سُلْطَة الإعْلانات

يعيش معظمنا في عالم تحكمه “الرأسمالية”، منفلت إعلانياً؛ لكل ماهو قابل للبيع من الأزياء؛ الأطعمة، والأدوية وغيرها. حتى أصبحت فكرة استخدام المرافق والمواصلات العامة دون أن ترى إعلاناً عليها فكرةً غير واردة، فلن تلتقط أنفاسك هنا إلا بملصقات، أو لوحات إعلانية مُستسعرة سعياً لإقناعك بالشراء. ليبلغ بأحدنا الأمر حد الشعور بالتعاسة لعدم اقْتِناءه أجدد إصدار من “أي شيء” يستطيع العيش دون أن يقتنيه أساساً، غير مدركين أن هذا السلوك الاستهلاكي ماهو إلا نتيجة لما تروج له هذه الإعلانات.
ويعتمد المسوقون بهذا المجال على “علم النفس”؛ لخلق حالة من التجاوب العاطفي، وذلك باستخدام لغة تسويقية تَتَمَلّق المستهلك، يضمنون من خلالها ارتباطه أو تَعَلُّقه بالمنتج.
ومن منطلق أن هؤلاء المسوقين على إلمام بما يتطلع إليه المستهلك من صفقات شرائية -قد تبدو له- رابحة؛ فإنهم يستدرجونه بإعلانات من نوع “اشترِ واحدة، واحصل على الأخرى بنصف السعر”، أو باتباع تكنيك يُدعى “التجربة المجانية”، والذي بدوره يتيح للمستهلكين تجربة المنتج مجاناً. وكذلك استخدامهم لما يسمى بـ”العروض النهائية”، أو “الكميات المحدودة” خاصة فيما يتعلق ببيع الإلكترونيات الباهظة، وذلك كنوع من الضغط على المستهلك لكي يحسم أمره لصالحهم -غالباً-.
أيضاً أسلوب “التزكية”، أي تزكية المنتج؛ فعبارات مثل “استخدمته بنفسي، أو نتائجه ممتازة” يستثمرها المسوِّق مدعياً تجربته الشخصية للمنتج، وذلك بهدف إقناع المستهلك أن وقته لن يضيع هدرا. وأساليب أخرى مشابهة للترويج، ولتحقيق مبيعات أكثر، مثل الاستعانة بمشاهير ذو شعبية كبيرة، ممن يحظون بثقة المستهلكين، على عكس الشركة المنتجة التي قد لايعرفون عنها الكثير.
كما ويستخدم في مثل هذه الإعلانات كلمات بليغة، ذات وَقْع على المتلقي مثل “أقوى، وأسرع، وأفضل..” ليبدو له أن المنتج على كفاءة عالية.
وفي إعلانات مساحيق، ومطهرات الغسيل، يستعين المسوقون بصور تُظهر المنتج بصورة مريحة، أو متفائلة مثل الأزهار، وأشعة الشمس، أو الأطفال الرضع؛ بهدف الوصول إلى العقل الباطن -اللاواعي- للمستهلك، ويسمى ذلك بـ ”التكييف الفعال”.
كذلك استثمار الموسيقى كعنصر دافع لِزجّ المستهلك؛ وإثارته، وغالباً مايُستَثمر عنصر الموسيقى في المتاجر، أو المحلات، لتحفيز العمليات الشرائية داخلها.
والأمر لايتوقف هنا وحسب؛ فالدعاية والإعلان عالم مُعقد، ودقيق. يشكل فيه “لون المنتج” علامة فارقة، ومهمة، وفعالة من حيث: استهداف الفئة المعنية بالمنتج، وتحديد طراز المنتج، والانطباع الأول لدى المستهلك عن المنتج. فمثلاً إذا كان المنتج صديقاً للبيئة يُستخدم اللون “الأخضر”، ويُستخدم اللون “الأسود”، أو “الذهبي”، أو “الفضي” إذا كان من المنتجات ذات الطراز الفاخر.
جميع هذه العوامل وأكثر؛ تلعب دوراً كبيراً في سبيل إقناع المستهلكين. ولكن السؤال هل تؤثر هذه الإعلانات سلباً على صحتهم النفسية؟ وما تبِعات ذلك؟
تستميت شركات التسويق -والتي تتقاضى بدورها نسبة من مبيعات الشركة المنُتجة- بإقناع المستهلك أنه مُرهَق، ويعاني من الصداع، وآلام الظهر، لأنه لم يأخذ كفايته من النوم؛ ويعود السبب بذلك كله لعدم اقتنائه “سريرهم الباهظ”.
مشكلة الإعلانات أنها لاتقتصر بترويجها للمنتجات فحسب، بل تمتد لترويج القيم، والجنس، والنجاح. ولأن الإعلانات بطبيعتها تُركز على الشكل الخارجي، وجمالية الصورة، فقد تختزل شعور السعادة، أو شعور النجاح، أو حتى الحياة برمَّتِها إما بسيارة فارهة، أو بقوام رشيق، أو برجل مثالي، أو بمنزل ضخم، أو بحذاء ثمين؛ وأمور كمالية أخرى، تجعل من الغالبية عبيداً يلهثون سعياً لتغطيتها، وتَحَمُّل تكاليفها المادية، انطلاقاً من قناعتهم -الناتجة عن هذه النوعية من الدعايات- بأن هذا الشكل النموذجي، والوحيد للحياة، وكل ماعداه هو فَشَلٌ بالضرورة.
فالإعلانات بصورتها الحالية تشكل استراتيجية متكاملة؛ تعمل من خلال تطبيقها على هز قناعة وثقة الفرد بوضع حياته، ومظهره، واستهلاكه نفسياً؛ ما يؤدي بالنهاية إلى تورطه مادياً.
ولكي يكون المجتمع الاستهلاكي جزءاً من الحل، عليه أن يكون حذراً؛ ومتزناً شرائياً، وأن يستوعب بأن المشاعر ليست سِلَعًا، وأن يدرك الوَقْع النفسي لهذه الإعلانات التجارية، وإلا فإنه سيبقى أسيراً لهذا الإستغلال، وبالتالي جزءًا من الإشكالية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وبالرغم من أن [كوكا كولا] مشروب غير صحي؛ إلا أنه يعزز بإعلاناته عن مفاهيم وقِيَم مهمّة مثل: التواصل، والصداقة. وكذلك [دوڤ] والتي تروج بإعلاناتها لأهمية حب الذات، والنظرة الإيجابية تجاه النفس؛ بصرف النظر عن شكل الجسد، أو لون البشرة.
أحدث التعليقات