علم نفس الألوان في التسويق وابتكار العلامات التجارية

ترجمة: عبير حماد
تدقيق الترجمة والمراجعة اللغوية: عمار محمد
يعد علم نفس الألوان المرتبط بالإقناع أحد المجالات المشوقة والأكثر إثارة للجدل في التسويق
تمحورت المشكلة دومًا حول عمق التحليل، فنظرية الألوان موضوع معقد وذو فوارق دقيقة، ونادرًا ما تتعمق تصاميم الإنفوجرافيك المبهرجة في ما وراء مستويات التغطية لشاهد وقل.
|
لا يستطيع جرين لانترين (Green Lantern) تحويل الليمون إلى ليموناضة. وكذلك أنا غير مجهز في هذا العالم لاتخاذ القرار الذكي بخصوص سلم الألوان الذي يلون عالمنا. ولكن؛ لمَ تكون محادثة ملونة ممكنة كهذه، سطحية بشدة؟
المفاهيم الخاطئة الشائعة عن الألوان:
وفقًا لما أظهرته الأبحاث؛ عادةً ما يتشوش تأثير الألوان الفردية علينا تبعًا للتفضيلات الشخصية، والخبرات، والتربية، والاختلافات الثقافية، والسياق. ولذا؛ فإن مدى صحة الفكرة القائلة بكون بعض الألوان -كالأصفر أو البنفسجي- قادرة على إثارة نوعٍ معينٍ من المشاعر؛ هي كصحة فكرة المعلومات التي تعرفها من قراءة كفك.
ولكن؛ ما زال هناك العديد من الأمور لتعلمها ولأخذها بعين الاعتبار إذا قبلنا بكل تواضع أن الإجابات المحسوسة غير مضمونة. والحل الرئيسي هو البحث عن طريقة عملية لاتخاذ قرار بشأن الألوان.
أهمية الألوان في ابتكار العلامات التجارية:
لنناقش أولًا، ابتكار العلامات التجارية. والذي هو أحد أهم القضايا المرتبطة بفهم الألوان، والجزء الذي تقع معظم المقالات في مشاكل فيه.
كما ذكر سابقًا هناك العديد من المحاولات التي لا حصر لها لتصنيف استجابة المستهلك للألوان الفردية المختلفة:
لكن الحقيقة بأن الألوان تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التجارب الفردية وما تتضمنه من أحاسيس، ولا يصح ترجمتها إلى مشاعر محددة بقالب عالمي. ولكن هناك عدة أنماط متنوعة لتضمين المعاني والرسائل في مفهوم الألوان.
ففي دراسة بعنوان “أثر الألوان على التسويق” وجد الباحثون أن ما نسبته 90% من الأحكام السريعة على المنتجات مبنية على اللون فقط بناءً على المنتج. وبغض النظر عن الدور الذي يمكن أن تساهم به الألوان في ابتكار العلامات التجارية؛ أظهرت نتائج دراسة أخرى أن العلاقة بين العلامات التجارية واللون، هي رهن مدى مناسبة اللون المستخدم في العلامة التجارية التي يلاحظها المستهلك (هل “يناسب” اللون، المنتوج المُباع؟).
أكدت أيضًا دراسة أخرى بعنوان “الأحمر المُثير والأزرق المختص” أن نية الشراء تتأثر بشكل كبير بالألوان نظرًا لتأثيرها على الطريقة التي تُلاحظ فيها العلامة وتُفهم، فالألوان تؤثر على نظرة الزبائن لمدى “خصوصية” العلامة التجارية المعنية،فمثلًا: من سيشتري دباب هارلي دايفدسون إذا لم يشعر بأن هارلي صلبة و رائعة؟
كما أظهرت دراسات أخرى أيضًا، أن أدمغتنا تفضل العلامات التجارية التي يُمكن ملاحظاتها مباشرة. مما يجعل الألوان عاملًا مهمًا في هوية العلامة التجارية. حتى وأن إحدى المقالات اقترحت: أنه في حال ابتكار علامة تجارية جديدة في الساحة، يجب أن تكون ألوانها مغايرةً جدًا عمّن ينافسها. أظن شخصيًا بأننا نتعمق في تفاصيل دقيقة بدون أي سياق إضافي مثل: كيف ولمَ أنت في موضع تنافس مع منافس مباشر؟ وكيف ستستخدم الألوان لتحقيق هذا الهدف؟
و حين يتعلق الأمر باختيار اللون “الصحيح” للعلامة التجارية فإن ما توصل إليه الباحثون أن توقع ردة فعل المستهلك لمدى مناسبة اللون أهم بكثير من اللون الفردي بنفسه،فلو أن ممتلكو دبابات هارلي ابتاعوها ليشعروا بالصلابة والقوة فإن الألوان الأفضل ستتسبب بذلك الشعور.
أجرت عالمة النفس وبرفسور جامعة ستانفورد جينفير آكير دراسات على هذا الموضوع تحديدًا وكانت ورقتها البحثية بعنوان “أبعاد هوية العلامة التجارية” مُشيرة إلى خمسة أبعاد جوهرية تؤدي دورًا في هوية العلامة التجارية.
يمكن أن تتمتع العلامات التجارية بصفتين مختلفة وتتنقل بينها، ولكن صفة واحدة هي ما يطغى عليها عادة. و بينما تنحاز بعض الألوان لصفات محددة (كارتباط البني بالغلظة أو القسوة، والبنفسجي بالأناقة، والأحمر بالحماس والإثارة) فإن كل دراسة عن الألوان وابتكار العلامات التجارية تقريبًا ستخبرك أن الأهم فيما يخص الألوان هو أن تدعم الهوية التي تود تصويرها وعرضها. أكثر من محاولتك لاختيار لون علامة تجارية له صورة نمطية.
كن أكثر حذرًا من العبارات الفضفاضة غير الدقيقة من قبيل: “اللون الأخضر يعني الهدوء” المعنى الكلي هنا غائب.فاللون الأخضر يستخدم أحيانًا في العلامات التجارية المختصة بالمشاكل البيئية كما هو الحال في مؤسسة (Seventh Generation) ويستخدم أحيانًا للمنصات المختصة بالإدارة المالية مثل (Mint). وبينما يمكن أن يكون اللون البني مفيدًا لمظهر قاسِ أو صلب انظر كيف استخدِم في منتجات (Saddleback Leather)،فحين يوضع اللون البني في سياق آخر يمكن استخدامه لخلق شعور دافئ وجذاب (كما في عيد الشكر) أو لإثارة شهيتك (كما في كل إعلان شوكولاتة شاهدته قبلًا).
الخلاصة: لا وجود مع الأسف لأي دليل حاسم يرشدك في اختيار الألوان لعلامتك التجارية، والجواب المحبط الذي ستواجهه ببساطة ردًا على سؤالك هو “اللون حسب العلامة التجارية”
لا وجود لأي دليل قاطع لاختيار الألوان لعلامتك التجارية، والجواب المثبط هو “حسب العلامة” ولكنها الحقيقة، وبالرغم من ذلك فإن السياق الذي تعمل ضمنه هو محل الاهتمام الأساسي. إن الشعور والصورة التي تخلقها علامتك التجارية أو منتجك هو ما يؤثر فعلًا.
الميول اللونية عند الرجال والنساء
إحدى أكثر الدراسات المثيرة للاهتمام لهذا المجال هي دراسة جو هالوك (Joe Hallock) المُعَنْوَنَة بعنوان “تفضيلات اللون”، والتي أظهرت نتائجُها تفضيلًا واضحًا لبعض الألوان بناءً على الجنس (معظم المشاركين في الدراسة من المجتمعات الغربية). وكان أهم ما أوضحته الرسوم المبينة على النتائج تفوق اللون الأزرق عند كلا الجنسين و التباين بينهما على اللون البنفسجي.
من المهم ذكر أن لبيئة الشخص وخصوصًا المنظور الثقافي دورٌ قويٌ في تحديد مدى مناسبة اللون عند الجنسين وهو ما يمكن كذلك أن يؤثر في اختيارات الأفراد. خذ على سبيل المثال هذه التغطية التي نشرتها مجلة سميثسونيان مفصِّلةً كيف ارتبط اللونان الأزرق والوردي بالفتيان والفتيات وكيف يستخدم هذا المبدأ في الاتجاه المعاكس.
فيما يلي نتائج دراسة هالوك (Hallock):
الألوان المفضلة للرجال والنساء:
الألوان الأقل تفضيلًا عند الرجال والنساء:
أظهرت الأبحاث الإضافية في الدراسات المتمحورة حول فهم اللون وتفضيل اللون أنه حين يتعلق الأمر بالظلال والصبغات والتدرجات فإن الرجال في العموم يفضلون الألوان الغامقة بينما يفضلن النساء الألوان الأخف والأنعم،كما أن الرجال أقرب لاختيار الألوان الغامقة كمفضلة لهم (الألوان المضاف لها سواد) بينما يكونن النساء أكثر تقبلًا للألوان الفاتحة (الألوان المضاف لها بياض).
بالرغم من أنه من أكثر المواضيع نقاشًا وجدالًا في نظرية الألوان فإني لم أفهم يومًا السبب وراء ذلك، فيمكن ببساطة للعلامات التجارية أن تحلق خارج فلك نمطية الجنس، بل وفي حقيقة الأمر سأفترض أن بعضهم كوفئ لاتباعها ذلك وتحطيمه لكل التوقعات. و لا ينبغي أن يعتقد بكل هذا العند أن “فهم مدى مناسبة اللون” هو سبب لعدم نجاح منتج أو علامة تجارية لأن الألوان لم تناسب الأذواق.
تناسق اللون وتحولاته
ينص مبدأ علم النفس المُسمى بـ “تأثير العزل” على أن “العنصر المنفرد” يشبه الإبهام المتورم هو العنصر الأكثر قابلية لتذكره. حيث أظهرت الأبحاث بوضوح أن المشاركين كانوا أكثر قدرة على تمييز وتذكر العنصر عندما يكون مفصولًا بشكلٍ واضحٍ عما حوله -سواء كان نصًا أم صورةً-.
كما توصلت دراستان حول تركيبات الألوان إحداها تقيس “الاستجابة الجمالية” والأخرى تبحث في “تفضيلات المستهلك” إلى أنه وبينما يفضل عددٌ كبيرٌ من المستهلكين أنماط الألوان بدرجات متماثلة فإنهم يفضلون مجموعات الألوان ذات الدرجات الغامقة المتباينة بشدة.
مما يعني فيما يخص تنسيق الألوان أن ابتكار نموذج مرئي يتكون من الألوان المنظورة الأساسية ونقيضتها الغامقة ذات الدرجات المكملة (أو الثانوية).
أما الطريقة الأخرى للتفكير بهذا المجال هو استخدام الخلفية والأساس والألوان الغامقة كما عمل المصمم جوش بايرز (Josh Byers) بإدراج مجموعة من الدرجات اللونية على موقعك لـ “تعويد” الزبائن على الألوان التي تحث على التصرف.
لمَ يعد هذا الجزء مهمًا؟ بالرغم من أنك لربما بدأت تشعر بأنك مصمم ديكور داخلي بعد قراءة هذا الجزء، إلا أن فهم هذه المبادئ سيساعدك على تجنب الوقوع في فخ معدلات التحول الذي يضلل العديد من الأشخاص.
خذ على سبيل المثال هذا المثال المُشار إليه في التحول المحفز الناتج عن تغيير لون الزر.
فالزر أو الخانة التي تَغيّرَ لونها للأحمر زادت الإقبال على النقر بنسبة 21% ولكننا بالرغم من ذلك لا نقدر على خلق توقع متعجل بخصوص “قوة اللون الأحمر” منفردًا. من الواضح أيضًا أن بقية الصفحة جهزت بدرجات اللون الأخضر مما يعني أن اللون الأخضر يتسبب بردة فعل معين ببساطة حين يدمج مع ما حوله، ولذا فإن الأحمر في هذا الوضع رؤية مضادة تمامًا وهو لونٌ مكمل للأخضر.
كما توصلنا إلى عدة أدلة إضافية على تأثير العزل في اختبارات بمتغيرات متعددة إحداها هو الذي أجراه باراس تشوبرا (Paras Chopra) والمنشور في مجلة (Smashing Magazine). كان اختبار تشوبرا (Chopra) يتمحور حول عدد التنزيلات لبرنامجه المتخصص بملفات (PDF). واسمه (PDFProducer) والتي كانت صيغ عناوين رابط التحميل فيه تتضمن التالي:
هل بإمكانك أن تخمن أي صيغة كانت الأكثر تفضيلًا؟ فيما يلي النتائج:
تفوق المثال رقم 10# على غيره بنسبة كبيرة ليس مصادفةً، على الأرجح أنه تميز من بين كل الخيارات الأخرى. ستلاحظ أن كلمة (PDFProducer) مكتوبة بخط صغير ودرجة خفيفة من اللون الرمادي، ولكن جملة الفعل (حمل مجانًا) مكتوبة بحجم كبير وبلون أحمر خالقة ذلك التباين المطلوب لإحداث تحول كبير.
نقطة أخيرة لكنها مهمة وحساسة هي الأخذ بعين الاعتبار كيف نعرّف كلمة “نجاح” لأي اختبار مماثل. فعدد أكبر من التسجيل أو النقر هو مجرد مقياس مفرد عادةً ما يضلل المسوقين الذين يحاولون المنافسة ببساطة لأنه يمكن أن يُقاس بكل سهولة.
لمَ نفضل “اللون السماوي” على “الأزرق الفاتح”
بالرغم من أن الألوان المختلفة يُمكن أن تُلاحظ وتفهم بأشكال مختلفة فإن الأسماء الوصفية لها أهمية كذلك.
فوفقًا لدراسة كانت بعنوان “وردة بأي اسم آخر…” حين طُلب من المشاركين في الدراسة تقييم المنتجات المُسماة بأسماء الألوان المختلفة -كالمكياج مثلًا- فإن الأسماء الفخمة كانت هي الأكثر تفضيلًا بالمجمل فعلى سبيل المثال: أشارت النتائج إلى أن اسم “موكا” أكثر تفضيلًا بشكل واضح من اسم “بني” بغض النظر عن أن كلا المنتجين كانا بنفس اللون.
كما توصل بحث آخر إلى نفس التأثير الذي ينطبق بشكل كبير على عددٍ من المنتجات: حيث أن المستهلكين قاموا بتفصيل المنتجات المُسماة بأسماء الألوان بأنها مريحة للعين أكثر من نظيرتها المُسماة ببساطة. كما أظهرت النتائج أيضًا إلى أنه كلما كان الاسم فريدًا ومختلفًا كلما كان أكثر تفضيلًا ومحبةً لكل المنتجات من الحلوى الهلامية وحتى الكنزات فالألوان الشمعية -مثلًا- المُسماة بـ “razzmatazz” كانت أكثر اختيارًا من الألوان كمثل “الأصفر الليموني”.
الوصول إلى مجموعتك الشخصية من الألوان
وصلنا إلى نهاية هذا المنشور ولم توجد بعد ورقة للغش منها لاختيار الألوان الأفضل للنظر. إننا في واقع الأمر أثرنا أسئلة أكثر من إعطاء إجابات. يا للمكر!
في الحقيقة: تعني الطبيعة المُشكلة لنظرية الألوان أننا لن نجد مُطلقًا إجابات قطعية.
بالرغم من ذلك لا يعني لأننا أثرنا موضوعًا مليئًا بـالعديد من “ربما” و “نوعًا ما” لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن التفكير به وعن نقده.
أحدث التعليقات