الفيثاغورية

ترجمة بتصرف لمقال: (cult of (pythagoras by Van Bryan

التدقيق اللغوي: فاطمة

المراجعة: دلال السميران

الفيثاغورية، لايوجد الكثير مما نعرفه عنها أو عن مؤسسها الغامض “فيثاغورس”. إن أغلب الحسابات الفيثاغورية جاءت لنا من العصور الوسطى حيث ذكرها فلاسفة ذلك العصر أمثال “أرسطو” و “أفلاطون” في كتاباتهم الفلسفية. بالرغم من ذلك فإن طبيعة وحقيقة مذهب “فيثاغورس” مازال غامضًا.

الأسئلة حولهم كثيرةٌ: من هم؟ من أين أتوا؟ ما هي معتقداتهم؟ والأهم من ذلك هل كانت معتقداتهم بمثابة طائفةٍ دينيةٍ؟

سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام، أليس كذلك؟ أنا بالتأكيد أعتقد ذلك. وسأفترض بأنك أيضًا تراه مثيرًا للاهتمام.  هذا السؤال ليس فقط مثيرًا للاهتمام، بل هو معقدٌ بشكلٍ هائلٍ.                                                                                                                                                                                في سياق عالمنا الحديث، من الممكن أن نعتبر مجموعةً من أفرادٍ يعبدون التناغم الرياضيّ ليسوا فقط طائفةً دينيةً بل أيضًا مرشحون للحجر كمرضى عقليين. ومع ذلك فإنه في سياق اليونان القديمة كل شيءٍ ذو أهميةٍ حتى الأمور المتعلقة بالآلهة يُنسب الى صيغٍ فلسفيةٍ عميقة.

“طاليس الملطي” على سبيل المثال أسند مكانةً عظيمةً للماء، حيث ادعى أن الماء هو الأساس للكون كافةً.  أما “سقراط”، فخلال تحقيقاته الفلسفية، كان يعتقد أن هناك صوتٌ مبهجٌ في رأسه “الروح” يدفعه لمتابعة البحث عن المعرفة الحقيقية بعض النظر عن التكلفة. ومع ذلك فإن هذه الأمثلة، لا تمنح الفيثاغوريون حرية المرور. في حين أن “سقراط” و”طاليس” وغيرهم أسندوا أهميةً كبيرة لاكتشافاتهم، صرح الفيثاغريون بعبادة معتقداتهم الفلسفية إلى حدٍ أو ذهبوا للتضحية بالثور بعد اكتشاف الاقتراح ٤٧ من “إقليدس”.

قيل إنه في حوالي سنة ٥٣٠ قبل الميلاد، استقر “فيثاغورس” وأتباعه في “كروتونا” جنوب إيطاليا، وكانوا على وشك إقامة مجتمعٍ خاصٍ بهم بحيث يعكس أفكارهم. دعونا نسميه المثاليات الفريدة للحياة. وقد حاز تناسخ الأرواح على مكانةٍ محوريةٍ في منهج الاعتقادات الفيثاغورية. ويشمل التناسخ انتقال أرواح الناس إلى أجسام حيوانات. وقد يكون هذا السبب الذي دفع “فيثاغورس” لامتناعه عن تناول لحوم الحيوانات، مما أدى إلى أن يكون أتباعه هم أقدم النباتيين المعروفين.

‎هناك أيضًا ملاحظةٌ جانبيةٌ غريبةٌ حول النظام الغذائي لأتباع “فيثاغورس” وهو امتناعهم عن تناول الفاصوليا، والسبب وراء ذلك ليس معروفًا تمامًا. لكن هناك طرفةٌ مضحكةٌ يُقال فيها أن “فيثاغورس” يعتقد أن الإنسان يفقد جزءًا من روحه مع الغازات الخارجة من جسمه. (يعتقد فيثاغورس أن الفاصوليا تجعل الغازات الخارجة من جسم الإنسان أكثر، مما يؤدي إلى فقدان جزءٍ كبيرٍ من روح الإنسان مع هذه الغازات).

كانوا يرتدون زيًّا محددًا شائعًا فقط بين الأتباع. وقد أصروا على التقشف والامتناع عن جميع أنواع الملذات. ولكن هذا الامتناع يبدو وكأنه إضافةٌ حديثةٌ، حيث نعلم بأن “فيثاغورس” نفسه لم يمت وهو بتولٌ.

وعندما يتعلق الأمر بمعتقداتهم الفلسفية، فقد كانوا صوفيين جدًا ومؤمنين بالخرافات. كانوا يعتقدون أن الروح البشرية محصورة بدائرةٍ مستمرةٍ من الموت والتناسخ، وأن السبيل الوحيد لتحريرها من هذه الدائرة هو اكتساب أعلى الدرجات من فهم هذا الكون من خلال الأفكار الناتجة عن التبّصر، والدراسات الفلسفية.

وهكذا عند دراسة طبيعة الكون – وهو علمٌ صعبٌ من علوم الفلسفة ويُعرف بالميتافيزيقيا، وصنف الفيثاغوريون الكائنات بناءً على حقيقة التباين في صفاتها. حيث أن الأشياء والكائنات مختلفة الأشكال، والألوان، والأحجام. هذه الصفات تتراوح بشكلٍ كبيرٍ وليس بالضرورة بأن تكون عالميةٌ. ورقة الشجر
على سبيل المثال من الممكن أن تكون خضراء لكن ليس كل شيءٍ أخضر. حتى إن بعض الأشياء في هذا العالم لا تملك لونًا يمكن إدراكه. والشيء نفسه ممكن أن يُقال عن الرائحة أو الحجم أو الشكل.

توصل الفيثاغورين إلى أن هناك سمةٌ كونيةٌ واحدةٌ مشتركةٌ بين كل الأشياء في الكون، وهي أن جميعها قابلةٌ للعد والإحصاء. من الممكن أن نتصور الكون بلا رائحةٍ أو طعمٍ لكن فكرة الاستغناء عن الأرقام في العالم الافتراضي مستحيلةٌ للغاية. ‎وعلى الرغم من ذلك، فإن الأرقام لم تكن بمكانةٍ واحدةٍ فبعض الأرقام كانت أكثر قداسةً من غيرها. فقد كان للرقم واحد على سبيل المثال مكانةٌ عظيمةٌ لديهم. وقد يعود هذا الاهتمام بالرقم واحد إلى أفكارهم حول تشكيل الكون.

فقد طُرحت فكرةٌ حول الكون مفادها أن الفوضى دخلت مرةً واحدةً في عالمٍ غير منظمٍ ولا محدودٍ. بعد ذلك، وضعت القيود للكون والعالم بعد أن وقع في النظام؛ وأصبح كل شيءٍ معدودًا حتى الكائنات مما جعل الكون يمكن إدراكه. بهذه الطريقة جاء الكون من نوعٍ من الفوضى واستغرق وحدانيةً لم تكن معروفةً من قبل. فكرة التناغم هذه ووحدة الكون ترددت بعد ذلك من قبل أشخاصٍ أمثال “بارمينيدس” و”زينو الإيلي”.
وجه هذا المذهب اهتمامًا كبيرًا لفكرة التناغم. وتوصلوا إلى أن التناغم هو التوازن بين الأضداد. حيث كان أهم هذه الأضداد هي فكرة المحدود واللامحدود والتي تتمثل في الأعداد الفردية والأعداد الزوجية على التوالي. الكيفية التي توصلوا بها إلى هذه الفكرة غير مؤكدةٍ. ويُعتقد “بما أن الأرقام الزوجية يمكن قسمتها على اثنين عدة مراتٍ حتى تصبح النتيجة واحدٌ، فإنها تمثل فكرة المالانهاية”.

وتشمل هذه النظرية جميع الأضداد الأخرى كالمذكر والمؤنث، واليمين والشمال، والراحة والحركة، والنور والظلام، والخير والشر، والمربع والمستطيل.
بدأت فلسفة “فيثاغورس” بالنمو التعسفيّ الجذريّ حيث يعتقدون بأن الرقم ثمانية كان يمثل العدالة، بينما الرقم سبعة يمثل الحكمة. هذا النوع من التفكير لا يبدو بأنه مبنيٌّ على مبدأٍ فلسفيٍّ حقيقيٍّ، ولذلك أصبح مستهجنًا بشكلٍ عامٍّ، فقد وضع هذا المجتمع الروحي أهم الأفكار العظيمة في الرياضيات في العلاقات الرياضية للكون. ليس هناك من ينكر إسهاماتهم في مجال الرياضيات والفلسفة. ويكفي المرء التفكير في نظرية “فيثاغورس” التي اكتشفها “فيثاغورس” نفسه، حتى يقدر أثرهم العميق على تطوير الفكر العملي.

هل كانوا يمثلون طائفةً دينيةً؟ ربما. بالتأكيد كانت لديهم كل الدلائل المعتادة للطائفة الدينية. وعلى الرغم من عيش عامة الشعب في “كروتونا” وفقًا لطريقة الفيثاغورين لمدةٍ من الزمن، فإنه يُعتقد بأن الفيثاغورين قاموا بالضغط عليهم من أجل اعتماد نمط الحياة الفيثاغورية.

في حوالي عام ٤٨٠ قبل الميلاد، اضطر “فيثاغورس” وأتباعه إلى الفرار بعد أن حدث اضطهادٌ عامٌ لطائفته، وقُتل العديد منهم، ونُفي آخرون من البلاد، وأُحرق مكان اجتماع الطائفة. ويُعتقد بأن المجتمع أعاد تشكيل هذه الطائفة، واستمر بممارسة أنشطتها، لكن لم يُنقل عن الطائفة الأصلية أي شيءٍ بعد هروبهم من البلاد. فمن الممكن أنها ببساطةٍ تلاشت بعيدًا، وتركت خلفها إرثٌ محيرٌ نوعًا ما من العبقرية الرياضية مخففةٌ بالتصوف والخرافات.

المصدر:

The Cult Of Pythagoras

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *