لماذا يجب عليك اختيار النوم على العمل

ترجمة بتصرّف لمقال: (Why You Should Choose Sleep Over Work, By Tomas Chamorro-Premuzic)

بقلم: توماس تشامورو بريموزيتش
ترجمة: فرح الاحمري
تدقيق ومراجعة: ليلى عامر 
مراجعة نهائية: ندى محمد
ملخص:   

ماذا يمكن أن يحدث لعقلك وجسمك وعملك عندما لا تحصل على قسطٍ كافي من النوم؟

  • أولاً وقبل كل شيء، سوف تنسى كيفية القيام بأشياء بسيطة حيث أن ليلة واحدة من الحرمان من النوم كفيلة بتعطيل الأداء الطبيعي للحُصين وهي منطقة في الدماغ تعتبر رئيسية للذاكرة والتعلم.
  • ثانيًا، قد تصبح أقل تعاطفًا وصبرًا مع الآخرين حيث أن قلقك وعدوانك واندفاعك في اتخاذ القرارات يغذيها نشاط في منطقة اللوزة والتي تتأثر بقلة النوم.
  • قد تضر قلة النوم علاقاتك العاطفية أو الشخصية، إن كونك في علاقة سعيدة سيجعلك تنام بشكل أفضل ونومك بشكل أفضل سيجعل علاقتك أفضل أيضًا.

يتم تقدير قيمة النوم أكثر عندما نفقده تمامًا كما هو الحال مع معظم الأشياء، ويعد ذلك أمرًا شائعًا للأسف حيث يعاني حوالي ٣٠ إلى ٤٠٪؜ من الأشخاص من مشاكل في النوم وهناك حوالي ٧٠ مليون أمريكي ٤٥ مليون أوروبي يعانون من الحرمان المزمن من النوم.

وعلى الرغم من وجود ظروف لا مفر منها دائمًا تقلل من ساعات نومنا، إلا أن الأرقام تُظهِر أننا غالبًا ما نسيء فهم الفوائد المحتملة للنوم على حياتنا ويشمل ذلك وظائفنا. ومما يثير القلق أكثر، هو أنه يبدو أن هناك نقصًا عامًا في الوعي حول التأثير السلبي لنقص النوم على صحتنا الجسدية والعقلية، وحقيقة أن الكثير منا -إضافةً إلى أقراننا وأصدقائنا وزملائنا في العمل- لا يزالون يفتخرون بتقليل نومهم للقيام بالمزيد من العمل «كما لو كان ذلك يجعلنا طلابًا أو موظفين متميزين» وهو مثال واضح على ذلك.

ولكن عندما نختار العمل على النوم فإن ما نقوم به فعلاً هو اختيار الكمية على الجودة، وإذا كنت تريد أن تكون أفضل نسخة من نفسك -في العمل والمدرسة والمنزل- فسيكون من الحكمة الاستفادة مما يمكن أن تقدمه ليلة هانئة من الراحة ويشمل ذلك تركيز أكثر حدة ويقظة أعلى وتحمل أفضل ومزاج وعقلية أكثر إيجابية.

أنا متأكد من أنك سمعت هذه النصيحة من قبل، ولكن أفضل طريقة لفهم أهمية النوم هي استيعاب بعض الدروس الحديثة من علم الأعصاب. وهو مجال خَصص قدرًا كبيرًا من الوقت للبحث عن كيفية تأثير النوم على عقلك وما يحدث له عندما لا تحصل على قسطٍ كافٍ من النوم.

عقلك بدون قسطٍ كافٍ من النوم

قبل أن ندخل في التفاصيل، لنبدأ بنظرة عامة سريعة على ما يفعله عقلك بالفعل أثناء غفوتك، حيث تُظهر دراسات متعددة أن عقلك يظل نشطًا وفي وضع اتصال بينما يظل باقي جسمك في وضع الاستعداد ويشبه عقلك في ذلك إلى حد ما هاتفك الذكي حيث أنك قد لا تستخدمه أثناء الليل ولكن هذا لا يعني أنه متعطل.

وتتمثل الوظيفة الرئيسية لعقلك أثناء النوم، في القضاء على ما يسميه العلماء غالبًا الهدر العقلي، ويعني ذلك السموم التي تتراكم بين خلاياك العصبية على مدار اليوم، والتي يمكن أن تضعف الأداء الإدراكي الطبيعي على المدى القصير والبعيد. يقوم عقلك بهذا من أجل إفساح المجال لتجارب تعليمية جديدة وأكثر أهمية. فكر في الأمر مثل خاصية «الحذف التلقائي» على كمبيوترك المحمول والذي يؤدي إلى التخلص نهائيًا من الأشياء الموجودة في سلة المحذوفات لديك لإخلاء مساحة وضمان سرعة معالجة أسرع.

وتعد خاصية التخلص من النفايات هذه أمرًا أساسيًا لدعم وظائف التعلم والذاكرة الأساسية، بالإضافة إلى تنظيم مزاجك وعواطفك ورغبتك الجنسية، وبمعنى آخر يعادل النوم للجسم البشري عملية تزويد الخزان بالوقود. إن فكرة تقليل النوم لفترة أقل من أجل المزيد من العمل مما يجعلك بطريقة ما أكثر إنتاجية هي فكرة منطقية مثل فكرة أن عدم التوقف لتعبئة الوقود سيساعدك على الوصول إلى وجهتك بشكل أسرع «لذا لا يعتبر ذلك أمراً منطقيًا جدًا».

إليك ما يمكن أن يحدث لعقلك وجسمك وعملك عندما لا تحصل على قسطٍ كافي من النوم:

سوف تنسى كيفية القيام بأشياء بسيطة، حيث أن ليلة واحدة من الحرمان من النوم كفيلة بتعطيل الأداء الطبيعي للحُصين، وهي منطقة في الدماغ تعتبر رئيسية للذاكرة والتعلم. ويلعب الحُصين دورًا رئيسيًا في مساعدتك على الاحتفاظ بالمعلومات على المدى القصير والبعيد كما أنه يحدد مدى قدرتك على التنقل في الاتجاهات والتحرك عبر المساحات «ولهذا السبب وَجدت دراسة شهيرة لأدمغة سائقي سيارات الأجرة في لندن أن منطقة الحُصين لديهم أكبر من المعتاد».

قد تجد أنك أكثر عرضة لنسيان الأشياء، أو تواجه صعوبات في التركيز، أو حفظ الأرقام، أو فهم الحقائق عندما لا تحصل على قسط كافٍ من النوم. وكل هذه المشاكل سيكون لها تأثير خطير على أدائك الوظيفي ما لم تكن تفعله بشكل تلقائي وتقوم بعمل متكرر أو شبيه بالروتين، ولكن حتى عندما تقوم بمهام سهلة نسبيًا فقد تلاحظ انخفاضًا في أدائك لذلك قد يشبه الحرمان من النوم إلى حد كبير صداع الثمالة لأنه يجعل التركيز مؤلمًا وقد تحتاج إلى التركيز أكثر على المهام التي كنت تفعلها بشكل طبيعي من قبل.

معاناة مع ذاكرتك طويلة المدى، فكما هو مذكور أعلاه: يمنح النوم عقلك وقتًا للتخلص من النفايات الأيضية بما في ذلك البروتينات التي يمكن أن تتراكم وتشكل ترسبات بين خلايا الدماغ، وارتبطت قلة النوم على المدى القصير بانخفاض معدل الذكاء أما على المدى البعيد فقد ارتبطت بمرض الزهايمر.

ووجدت مراجعة لـ ٨٦ دراسة علمية أن الأشخاص الذين يميلون إلى النوم لفترة أطول، هم نشطاء ومتعلمين أكفَاء أكثر ولديهم قدرة أكبر على إبقاء عقولهم منشغلة مما يفسر ذلك بُطئ حدوث تدهور عقلي لهم أثناء التقدم في العمر. ويساهم النوم الصحي الأفضل في تحسين الأداء الأكاديمي والوظيفي فضلًا عن التطور الفكري العالي وكلما كانت وظيفتك أكثر تعقيدًا سيتعين عليك تعلم وفهم وحل المشكلات الجديدة مما يعني أنك ستحتاج إلى ساعات نوم أكثر وأفضل.

أنت أكثر عرضة للعدوانية والقلق: حيث يحفز النوم تفاعل كيميائي في دماغك، وهو أمر ضروري لتنظيم المزاج والعاطفة، ويسمى هرمون الدماغ الرئيسي الذي يتضمن هذا التفاعل الميلاتونين. يميل جسمك إلى إنتاج المزيد من الميلاتونين أثناء فترة المساء لتجعلك تشعر بالنعاس وينتجه بشكل أقل أثناء الصباح لإيقاظك. وتم ربط الميلاتونين أيضًا بالتغيرات المزاجية ويحدث هذا غالبًا عندما يفرز جسمك الهرمون مما يشير إلى أن الوقت قد حان للنوم ولكنك تتجاهله وتبقى مستيقظًا.

عندما تجعلك قلة النوم تشعر بالغضب، أو الحدة، أو الانفعال، مثل ما قد يلاحظ الأشخاص من حولك فذلك لأن الميلاتونين يؤثر على منطقة اللوزة في دماغك. يمكنك التفكير في اللوزة على أنها رادار عاطفي، يحدد ما إذا كنت تمر بتجربة إيجابية «أشعر بالأمان»، أو تجربة سلبية «أشعر بالغضب أو الخوف». 

إن قلقك وعدوانك واندفاعك في اتخاذ القرارات، يغذيها النشاط الذي يحدث في اللوزة. حيث أن أي تغييرات تؤثر على هذه المنطقة من دماغك في المساء ستنتقل إلى صباح اليوم التالي، وتؤثر على سلوكك بما في ذلك قدرتك على التحلي بالصبر مع الآخرين والتعاطف.

يمكن للمشاعر السلبية مثل الخوف والقلق، أن تظهر أيضًا أثناء نومك في شكل أحلام مخيفة أو مزعجة. ولأنك أكثر عرضة للانفعال والانزعاج عند قلة النوم فقد ينتهي بك الأمر محاصرًا في حلقة مفرغة حيث يؤدي النوم السيئ إلى زعزعة مزاجك. مما يؤدي إلى حدوث اضطراب في نومك على شكل كوابيس. وقد ذكرنا كل ذلك من أجل أن نقول أنه إذا كنت تريد أن تكون زميل عمل أو شريكًا أو صديقًا لطيفًا ومهتمًا فيجب عليك أن تحصل حقًا على قسطٍ أكبر من النوم.

أنت تعرض علاقاتك للخطر: قلة النوم قد تضر بعلاقاتك العاطفية أو الشخصية، حيث إن معظم البالغين يتشاركون غرفة النوم مع الشخص الذي يعيشون معه، وعندما تلعب العوامل المذكورة أعلاه دورها فإنها لن تؤثر فقط على حياتك ومهنتك، ولكن أيضًا على شريك حياتك.

 وليس من المستغرب أن يكون هناك تأثير متبادل بين النوم وجودة العلاقة. إن كونك في علاقة سعيدة سيجعلك تنام بشكل أفضل ونومك بشكل أفضل سيجعل علاقتك أفضل أيضًا.

وحتى مع وجود كل الأبحاث في متناول أيدينا، أنا متأكد من أنك ستستمر في سماع أصدقائك وزملائك يتفاخرون بقلة نومهم، كما لو أن ذلك يجعلهم أكثر إنتاجية أو نجاحًا، وعندما يحدث هذا تذكر أن العلم يقول عكس ذلك فكلما زاد الوقت والحرية غير المنقطعة التي تمنحها لعقلك ستُصبح أكثر دقة وسعادة وصحة عندما تكون مستيقظًا.

 المصدر

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *