أتتبع شغفك في العمل؟ دعه هو يتبعك

كتب نيوبورت كتابًا يشرح فيه لماذا النصيحة الشهيرة “اتبع شغفك” هي سيئة أو ربما خطيرة واختير كتابه ضمن أفضل الكتب لعام 2012. في المقالة أدناه يشرح نيوبورت ذلك باختصار مستدلاً بتجربتة الشخصية. حظيت هذه المقالة في صحيفة نيويورك تايمز بالاهتمام وكانت الأكثر تداولا بين الأصدقاء على مدى أسبوع.
في 2004 وخلال عامي الأخير في الكلية، واجهت صعوبة في اتخاذ قرار بشأن عملي في المستقبل، وكنت قد حصلت على عرض للعمل بشركة مايكروسوفت بالإضافة إلى خطاب قبول في برنامج الدكتوراه بقسم علوم الحاسوب في معهد ماساتشوستس للتقنية، وكنت أيضا قد سلمت مخطوطة كتابيَ الأول والذي فتح لي الباب بأن أكون كاتبا بدوام كامل، هذه ثلاث مسارات وظيفية مختلفة تمامًا، وكان يجب علي اختيار أكثرها ملائمة لي.
سيكون اتخاذ هذا القرار للعديد من أمثالي محفوفًا بالقلق، فلقد كبرنا وقيل لنا من قبل مستشاري التوجيه، وكتب الإرشاد المهني، ومن وسائل الإعلام وغيرها بأن “نتبع شغفنا”. تفترض هذه النصيحة أنه يوجد بداخلنا جميعا شغف لشيء ما ينتظر الاكتشاف، وفي حال كانت لدينا الشجاعة لاكتشاف هذا الصوت بداخلنا وربطه بما يوفر لنا قوت الحياة – يخطو التفكير خطوة للأمام – سنكون سعداء! وإذا ما افتقرنا لهذه الشجاعة فسينتهي بنا المطاف بالضجر – أو ربما أسوأ، في كلية الحقوق.
هذه النصيحة منطقية لقليل من الناس لأن لديهم شغفًا واضحًا، ربما هم دائما ما أرادوا أن يصبحوا أطباء، أو كتّابًا، أو موسيقيين أو غيره، ولا يمكن تصور كونهم أي شيء آخر.
لكن هذه الفلسفة تُطبِق الكثير من الضغوط علينا نحن البقية وتتطلب تفكيرا مطولا. وتحذرنا في حال لم نكن متيقظين أنه قد ينتهي بنا المطاف بفقد ذاك الصوت الصادق بداخلنا، وحتى بعد أن نقرر ونختار، فإننا نظل تحت سيطرة هذة الفلسلفة. ففي كل مره نواجه صعوبة في العمل، نجد أنفسنا نندفع نحو أزمة وجودية تتمحور على سؤال مقيت وبلا إجابة: “هل هذا هو حقا ما يفترض بي فعله؟” هذا الشك المستمر يولد القلق والتنقل المتكرر بين الوظائف.
بينما كنت أدرس الخيارات الثلاث المتاحة أمامي، كنت على إدراك تام بكل مايتعلق “بعبادة الشغف” ومتطلباته. ولكني اخترت أن أتجاهله. قادتني فلسفة وظيفية أخرى بدلا عن تلك تستند على فرضية بسيطة وهي: السمات التي تجعل الناس يحبون عملهم هي سمات عامه ولها علاقة ضئيلة مع تفاصيل العمل ذاته. هذه السمات تشمل: الشعور بالاستقلالية، وبأنك جيد في ما تفعله، وبالتالي تؤثر على العالم من حولك. كما أن الأبحاث حول تحفيز مكان العمل على مدى عقود من الزمان تدعم هذه الفرضية. (يقدم كتاب “الحافز” لدانيال بينك مختصرا لطيفا حول هذا الموضوع)
ممكن لهذه السمات أن توجد في أعمال شتى، ولكن يجب أن تُكتسب فالمهارات القيمة تتطلب الوقت والجهد لبنائها. فالسؤال الصحيح لأي موظف في عمل جديد ليس: “ماذا سيقدم لي هذا العمل؟” بل “ماذا سأقدم أنا لهذا العمل؟”.
عودة لقصتي، بعد القليل من التروي قررت الذهاب إلى معهد ماساتشوستس للتقنية. وببقائي مخلصا لفلسفتي المهنية البديلة، كنت واثقا أنه من الممكن تحويل الخيارات الثلاث التي أمامي إلى منبع للشغف، وهذه الثقة حررتني من القلق حول ما إن كان قراري صائبًا أم لا. اخترت المعهد بسبب تفضيل بسيط للساحل الشرقي، وسأكون بمستوى مماثل من الرضى لو اخترت مقر مايكروسوفت قرب مدينة سياتل، أو ـ مع ظهور كتابي الأول ـ قطنت بمدينة هادئة وكتبت.
خلال سنواتي الأولى وأنا طالب في الدراسات العليا، لم أنعم إطلاقا بالاطمئنان بأني في المكان الصحيح. بداية التحضير للدكتوراه قد يكون شاقًا إلى حد ما. فأنت حتى الآن لست متمكنًا بشكل كاف حتى تقدم أبحاثًا في هذا المجال وذلك قد يكون مثبطًا بعض الشيء. وفي مكان مثل معهد ماساتشوستس للتقنية، أنت محاط بأناس بارعين وذلك يجعلك تتساءل ما إن كنت تنتمي لهذا المكان أم لا.
فلنفترض أنني تبعت معتقد “اتبع شغفك”، فإني على الأرجح سأكون قد تركت المكان خلال سنواتي الأولى قلقًا لعدم شعوري بالحب تجاه عملي كل يوم. لكني علمت أن شعوري بالإنجاز سينمو مع مرور الوقت وبعد أن أصبح أفضل في عملي؛ لذلك عملت بجد وكلما ازددت جدارة، كلما ازداد انتمائي.
اليوم.. أنا بروفيسور في علوم الحاسوب بجامعة جورجتاون وأحب عملي. الدرس الأهم في تجربتي هو أن هذا الحب لا علاقة له باكتشافي له في سن مبكرة. لم يكن هنالك أي سبب خاص وراء اختياري هذا المسار تحديدًا. المهم هو مافعلته بعدما اخترته.
الشباب الذين دائما ما يتسائلون إن كان العشب أكثر اخضرارًا في الجهة الأخرى من السياج، إليكم هذه النصيحة:
الشغف ليس شيئا تتبعه؛ هو شيء سيتبعك إذا ما عملت باجتهاد لتكون ذا قيمة للعالم.
أحدث التعليقات