لماذا يستغرق بعض الحزن وقتًا أطول للشفاء؟

ترجمة بتصرّف لمقال: (It’s complicated – why some grief takes much longer to heal By Marie Lundorff)
مصدر الصورة Unsplash

الكاتب:ماري لوندورف
ترجمة: هاجر البدوي
تدقيق: سلمى عبدالله @salma1abdullah

 

 من أكثر الحقائق المأساوية في الحياة، أن معظمنا سيتعرض لفقدان أحد أفراد أسرته.

 

      في كل عامٍ يموت ما يقرب من 50 إلى 55 مليون شخصٍ في جميع أنحاء العالم، وتشير التقديرات إلى أن كل حالة وفاة تُخلّف حوالي خمسة أفرادٍ ثكالى. ويُسبّب الفقد عادةً مجموعة من ردود الأفعال النفسية والاجتماعية، مثل: الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، والحزن العميق، والحيرة بشأن دور المرء في الحياة، وتفاقم الشعور بالوحدة.

وفي ذروة شعور الفقد، كثيرًا ما تكون ردود الأفعال الحزينة هذه مستهلكة تمامًا، ومؤلمة إلى حدٍ كبير، بل ومضنية للغاية. يمكن وصف الشعور كما لو أن الحب الموجه نحو المتوفى يفقد فجأة جسده المادي، تاركًا الفرد الثاكل في فراغٍٍ شديد.

 

     لحسن الحظ، يمتلك معظم الناس على المدى الطويل، وفي معظم الأوقات، وسائل كافية للتكيف مع حياتهم الجديدة بدون الشخص المفقود. قد لا “يتخطون” فقدهم بالضرورة، ولكنهم يتعلمون كيف يتأقلمون. لكن للأسف، هذا لا ينطبق على الجميع، فقد أظهرت الأبحاث التراكمية في الطب النفسي وعلم النفس أن نسبةً ملحوظةً من هذه الأقلية من الناس – حوالي واحد من كل عشرة – لا يتعافون من الحزن، وبدلاً من ذلك، تستمر حدة شعور الفقد على المدى الطويل؛ مما يؤدي إلى مشاكل في الازدهار اجتماعيًا ونفسيًا وجسديًا.

 

     يمكن توضيح الفرق بين النسخة النمطية والنسخة الأكثر تعقيدًا من الحزن من خلال القياس، إذ أن ذلك أشبه بالجرح الجسدي إلى حدٍ كبير والذي عادةً ما يُشفى من تلقاء نفسه، حتى لو كان مؤلمًا وبطيئًا، فيتعافى معظم الناس من حزنهم دون أي مساعدةٍ متخصصة، ومع ذلك في بعض الأحيان يلتهب الجرح الجسدي ولا يطيب إلا بالمراهم والكريمات واللاصقات. وبالمثل، يمكن أن تنشأ مضاعفات في بعض الأحيان أثناء حالة الحزن، ومن ثم تكون المساعدة الخارجية ضرورية لعلاج الحزن “المتأجج”.

 

     يمكن أن يؤدي مزيجٌ معقدٌ من العوامل الفردية والسياقية إلى تطوير ردود أفعالٍ معقدةٍ تتعلق بالحزن. تخيل امرأةً في الخمسين من عمرها تُدعى إيمي، تعيش حياةً هادئةً مع زوجها وابنيها المراهقين. أثناء خروج زوجها لممارسة رياضة العدو، أُصيب بنوبةٍ قلبيةٍ مفاجئة وسقط على الأرض. ثم تلقى إنعاشًا قلبيًا من أحد المارة، ولكن أُعلنت وفاته في المستشفى المحلي بعد ساعات. يمكن أن تؤدي هذه التجربة الافتراضية إلى دروبٍ مختلفةٍ جدًا من الحزن بالنسبة لإيمي.

 

    في أحد السيناريوهات، نرى إيمي وقد تأثرت بخسارتها بشدة في فترة الحزن العميق، استهلكت قدرًا هائلًا من الوقت والطاقة لإعداد الجنازة، وفرز متعلقات زوجها المتوفى، والتكيف مع حياة الأرملة. يتفهم مكان عملها موقفها تمامًا، حيث يدعمها زملاؤها والمشرفون، ويضعون الترتيبات اللازمة لإدارة غيابها.

ثم تعمل جاهدةً لإعادة حياتها إلى مسارها الصحيح، لمنح أطفالها طفولة سعيدة. بعد خمس سنوات من الفجيعة، نراها تساهم بشكلٍ كبير في منظمةٍ تعمل في مجال الوقاية من أمراض القلب، وتظل تفتقد زوجها بشدة، لكنها ممتنةٌ للسنوات التي أمضياها سويًا.

 

     على العكس من ذلك، فإن الفجيعة والصدمة النفسية الناجمة عن وفاة زوجها يمكن أن تدفع إيمي إلى مسارٍ مختلف: فنجدها تكافح من أجل قبول ديمومة الخسارة، وحتى بعد سنواتٍ من وفاته، ما زالت تحتفظ بجميع ممتلكات زوجها كما هي؛ زملاؤها في العمل غير متعاطفين، وبالتالي تفقد وظيفتها بسبب كثرة أيام المرض وانخفاض أداء العمل، ويدفع استمرار مزاجها المتدني وانعدام الطاقة أصدقاءها وأقاربها إلى الانسحاب. في هذا السيناريو، لا تستطيع إيمي تلبية مطالب أبنائها مما يثير الشعور بالوحدة والإحباط وكره الذات، كما أنها لا تبدي أي اهتمامٍ بالعالم الخارجي، ويغمرها حزنٌ شديدٌ لا يخفت بمرور الوقت.

 

    توضح هذه السيناريوهات الافتراضية المتناقضة كيف يمكن أن تختلف القابلية للتأثر بالمضاعفات المتعلقة بالحزن اعتمادًا على العوامل الرئيسية، على سبيل المثال: مستوى الدعم الاجتماعي، أسلوب المواجهة الشخصية، تحديد اهتمامات جديدة بعد الفقد الذي تعرض له الفرد. إذا لم يتلقَ الشخص الذي يعاني من حزنٍ عميق الدعم المناسب، فيمكن أن تتطور عواقب سلبية أخرى، مثل: زيادة مخاطر التعرض لظروفٍ صحيةٍ خطيرة، وتدني ظروف الحياة، وانخفاض الأداء العام.

 

   وقد دفعت البحوث التي تشهد على تمايز الحزن المستمر وما يرتبط به من مضاعفاتٍ ضارة منظمة الصحة العالمية في عام 2018 إلى اتخاذ قرارٍ بإدراج تشخيص خاص بالحزن في المبادئ التوجيهية لتصنيف الاضطرابات العقلية، المعروفة باسم تصنيف الأمراض الدولي، المراجعة الحادية عشرة (ICD-11)، والتي ستُنفّذ بالكامل في أنظمة الرعاية الصحية بحلول 2022.

 

    أعراض التشخيص الجديد المسمى “اضطراب الحزن المُطَوَّل“، تظهر على شكل شوق شديد أو انشغالٍ مستمر بالمتوفى، مصحوبًا بضيق عاطفي شديد، مثل: اللوم، والإنكار، والغضب، وصعوبة تقبل الموت، وشعور الفرد أنه فقد جزءًا من روحه، مع ظهور اختلالٍ ملحوظٍ في الأداء يستمر لأكثر من نصف عامٍ بعد الخسارة.

 

     مع بدء تنفيذ (ICD-11) في السنوات القادمة، هناك حاجةٌ لنشر المعلومات المتعلقة بمعايير تشخيص اضطراب الحزن المطول لدى المتخصصين في الرعاية الصحية الذين هم على اتصالٍ مع الأفراد الثكالى في المستشفيات ودور العجزة ووحدات العناية المركزة والممارسين العامين؛ لمساعدتهم على تحديد وتقديم الدعم المناسب لمن يحتاجون إليه. لسوء الحظ، يمكن أن تشير عناوين وسائل الإعلام بشأن “تشخيص الحزن” الجديد إلى أن اضطراب الحزن المطول يُصنّف جميع أنواع ردود أفعال الحزن مرَضيّة. وهذا أمرٌ مؤسف إلى حدٍ ما لأنه قد يتسبب في إخفاء أو تجنب بعض الأفراد لحزنهم في محاولةٍ منهم لأن لا يتم تشخيصهم.

أيضًا، يمكن أن تكون التدخلات الوقائية الموجهة نحو ردود الفعل القياسية للحزن غير فعالة أو حتى متناقضة على حدٍ سواء، مما يجعل من الضروري عدم المبالغة في تشخيص الحزن المطول والمعقد.

    

    يستخدم الأطباء النفسيون وعلماء النفس المبادئ التوجيهية التشخيصية التي طورتها منظمة الصحة العالمية في معظم أنحاء العالم، كما أن إضافة الحزن المطول باعتباره اضطرابًا عقليًا رسميًا له العديد من الآثار العملية. في السابق، غالبًا ما تُفسّر أعراض اضطراب الحزن المطول على أنها علامات للاكتئاب وبالتالي علاجها بمضادات الاكتئاب، ولكن هذه الأنواع من الأدوية أظهرت تأثيرًا ضئيلًا في تخفيف أعراض الحزن. و يؤمل أن يضمن الاعتراف باضطراب الحزن المطول كظاهرةٍ مستقلةٍ تخصيصًا مناسبًا للعلاجات النفسية والاجتماعية الفعالة.

 

 

     تتضمن هذه الأساليب عنصرًا من عناصر التثقيف النفسي: إبلاغ المختصين بالإصدارات الصحية والأكثر مرضية من الحزن، ومناقشة الأهداف العلاجية. غالبًا ما يتجنب الأشخاص الذين يعانون من حزن متفاقم الأشخاص أو المواقف أو الأشياء التي تذكرهم باستمرارية فقدهم، لذلك غالبًا تُستخدم بعض أنواع المواجهة. قد تشمل المواجهة إعادة سرد قصة الفقد أو تحديد الذكريات المزعجة بشكلٍ خاص التي يميل الشخص إلى تجنبها، ثم إعادة النظر في هذه الذكريات تدريجيًا خلال جلسات العلاج وما بينها.

غالبًا ما تكون المراحل النهائية من العلاج متمحورة حول المستقبل، وتعمل على دفع الفرد لاستئناف الحياة بدون المتوفى. ويؤكد هذا العنصر على إنشاء علاقة صحية بالمتوفى والحفاظ عليها، بما في ذلك قبول استمرار الحياة والمساعدة المُوجهة لإعادة الانخراط في علاقةٍ مفيدةٍ.

 

     إن القول المأثور “الزمن كفيلٌ بشفاء كل الجروح” صحيحٌ جزئيًا، فقط لأن الزمن ليس هو الحل للجروح الملتهبة بشدة. فمن الضروري مراجعة الطبيب والحصول على علاجٍ متخصص للمساعدة في عملية الشفاء. غالبًا ما يصف الأفرادُ الثكالى الذين يعانون من مضاعفاتٍ في عملية حزنهم بأنهم في حالةٍ من الخدر والإرهاق والإنهاك، كما هو موضحٌ في حالة إيمي. تُعد الشبكة الاجتماعية للفرد عاملًا بالغ الأهمية، في حين أن التفاهم والشبكة الاجتماعية الداعمة يمكن أن يكونوا بمثابة عاملٍ وقائيٍ ضد اضطراب الحزن المطول، فالانسحاب من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يخلق عزلة اجتماعية وزيادة مشاعر اللاجدوى، والمساهمة في تطوير تشخيص اضطراب الحزن المطول، فمن الضروري معرفة أن المساعدة المتخصصة متاحةٌ.


إذا قرأت هذا ولاحظت ظهور أعراض اضطراب الحزن المطول على شخص تعرفه أو ربما على نفسك، ابحث عن الدعم الطبي؛ فالزمن ليس كفيلًا بشفاء الحزن.

 

 

 

المصدر 

موضح في المقال أن الموقع يُسمح بإعادة استخدام المحتوى ونشره 

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *