كيف يمكن للمال أن يجلب لك السعادة

ترجمة: وفاء الشتوي
تدقيق:
مراجعة: هبة الصاوي
نُقلت هذه القصة من الطبعة الخاصة لتايم، علم السعادة، المتوفر في الأمازون.
“من قال أن المال لا يجلب السعادة فهو لا ينفقه بطريقة صحيحة.” فقد تتذكر دعايات لكزس منذ سنوات، و التي اختطفت لحظة صدام سيارة جاهز وانحرفت عن الحكمة التقليدية، لبيع سيارة فاخرة جداً لا أحد يحلم اطلاقاً بوضع لاصق صدام سيارة عليها.
مما جعل الإعلانات مثيرة للاهتمام جداً، ومغيظة جداً كذلك، و بدا كأنهم يقدمون حل بسيط و إن كان مكلفاً لقضية مشتركة: وهي كيف يمكنك تحويل الأموال التي تعمل بجد لكسبها إلى شيء مقارب للحياة الجيدة؟ فأنت تعلم أنه يجب أن يكون هناك بعض العلاقة بين المال و السعادة. فإذا لم تكن هنالك علاقة، فستكون احتمالية بقائك في العمل أقل (أو حتى الذهاب أصلاً) أو النضال لتوفير المال و الإستثمار بشكل مربح. لكن عندها، لما لا يكون تعزيز ربحك، بيت من خمسة غرف نوم و 401 كيلو دهون يسعدك؟ العلاقة بين المال والسعادة، تبدو، أكثر تعقيداً مما يمكن تخيله.
و لحسن الحظ، لا يتوجب عليك القيام بتحرير نفسك. فعلى مدى ربع القرن الماضي، اجتمع الإقتصاديون و علماء النفس لفرز الكيفيات و لما نعم ولما لا المتعلقة بالمال والمزاج. خصوصاً اللما لا. لماذا كلما زاد مالك، أردت المزيد؟ لماذا لا يجلب لك شراء سيارة أو شقة أو هاتف محمول تحلم به أكثر من مجرد لحظة سعادة؟
توصل علماء السعادة الجدد، في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة التي تبدو مزعجة، إلى بعض الأفكار و التي هي مبهجة بصراحة. فطلما أنك تعرف ما يمكنك توقعه وما لا يمكنك توقعه من المال، عندها يمكنه أن يجلب لك السعادة و لا يتوجب عليك حينها شراء لكزس لتكون سعيداً. و تشيرالكثير من الأبحاث إلى أن السعي إلى حياة جيدة في متجر هو ضرب من العبث غالي الثمن. فقبل أن تتمكن من متابعة السعادة بالطريقة الصحيحة، تحتاج إلى التعرف على الأخطاء التي كنت تقترفها.
معاناة المال
يبدأ علم السعادة الجديد بنظرية بسيطة: نحن لا نرضى إطلاقاً. تقول كاثرين ساندروس، أستاذة علم النفس في كلية أمهرست: ” نعتقد دائماً أنه إذا كان لدينا مالاً أكثر قليلاً، فسنكون أكثر سعادة، ولكن عندما نحصل على ذلك فإننا لا نكون كذلك.” ففي الواقع، كلما جنيت المزيد، كلما أردت المزيد. و كلما زاد ما تملك، كلما قلت فعالية جلب السعادة لك، وهذا التناقض يبدو أنه قد شوش الإقتصاديين لفترة طويلة. يقول دان جيلبرت، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب السعادة المتعثرة: ” عندما تحصل على الاحتياجات الإنسانية الأساسية، فإن الكثير من المال لا يزيد من السعادة.” و تبين بعض الأبحاث أن الإنتقال من كسب أقل من 20,000$ في السنة إلى أكثر من 50,000$ يجعلك مرجح مرتين لأن تكون سعيداً، ومع ذلك يتجاوز العائد 90,000$ وهو طفيف. و في حين أن الأغنياء أسعد من الفقراء، فإن الإرتفاع الهائل في مستويات المعيشة على مدى السنوات الخمسين الماضية لم يجعل الأميركيين أكثر سعادة. لماذا؟ لثلاثة أسباب:
أنك تبالغ في تقدير مدى المتعة التي ستحصل عليها من خلال امتلاك المزيد. فالبشر مخلوقات قابلة لللتكيف، و بالإضافة لفترة العصور الجليدية المتنوعة و الأوبئة و الحروب. و هذا أيضاً سبب عدم رضاك طويلاً عندما يأتي الحظ الجيد طريقك. في حين أن كسب المزيد يجعلك سعيداً على المدى القصير، فيمكنك التكيف بسرعة مع ثروتك الجديدة – و كل شيء يُشترى لك. نعم يمكنك الحصول على التشويق في البداية ابتداءً من السيارات الجديدة اللامعة و شاشات تلفاز بحجم لوحة بيكاسو غرنيكا. لكنك ستعتاد قريباً عليهم، و هي حالة دوران في مكان يدعوه اللإقتصاديون “حلقة المتعة المفرغة” أو “تكيف المتعة.”
فعلى الرغم من أن الأشياء نادراً ما تجلب لك الرضا الذي تتوقعه، فأنت لاتزال تعود إلى مركز التسوق و معرض السيارات للبحث عن المزيد. يقول جيلبرت: ” عندما تتخيل كم ستستمتع بسيارة البورش، فإن ما تتخيله هو اليوم الذي ستحصل عليها فيه. و استطرد قائلاً فعندما تفقد سيارتك الجديدة قدرتها على جعل قلبك يدق، فقد كنت حينها تميل إلى رسم استنتاجات خاطئة. فبدلاً من التشكيك في فكرة امكانيتك شراء السعادة على الكثير من السيارات، عليك البدء بالتساؤل عن اختيار السيارة. لذلك علق آمالك على سيارة BMW جديدة، فقط ليخيب أملك مرة أخرى.
فالمزيد من المال يمكن أن يؤدي أيضا إلى مزيد من التوتر. فالراتب العالي الذي تستلمه من وظيفتك العالية الأجر قد لا يجلب لك الكثير في سبيل السعادة. و لكن يمكن أن يجلب لك منزلاً واسعاً في الضواحي. المشكلة هنا تكمن في، أن هذا أيضاً يعني رحلة طويلة من و إلى العمل، و الدراسة تلو الأخرى يؤكد ما احساسك اليومي: حتى و إن كنت تحب عملك، إلا أن نسبة بسيطة من العذاب اليومي تدعى التنقل كفيلة بأن ترهقك. يمكنك التأقلم مع أي شيء، ولكن توقف حيناً وانطلق حيناً أخرى و إلا فإن قطار الأنفاق المكتظ سيجعلك حزيناً سواء أكان هذا يومك الأول في العمل أو الأخير.
فأنت بشكل لا نهائي تقارن نفسك بالأسرة المجاورة. و قد سخر السيد هـ.ل.منكن مرة من أن الرجل السعيد هو الذي يكسب 100$ أكثر من زوج شقيقة زوجته (عديله). لقد كان محقاً. فقد وجد علماء السعادة أن كيفية بقائك متواصلاً مع الأخرين يصنع فارقاً أكبر بكثير في احساسك بالعافية أكثر مما هو في المطلق.
فقد تشعر بلمسة حسد عندما تقرأ عن حياة الأغنياء البراقة بشكل سخيف، ولكن المجموعة التي من المحتمل أن تقارن نفسك بهم هم الأخرون وهو ما يدعوه إرزو لوتمر، خبير الإقتصاد في دارتموث “مماثلة الأخرين” – أي الأشخاص الذين تعمل مهم، و الأشخاص الذين نشأت معهم، و الأصدقاء القدامى، و زملاء الدراسة القدامى. كما يقول لوتمر: ” عليك أن تفكر،”كان بإمكاني أن أكون هذا الشخص.”
حيث وجد لوتمر، أنه من المؤكد، أن سعادتك يمكن أن تعتمد كثيراً على رواتب جيرانك، فمطابقة بيانات التعداد على العائدات مع البيانات السعادة المبلغ عنها ذاتياً من دراسة استقصائية وطنية. يقول لوتمر: ” إذا قارنت شخصين بنفس الدخل يعيش أحدهما في منطقة أغنى من الآخر، فإن الشخص في المنطقة الأكثر ثراء أقل سعادة.”
فميلك لمقارنة نفسك مع الرجل المجاور، مثل ميلك للنمو بملل مع الأشياء التي تحصل عليها، ويبدو أنها سمة بشرية عميقة الجذور. و يمكن القول أن عدم القدرة على البقاء راضياً واحدة من الأسباب الرئيسية، فقد انتقل رجل ما قبل التاريخ من كهفه المفتوح و بدأ ببناء الحضارة التي تسكنها الآن. لكنك لا تعيش في كهف، و ربما لا يتوجب عليك القلق حول بقائك على قيد الحياة. فيمكنك اتخاذ خطوة خارج دائرة السعادة المفرغة. و السؤال هو، كيف تفعل ذلك؟
سعادة المال
إذا أردت أن تعرف كيف تستخدم مالك لتصبح سعيداً، يجب عليك فقط معرفة ما الذي يجلب لك السعادة بالمقام الأول. و هذا ما أفادت به أحدث أبحاث السعادة.
فالأصدقاء و العائلة هم جوهرعظيم، فالسر الوحيد للسعادة؟ هو الأشخاص. حيث تشير دراسات لا حصر لها إلى أن وجود أصدقاء أمر مهم للغاية. وعلى سبيل المثال، فقد خلصت الدراسات الاستقصائية الواسعة النطاق التي أجراها المركز الوطني لبحوث الرأي التابع لجامعة شيكاغو (نورك)، إلى أن أولئك الذين لديهم خمسة أو أكثر من الأصدقاء المقربين يرجح أن يصفوا أنفسهم بأنهم “سعداء جداً” أكثر من أولئك الذين لديهم أوساط اجتماعية أقل. فبالمقارنة مع قوة السعادة المتزايدة من خلال العلاقة البشرية، فقوة المال تبدو ضعيفة في الواقع. لذا أقم حفلة، و حدد مواعيد غداء عادية – كل ما يلزم للاستثمار في صداقاتك.
و الأكثر أهمية لسعادتك هي علاقتك مع اقتدارك وتدعى ” نصفك الأخر.” يميل الناس في العلاقات السعيدة و المستقرة والملتزمة إلى كونهم أكثر سعادة من الأشخاص الذين ليسوا كذلك. ومن بين الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية التي أجرتها “نورك” في فترة السبعينات إلى التسعينيات، صرح 40 في المائة من المتزوجين بأنهم “سعداء جداً” ; بينما الذين لم يسبق لهم الزواج، كان حوالي الربع منهم فقط مبتهجاً جداً. ولكن هناك سبب وجيه للاختيار بحكمة. فالطلاق يجلب البؤس لجميع المعنيين، و إن كان أولئك الذين استمروا بالزواج السييء هم الأكثر تعاسةً من بين الجميع.
في حين أن الزواج الصحي هو داعم واضح للسعادة، والأطفال الذين يميلون إلى الإقتداء هم أكثر من نعمة ونقمة في آن معاً. و قد جاءت دراسات الأطفال و السعادة أكثر قليلاً من فوضى البيانات المتضاربة. يقول توم غيلوفيتش، عالم النفس في جامعة كورنيل: “عندما تأخذون قراءات لحظات تلو الأخرى عن كيفية شعور الناس عندما يهتمون بالأطفال، فإنهم ليسوا سعداء في الواقع”. وأضاف “لكن إذا سألتهم فإنهم يقولون أن الأطفال هم أحد أكثر الأمور متعة فى حياتهم”.
فالقيام بالأشياء يمكن أن يجلب لنا المزيد من الفرح أكثر من امتلاك الأشياء. انشغالنا بالأشياء يحجب حقيقة هامة: وهي أن الأشياء التي لا تدوم تخلق السعادة الأكثر دواماً. هذا ما وجده جيلوفيتش و ليف فان بوفن من جامعة كولورادو عندما طلبوا من الطلاب مقارنة المتعة التي حصلوا عليها من أحدث الأشياء التي اشترواها مع تجارب (ليلة، عطلة) انفقوا المال عليها.
قد يكون أحد الأسباب أن الخبرات تميل إلى الإزدهار كما تسميهم، ليس إلى التدنِي. يقول جيلوفيتش: “في ذاكرتك، أنت حر في التجميل و التوسع.” قد تكون رحلتك إلى المكسيك موكب لا نهاية لها من متاعب تتخللها بضع لحظات رائعة. و لكن بإعادة النظر إليها، يمكن لدماغك حذف سائق الأجرة العابس، وتذكر فقط غروب الشمس المجيدة. لذا في المرة القادمة إذا إعتقدت أن تنظيم عطلة هو أكثر صعوبة مما يستحق – أو يكلفك فوق طاقتك – عامل في الأثر المتأخر.
بالطبع، الكثير مما تنفق المال عليه يمكن أن يعتبر شيئاً، تجربة أو قليلاً من الأثنين. فكتاب غير مقروء يجلس على رف الكتب هو شيء؛ انغماسك بكتاب بحماس، و تذوقك كل حبكة، هي تجربة. يقول جيلوفيتش أن الناس يعرِفون ما هو تجربة و ما ليس كذلك بشكل مختلفة. ربما هذا هو المفتاح. وهو يشك في أن الناس الذين هم أسعد هم أولئك الأفضل الذين يكتسبون الخبرات من كل شيء ينفقون المال عليه، سواءً أكان ذلك دروس الرقص أو أحذية المشي لمسافات طويلة.
فبذلُك جهداً على شيء صعب يجعلك سعيداً. فنحن مدمنون على التحديات، و في كثير من الأحيان عندما نعمل على تحقيق هدف نكون أكثر سعادةً من بعد تحقيقه. كما تساعدك التحديات على تحقيق ما يدعوه عالم النفس ميهالي كسيكسنتميهالي حالة “الإنسيابية”: يمدك اجمالي الإستيعاب في شيء إلى حدود قدراتك، العقلية أو البدنية. شراء نوادي الجولف بـ1,000$ ؛ و دفع ثمن دروس الموسيقى بـ 50$ في الساعة.
الإنسيابية تتطلب جهداً
مع ذلك، عليك تعلم العزف على مستويات الغيتار قبل أن تتمكن من فقدان نفسك في فان هالين – إسكو سولو – لكن الرضا الذي تحصل عليه في النهاية أكبر مما يمكنك استخراجه من الكثير من المساعي السلبية. فعندما يُسأل الأشخاص عما يجعلهم سعداء من لحظة إلى أخرى، فمشاهدة التلفاز تحتل المرتبة الأعلى. و لكن الأشخاص الذين يشاهدون التلفاز بكثرة يميلون إلى كونهم أقل سعادة من الأشخاص الذين ليسوا كذلك. فالإستلقاء على الأريكة مع جهاز التحكم عن بعد يساعدك على إعادة الشحن، ولكن لتكون سعيداً حقاً، تحتاج إلى المزيد في حياتك أكثر من الملذات السلبية.
تحتاج إلى العثور على الأنشطة التي تساعدك على الوصول إلى الحالة الإنسيابية. يمكنك أن تجد الإنسيابية في العمل إذا كان لديك الوظيفة التي تثير اهتمامك و تتحداك والتي تمنحك السيطرة الكافية على مهامك اليومية. ففي الواقع، قام باحثين في جامعة كولومبيا البريطانية بدراسة واحدة تشير إلى أن العمال سيكونون سعداء للتخلي بقدر 20٪ عن الزيادة إذا كان ذلك يعني وجود وظيفة مع المزيد من التنوع.
و منذ وقت ليس ببعيد، اعتقد معظم الباحثين أن لدى الشخص نقطة سعادة محددة يتمسك بها بشكل كبير على مدى الحياة. وقالت إحدى الصحف الشهيرة أن “محاولة أن تصبح أكثر سعادة” قد تكون “غير مجدية كمحاولة أن تكون أطول”. وقد أنكر منذ ذلك الحين مؤلف تلك الكلمات، و بدأ الخبراء بشكل متزايد يرون السعادة على أنها موهبة وليست سمة فطرية. و يبدو أن الأشخاص السعداء لديهم مجموعة من المهارات بشكل استثنائي – و منها تلك التي يمكنك أيضا تعلمها.
وجدت سونيا ليوبوميرسكي، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، أن الأشخاص السعداء لا يضيعون الوقت في التعلق بأشياء غير سارَة. فهم يميلون إلى تفسير الأحداث الغامضة بطرق إيجابية. وربما الأكثر وضوحا، أن نجاحات الآخرين لا تزعجهم. تقول ليوبوميرسكي إنها عندما سألت الأشخاص الأقل سعادة الذين قارنوا أنفسهم بهم، “استمروا بذلك”. وتضيف: “الأشخاص السعيدون لم يعرفوا عما كنا نتحدث”. فهم لا يجرؤون على المقارنة، – و بالتالي فتعميم قصير هو مقارنة اجتماعية غير عادلة.
هذه ليست الطريقة الوحيدة لجعل نفسك تنفق أقل و تقدر ما لديك أكثر. حاول أن تحمد ربك. فعلاً. في سلسلة من الدراسات، وجد عالمي النفس روبرت إيمونز من جامعة كاليفورنيا، ديفيس، ومايكل ماكولوغ من جامعة ميامي أن أولئك الذين قاموا بتمارين لتنمية مشاعر الإمتنان، مثل الذين يحتفظون بالمجلات الأسبوعية، ينتهي بهم المطاف بالشعور بالسعادة، و الصحة، و النشاط، و التفاؤل أكثر من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.
و إذا لم تستطع تغيير طريقة تفكيرك، فباستطاعتك على الأقل تعلم المقاومة. يطلِق القيام بالتسوق العنان لدوافع القناصين البدائيين المجمعين. فعندما تكون في حالة التوتر تلك، فإنك تميل إلى الحكم بشكل سيء للغاية عن المنتج الذي ستفكر فيه عندما تهدأ لاحقاً. لذا قبل أن تستسلم لرغبتك، أعطي نفسك مهلة. و تتبع خلال الشهر المقبل، عدد المرات التي تقول لنفسك: أتمنى لو كان لدي كاميرا! إذا كنت في مجرى حياتك لا تجد نفسك تقريباً في انتظار الكاميرا، فانسى الأمر و أمضي قدماً، بسعادة.
أحدث التعليقات