بيئتك تشكل قراراتك

ترجمة بتصرّف لمقال: (Your Environment Shapes Your Decisions by Farnem street)
مصدر الصورة: Unsplash

ترجمة: رشا

تدقيق ومراجعة: أحمد موسى

عند اتخاذ القرارات الواجب علينا اتخاذها، يصبح انتقاء البيئة أمرًا هامًا. تمامًا كما يصعب عليك تناول الطعام الصحي لأن المطبخ ممتلئ بالوجبات السريعة، يحدث ذات الشيء حين تستغرق في التفكير لتتخذ القرار المناسب. فكما يؤثر المطبخ على نوعية الأكل الذي تتناوله، كذلك تؤثر بيئة مكتبك على كيفية اتخاذك القرارات.

بيئة المكاتب الحديثة مكان فظيع للتفكير 

لا أحد يفهم مدى تأثير البيئة على مقدرتنا في اتخاذ القرارات أكثر من الكُتاب المؤثرين أمثال (وارين بافيت) و(تشارلي مُنغر)، فهما من الشخصيات الموهوبة والحريصة على تحقيق أكبر استفادة من البيئة بتنظيمها لتساعد على اتخاذ القرارات المناسبة.

 

أغلبنا يتخذ القرارات في بيئةٍ تصعّب عليه التصرف بعقلانية

لا أسوأَ من بيئة المكتب الحديث لاتخاذ قرارات مناسبة. ففي أول لحظةٍ تصل فيها إلى مكتبك، تبدأ من فورك في الرد على الرسائل الالكترونية العاجلة في صندوق الوارد المكتظ. وسيوعز إليك صوتك الداخلي ألا تقلق، فستتم بقيتها لاحقًا. ثم يرن الهاتف فجأة، إنها رئيستك تسأل إن كان لديك الوقت للتحدث عن اقتراحٍ من خمس عشرة صفحة ستقرؤه في الاجتماع بعد ثلاثين دقيقة. ولكنك مثلها لم تقرأ الاقتراح بعد، فتلقي نظرة على ملخصه التنفيذي، وكأي أحد تعلّم النجاة في المكتب، تتصرف بمنتهى الثقة، كما لو كنت على دراية تامة بما يجري. لم تنجز العمل لتكون عنه رأيًا، وتلك هي اللعبة، وهكذا فعل الجميع. وما إن ترفع رأسك، تجد الوارد مكتظًا من جديد، ومزيدًا من المكالمات الفائتة، وقد اقترب وقت اصطحاب الأطفال من المدرسة. فأين ذهب اليوم؟

هذا ليس يومًا استثنائيًا، بل كل يومٍ، فمنذ لحظة الوصول إلى مكتبك حتى لحظة المغادرة، تتقدم إنشًا في عشرين مهمة، بدلاً من عشرة أقدام في مهمة واحدة.

والقاعدة غير المكتوبة أنه لا بد لك من فعل هذه الأشياء لتبرر وظيفتك. فإن كنت لا تحرك الأوراق، أو تطلق مئات الرسائل الإلكترونية، أو ترتب الاجتماعات وتحضرها، أو تطارد شيئًا ما… فماذا تفعل هنا إذن؟

 

البيئة الثقافية معنية عادة بالسياسة والتنظير، لا بوضع الناس في مواضع تدفعهم نحو النجاح. وتتعلق البيئة المادية بالانشغال والتشتت، ولا علاقة لها بالتركيز والتفكير. ولا تتماشى أيٌ من هاتين البيئتين مع جودة في اتخاذ القرار.

 

قارن ذلك بوارن بافيت. ليس لديه حاسوب في مكتبه. ذهنه لا يتشتت كل بضع دقائق بسبب تلك الرنات الصغيرة المزعجة كل رسالة جديدة. يومه لا تملؤه الاجتماعات. ليس لديه رئيس مزعج يأتي ليسأله عن شيء ملموس يعمل عليه. فقط يقرأ ويفكر. لا عجب إذن أن الرجل بارع في ذلك. 

إن أردت التفكير بنفسك، فلا يتأتى هذا بوجود شخصٍ يهمس دائمًا في أذنك. إن أردت مساحة للتفكير، تحتاج جوًا من الهدوء والسكينة، لا ثلةً من الأشخاص الأذكياء يرمون أفكارًا جديدة. ولهذا انتقل بافيت من نيويورك إلى أوماها. ((بعض الأماكن يسهل فيها أن يفقد المرء رؤيته. ولكني أرى أنه من السهل جدًا حفظها في مكان كأوماها)). يواصل فيقول:

من السهل جدًا أن تفكر بذهن صافٍ هنا، فلا تزعجك عوامل لا علاقة لها والضوضاء العامة في استثمارات الأعمال. إن لم يمكنك التفكير بذهن صافٍ في أوماها، فلن تستطيع ذلك في أي مكان.

 

إن وضع بافيت في مكتب حديث كإعطاء الكريبتونيت لسوبرمان. ستختفي قوته الخارقة، ولن يعود قادرًا على التفكير والتركيز. لحسن الحظ، فقد ضبط بيئته قصدًا بطريقة تسهل التصرف بعقلانية.

 

القوة (الخارقة) للبيئة 

نحن نؤثر في بيئاتنا، لكننا ننسى أنها هي الأخرى تؤثر فينا.

 

نحب أن نصدق أن بيدنا مقاليد الأمور وأن أدمغتنا تتأثر بأفكارنا الواعية فحسب. يبدو ذلك مدهشًا، لكنه غلط. إن دماغنا الواعي أصغر بكثير من اللاواعي، ومع ذلك، حين نأتي لتحسين التفكير واتخاذ القرارات، فإن كل تشديدنا يكون على العقل الواعي، فنتعلم النماذج العقلية وأساليب التفكير التي تحسن النتائج. وبذلك نحسن القدرة الحصانية الخام لدماغنا. ولكن لا فائدة من امتلاك محرك قوته 400 حصان إن كنت تستخرج منه 25 فقط.

تصميم البيئة الفعالة

ما من بيئة تصلح للجميع، فنحن نستجيب استجابات متباينة للمحفزات المختلفة. قد يكون مكتب في ركن، في الطابق المئة في مدينة نيوورك مصدر إلهام للبعض، ومصدر تشتيت للبعض الآخر. ما يصلح لي قد لا يصلح لك.

 

نستعرض هنا أمورًا ثلاثة أثمرت مع كثير من الأشخاص المختلفين في ظروفٍ متفاوتة.

أولاً، نظم جدولك اليومي لرفع طاقتك إلى أقصاها. يقوم معظم الناس بالمهام التي تتطلب القدر الأدنى من التفكير (الرد على البريد الإلكتروني، تفقد البريد الصوتي، وتفقد أحوال الناس) في الصباح وانتاجيتهم في ذروتها. ثم تؤجل الاجتماعات والقرارات للظهيرة، حينما لا تكون أدمغتنا بنفس الكفاءة. لذا، اقلب يومك، وأنجز الأهم أولًا.

ثانياً، قولب وقتك في شرائح صغيرة وكن واعيًا حين تقاطع الآخرين. ضع في تقويمك قوالب زمنية لمشاريعك أنت. لا أعني 20 دقيقة مثلًا، بل ساعات. عندي صباحي كله مقولب من التاسعة حتى الثانية عشرة.

ليس من السهل الوصول لحالة الاستغراق، ولكنك متى ما وصلت إليها، فإنك مركز على أمر واحد. قد يكون التفكير في مشكلة بطريقة ثلاثية الأبعاد، أو تنقيح تقرير تكتبه لعملك. إن قاطعت هذا الوقت الثمين، فإن ثمن العودة إلى حيث كنت باهظ، حيث يتطلب التعافي عادة 25 دقيقة أو يزيد. أبقِ ذلك في ذهنك حين تقاطع أحدًا. 

وثالثاً، يسّر السلوكيات الفعالة. إن وُجدَت شوكولاتة في مكتبنا، فكن على يقين بأني سآكلها. لهذا أقفل على الأشياء الشهية في خزنة، حرفيًا. يصعّب ذلك الوصول إليها فيقل ما آكله منها. ولكن، حسنًا، غالبًا تود مثالًا أفضل من الشوكولاتة. إليك واحدًا كنت أستخدمه في عملي. في الصفحة الأولى من دفتري في وكالة الاستخبارات، سردت بعض أدوات التفكير العامة التي يمكنني الرجوع إليها عند القرارات الصعبة. وقد دفعني هذا إلى التفكير في المشكلات بطريقة منظمة وخلصني من الورطة غير مرة. (تحديث: أصبحت الآن كتابًا).

بيئتك أهم مما تظن

نحن نعلم بداهة أن البيئتين الثقافية والمادية مهمتان.

أنت لا تحكم كل شيء في بيئتك، ولكنك تحكم ما يكفي لصنع فارق ضخم. فكر في ما تستطيع التحكم به، وكيف يمكنك تغييره لتستخرج من دماغك قدرة حصانية أعلى.

 

المصدر

تمت الترجمة والنشر بإذن من الموقع

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف