وهم قاعدة العشرة آلاف ساعة

ترجمة بتصرّف لمقال: (The false promise of the 10,000 hour rule
by Anne Laure Le Cunff)
مصدر الصورة: Unsplash
ترجمة: هالة فيصل TrHalah@
تدقيق ومراجعة: نورة العيسى
تحب ثقافتنا الخبراء، سواء كانوا رياضيين أو طهاة أو موسيقيين، ويعد بعض من أبرز المشاهير سادة حرفتهم، حيث نُعجب بالساعات الطويلة التي يكرسونها لممارسة المهارات ذاتها مرارًا وتكرارًا حتى تصبح عادة مكتسبة.
في عام ٢٠٠٨، نشر مالكوم جلادويل كتابه المشهور «المتميزون» (بالإنجليزية: Outliers) الذي يستكشف فيه سبب زيادة إنجازات المتميزين عن غيرهم. كما ذُكرت فيه دراسة أُجريت على طلبة الكمان في أكاديمية ألمانية للموسيقى. من موجز الكتاب: «إن العديد من المميِّزات التي كان يُعتقد أنها تعكس المواهب الفطرية هي في الواقع نتيجة للممارسة المكثفة الممتدة إلى ١٠ سنوات على الأقل». وأطلق مالكوم جلادويل عليها اسم قاعدة الـ١٠,٠٠٠ ساعة، وماهيتها أن تتعلم ما تشاء لمدة ١٠,٠٠٠ ساعة لتتقنه.
لا يأتي الإتقان بالممارسة
أولاً، لم يكن موضوع الدراسة تعلُّم أمر ما لفترة محددة من الوقت، بل كان حول التدريب الموزون. ويعد هذا النوع من التدريب منهجيًا وهادفًا، يهدف إلى تحسين الأداء، ويتطلب اهتمامًا مركّزًا لا تكراراتٍ طائشة. والأهم من ذلك، أنه يبدو بأن الباحث الرئيسي للدراسة لا يتفق مع قاعدة الـ١٠,٠٠٠ ساعة السحرية.
«أساء الفهم، فاعتقد أن كلا منهم يقضي ما لا يقل عن ١٠,٠٠٠ ساعة في التدريب، وهكذا عَبَر هذه الحدود السحرية بطريقة ما (…) كانوا طلبة واعدين رائعين للغاية، وقد كانوا على الأرجح في طريقهم ليصبحوا الأفضل في مجالهم، ولكن ما زال أمامهم طريق طويل ليقطعوه في الدراسة».
الباحث والعالم النفسي أندريس إيريكسون من جامعة ولاية فلوريدا (المصدر).
وأخيرًا، لعل الإشكالية في قاعدة الـ١٠,٠٠٠ ساعة هي فقدان الدراسة لما يشير إلى إمكانية أي شخص بأن يصبح خبيرًا في أي مجال بعينه من خلال ممارسته إياه لمدة ١٠,٠٠٠ ساعة، حتى وإن كانت ممارسته مدروسة. لإثبات ذلك، يتعين على الباحثين اختيار عينة عشوائية من الناس الذين خصصوا ١٠,٠٠٠ ساعة للتدريب؛ ليروا ما إذا كانت النتائج ذات دلالة إحصائية.
كل ما أثبتته الدراسة هو أن أفضل عازفي الكمان كرسوا ساعات أكثر للممارسة المدروسة من عازفي الكمان الجيدين، وذلك أمر مثير للاهتمام لكنه بالطبع ليس وعدًا بالخبرة.
وفي الواقع، تُظهر دراسة بحثية أجرتها جامعة برينستون مؤخرًا أدلة على أن الممارسة لا تمثل سوى اختلافٍ بنسبة ١٢٪ في الأداء في مختلف المجالات.
- ١٨٪ في الرياضة
- ٢١٪ في الموسيقى
- ٢٦٪ في الألعاب
شرح فرانس جوهانسون في كتابه The Click Moment، أن الممارسة المدروسة والمتكررة تعمل بطريقة أفضل في المجالات ذات التكوين المستقر، مثل الشطرنج والموسيقى الكلاسيكية والتنس، حيث أن قواعدها لا تتغير. ولكن، عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال والمجالات الإبداعية الأخرى، فإن القواعد تتغير طوال الوقت، مما يجعل الممارسة المدروسة أقل فائدة.
إن كان الإتقان لا يأتي مع الممارسة، كيف لنا أن نتقن المهارات الجديدة؟
عدد المهارات يفوق أهمية إتقانها
يعد «الحجب» استراتيجية تعلُّم تتمحور حول التركيز على مهارة واحدة قبل الانتقال إلى أخرى، وتستخدم تقليديًا في المدارس لتعليم الطلبة. وفي المقابل، يعتمد «التداخل» على ممارسة عدة مهارات متشابهة في آن واحد.
حيث أظهرت البحوث أن توزيع المعلومات عشوائيًا يبقي دماغك في حالة تأهب، مما يساعد على تخزين المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد، وهذا يعني أنه بإمكانك الاستفادة من التغيير في المرة القادمة التي تريد فيها دراسة موضوع جديد. على سبيل المثال، دراستك للبرمجة مع تصميم تجربة المستخدم ستفيدك فائدة كبيرة مقارنة بحضورك جلسة برمجة مطوّلة.
لن تكون عملية التعلم أفضل وأسرع فحسب، بل ستسهم في نجاحك على المدى البعيد أيضًا. يوضح ديفيد جي إبشتاين في كتابه (Range: Why Generalists Triumph in a Specialized World) أن فرص نجاح الخبراء العامين أكبر من فرص نجاح المتخصصين، لا سيما في المجالات المعقدة.
«يجيد الثعلب أمورًا عدة، بينما يجيد القنفذ أمرًا واحدًا».
مثل يوناني قديم
إن الخبرة الزائدة قد تضر، يشارك فيليب اي تيتلوك في كتابه الكلاسيكي تجربة طُلب فيها من الخبراء السياسيين والاقتصاديين وضع تنبؤات، تبين فيها أن ١٥٪ من النتائج التي اعتبرها الخبراء مستحيلة حدثت على أية حال، وربع ما كان شبه مضمونًا منها لم يتنبأ به أحد.
المثير في الأمر أنه كلما زادت خبرة هؤلاء الخبراء ومؤهلاتهم، كانت توقعاتهم أبعد عن الواقع. وفي المقابل، من كان لديه نطاق معرفة أوسع من المشاركين ولم يلتزم بمجال خبرة معين كانت تنبؤاته أفضل.
إذا كنت صانعًا، فإن قدرتك على رؤية أنماط جديدة وتوليد أفكار عبر مجالات لا يقوم الناس فيها عادة بإنشاء أي صلة هي قوة عظمى. وهذه القوة العظمى نادرًا ما تأتي مع الخبرات العميقة في أحد المجالات المميزة على حساب مجالات المعرفة الأخرى.
لذلك انسَ قاعدة الـ١٠,٠٠٠ ساعة، وعندما تشعر بالرغبة بتعلم أمر جديد لا يتناسب بدقة مع خبراتك في المرة القادمة، امض قدمًا وافعلها.
أحدث التعليقات