إرهاق القرارات: كيف يؤدي الغرق في الخيارات إلى اتخاذ قرارات سيئة؟

ترجمة بتصرّف لمقال: (Decision fatigue: how a burden of choices leads to irrational trade-offs by Anne-Laure Le Cunff)
مصدر الصورة: Unsplash
الكاتب: آن لوري لي كونف.
ترجمة: ريم ريحان. @reemrayhan
تدقيق: جواهر القحطاني.
مراجعة: ياسمين القحطاني. @selva1999
هل شعرت يومًا بأنّك مرهق لدرجة العجز عن اتخاذ القرار الصائب خاصة بعد سلسلة طويلة من اتخاذ عدة قرارات؟ يمكن أن يؤدي إرهاق القرارات إلى اختيارك خيارات سيئة والمقارنة بمقارنات غير منطقية عند اتخاذ القرار، فإرهاق القرارات هو تدهور جودتها، مما يؤدي تدفق الخيارات إلى استنفاد قوتنا، وبالتالي اتخاذ سلسلة من الخيارات السيئة.
على حد تعبير جون تيرني: «يفسّر الإرهاق الناتج عن اتخاذ القرارات سبب غضب الأشخاص المتزنين عادةً من الزملاء والعائلات واندفاعهم لشراء الكثير من الملابس الفاخرة والوجبات السريعة وعجزهم عن مقاومة عروض صيانة سياراتهم الجديدة، فبغض النظر عن مدى عقلانيتك وعقلك المتزن، فلا يمكنك اتخاذ قرار بعد قرار دون أن تدفع ثمنه بإرهاقٍ يصيب عقلك».
يعود أصل مصطلح « إرهاق القرارات » لعالم النفس الاجتماعي روي إف بورميستر الذي ابتكره وقال: «إن الفكرة في الأساس هي في قدرتنا على إجبار أنفسنا على القيام بقرارات صعبة -أي التحكم أو ضبط أنفسنا- والتي تستقي من مصدر طاقة محدود بداخلنا، لذلك عندما نتخذ قرارات صعبة فإنها تستقي من نفس مصدر الطاقة، وعندما يقل المصدر فإننا نبدأ في اتخاذ قرارات سيئة».
تتضمن بعض علامات إجهاد القرارات الاندفاع والتسويف والتردد وتجنب اتخاذ القرار، وحسب طريقة تكوين عقلنا البشري فإنّ التعرف على الأعراض ومعالجتها بتطبيق حِيَلٍ بسيطة يُحدث فرقًأ هائلًا في تحسين طريقة تفكيرنا، إذًا كيف يؤثر إجهاد القرارات على رؤيتنا للخيارات المطروحة بالضبط؟ وماذا نفعل لمعالجتها؟
– عواقب إرهاق القرارات:
إن زيادة عدد القرارات التي تضطر للجزم فيها ستُدهور قدرتك على المقارنة المنطقية بين جميع الخيارات واتخاذ القرار الأصوب، لذا أجرى جوناثان ليفاف دراسة عن هذا الموضوع وقال فيها: «تظهر عواقب إرهاق القرارات على القرارات المهمة حتى عند أفضل صانعي القرارات».
يؤثر إجهاد القرارات على قدرتنا في الاختيار، مما يؤدي لقرارات مندفعة، أو قد نتجنب اتخاذ القرارات بالكامل، منها:
١- إنعدام القدرة على المفاضلة: عند مقارنتنا بين عدة خيارات، فإننا نفاضل بين إيجابيتها وسلبياتها، وهذا يستنزف طاقتنا، فكلما كثرت العناصر التي نحاول المقارنة بينها فسنشعر بالإرهاق ونتخذ قرارًا مندفعًا سيئًا في الغالب.
٢- الشراء الاندفاعي: إن عملية المقارنة بين الأسعار المختلفة والعروض الترويجية عنذ ذهابنا للتسوق تؤدي لإجهاد القرارات، وسينتج عنه عمليات شرائية مندفعة وعشوائية، وهذا هو سبب وجود المسليات المعروضة عند طاولة الحساب، فبعد إرهاق القرارات لن نفكّر بعقلانية بهدفنا وراء شراء حبة شوكولاتة أو اثنتين.
٣- التهرب من اتخاذ القرارات: عندما نُرهَق من اتخاذ القرارات، فسنلجأ أحيانًا لتجنب مشقة التفكير من خلال التهرب منه أو باختيار الخيار المتاح أيًا كان دون تفكير.
ومن الغريب أن ذوي الدخل المحدود أكثر عرضة للإصابة بإرهاق القرارات، ويعقّب دين سبيرز من جامعة برينستون على ذلك بقوله: «ولأن الذهاب للسوبر ماركت يتطلّب من ذوي الدخل المحدود المفاضلة بين العديد من الخيارات والأسعار -مقارنة بالأغنياء- فإنهم يصلون لأقصى درجات الإرهاق حين وصولهم لطاولة الحساب، وبالتالي لن يستطيعوا التفكير بمدى صواب فكرة شرائهم لِلوح شوكولاتة إضافي أو كيس من الحلويات، فلم يأتِ مسمّى الشراء الاندفاعي من فراغ».
كيفية التعامل مع إرهاق القرارات:
إن أفضل طريقة لتجنب إجهاد اتخاذ القرار هي توجيه طاقتك الذهنية نحو القرارات المهمة فقط، وتقليل القرارات الصغيرة التي تستهلك طاقتك، وفيما يلي ثلاث وسائل للتعامل مع إجهاد القرارات، ويمكنك البدء في تنفيذها من اليوم:
١- قلل من قراراتك اليومية: احتفظ بطاقتك الذهنية للقرارات الأهم، وقلل من عدد القرارات الصغيرة التي تضطر للتفكير بها كل يوم، فقد عُرف عن رجال الأعمال والسياسيين المشهورين أمثال ستيف جوبز ومارك زوكربيرج والرئيس باراك أوباما باختصار خيارات ملابسهم اليومية إلى نوعين من الملابس فقط؛ لتقليل القرارات التي يضطرون لاتخاذها خلال يومهم.
٢- اتخذ قراراتك مسبقًا: إذا تعيّن عليك اتخاذ قرارات مماثلة مرارًا وتكرارًا على مدار الأسبوع، فوحّد عملية اتخاذ القرار لمرة واحدة، كإعداد وجباتك الأسبوعية خلال عطلة نهاية الأسبوع، أو حجز أنشطتك للشهر القادم قبل بدايته، أو التخطيط لما تريد قراءته خلال الأشهر المقبلة، أو إعداد التقويم وتقسيم أوقات العمل بداية كل شهر.
٣-غيّر طريقة تفكيرك حول قوة الإرادة: وجدت عالمة النفس كارول دويك أن إجهاد اتخاذ القرار يؤثر تأثيرًا أكبر على الأشخاص الذين يعتقدون أن قوة إرادتهم تنفد بسرعة، وقالت: «نجد أن الأشخاص يرهقون أو تُستنفد طاقتهم بعد مهمة واحدة مرهقة فقط هم الذين لديهم اعتقاد بأنّ قوة إرادتهم موردٌ محدود، بعكس الذين يؤمنون أنها طاقة متجددة» وأضافت: «أشارت دراساتنا إلى وجود أعراض تعب عمومًا على جميع الأشخاص، ولكن إذا نظرت بدقّة، يصبح لديك مجموعتين من الأشخاص، فالأشخاص الذين يؤمنون أن قوة الإرادة طاقة متجددة ينجزون بطريقة أفضل بعد مهمة مرهقة في الواقع».
ختامًا تذكّر أنه لا يجب عليك اتخاذ جميع قراراتك لوحدك! وإذا شعرت أنك أكثر إرهاقًا من التفكير بالقرار الصحيح ويجب عليك اتخاذه الآن، فاطلب من زميلك أو صديقك أو أحد أفراد أسرتك مساعدتك في التفكير والمقارنة بين الخيارات المتاحة حتى لا تتخذ قرارًا سيئًا، وأنت بدورك ستمد لهم يد المساعدة عندما يعانون من إرهاق القرارات.
إن اتخاذ الكثير من القرارات شرٌ لا بد منه وقد لا يكون من الممكن دائمًا تجنب تأثير إرهاق القرارات، ومع ذلك فإيمانك بأن قوة الإرادة هي طاقة متجددة، وإدارتك عدد القرارات التي تضطر لحسمها يوميًا، وطلب المساعدة عند انخفاض مستويات طاقتك الذهنية، سيمكَّنك من تقليل إجهاد إرهاق القرارات بدرجة كبيرة على حياتك.
أحدث التعليقات