هل يمكن أن يعلمك اليوم الدراسي شئ آخر غير النجاح في الامتحانات

ترجمة بتصرف لمقال: Can school) today teach anything more than how to pass exams? by Nigel Warburton)

ترجمة: Dana Al-Othaimeen‏

تعال لنحلم سويًا للحظة وتخيل معي الصف المثالي، اول ما يشد انتباهك عندما تدخله هو ترتيب الغرفة فلن تجد طاولات مكتظة ومصطفة أمام السبورة لكن سترى مقاعد مريحة مرتبة في شكل دائري كبير فهذا الترتيب سيوضح بأن الصف مكان للنقاش المفتوح وحرية تبادل الآراء

سترى على الجدار ملصق لبرتراند راسل وفيه العبارة التالية: ” معظم الناس سيموتون أبكر مما يتوقعون والبعض يموت وقت توقعه “. ويوجد في الصف دولاب يعرض صفوف وصفوف من اطروحات الطلاب في مجالات مختلفة مثل اخلاقيات المهنة والهندسة والهندسة المعمارية والتاريخ السياسي واللغويات وفلسفة العلوم.

عندما يدخل الطلاب الصف ويأخذوا أماكنهم في الدائرة جاهزون لبدء المحاضرة. تجلس المعلمة مع الطلاب وتباشر العمل تسأل الطلاب: ” هل انا نفس الشخص الذي كان بالأمس؟ ” ثم يبدأ النقاش مباشرة والمعلمة قليلا ما تتحدث فقد تعترض قليلا لتسأل وتوضح نقطة ما أو لتقترح على الصف ان يتناقش في موضوع او نقطة طرحها أحد الطلبة.

وبعد تبادل الآراء الأساسية يعم الهدوء على الصف وتقوم المعلمة بتقديم الملاحظات على الفرق بين الممتلكات الأساسية والممتلكات الغير أساسية ومن ثم تقترح على الطلاب قراءة مقطع من كتابات الفيلسوف جون لوك لتحفيز النقاش بين الطلبة.

يرسم النقاش الذي يساهم فيه الطلاب الأفكار التي تواجههم في مواضيع مختلفة. احداهم تقول بأنها هي الشخص التي هي عليه الان بسبب الدي ان ايه.  فتسأل المعلمة عن رأي علم الاحياء حول هذه الفكرة والأخرى تسأل كيف تنطبق هذه النظرية على التوائم المتطابقة وتقترح طالبة اخرى بأن جميعنا نلعب ادوار في الحياة وهذه الادوار هي التي تحدد هويتنا.

الجو في الفصل هادئ وبه حس التعاون والتساؤل، فهنا التعلم يحركه الفضول والاهتمامات الشخصية والمعلمة تقوم فقط بتسجيل التعليقات على رسم بياني ولا تقدم أي إجابة على النقاش.  وحتى الدرس لا ينتهي بإجابة ففي الحقيقة أيضا انه لا ينتهي بضربة الجرس بل الطلبة يستمرون في النقاش وهم يخرجون من الصف

هذه هي رؤيتي للفصل المثالي وفي الواقع رؤيتي أكثر من مجرد حلم. ففي بعض الأحيان صفي يكون هكذا. وعندما بدأت التدريس تعلمت بأن هذه الحصص التي فيها الطلاب متفاعلين في النقاشات تكون أكثر متعة وتبقى في الذاكرة لوقت أطول بالنسبة للمعلم والطالب على حد سواء لهذا دائما ما أحاول ان أطبق هذه الطرق متى ما أمكن.

لكن الحقيقة المحزنة هي ان معظم الدروس تكون لها أهداف محددة ومقننة، ولمعظم المعلمين والطلاب تكون تجربة الحصص مصممة بكل تفاصيلها فقط للتجهيز للاختبارات، فعندما يدخل الطلاب الصف لا يكون تركيزهم على الآراء المنفتحة والتساؤلات عن أي موضوع بل يركزون على ما يحتاجونه للنجاح في الاختبار القادم.  ففي الغالب سيخرج الطلاب من هذه الدروس بفائدة لاختبار المنهج فقط. سيكون هناك دفاتر وعليها تعليقات من الشخص الذي سيكتب الاختبار وسيكون هناك بنك للأسئلة ومعها ملاحظات مدمجة و ” إجابات نموذجية”.  فالأسئلة ابتعدت كل البعد عن كونها تساؤلات مفتوحة وحرة وأصبح الصف شبيه لمكان التدريبات العسكرية حيث الطلاب يتدربون على كتابة الإجابة المثالية لأسئلة الاختبار المحتملة.

إذا لم تكن معلما او لم تتحدث مع الأطفال مؤخرا عن تجربتهم الدراسية فسوف تنصدم من تأثير ثقافة التعليم لأجل الاختبار على العملية التعليمية. وأظهر استقصاء أجري على طاقم تعليمي في جامعة ما بأن هذه العقلية في العملية التعليمية مدمرة فأصبح هناك قلة في حب الاستطلاع وحب التساؤل والبحث، وهذا كله يعود أساسا لطريقة المدارس في التدريس وقصر الدراسة على التجهيز للاختبار فأصبح الطالب يعتبر الدراسة معرفة الإجابة الصحيحة.  وقد لوحظ ان هذه المشكلة لا تقتصر على هذه الدراسة فقط بل أصبحت مشكلة في التعليم العام ككل. وعبرت الكاتبة مارثا نوسباوم عن هذه المشكلة في كتابها ” ليس للتكسب ” في عام 2010 بما يلي:

” التعليم للاختبار “, والذي يزداد انتشارا في المدارس العامة، ينتج محيط من الطلبة السلبيين والمعلمين الروتينيين. فالإبداع والتفرد الذي يميز التعليم في التخصصات الإنسانية أصبح يواجه صعوبة في الظهور.

وأظهر أحد الاستقصاءات الاكاديمية بان 87 بالمئة من المحاضرين قالوا بأن كثرة تعود الطلاب على طريقة الدراسة من اجل الاختبار جعلهم غير مستعدين للتعلم في الجامعات واسأل الطلاب أنفسهم وسيؤكدون لك هذا الكلام. ففي مقابلة لدافوس عام 2016 كانت مناقشته بعنوان مستقبل التعليم وقد قال طالب من هونغ كونغ بأنه يشعر بان هذه الطريقة في التعليم انتجت طلاب مستنسخين لا يميزهم سوى الاختبارات وسيتحطمون بسهولة عند مواجهة أي تحدي.

عندما كان الفيلسوف كارل بوبر يكتب السعي بلا حدود (1974)، كان يحلم بالمدرسة المثالية فقد تخيل شيئا معاكسا ومكانا يأخذ العلم فيه الشكل الحر له، فهو شكل مثير للاهتمام أكثر من التحضير للاختبارات:

وإذا فكرت بالمستقبل، فأنا أحلم بأن أجد مدرسة حيث الاشخاص يستطيعون التعلم دون ملل، من خلال محاكاة المشاكل ومناقشتها; تلك المدرسة التي لا يكون فيها مكان للإجابات المرفوضة لأسئلة غير مطروحة يجب الاستماع إليها; تلك المدرسة التي لا تكون الدراسة فيها فقط للنجاح في الاختبارات.

انا أشارك بوبر حلمه وأعتقد أن المدرسة ستكون أكثر متعة وفعالية إذا استبدلنا تعليم الطلاب كيفية اجتياز الامتحانات بتعليمهم كيفية التفكير بأنفسهم. ولنفهم كيف يمكن تحقيق هذا الهدف، يجب أن نتذكر شيئا لفت الانتباه إليه سقراط منذ قديم الزمان، لكن مع رغبتنا الشديدة في تحويل مدارسنا لمحركات تزيد القوة الاقتصادية والانتاجية نسينا أن التعليم بالأصل هو عملية فلسفية تبدأ بالتساؤل يتبعها الاستفهام والاستيضاح حتى تصل لمرحلة الفهم العميق.  هذه الرحلة الاستنتاجية تتقوى بالتفكير النقدي والمناقشة وهذه العملية التعليمية لا تقود لإجابة نهائية بل لتقدير عظيم لحدود معرفتنا للعالم حولنا.  إنه ذلك التقدير الذي وصفه سقراط ‘بالحكمة’. والذي حاول سقراط أن يلهم متابعيه اليونانيين ليبدؤوا التفكير بأنفسهم بأسئلته لهم ليقدروا حدودهم.

ليفهموا الأفكار التي كانت محور حياتهم، كالعدل والشجاعة المأخوذين بروح بناءة. فتساؤلات سقراط أصبحت نقطة البداية لعميلة التساؤل والاكتشاف التي نحتاجها لنسعى لتوسيع فهمنا ومداركنا.  فهي تستطيع أيضا أن تولد التواضع والانفتاح لأفكار الآخرين.

إذا كان على المدارس أن تحقق غرضها، فإنها لا تستطيع أن تهمل هذا البعد الفلسفي للتعلم.  فهم بحاجة إلى أن يروا أنفسهم لأنهم ليسوا مجرد موزعات للمعرفة اللازمة للنجاح في عالم العمل ولكن كمجتمعات للتفكير الفلسفي، حيث يمكن للطلاب استكشاف معنى ما يتعلمونه والتفكير لأنفسهم حول ما يعنيه العيش بشكل جيد وفهم هذه الشروط. والتعليم الفلسفي ليس موضوعا منفصلا عن نهج التعلم الذي يجد التطبيق في جميع نقاط المنهاج. فعندما يصبح المعلمون الموجهون كسقراط، فإن ذلك سيحفز الطلاب على التفكير لأنفسهم، بدلا من استيعاب المعلومات بشكل سلبي.

يبدأ التعليم الفلسفي عندما يتبنى المعلم دور “معلم سقراطي”.  في الفصول الدراسية التقليدية، ينظر إلى المعلم على أنه مزود المعلومات التي يحتاج الطلاب إلى معرفتها، وهذا يتم تحديده من قبل متطلبات أي اختبار يلوح في الأفق. فيأخذ التعليم الفلسفي شكل الاستفسار المشترك، أي انها عملية يوجه فيها المعلم الصف نحو التفاهم من خلال الحوار وليس بالحديث الفردي.

ويقدم سقراط نموذجا لهذا التحقيق، الذي أثبت مرة واحدة أنه يستطيع فعله من خلال عملية الاستجواب، كتعليم الهندسة لصبي رقيق لم يتم تدريسه أي الرياضيات في السابق.  فعندما يتبنى المعلمون دور المرشدين السقراطيين، فإن استجوابهم للطلاب يحفزهم على التفكير بأنفسهم حول المشكلة المطروحة، بدلا من استيعاب المعلومات بشكل سلبي.

نتائج التدريس بهذه الطريقة يمكن أن تكون مثمرة ومثيرة للدهشة. فقد قضيت عام في تعليم من هم في عمر 17 سنة صف الفلسفة الاختيارية.  الذي لم يكن فيه منهج رسمي ولا اختبار فقد تحدثنا ببساطة عن بعض الأسئلة الفلسفية المثيرة للاهتمام، مثل كيفية حصول اللغة على معناها وما إذا كنا نعرف أي شيء على الإطلاق.  فكانت المنهجية هي سقراط وايضا ناقشنا الأسئلة دون التوصل إلى أي استنتاجات مستقرة.  وكانت المناقشات مريحة وممتعة وغير رسمية؛ لدرجة أنني وجدت بعد ذلك نفسي أتساءل كم كان قدر ما تم تعلمه حقا.

لكن بعد بضع سنوات، كان أحد الطلاب، ألاستير بارفين، الذي كان في ذلك الوقت ينفذ طرقا ناجحا في عالم العمارة، قد لاحظ كيف كان لا ينسى أنه وجد هذه المناقشات السقراطية: “ومن المفارقة نوعا ما كيف لم نعمل أبدا من أجل امتحان، ولكن بعد أن أتذكر أكثر بكثير من ذلك من أن أفعل معظم المواضيع الأخرى كنت أدرس في ذلك الوقت!  ‘بالنسبة لبارفين، هي فرصة للتفكير بطريقة غير معتادة “انه تعليما قويا وتحريرا وإنه شيء ما زال يقوم به في حياته المهنية مع نتائج مذهلة، كما تحدث في تيد عن توضيح العمارة الديمقراطية.

بالطبع، هناك المزيد من التعلم من المحادثة الصفية، فهي مثيرة ومحفزة للتفكير الجيد ويحتاج إلى أن يكون مبني على علم. فإذا كان نموذج التعلم لدينا هو المشاركة في محادثة حول الأفكار، فإن ذلك سيكون أعمق وأكثر ثراء. إذا كان الطلاب مدعوين للمشاركة مع أفضل ما كان يعتقد ويقال، كما وضع ماثيو أرنولد في الثقافة والفوضى (1869).  هذه النظرة مكرسة في المفهوم التقليدي “الإعدادية”: أي القراءة التحضيرية قبل الدرس.  وقد تم إحياؤها في السنوات الأخيرة من خلال تعزيز ما يسمى “الفصول الدراسية المقلوبة”، حيث يتم تنفيذ مرحلة اكتساب المعلومات بشكل خاص قبل الدرس، ويترك الوقت للمهام أكثر تحديا فكريا للتحليل الجدلي والتحقيق الخطابي في الدرس.

هناك بعض الذين يسألون عما إذا كان أي شيء مثل “تعليم شخص للتفكير” هو ممكن، ولكن ذلك يحدث بشكل طبيعي بما يتناسب في ظل الظروف المناسبة.

كيف تتعلم أي شيء على الإطلاق؟  قال أرسطو نحن نتعلم من خلال الفعل وأنها ليست مسألة استيعاب المعلومات بشكل سلبي: انما التعلم يحدث عندما نحاول أن نفعل شيئا لإتقانه.

نحن نتعلم السباحة من خلال محاولة السباحة. وكذلك نتعلم العزف على الناي من خلال محاولة العزف عليه. وما لم يذكره ارسطو هو الحاجة إلى الإشراف: فنحن بحاجة إلى شخص يراقبنا ليقول لنا عندما نقع في الخطأ، وكيف نحسن من ذلك التعلم عن طريق الاشراف على محاولة.

يمكننا تطبيق هذا على السؤال التالي: كيف يمكن تعليم شخص ما للتفكير؟  يتعلم الطلاب التفكير من خلال التفكير، تحت العين الساهرة من قبل المعلم السقراطي الذي يعطي توجيهات حول كيفية تحسين عمليات التفكير. فمن خلال التوجيه السقراطي داخل مجتمع يمكن تحقيق المراد ثم أن عملية تشكيل المفكرين المستقلين تبدأ ولكن نموها وتنميتها يستغرقان وقتا طويلا، فالوقت للتفكير الأعمق غالبا ما يكون نقص في المعروض إذا كان كل ما يحدث في الفصول الدراسية هو أن وحدة واحدة من الدراسة تنجح والأخرى تتبعها بسرعه ويتم توفير سياق أفضل لرعاية العقول الشابة من خلال عمل المشروع.

تنفيذ المشروع هو عملية – وليس مهمة واحدة – ويحدث على مدى أسابيع أو حتى شهور. فيمكن أن يتم تطوير أفضل القيم وليس أقلها. وذلك بالتخطيط والمثابرة، والقدرة على الصمود، والتعلم من الأخطاء، والارتجال الإبداعي والتفكير النقدي المستمر. وما سبق يدل على قيمة عمل المشروع ضمن نموذج التعليم الذي يهدف إلى تطوير القدرة على التفكير المستقل.

في جميع أنحاء العالم، يتم امتصاص فرحة التعلم خارجا وخفض التعليم إلى عملية جافة، بلا روح من ‘التسليم’ تمليها متطلبات الاختبارات الموحدة

تدريس الطلاب على التفكير لأنفسهم هو هدف جدير بالثناء ولكن نقاد هذه الفكرة يلاحظون أن الغالبية التي تكرس نفسها لذلك تكافح لأجل إيجاد الطريق للمضي قدما قبل أن يتمكن الطلاب من التفكير بشكل مستقل ويكونون قادرين على إدارة الحجج التي تحتاج إلى قدر كبير من المعرفة والاطلاع.

هذه النقطة جيدة، ولكنها فعالة فقط كمعارضة لمفهوم ساذج للتعلم المستقل. يدعي مؤيدوها أن “الاكتشاف الحر”، الذي يعطى الطلاب حرية العنان لتحديد ما وكيفية التعلم، هو أفضل طريقة للجميع. غير أن مناصري التعليم كعملية لتجهيز الشباب للتفكير لأنفسهم يجب أن يعترفوا بأهمية نقل المهارات والمعلومات قبل أن يبدأ التحقيق الهادف.

هل تنصح ب “مدرسة التعلم المستقل للقيادة” لابن أحد الأصدقاء أو ابنته؟  نعم ولا. فلن يكونوا معجبين إذا كان الدرس الأول للقيادة فقط بتسليم المفاتيح وقالوا ان المتدرب يجب عليه الذهاب والتعلم من أخطائه.  ومن ناحية أخرى، نريد بالتأكيد أن يتعلم الناس القيادة بشكل مستقل؛ فيجب على المدربين أن يفعلوا ذلك بأنفسهم. وإن استصواب “التعلم المستقل”، بعد ذلك قد يحول بين فهم العلاقة بينه وبين التعليم التقليدي.

في نموذج معقول للتعلم المستقل، لا يفترض أن الطلاب قادرون على التفكير في أنفسهم.. وبدلا من ذلك، يتم تطوير هذه القدرة صراحة من خلال التدريس.. إنه فكر متناقض إلى حد ما، ولكن لا يزال صحيحا: يحتاج الطلاب إلى أن يدرسوا بأن يكونوا مستقلين ‎في المثال الذي بدأنا به، كان المعلم يوجه النقاش: قائلة نقاط الجدل الرئيسية وتسليط الضوء على استخدام العقل، تلخيص ونقد النقاط الجدلية وادخال المصطلحات، وشرح المفاهيم الهامة. تم تقديم قدر كبير من التوجيه، وإن لم يكن من قبل المعلم في الاساسي في الصف الذي يحاضر الطلاب على كيفية التفكير.

ولتعزيز قدرة الطلاب على التفكير بأنفسهم، من المهم ان يتعاون المعلم والطلاب في إدارة الانتقال للمراحل المسؤولية عن التعلم.  ففي البداية، وحتى بعض الطرق في هذه العملية، قد تكون قدر لا بأس به من التعليمات المباشرة ولكن سيكون من الواضح أن الغرض منه ليس سبب في حد ذاته، ولكن هذه الطريقة هي وسيلة لتطوير قدرة الطلاب على التفكير والعمل بشكل مستقل فيتم تدريسهم للتفكير لأنفسهم. ومع تطور ونمو هذه العملية تنمو الاستقلالية.

في هذه المرحلة، قد يسأل المعلمون عن تلك الاختبارات الهامة جدا.  لن تتأثر النتائج إذا استبدلنا “التدريس للاختبار” ب “التدريس للتفكير”؟  فالوقت الذي يتم قضاءه في تدريس الطلاب للتفكير هو ليس بالوقت الذي يقضى بشكل جيد، ولكن سوف تشعر بفوائده في جميع مجالات التعلم. فالطلاب الذين تم تدريسهم للتفكير والتحليل والنقد سيكونون أفضل جاهزية لتحديات الاختبارات. وسوف يكونوا أكثر مهارة في تفسير الأسئلة والانتقال من الاستنتاجات المهمة الى الاجابات الجدلية والتقييمية. باختصار، إذا تعلم الطلاب التفكير بشكل أفضل سوف يكون قادرين على التفكير بشكل أفضل حول ما يجب القيام به عندما تأتي الاختبارات. فالطلاب الذين يتم تدريسهم للتفكير لأنفسهم هم أفضل تجهيزا لمواجهة المجهول في المستقبل.

ومع ذلك، وعلى الرغم من المزايا الواضحة لتدريس الطلاب للتفكير فلسفيا، فإن أسلوب التعليم المهيمن لا يزال تقليديا بشكل ثابت وله طابع متقلب بشكل خاص.  ففي جميع أنحاء العالم، يتم امتصاص فرحة التعلم والتعليم خارج وخفض التعليم إلى عملية جافة، بلا روح من ‘التسليم’ تمليها متطلبات الاختبارات الموحدة وتهدف إلى تلبية مقاييس النتيجة المحددة خارجيا.

فضلا عن الإضرار بالتطور الفكري للطلاب، فإن هذا النهج المجحف القائم على تقييم غير مرغوب فيه اجتماعيا وسياسيا. ستكون نتيجة هذا التدريس التي لا يوجد فيها مجال للتحديات أو الخلاف أو الاستكشاف المفتوح للإجابات البديلة والأسئلة العميقة المتعلقة في الحياة هي عقول مغلقة الفكر وتفتقر إلى القدرة على التساؤل عما يقال له. فالمدارس التي تعمل بهذه الطريقة وتفشل في تزويد الشباب بالقدرة الدافعة على التفكير بشكل حاسم في التدفق المستمر للمعلومات الإلكترونية والمعلومات المضللة التي ننغمس فيها جميعا. وهم بذلك يخاطرون بتنشئة جيل غير مهيأ لمقاومة جاذبية البلاغة التبسيطية أو الشعبية أو الديماغوجية

وعلى النقيض من ذلك، فإن الطلاب الذين يدرسون يفكرون لأنفسهم أكثر استعدادا للحياة وأفضل تجهيزا لمواجهة أوجه عدم اليقين في المستقبل، والتفكير بشكل خلاق ومستقل، ولعب دور كمواطنين نشطين وعاكسين في عمليات صنع القرار الديمقراطي.  على الرغم من أن التركيز على التعليم الفلسفي يكمن وراء قابلية التوظيف، إلا أنه يقدم فوائد هنا أيضا، لأنه في عالم سريع التغير، لا يمكن التنبؤ بها، ومكان العمل في المستقبل يحتاج إلى غير المدربين تدريبا جيدا ولكن المبدعين والمفكرين المستقلين، الثقة الفردية التي لا يتوقعون من شخص آخر أن يخبرهم  الإجابة الصحيحة ولكن الذين يعرفون كيفية التفكير لأنفسهم وإيجاد سبل جديدة إلى الأمام.  وقال سقراط إن حياة الاختبارات لا تستحق. ولكن بالنسبة للطلاب الآن والتعليم فهي تدعى حياة الاختبارات. وأفضل شيء يمكن أن يحدث في المدارس ليس المزيد من إصلاح الهياكل والعمليات والمناهج الدراسية أو التقييم، ولكن إعادة اكتشاف الغرض السقراطي للتعليم، فهي الرؤية التي دفعته إلى الجلوس مع الصبي الرقيق والشاعر والسياسي على حد سواء، لإلهامهم لبدء التفكير لأنفسهم.

ومن السمات الملحوظة لهذه المحادثات السقراطية أن الصبي الرقيق الذي أصبح أفضل من القادة اليونانيين الذين يفترض أنهم أكثر دراية. يخرج أيضا من لقاءه مع سقراط بعد أن تعلم بعض الرياضيات، في حين أن تلك التي تهدف إلى معرفة ما كانوا يتحدثون أصبحت مربكة من عدم قدرتها على تقديم وصف لما كانوا يعتقدون أنهم يعرفون.

هذا يخبرنا شيئا ما حول نطاق وقوة الحوار السقراطي في التعليم. ربما كنت تعتقد أن مثل هذه الأساليب لا تعمل إلا مع ذوي الأداء المتميز والمتميز للغاية في نظام التعليم ولكن ستكون مخطئ. فقد أظهرت الأبحاث التي أجريت مؤخرا حول آثار الحوار الفلسفي على غرار سقراط مع أطفال المدارس الابتدائية أنها عززت أدائهم في القراءة والرياضيات.  وعلاوة على ذلك فقد كان أكبر أثر إيجابي على الطلاب المحرومين.  وقد لاحظت الدراسات أنه فضلا عن فوائد الحوار السقراطي المعرفية فانه ايضا يحسن ثقة الطلاب وجودة ما يقدمونه.

ولإغلاق فجوة الإنجاز في مدارسنا، دعونا نعود إلى حيث بدأ التعليم ونفعل ما فعله سقراط: الا وهو الجلوس مع طلابه ومحاورتهم وطرح الأسئلة وتعليمهم ما يهم أكثر الا وهو “كيف يفكرون لأنفسهم”.

المصدر:

https://aeon.co/essays/can-school-today-teach-anything-more-than-how-to-pass-exams

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *