ذخيرة مخلفات الحروب في قاع المحيط
ترجمة: Malak Alsubaie تم التخلص من مليون طن على الاقل من الاسلحة الكيميائية في المحيطات بين عامي 1919و 1980 والآن ماذا ؟ بواسطة آندرو كوري – تم النشر في 10 نوفمبر 2016 قبل الساعة 10:10 في ليلة صيف دافئة في عام 1917، حمل الجنود الألمان نوعا جديدا من الأسلحة في مدفعيتهم وبدأوا في قصف خطوط […]
ترجمة: Malak Alsubaie
تم التخلص من مليون طن على الاقل من الاسلحة الكيميائية في المحيطات بين عامي 1919و 1980 والآن ماذا ؟
بواسطة آندرو كوري – تم النشر في 10 نوفمبر 2016
قبل الساعة 10:10 في ليلة صيف دافئة في عام 1917، حمل الجنود الألمان نوعا جديدا من الأسلحة في مدفعيتهم وبدأوا في قصف خطوط العدو بالقرب من إيبر في بلجيكا وأصدرت القذائف، المحفورة مع الصليب الأصفر الساطع، صوتا غريبا كما تبخرت محتوياتها جزئيا وبعثت سائل زيتي فوق خنادق الحلفاء
كانت رائحة السوائل مثل نبات الخردل، وفي البداية بدا أن لها تأثير ضئيل ولكنها كانت ممتصة في الزي العسكري للجنود، وفي نهاية المطاف بدأت تحرق جلود الجنود وتُلهب أعينهم وفي غضون ساعة أو نحو ذلك، توجب نقل الجنود المعميين قبالة الميدان نحو “محطات علاج المصابين”. وكان الجنود المصابون يرقدون في الأسرة النقالة، ويئنون بسبب تَكًوُن التقرحات على أعضائهم التناسلية وتحت أذرعتهم؛ وكان بعضهم بالكاد يتنفس
احتوت القذائف المجهولة على كبريت الخردل، وهو مركب كيميائي سائل مخصص للحروب وعادة ما يحمل اسم “غاز الخردل” وكان الهجوم الألماني في “ابريس” أول مرة ينشر فيها غاز الخردل، لكنها بالتأكيد لم تكن المرة الأخيرة: وقُتل ما يقرب من 90 ألف جندي في هجمات غاز الخردل خلال الحرب العالمية الأولى وعلى الرغم من أن اتفاقية جنيف قد حظرت الأسلحة الكيميائية في عام 1925، واصلت الجيوش تصنيع غاز الخردل وغيره من الأسلحة المماثلة طوال الحرب العالمية الثانية.
وعندما حل السلام أخيرا في عام 1945، واجهت القوات العسكرية العالمية مشكلة كبيرة وهي: عدم معرفة العلماء كيفية تدمير الترسانات الهائلة للأسلحة الكيميائية وفي نهاية المطاف، اختارت روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى حد كبير ما بدا كأسلم وأرخص طريقة للتخلص من الأسلحة في ذلك الوقت وهي: التخلص من الأسلحة الكيميائية مباشرة في المحيط. وحمًلت القوات السفن بأكملها بأطنان من الذخائر الكيميائية – وكانت أحيانا مغطاة بالقنابل أو قذائف المدفعية، وأحيانا كانت تُصَب في براميل أو حاويات أخرى ثم قاموا برفع الحاويات على متن السفن أو أغرقوا السفن في البحر، وتركوا سجلات غير مكتملة أو غير دقيقة للمواقع والكميات التي تم إلقاءها في المحيط.
وقد أصيب ما يقرب من 17500 جنديا من المملكة المتحدة والإمبراطورية البريطانية بجروح أو قتلوا بسبب غاز الخردل خلال الحرب العالمية الأولى، بما في ذلك هؤلاء الكنديون المدمرون صورة شاوشوتس / ألامي من مكتبة الصور
وقدًر الخبراء أنه يوجد مليون طن من الأسلحة الكيماوية في قاع المحيط- بدءا من ميناء باري الإيطالي حيث تم الابلاغ عن 230 حالة تعرضت لكبريت الخردل منذ عام 1946 إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة حيث ظهرت قنابل كبريت الخردل ثلاث مرات في 12 عاما الماضية في نهر ديلاوير، ومن المرجح أنها جُلِبت مع كثير من حمولات المحار انها مشكلة عالمية وأضاف تيرانس لونج، رئيس مؤسسة “الحوار الدولي حول ذخائر تحت الماء” , وهي مؤسسة هولندية مقرها في لاهاي، هولندا، ” أنها ليست مشكلة إقليمية أو معزولة
واليوم، يبحث العلماء عن دلائل وقوع أضرار بيئية، حيث تصدأ القنابل في قاع البحر ومن المحتمل أن تسرب حمولاتها القاتلة. وبما أن سفن الصيد في العالم تصطاد أسماك القد التي تغوص في الأعماق, وتحفر الشركات تحت قاع المحيطات من أجل النفط والغاز وتثبت توربينات الرياح على السطح، فإن السعي العلمي لتحديد ومعالجة هذه الأسلحة الكيميائية أصبح سباقا ضد عقارب الساعة
وفي يوم ممطر في إبريل، ذهبت بالترام إلى ضواحي وارسو للقاء ستانيسلاو بوبيل، الكيميائي التحليلي في جامعة بولندا العسكرية للتكنولوجيا وبكونه خبير في الأسلحة الكيميائية المغرقة في المحيطات في العالم، درس الباحث الأمر إلى ما وراء الاهتمام الأكاديمي بغاز الخردل: ولقد شهد مخاطر هذا السلاح منذ قرن من الزمان عن قرب
كنت أتمنى زيارة بوبيل في مختبر وارسو الخاص به، ولكن عندما هاتفته قبل يوم، أوضح معتذرا أن الأمر سيستغرق أسابيع للحصول على التصريحات اللازمة لزيارة مختبره في مجمع عسكري آمن. و بدلا من ذلك، التقينا في صالة نادي الضباط القريب كان من السهل تمييز العالم الكيميائي على الفور، الذي ارتدى سترة رمادية, من بين الضباط الجالسين حوله المرتدين الأزياء المخضرة الألوان
وبينما كان يقودني في الطابق العلوي إلى غرفة المؤتمرات الفارغة، جلس بوبيل وفتح جهاز الكمبيوتر الخاص به وأثناء المحادثة، أوضح أنه بدأ العمل على غاز الخردل المستخدم في الحرب العالمية الثانية” بعد وقوع حادث كبير منذ ما يقرب من 20 عاما و في يناير عام 1997، كانت هناك سفينة صيد مسماة ب” WLA 206″ ذات 95 طنا، تصاد قبالة الساحل البولندي عندما وجد الطاقم جسما غريبا في شباكه وكان عبارة عن كتلة طينية مصفرة مكونة من خمسة إلى سبعة كيلوغرامات وسحب أفراد الطاقم الجسم الغريب ولمسوه ووضعوه جانبا وواصلو صيدهم وعندما عادوا إلى الميناء، قذفوه في سلة المهملات
وفي اليوم التالي، بدأ أفراد الطاقم يعانون من أعراض مؤلمة وقد أصيب الجميع بحروق خطيرة ونُقل أربعة أفراد إلى المستشفى مع حروق جلدية وتقرحات حمراء وأبلغ الأطباء السلطات، وأخذ المحققون عينات من القارب الملوث لتحديد طبيعة المادة ثم تتبعوا الجسم الغريب حتى مقلب النفايات في المدينة وأغلقوا المنطقة إلى أن يتمكن الخبراء العسكريون من إبطال مفعول الجسم الكيميائي الغريب – وكان عبارة كتلة من كبريت الخردل المستخدم في الحرب العالمية الثانية، والذي يكون صلبا متجمدا مع درجات الحرارة المنخفضة في قاع البحر ومحفوظا مع درجات الحرارة الشتوية تحت الصفر على اليابسة.
كان التخلص من الأسلحة الكيميائية في البحر ممارسة شائعة حتى السبعينيات. وتخلصت البحرية الأمريكية من آلاف أطنان كبريت الخردل في المحيط على طول ساحل المحيط الأطلسي وهناك، دفعت الرافعة الشوكية حاويات الطن الواحد على السفن مكتبة صور الجيش الأمريكي / صور آي بي
أخذت عينة طريقها إلى مختبر بوبيل، وبدأ بوبيل دراستها لفهم تهديد الغاز. وذكر بوبيل أن خصائص كبريت الخردل تجعله سلاح فتاك وفعال إنه عبارة عن سائل كاره للماء، مما يعني أنه يصعب إذابته أو تحليله في الماء وفي الوقت نفسه، أليف للدهون، أو يُمتص بسهولة من الدهون الموجودة في الجسم وقد تستغرق الأعراض ساعات للظهور، أو في الحالات النادرة، تظهر بعد أيام، لذلك قد يكون الضحايا مصابون ولا يدركون حتى أنهم مصابون؛ ولا يكون المدى الكامل للحرق الكيميائي واضحا لمدة 24 ساعة أو أكثر
واكتشف أحد الكيميائيين في مختبر “بوبيل” بشكل مباشر مدى الألم الذي يمكن أن يحدثه هذا الحرق، بعد أن سحب “كمية الدخان” (أو غطاء الأبخرة) من أنبوب اختبار مليء بالغاز فوق يده غير المحمية وحرق الغاز جزء من اصبعه السبابة، واستغرق الأمر شهرين للشفاء – حتى مع الرعاية الطبية الحديثة وكان الألم شديدا بحيث لم يتمكن الكيميائي أحيانا من النوم أكثر من بضع ساعات في اليوم خلال الشهر الأول.
وأوضح بوبيل أنه كلما قرأ أكثر عن كبريت الخردل بعد حادث سفينة الصيد هذه، بدأ في التساؤل أكثر عن سبب بقائه طويلا في قاع المحيطات وفي درجة حرارة الغرفة في المختبر، يكون كبريت الخردل سائلا سميكا، وفي حالة سائلة ولكن تحت ظروف المختبر الخاضعة للتحكم، يتفتت كبريت الخردل النقي إلى مركبات أقل سمية قليلا مثل حمض الهيدروكلوريك والثيوديجليكول وذكر صانعو القنابل أن كبريت الخردل يتبخر من التربة خلال يوم أو يومين خلال ظروف الصيف الحارة
ولكن يبدو أنه لا يزال ثابتا بشكل غريب في الماء، حتى بعد تآكل الإطار المعدني للقنابل. لماذا ؟ لجمع الادلة، بدأ بوبيل ومجموعة صغيرة من زملاءه في اختبار عينة من سفينة الصيد المصابة بالغاز لتحديد أكبر عدد ممكن من مكوناته الكيميائية وكانت النتائج واضحة جدا حول العلماء العسكريون بعض مخزون كبريت الخردل لأغراض التسليح بواسطة إضافة زيت الزرنيخ والمواد الكيميائية الأخرى . وجعلت الإضافات المركب أكثر ثباتا وأقل عرضة للتجميد في ساحة المعركة وبالإضافة إلى ذلك، حدد الفريق أكثر من 50 “منتج تحلل مختلف و التي تشكلت عندما تفاعلت الأسلحة الكيميائية مع مياه البحر والرواسب والمعادن من أطر القنابل
وكل هذا أدى إلى شيء لم يتنبأ به أحد في قاع البحر، تخثر غاز الخردل في كتل وغُطي بطبقة مضادة للماء من المنتجات الثانوية الكيميائية. وكما ذكر بوبيل, هذه المنتجات الثانوية “تشكل نوعا من الجلد”، وفي المياه العميقة، حيث درجات الحرارة المنخفضة وحيث يوجد عدد قليل من التيارات القوية للمساعدة في تفتيت منتجات التحلل، يمكن أن يظل هذا الغشاء سليما لعقود أو أكثر وكان لهذا الحفظ في أعماق البحار جانب إيجابي محتمل وهو أنه: يمكن أن تُبقي الطبقة الخارجية كبريت الخردل ثابتا وتمنعه من تلويث البيئة في الحال
وفرغت بعض جيوش العالم أسلحتها الكيميائية في المياه العميقة وبعد عام 1945، اشترط الجيش الأمريكي أن تكون مواقع التفريغ على عمق 1800 متر تحت سطح الأرض ولكن لم تحذو جميع الحكومات حذوه: فالجيش السوفيتي، على سبيل المثال، فرًغ ما يقدر بنحو 15 ألف طن من الأسلحة الكيميائية في بحر البلطيق، وكانت أعمق بقعة فقط عند عمق 459 متر أسفل قاع البحر وأقل من 150 مترا في معظم الأماكن – وهذه وصفة لكارثة محتملة
لقد مر قرن تقريبا منذ أول استخدام لكبريت الخردل كسلاح كيميائي في الحرب العالمية الأولى، ولكن لا تزال هذه الأسلحة تشكل تهديدا وتظهر هذه الخريطة التفاعلية، التي تم إنشاؤها بواسطة البيانات التي قدمها مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار النووي في مونتيري بولاية كاليفورنيا، مواقع معروفة حيث تم فيها إبادة الأسلحة الكيميائية في محيطات العالم انقر على أيقونات الخريطة لعرض تفاصيل حول المواقع. انقر على رمز شريط التمرير في الجزء العلوي الأيمن لتنظيم المحتوى بشكل مختلف
وفي يوم وصولي في مدينة منتجع سوبوت البولندي، سرت في نزهة قصيرة على طول شاطئ البحر . وبالنظر إلى الجوار، وجدت صعوبة في تصور أن أطنان القنابل الصدئة المحملة بمواد كيميائية سامة تقع على بعد أقل من 60 كيلومترا من الشاطئ وحيث تعلن المطاعم في الشارع الرئيسي في المدينة بفخر عن تقديمها لأطباق الأسماك والرقائق المصنوعة من أسماك القد البلطيقية على قوائمها الخاصة وفي الصيف، يتكدس السياح على الشواطئ الرملية البيضاء لممارسة الرش بالماء في موجات بحر البلطيق المنعشة وهناك الحلي المصنوعة من الكهرمان والتي جرفت على سواحل الشواطئ المحلية
وقد ركبت القطار من وارسو للقاء جاسيك بيلدوسكي، عالم الكيمياء الجيولوجية في معهد أكاديمية العلوم البولندية لعلوم البحار في سوبوت ومن مكتبه الضيق في الطابق الثاني في هذا المركز البحثي، نسًق بيلدوسكي فريقا من عشرات العلماء من جميع أنحاء دول البلطيق وما وراءها، وعمل جميعهم على معرفة ما قد تمثله عشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة الكيميائية المغمورة في البحار والبشر الذين يعتمدون عليها.
كان بيلدوسكي ذي شعر على هيئة ذيل حصان وجديا ومشتتا قليلا وعندما سألته ما إذا كان هناك أي شيء يدعو للقلق، أجاب بالتنهد ومع التمويل الذي تبلغ قيمته 4.7 مليون يورو (5.2 مليون دولار أمريكي)، فإن مشروع بيلدوكسي الآن هو واحد من أكثر المحاولات شمولا حتى الآن لتقييم خطر الذخائر الكيميائية تحت الماء، وقد أمضى السنوات السبع الماضية يحكِم العلماء والناشطين المنقسمين من جميع أنحاء دول البلطيق وما وراءها الذين يجادلون حول هذه المسألة ذاتها
ذكر بيلدوسكي من ناحية، ” يوجد علماء البيئة الذين يرفضون الخطر تماما، قائلين أنه لا يوجد دليل على أن الأسلحة تؤثر على تجمعات الأسماك بطريقة مجدية ومن ناحية أخرى، يجادل المناصرون بأن عشرات الآلاف من القنابل المجهولة على وشك أن تصدأ في نفس الوقت وأوضح بيلدوسكي: “لدينا منهج ” القنبلة الموقوتة والكارثة “مقابل منهج” الرضا والقبول”. ومن المثير للاهتمام أن يكون لديك جانبي للقتال في اجتماعات المشروع”.
ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال الكبير، كان على المتعاونين مع بيلدوسكي أولا تحديد مواقع التفريغ في قاع البحر وهم أدركوا, من الأبحاث الأرشيفية وغيرها من المعلومات, أن التخلص من المواد الخطرة بعد الحرب قد تركز في ثلاثة بقع عميقة في بحر البلطيق وهي، قاع غوتلاند، وقاع بورنهولم، وقاع غدانسك . واستدعى بيلدوسكي صورة على جهاز الكمبيوتر الخاص به، التي تم إنشاؤها مع تكنولوجيا المسح الجانبي بالسونار قبل بضعة أسابيع أثناء رحلة بحرية على سفينة البحوث التابعة للمعهد والمكونة من ثلاث صواري وفي تدرجات اللون البرتقالي والأسود، تُظهر الصورة عالية الدقة, بقعة من 2 كم مربع لقاع بورنهولم، وعلى بعد 200 كيلومتر من مدينة سوبوت وبتناثر نقاط شاذة على الصورة , حددها بيلدوسكي بأنها قنابل.
ويشير بيلدوسكي، الذي يحرك مؤشره فوق الصورة، إلى خدوش طويلة متوازية على قاع البحر. إنها آثار مؤشرة على الشباك ذات القاع السفلي، وأدلة على أن سفن الصيد كانت تصطاد أسماك القد في موقع تفريغ معروف، على الرغم من أن الخرائط البحرية قد حذرت السفن من الاقتراب من الموقع ويقول بيلدوسكي: “ليس من الجيد رؤية العديد من العلامات الدالة على الشبكات في منطقة لا ينصح فيها بالصيد بالشباك والأسوأ من ذلك، فإن العديد من الخطوط الدالة على الشبكات تقع بالقرب من مواقع القنابل المعروفة، لذلك من المحتمل جدا أن تكشفها سفن الصيد
وكشفت هذه الصورة الممسوحة جانبيا بالسونار لعمق بحر البلطيق عن احتمال وجود سفينة مغرقة مليئة بالأسلحة الكيميائية – مع علامات سفن الصيد التي تتقاطع بالقرب من قاع البحر الصورة مصرح بها من قبل الأكاديمية البولندية للعلوم، معهد علوم البحار
وبمجرد أن حدد الباحثون مواقع القنابل أو السفن المغمورة في الماء بالسونار، سيًروا غواصة تعمل عن بعد ومزودة بكاميرا ومعدات لأخذ عينات تصل إلى 50 سنتيمترا من القنابل المدمرة لجمع عينات من مياه البحر والرواسب وعرض بيلدوسكي مقطع فيديو قصير على جهاز الكمبيوتر الخاص به، مأخوذ من مركبة مدارة عن بعد قبل بضعة أسابيع ويُظهر المقطع صورة سوداء وبيضاء شبحيه لناقلة بترولية محطمة، مستقرة في عمق 100 متر تحت سطح البحر
وتشير السجلات إلى أن السفينة كانت مليئة بالأسلحة التقليدية عندما تم إبادتها، ولكن ذكر بيلدوسكي أن عينات الرواسب المأخوذة من قاع المحيط بالقرب من السفينة قد أسفرت عن آثار للعوامل الكيميائية وأوضح: “نعتقد أن السفينة كانت تحمل شحنة مختلطة وفي مختبر في أسفل القاعة من مكتب بيلدوسكي، أُجرِى تحليل لعينات من أجزاء السفينة باستخدام عدة أنواع مختلفة من الأجهزة المطيافية وواحدة من هذه الآلات كانت بحجم ثلاجة صغيرة. وتسخِن هذه الآلات العينات إلى 8000 درجة مئوية، وتُحلل معظم عناصرها الأساسية ويمكنها تحديد وجود المواد الكيميائية في أجزاء كل تريليون
وبحثت “المشاريع الأولية على نوعية مياه بحر البلطيق” في آثار كبريت الخردل وكذلك درست واحدة من منتجات التحلل وهو منتج، “ثيوديغليكول”، ولم تجد أي نتيجة. وذكر بيلدوسكي: “توصلت النتيجة بأنه لا يوجد خطر”. وأضاف ” يبدو هذا غريبا، حيث يوجد الكثير من أطنان المواد الكيميائية ولكن ليس لها أي أثر؟”
لذا بحث بدلسكي وزملاؤه عن شيء مختلف جدا، استنادا إلى أبحاث بوبيل وقد بحثوا عن الخليط الكيميائي المعقد الذي استخدمه العلماء العسكريون في تحويل بعض مخزون كبريت الخردل لغرض التسليح، فضلا عن منتجات التحلل الجديدة الناجمة عن تفاعل الذخائر مع مياه البحر وعثر الفريق على منتجات ثانوية من كبريت الخردل في رواسب قاع البحر، وكثيرا في الماء حول القنابل والحاويات المغرقة
استخدم العلماء في معهد علوم البحار التابع لأكاديمية العلوم البولندية غواصة تعمل عن بعد لأخذ عينات من المياه والرواسب حول الذخائر الكيميائية في الجزء السفلي من بحر البلطيق الصورة مصرح بها من قبل الأكاديمية البولندية للعلوم، معهد علوم البحار
وذكر بيلدوسكي: “في نصف العينات، اكتشفنا بعض عوامل التحلل لم تكن جميع العينات من كبريت الخردل: وفي بعض العينات، ظهرت منتجات التحلل من أنواع أخرى من الأسلحة الكيماوية المغرقة في البحر، مثل غاز الأعصاب و الليويزيت.
إن تعلم الكشف عن هذه المواد السامة هو مجرد جزء من المشكلة: ويعد تقييم التهديد الذي تشكله هذه المواد الكيميائية على النظم الإيكولوجية البحرية والبشر مسألة أكثر إثارة للقلق وعلى الرغم من أن الباحثين قد جمعوا منذ وقت طويل بيانات عن مخاطر السموم مثل سم الزرنيخ، فإن المخاطر التي يشكلها كبريت الخردل المخصص للذخيرة ومنتجاته المحللة تعد غير معروفة وأوضح هانز ساندرسون، الكيميائي البيئي وأخصائي السموم في جامعة آرهوس في الدانمرك, بأن “هذه المركبات هي أسلحة، لذا, لا يعد الأمر سهل كمجرد إعطاء طالب فرض وطلب حله”.
ويعتقد ساندرسون أنه سيكون سلوك غير مسئول إذا نشر الذعر دون أن يعرف المزيد عن هذه الذخائر في قاع البحر وآثارها عليه. وأوضح الباحث الدنماركي: “لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول التأثير البيئي. ومن الصعب القيام بتقييم المخاطر إذا كنت لا تعرف السمية، وهذه المواد الكيميائية غير معروفة ولم يختبرها أو يتعرض لها أي أحد سابقا”.
ويعتقد بعض العلماء أن البيانات الأولية عن آثار هذه المواد الكيميائية على النظم الإيكولوجية قد تأتي من دراسات طويلة الأجل على مخازن سمك القد سمك القد هو نوع مهم تجاريا في دول البلطيق، لذلك يمتلك الباحثون من جميع أنحاء المنطقة سجلات مفصلة عن مخازن سمك القد لأكثر من 30 عاما للوراء وبما أن سمك القد من أنواع الأسماك الغواصة في الأعماق، فإنه أكثر احتمالا مقارنة بالعديد من الأسماك البلطيقية الأخرى للالتحام مع الرواسب في قاع البحر والذخائر الكيميائية.
ودرس توماس لانغ، عالم البيئة في مصايد الأسماك في معهد ثونين الألماني، الآثار المحتملة لهذا الالتحام وذكر لانج,” إذا كان سمك القد الذي يقع بالقرب من مواقع التفريغ أكثر مرضا من ذلك الذي يُصطاد من المناطق التي تعد “نظيفة”، يمكن أن يكون ذلك دليلا على أن المواد الكيميائية تضر الأسماك .” نحن نستخدم الأمراض كمؤشرات على الإجهاد البيئي وأضاف أيضا: “عندما تكون الأسماك محملة بنسبة عالية من المرض، نعتقد أن معدل الاجهاد البيئي أعلى
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، فحص لانغ آلاف من أسماك القد، وبحث في المؤشرات الصحية لها مثل العلاقة الرياضية بين وزنها وطولها، وفحص علامات المرض والطفيليات وفي بداية هذه الدراسات، بدا أن سمك القد الذي تم صيده من موقع رئيسي لتفريغ الأسلحة الكيميائية يحتوي على مزيد من الطفيليات والأمراض وكان في حالة أضعف من السمك الذي تم صيده خارج منطقة التفريغ – وهذا يمثل علامة سيئة
وتوضح أحدث البيانات، رغم ذلك، صورة مختلفة وبعد عشر رحلات بحثية منفصلة و 20000 فحصا لأسماك القد، أظهرت دراسة لانغ فقط اختلافات صغيرة بين الأسماك التي تم صيدها في أماكن الإغراق المعروفة للذخيرة والأسماك التي تم صيدها من مواقع أخرى في بحر البلطيق ولكن ذكر لانج أن الوضع قد يتغير إذا زادت التسريبات من المواد السامة بسبب تآكل الذخائر وأضاف: “هناك حاجة إلى مزيد من الرصد للآثار البيئية “.
كما أن عددا صغيرا من الدراسات التي أجريت في أماكن أخرى يثير الشكوك بشأن الآثار الملوثة للأسلحة الكيميائية المغمورة في المحيطات ومن الأمثلة على ذلك “تقييم الذخيرة العسكرية تحت سطح البحر في هاواي”، وهو مشروع ممول من قبل وزارة الدفاع الأمريكية ومدار بشكل أساسي من قبل باحثين من جامعة هاواي في مانوا ويفحص علماءه موقعا بحريا بالقرب من ميناء “بيرل هاربور” حيث تم التخلص من 16 ألف قنبلة من غاز الخردل فى عام 1944
تفكيك – الذخائرmed 1
في هاواي، استخدم باحثو “مشروع تقييم الذخائر العسكرية تحت سطح البحر” روبوتاً (انسانا آليا) يُدار عن بعد لأخذ عينات من قاع البحر بالقرب من القنابل التي تحتوي على أسلحة كيميائية وتكون هذه الذخائر الصدئة هشة منذ عقود تحت الماء ويتاح فيديو مصرح به من مشروع تقييم الذخائر العسكرية تحت الماء بهاواي
أكدت عينات المياه المأخوذة من قبل فريق مشروع التقييم وجود منتجات ثانوية من كبريت الخردل في الموقع، ولكن أظهر الفيديو أن العديد من الأنواع البحرية تستخدم الآن القنابل باعتبارها شعاب اصطناعية وقد تحولت النجوم البحرية والكائنات الحية الأخرى إلى أكوام من الذخائر، وعلى ما يبدو لم تتأثر الكائنات بالمواد الكيميائية المتسربة. وفي هذا الموقع، لا يشكل كبريت الخردل خطرا على صحة الإنسان أو على الحيوانات التي تعيش في اتصال مباشر مع الذخائر الكيميائية “.
غير أن و من المؤكد أن الأسلحة الكيميائية الواقعة على قاع البحر تشكل تهديدا خطيرا على البشر الذين يقتربون منها مباشرة. وبما أن العالم يركز أكثر على المحيطات كمصدر للطاقة والغذاء، فإن الخطر الذي تشكله الذخائر المغرقة في المياه على العمال وأطقم الصيد يكون آخذ في الازدياد وذكر بيلدوسكي: “عندما تستثمر كثيرا في الاقتصاد البحري، يزداد خطر اكتشاف الذخائر الكيميائية كل يوم.
وفي الواقع، تخطط بعض المشاريع الصناعية الكبرى في دول البلطيق، مثل “خط أنابيب الغاز نورد ستريم “من ألمانيا إلى روسيا، الآن طرقها من أجل تجنب مخلفات الأسلحة الكيميائية في المياه ولا يزال يكشف نشاط الصيد في قاع المحيط عن الذخائر الكيميائية وفي عام 2016، استجابت السلطات الدانمركية لأربعة قوارب ملوثة
ولكن هناك بعض الخيارات لتنظيف هذه الفوضى ذكر تيرانسي لونغ، في مؤسسة الحوار الدولي بشأن الذخائر تحت الماء، أن تغطية الذخائر المتآكلة في المواقع البحرية بالخرسانة هي إحدى الخيارات الممكنة. ولكنها ستكون مكلفة ومستهلكة للوقت وذكر بيلدوسكي أنه قد يكون من السهل الآن وضع علامات حظر للصيد وزيادة المراقبة حول مواقع التفريغ المعروفة – أي المعادل البحري لعلامات “عدم الدخول”.
بينما أتناول مفكرتي وأستعد للعودة إلى محطة القطار في سوبوت، لا يزال بيلدوسكي يبدو عليه القلق وهو يعتقد أن العلماء بحاجة إلى أن يظلوا يقظين ويجمعوا المزيد من البيانات حول ما يحدث في البحار بخصوص مواقع تفريغ الذخائر الكيميائية وقد استغرق الأمر عقودا، على حد قوله، لفهم العلماء في التخصصات العديدة كيفية تراكم المواد الكيميائية الشائعة مثل الزرنيخ والزئبق في البحار والتربة وتسمم الحياة البرية والبشر على السواء . بحار العالم واسعة، ولا تزال مجموعة البيانات المقدمة عن الأسلحة الكيميائية حتى الآن قليلة.
وذكر بيلدوسكي أخيرا ” جعل التعاون العالمي دراسة الملوثات الأخرى ذات مغزى مع الذخائر الكيميائية، نكون في نفس موضع علم التلوث البحري الذي كان في الخمسينيات. لا يمكننا رؤية كل الآثار أو اتباع جميع المسارات حتى الآن
أحدث التعليقات