السعادة ليست هي الغاية من الحياة؛ بل المنفعة

ترجمة: خولة الرسيني
تدقيق الترجمة: رهف الفرج
تحرير: جيهان بوخمسين
كنت أعتقد لفترةٍ طويلة أن هناك هدف واحد من الحياة: وهو أن نكون سعداء.
وإلا فما الذي يدفعنا لتحمل كل تلك الآلام والمشاق من أجل تحقيق السعادة!
ولم أكن الشخص الوحيد الذي يعتقد ذلك، فلو نظرت حولك في الواقع لوجدت غالبية الناس يبحثون عن السعادة في حياتهم.
ومن أجل ذلك نحن نشتري مجموعة من الأشياء التي لا نحتاجها، ونكمل حياتنا مع أشخاص لا نحبهم، ونحاول أن نعمل باجتهاد لنلاقي استحسان أشخاص لا يعنون لنا شيء.
فما الذي يدفعنا لفعل ذلك؟ ولأكون صادقًا، لستُ مهتمًا بمعرفة السبب فعلاً، فأنا لستُ عالمًا. وكل ما أعرفه حقًا هو أن لذلك علاقة بالتاريخ والثقافة والإعلام والاقتصاد وعلم النفس والسياسة وبعصر المعلومات والقائمة تطول.
نحن سنكون ما نحن عليه.
لنتقبل هذا الأمر، فمعظم الأشخاص يعجبهم تحليل الأسباب لعدم سعادة الآخرين أو ما الذي يمنعهم من عيش حياة رغدة؟ ما يهمني ليس معرفة السبب.
وإنما أهتم بمعرفة كيف يمكننا تحقيق التغير..
خلال السنوات القليلة الماضية، فعلتْ كل شيء لأجل الحصول على السعادة.
- تشتري شيئًا ما، وتعتقد أنه سيجعلك سعيدًا.
- تلتقي بأشخاص، وتعتقد بأن ذلك سيجعلك سعيدًا.
- تحصل على وظيفة -لا تحبها- ذات أجر عالٍ، وتعتقد بأن ذلك سيجعلك سعيدًا.
- تذهب في عطلة، وتعتقد بأن ذلك سيجعلك سعيدًا.
ولكن في نهاية اليوم، تستلقي على فراشك وتفكر: «ما هي الخطوة التالية في هذا السعي المتواصل خلف السعادة؟»
حسنًا، يمكنني إخبارك ما هو التالي: أنت، تبحث عن شيء ما بشكل عشوائي وتعتقد أنه سيجعلك سعيدًا.
كل ذلك زائف، وخدعة، وما هو إلا قصة تم حبكها.
فهل أرسطو (Aristotle) كذب علينا حينما قال:
«السعادة هي المعنى والغرض من الحياة، وهي الغاية القصوى ونهاية الوجود البشري.»
أعتقد بأنه يجب أن ننظر لهذا الاقتباس من زاوية أخرى، لأنك عندما تقرأه تعتقد بأن السعادة هي الهدف الرئيسي. وهذا ما يقوله الاقتباس أيضًا.
ولكن إليكم الأمر: كيف تحقق السعادة؟
السعادة لا يمكن أن تكون هدفًا بحد ذاتها، فهي ليست غاية يمكن تحقيقها.
السعادة هي حصيلة للمنفعة فقط، وهذا ما أعتقده.
حينما أتحدث عن هذا المفهوم مع الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل، أجد صعوبة دائمًا في توضيح ذلك بالطريقة الصحيحة، ولكن سأحاول هنا:
معظم الأشياء التي نقوم بها في الحياة هي مجرد أنشطة وتجارب، فمثلا:
- تذهب في عطلة.
- تذهب للعمل.
- تذهب للتسوق.
- لديك وجبة العشاء.
- تشتري سيارة.
لابد من أن تلك الأشياء ستجعلك سعيدًا، صحيح؟ ولكنها ليست نافعة. فأنت لم تخترع أي شيء، بل تستهلك أو تفعل شيئًا ما، وهذا رائع.
لا تسيئوا فهمي، فأنا أحب الذهاب في عطلة أو التسوق في بعض الأوقات. ولكن لنكن صادقين، ليست تلك الأشياء هي التي تعطي للحياة معنى.
ما يمنحني السعادة فعلًا هو أن أكون نافعًا. فمثلًا، أن اخترع شيئًا ما يمكن للآخرين استخدامه، أو حتى أن اخترع شيءٌ ما يمكنني استخدامه.
ولِفترةٍ طويلة، وجدتُ صعوبة في شرح مفهوم المنفعة والسعادة. ولكن حينما وجدتُ مؤخرًا اقتباس للأديب والفيلسوف رالف والدو إمرسون (Ralph Waldo Emerson)، اتسقت وجهات النظر أخيرًا.
يقول إمرسون (Emerson):
«الغاية من الحياة ليس أن تكون سعيدًا، بل أن تكون مفيدًا وجديرًا بالاحترام ورحيمًا، ولتحصل على ذلك عليك صنع بعض الاختلاف الذي يضمن لك حياة جيدة.»
ولم أفهم ذلك إلا بعد أن اصبحتُ واعيًا بما أفعله في حياتي. قد يبدو ذلك شاقًا ولكنه أمرٌ بسيط في الواقع.
يتعلق الأمر بهذا: ما الذي تفعله؟ فهو الذي يُحدث فرقًا.
فهل فعلت أشياءً نافعة في حياتك؟ لا يتوجب عليك تغيير العالم أو أي شيء من هذا القبيل، فقط أجعله أفضل مما كان عليه قبل ولادتك.
إذا كنت لا تعلم كيف تفعل ذلك، إليك بعض الأفكار:
- ساعد مديرك بشيءٍ ما ليس من مهامك أو من مسؤولياتك.
- اذهب بوالدتك إلى منتجع صحي.
- أنشىء مٌلصقة -مجموعة من الصور- (صور غير رقمية) لزوجك/لزوجتك.
- اكتب مقالة عن الأمور التي تعلمتها في حياتك.
- ساعد السيدة الحامل التي لديها أيضًا طفلة بعمر السنتين مع عربتها.
- اتصل بصديقك واسأله إن كان يحتاج للمساعدة في شيء ما.
- أنشىء وقفًا.
- ابدأ بمشروع ووظف أشخاصًا وعاملهم بلطف..
تلك بعض الأمور التي أحب أن أقوم بها، ويمكنك إضافة أنشطتك المفيدة.
أرأيت؟ ليس أمرًا عظيمًا، ولكن كل ما هنالك أنه حينما تقوم بعمل بعض الأشياء المفيدة كل يوم، فهذا يضيف للحياة معنى ويجعلها ذات أهمية.
لا أريد أن أدرك حينما أكون على فراش الموت أنه لا يوجد أي دليل يثبت وجودي في وقتٌ ما.
قرأت مؤخرًا كتاب (Not Fade Away)، للكاتبان لورانس شيمس (Laurence Shames) وبيتر بارتون (Peter Barton). إنه يتحدث عن بيتر بارتون -رئيس شركة ليبرتي ميديا (Liberty Media) -وقد شارك في هذا الكتاب أفكاره عن الموت بسبب السرطان.
إنه كتابٌ رائع ومن المؤكد بأنك ستتأثر بِه وتبكي. ففي هذا الكتاب تحدث الكاتب عن كيفية عيشه حياته، وكيفية إيجاده مبتغاه. وأيضًا تحدث عن ارتياده لكلية إدارة الأعمال، وإليك هنا اقتباس لرأيه في زملائه الذين كانوا معه في دراسة الماجستير في إدارة الأعمال:
«خلاصة القول: لقد كانوا أشخاصًا لامعون للغاية ولكن لم يُحدِثوا فرقًا، أو يضيفوا شيئًا للمجتمع، ولن يتركوا بصمة خلفهم، لقد أحزنني هذا الأمر للغاية، فالإمكانيات المهدرة دائمًا ما تحزنني.»
يمكنك قول ذلك عنا جميعًا.
بعد أن أدرك ذلك في الثلاثينات من عمره، أسس شركة حولته إلى صاحب أموال طائلة.
الشخص الآخر الذي جعل نفسه شخصًا ذا منفعة هو صانع محتوى في اليوتيوب كايسي نيستات (Casey Neistat). أضفته قبل سنة ونصف من الآن، وفي كل مرة أشاهد مقاطع فيديو له، أجده يفعل شيئًا جديدًا.
وكان دائمًا يتحدث عن كيف سيقوم بفعل وابتكار شيء ما، وكان لديه وشم على ساعده يقول:
(Do More) «قم بالمزيد.»
أغلب الأشخاص سيقولون، «لماذا تريد أن تفعل المزيد؟» ومن ثم ينتقلون إلى مشاهدة قناة نتفليكس (Netflix) ويتابعون حلقة تلو الحلقة من مسلسل ديرديفيل (Daredevil).
عقلية مختلفة.
أن تكون ذا منفعة هي وجهة نظر خاصة بِك، ومثل أي وجهة نظر آخرى تؤمن بها، تبدأ بِقرار.
ففي يوم ما استيقظتُ وجلست أفكر: ما الذي قدمته لهذا العالم؟ وكانت الإجابة: لا شيء.
في نفس ذلك اليوم بدأت بالكتابة. بالنسبة لك يمكن أن يكون الرسم، أو اختراع منتج، أو مساعدة كبار السن، أو فعل أي شيء تؤمن بِه.
لا تأخذ الأمر على محمل الجد، ولا تفكر بِه بشكل مبالغ، فقط أفعل شيئًا ما يكون ذا منفعة، أيًا كان.
أحدث التعليقات