليك إيجاد المواضيع التي تشدّك، أو حتى اختراع مواضيع لو اقتضى الأمر ذلك.
طريقةٌ أخرى لزيادة فضولك هو أن تغوص في الموضوع، وذلك بالتبحر بالمواضيع التي تشدّك، فالفضول ليس كبقية الرغبات، إذ يزيد بالغوص فيه ولا ينقص، وإجابة التساؤلات تؤدي لتساؤلات أكثر.
يدفعك الفضول لتكون أكثر تفرّدًا من كونك ساعيًا لمعرفة الحقيقة أو مقاومًا للقوالب الفكرية التقليدية فقط، حتى أن الأشخاص الذين يتصفون بالصفتين الأخيرتين عادة ما يكونون من عامة الناس، بينما الأشخاص المتفردين فضوليين تجاه الأفكار المختلفة لذلك قد يكون الفضول هو بوصلتك المرشدة، وإن كان هدفك أن تصل لأفكار متفرّدة فلا تتبع شعار «اعمل ما تحب» بقدر ما تتبع «اعمل ما يثير فضولك».
…
ملاحظات:
[1] إحدى نتائج عدم تعريف أي شخص عن نفسه أنه ذو فكر تقليدي، هو أنك تستطيع قول ما تريده عن فئة الأشخاص ذوي التفكير التقليدي دون أن تقع في مشاكل، عندما كتبت مقال «الأرباع الأربعة للتوافق» توقعت هجومًا غاضبًا من ذوي الفكر التقليدي، لكنهم في الواقع لم يعلقوا، لقد استاؤوا من المقال بشدّة، لكنهم واجهوا صعوبة في العثور على فقرة محددة أزعجتهم للإشارة إليها.
[2] عندما أسأل نفسي ما الذي أستطيع تشبيهه بأيام الدراسة بالنسبة لي فإن الإجابة هي تويتر (Twitter)، إن الأمر أكبر من مجرد أنه يفيض بالأشخاص ذوي التفكير التقليدي بالنسبة لانتشاره الهائل فهذا متوقع حتمًا، ولكنه يجعلك عرضة لموجات هجوم عنيفة من ذوي العقلية التقليدية، لكن في حين أنه من المحتمل أن يكون قضاء الوقت فيه خسارة محتمة، فقد جعلني ذلك على الأقل أفكر أكثر في طرق التمييز بين العقلية المتفرّدة والعقلية التقليدية، وهو ما لم أكن لأستطيع فعله على الأرجح بطريقة أخرى.
[3] ما تزال قلة أصحاب التفكير المتفرّد في هيكل الشركات الناشئة مشكلة كبيرة، ولكن قد تكون هناك بعض الحلول.
يمكن للمؤسسين تأجيل المشكلة من خلال بذل جهدهم لتوظيف أشخاص ذوي عقلية متفرّدة من الأساس، وهذا بالطبع له فائدة إضافية وهي طرحهم لأفكار أفضل.
الحل الآخر المتاح هو وضع سياسات تعطل بطريقة ما سطوة انصياع الموظفين، وذلك مثل إضافة المثبطات للتفاعل الكيميائي لإبطاء تفاعله، لتقليل خطر ذوي العقليات التقليدية، ربما كانت هذه ميزة إضافية لشركة أعمال لوكهيد ستونك (Lockheed’s Skunk Works) نظرًا لشدّة سرية المشاريع، وتشير تجارب اليوم إلى أن منتديات الموظفين مثل سلاك (Slack) قد تؤثر بطريقة سلبية.
الحل الجذري هو زيادة الإيرادات دون تنمية الشركة، قد تظن أن توظيف شخص مبتدئ في العلاقات العامة سيكون أقل تكلفة مقارنة بالمبرمج ولكن ما تأثيره على سيادة الفكر المتفرّد في شركتك؟ (يبدو أن النمو في عدد أعضاء هيئة التدريس الجامعي كان له تأثير مماثل على الجامعات)، ربما يجب توكيل العمل الذي لا يمس «صميم الشركة» لمصادر خارجية بدلًا من توظيف أشخاص يدمرون ثقافة الموظفين.
يبدو أن بعض الشركات الاستثمارية قادرة بالفعل على زيادة الإيرادات دون زيادة عدد الموظفين، الأتمتة بالإضافة إلى التطبيقات البرمجية تزيد من احتمالية كون هذا الخيار يومًا ما متاحًا لشركات الإنتاج.
[4] هناك موضات فكرية في كل مجال لكن تأثيرها يختلف، أحد الأسباب التي تجعل السياسة على سبيل المثال تميل إلى أن تكون مملة هو أنها موضوعية بشدة بالنسبة لهم، ففرصة إعطاء آراء سياسية أقل بكثير من فرصة إعطاء آراء حول فرضية ما، لذلك بالرغم من وجود بعض التوجهات السياسية فإنها تميل عمليًا إلى أن تغرقها موجات الموضة الفكرية.
[5] غالبًا ما ينخدع أصحاب التفكير التقليدي بمدى ثبات آرائهم لدرجة اعتقادهم بأنهم يتمتعون بعقلية متفرّدة، لكن القناعات الثابتة ليست علامة على استقلالية التفكير بل العكس تمامًا.
[6] السعي الحثيث للحقيقة لا تعني أن الشخص المتفرّد بالتفكير سيكون أمينًا لكنه لن ينخدع، إنه نوعًا ما مثل التعريف بالرجل المحترم بأنه شخص لا يكون فظًا أبدًا عن غير قصد.
[7] ترى هذه الظاهرة بين السياسيين المتطرفين خاصةً وهي اعتقادهم بأنهم مستقلون بأفكارهم لكنهم في الواقع تابعون تقليديون، إذ قد تختلف آرائهم عن آراء الأشخاص العاديين لكنهم غالبًا ما يتأثرون بآراء جماعتهم أكثر من تأثر الأشخاص العاديين.
[8] إذا قمنا بتوسيع مفهوم تحري الدقة في البحث الحقيقة بحيث تستبعد الإغواء والخداع والغرور وكذلك البهتان بالمعنى الحرفي للكلمة، فإن نموذجنا للعقلية المتفرّدة يمكن أن يتوسع ليشمل الفنون.
[9] هذا الترابط لا يُعمّم، إذ لا يتسم كلًّا من جودل (Gödel) وديراك (Dirac) بالطرافة، ولكن أي شخص طبيعي وجاد جدًا غالبًا هو ذو عقلية تقليدية.
[10] باستثناء الغيبة والنميمة، الجميع تقريبًا يثير فضولهم القيل والقال.
الشكر لمراجعة مسودات المقال موصول لِـتريفور بلاكويل (Trevor Blackwell) وبول بوشيت (Paul Buchheit) وباتريك كوليسون (Patrick Collison) وجيسيكا ليفينجستون (Jessica Livingston) وروبرت موريس (Robert Morris) وهارج تاجّر (Harj Taggar) وبيتر ثيل (Peter Thiel).
المصدر
تمت الترجمة بإذن من الكاتب
أحدث التعليقات