اشتر تجربة!

ترجمة بتصرف: (لمقالة
Buy Experiences, Not Things
(by JAMES HAMBLIN

قيل أن الشرود الذهني للإنسان يأخذ ٤٧٪ من وقته، أي يكون الإنسان شارد العقل ثلث وقته!

فسواءً كان ذلك اثناء قراءتك لكتاب ما أو تحدثك مع صديق عزيز، خلال إهتمامك بأطفالك أو حتى أثناء الإتصال العاطفي، يشرد ذهنك في كل ذلك حوالي ١٠٪، وهذا الأمر غير صحي أبدًا، فتركيزك ينبغي أن يكون على اللحظة التي تعيشها الآن، لا التي تليها ولا ماسبقتها وذلك وفقًا لدراسة ماثيو كيلينقسورث -الدكتور في علم النفس-.

فخلال تدريبه في جامعة هارفرد،جمع كيلينقسورث كل الإحصائيات والدراسات العلمية المتعلقة بموضوع (عيش اللحظة)، وفي عام ٢٠١٠ قدم ورقة علمية بمشاركه مع دانيال غيلبرت -استاذ في علم النفس- واتفقا على أن “العقل الشارد عقل غير سعيد” ويعنون بذلك من يشغل عقله بمستقبله أو ماضيه.

بالنسبة لكيلينقسورث، السعادة تكمن في عيش اللحظة والإستمتاع بها، وليس للأشياء المادية قيمة أو تأثير.

والقناعة بما تملك -من الأشياء المادية- لا تأتي في لحظة، بل تأتي حين تتفاءل بمستقبل أفضل أو تحنّ لماضٍ كان أفضل، وعلى كل حال من عجائب العقل البشري أنه قادر على تذكر الماضي والتفكُر في المستقبل في ذات اللحظة، وبناءً على ذلك يعتقد العلماء أن العقل حين يشرد يركز على شيء مبهم، على شخص أو مكان أو حادثة، شرود فقط بدون ذكريات!

وأثبتت عدد من الدراسات التي قد أجريت في العقد الماضي، أن التجارب التي يخوضها الناس تشعرهم بالبهجة أكثر من الأشياء التي يملكونها بالأساس، ويعني بالتجارب الأمور المعنوية لا المادية.

وقد كانت فكرة أن اكتساب التجارب نافعة أكثر من الأمور المادية قد أخذت وقتًا طويلًا  من مجال توماس جيلوفيتس -بروفيسور في علم النفس-، فمن عام ٢٠٠٣ ميلادي وهو يحاول أن يستكشف لماذا اكتساب تجربة ما قد يكون أفضل من اكتساب أمر مادي!

وفي مجلة (علم النفس): عمل جيلوفيتش وكيلينقسورث جنبا إلى جنب مع أميت كومار، توصلوا لحقيقة أن صرف المال على التجارب الجديدة مثل السفر أو حضور حفل موسيقي هو أمر يستحق الإنفاق عليه.

فانتظار تجارب جديدة لخوضها أمر مشوق حقًا وأكثر بهجة من الحصول على منتجات مادية حقيقية، وكمثال على ذلك انظر للفرق بالنسبة لك في انتظار هاتف جديد أو انتظار رحلة لتسلق الجبال مع أفضل اصدقائك، وأيهما أكثر بهجة بالنسبة لك شراء حقيبة فاخرة أم سفرة سياحية خارج البلاد؟!

وبالنسبة للدكتور جلوفيتش، لاحظ أن التجارب المعنوية تميل إلى جعل الناس أكثر راحةً وإنسجام في العمل، فكثير من الموظفين يحتارون في الراتب، أعلى من أقرانهم في العمل أم أقل، أتصدق ذلك؟! فحيرتهم تكمن في الإجازات والمؤتمرات الخارجية، أتفضّل إجازة اسبوعية لمدة يوم براتب أعلى من إجازة يومين؟! وفي الإجازات الصيفية أتفضل إجازة شهر أم شهرين؟! فقد لاحظ جليوفيتش أن بعض الموظفين يختارون إجازة شهر مع قليل من التردد!

في الحقيقة إنه أمر غير منطقي لو تأملت فيه، فصرف المال على تجربة ما -رحلة للسفاري مثلا- حين تنتهي لا يبقى الإ ذِكراها أما حين تصرفه على شيء مادي -أثاث جديد- فإنه حتما سيبقى لفترة طويلة.

وحقيقة أخرى أن معظمنا لديه القدرة على التكيف بسرعة مع أشيائه المادية وقد تفقد قيمتها بمرور الزمن كالهواتف، الملابس، الأثاث، وبالمقابل  أشيائنا المعنوية تبقى، فذكريات وتجاربنا تصبح أجمل مع مرور الوقت حتى السيئة منها، فهي تنمي على مستوى الفرد الإتصال الإجتماعي وتؤثر في سلوكه وتعامله.

تخيل نفسك في زيارة عائلية للشاطيء ثم ينزل المطر! بعض الأشخاص قد يعود أدراجه والبعض كما قال اميت كومار: “سيبقون ويتمتعون بالجو وربما يكملون الشواء وتزداد لديهم الرابطة الأُسرية” فحتى لو كانت تلك لحظة سلبية بعد ذلك بالنسبة لأرواحهم ستصبح تجربة إيجابية وذكرى لا تنسى، وهذا الأمر يصعب تحقيقه مع الأمور المادية.

ويَحكي في مثال مادي لطيف: “حين يتوقف سهم جهاز الكمبيوتر عن الحركة لا يمكنني أن أقول لنفسي لنستمتع بهذه اللحظة فالجهاز قد تعطل، وحتى إن أصبح يعمل بشكلٍ بطيء لقد عشنا وقتًا طويلًا  مع بعضنا البعض” ويقصد بذلك أن مشاعرك نحو أشيائك المادية ثابتة لا تتغير ايجابًا كانت أم سلبًا.

تلك الأشياء التذكارية التي تشتريها حين تقصد مكانًا جديدًا مثل كوب عليه اسم مدينة قمت بزيارتها، تلك ماديات ذات قيمة عالية بالنسبة لصاحبها ومادة رائعة للحديث، فحين يسألك أحدهم عن طريقة حصولك على هذا الكوب سيبدو الحديث ممتع حين تتحدث عن رحلتك تلك، وتعليق كومار على ذلك: “بالنسبة للآخرين فهم لا يحبذون سماع مغامراتك الشرائية لأمر ما، وبالمقابل يستمتعون بحديثك عن أمر مفاجئ حصل لك يومًا”.

لا يمكنك تخيل مدى إنجذاب الناس لأحداث حياتك فهو الحديث الفعّال، العُقلاء فقط من يعرضون تجاربهم في الحياة بدلًا  من ممتلكاتهم، وهذا أساس التواصل الإجتماعي.

وبالنسبة لكومار فالجزء المثير في إستنتاجات هذه الدراسة أثرُها البارز في العالم الواقعي، ففي تشخيص للناس حين يصطفون أمام محل لديه تخفيضات أو أمام محلات شركة آبل لشراء جهاز جديد، تكون أعصابهم مشدودة وسريعي الغضب، بعكس أشخاص يصطفون لشراء تذاكر ديزني لاند مثلا أو لتجربة مطعم جديد فحالتهم المزاجية تكون إيجابيةً أكثر.

فالأمر المهم بخصوص السعادة هو أن خلفها أمر ذو قيمة ومعنى، فحين يسألك أحدهم عن معنى السعادة يكون بتجربة شعور ما أو أمر ما، وتوصلت الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يصرفون بسخاء وبهجة على الأمور المعنوية يكونون أكثر إنسجاماً مع النشاطات الإجتماعية.

أغمض عينيك وتخيل معي تجربة فريدة من نوعها تطمح لخوضها  كالسباحة في المحيط مثلًا، صور ومشاعر كثيرة تتدفق لمخيلتك بتخيلها فقط، وجرب معي تخيل  أمر مادي ترغب بإقتنائه كساعة باهضة الثمن، ما يأتي لمخيلتك عنها هي صورة هذا المنتج يلتف حول معصمك فقط، وهذه فرضيةٌ مثيرة للإهتمام حقًا، فحجم المشاعر وقوة الخيال تجاه الأمرين يختلف تمامًا.

وإحدى مُتع التجارب هو التخطيط لها من قبل، سواءً إستغرق الأمر يوم أو اسبوع أو سنة، وهذه المتعة تتفوق على التخطيط لشراء شيء ما.

وفي الأخير هناك نوعان من الناس في هذه الدراسة، فالتجارب الحقيقية تحتاج لأشخاص متفائلين ويسعون للمغامرات الجديدة ويشغلهم الخيال في العقل أكثر، وآخرين لايحبون المفاجأت ولا تقنعهم إلا الأمور الحسية ويشغلهم الواقع في العقل غالبًا، وكما قال جيلوفيتش : “ لا يمكن توفير أساسيات العيش بالتجارب المعنوية، كالمنازل والحدائق والغِذاء بقدر ماتفعل الأمور المادية” فلكل تجربة جمالها ولكل مادة أهميتها، الأمر المهم أن لا يسيطر جزء على حساب الآخر، هنا حيث يكون للإتزان معنى.

المصدر:

JAMES HAMBLIN : Buy Experiences, Not Things

أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *